العربية

كأداة للإمبريالية: الحزب الفرنسي الجديد المناهض للرأسمالية يساند الحرب على ليبيا

أعلن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، ومفكروه فى السكرتارية المتحدة البابلوية للأممية الرابعة (USFI)، دعمهم للعدوان العسكري، الذى لم يسبقه استفزاز، ضد ليبيا بواسطة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. لقد وحدوا سياساتهم بشكل مخز مع سياسات القوى الكبرى، ويجادلون بشكل مكشوف أن الطابع الامبريالي لا يرتبط بالهجوم على ليبيا . ففى مقاله ("قصف ليبيا") المنشور فى 21 مارس على الموقع الإلكتروني إنترناشيونال فيو بوينت التابع لـ(USFI)، قام بيرتل فيديت، زميل المعهد الدولي للبحث والتعليم فى هولندا، بالتبني الكامل لمبررات الإمبريالية الفرنسية للحرب، مثل قوله إن التدخل لدعم المجلس الوطني الثائر فى بني غازي ضد نظام العقيد معمر القذافي تم لدوافع "إنسانية".

بدأ بقوله: "هل العمل العسكري ضد ليبيا ضروري ويساعد على وضع حد لانقضاض نظام القذافي على معارضيه، أم أنه اعتداء بدافع استراتيجي لمنفعة شخصية، مما يؤدي لوضع أسوأ للشعب الليبي؟ انقسم اليسار الدولي للإجابة على هذه السؤال. وهو سؤال معقد حقاً ولا يمكن الإجابة عليه باستخدام الشعارات الجاهزة الداعية لمعارضة للعدوان الإمبريالي أو الدعم غير المشروط للثوار."

يٍُظهر السؤال الذي وضعه فيديت، سوء النية الفاضح. تدرك (USFI) جيداً أن هذه الحرب هي عدوان إمبريالي، وهي تسانده. اعترف فيديت نفسه بذلك بقوله المختصر: "نعرف جميعاً بالطبع أن فرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة لا يفعلون ذلك بدافع عطف مفاجئ، ولكن طبقاً لمنفعة استراتيجية فى المنطقة الغنية بالنفط."

إنه حتى يشير إلى "المعايير المزدوجة للغرب" فى زعمه أن قصف ليبيا لإنقاذ الأرواح: "كيف نثق فى أن [هؤلاء] الزعماء الذين دافعوا عن مبارك حتى النهاية والذين مازالوا يرفضون إدانة مملكة البحرين لاستخدامها القوة القاتلة ضد المحتجين السلميين، يفعلون ذلك لإيمانهم الحقيقي بحقوق الإنسان فى ليبيا؟"

بتقديمه لتلك الحجج، يصرف فيديت النظر عنها جميعاً: " ليست هذه النقاط، بحد ذاتها، اسباباً لمعارضة الحظر الجوي على ليبيا. إن رفض تدخل الغرب العسكري فى ليبيا يحتاج تحليل أفضل للمخاطر والمخططات المحتملة على أرض الواقع. كما نحتاج للتعامل مع بعض الاعتراضات الأكثر تعقيداً، أعني حقيقة أن قادة قوات المقاومة طالبت بمنطقة حظر جوي، وأننا يجب أن نجد بدائل أفضل من نشر مدونات تنادي بالتضامن وتناهض الإمبريالية."

بهذا البيان، تعلن (USFI) بشكل واضح خصومتها للماركسية، التي تؤكد على أن موقف حزب الطبقة العاملة تجاه أي حرب، يجب أن يقوم على الطبيعة الاجتماعية والطبقية للأنظمة التي تشنها. الماركسيون خاصة يعارضون وبشكل مبدئي، الحرب التي تشنها قوى إمبريالية قيادية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ضد دولة قمعية ومستعمرة سابقة مثل ليبيا. في حين أن فيديت لا يحاول أن يتعب نفسه باتباع المبادئ السياسية.

البديل الذي يقترحه، والذي يتفق تماماً مع سياسات القوى الإمبريالية، هو تسليح القوات المدعمة من الغرب فى ليبيا: " نستطيع بل ويجب أن نناقش إرسال دفاعات مضادة للطائرات وأسلحة أخرى للثوار، حتى تكون لديهم فرصة أفضل لمواجهة قوات القذافي الذي تم تسليحه بواسطة الغرب لعقود. لحسن الحظ، تقوم الإدارة المؤقتة الحالية فى مصر (ذات الحدود القريبة من بني غازي) بشحن الأسلحة عبر الحدود."

قدم أوليفييه بيزوسنو، المتحدث باسم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA)، نفس الاطروحات، مقترحاً أن فرنسا يجب أن تزود المقاومة الليبية بالأسلحة: "نحن نتضامن بشكل كامل مع الشعب الليبي الذي يجب تزويده بوسائل الدفاع عن النفس وما يحتاجه من أسلحة للتخلص من الدكتاتور ولتمكينه من الحرية والديموقراطية."

يهدف بيان (USFI) لتعزيز اتجاه الحكومة والإعلام فى فرنسا، بل وأكثر من ذلك: لا يمكن معارضة مبدأ التدخل لأنه منصب على الهدف المقدس بالدفاع عن القوى الثورية المقاومة للقذافي. تم التعبير بقوة عن ذلك الموقف فى حوار مع جيلبرت أشقر، من مدرسة لندن للدراسات الشرقية والأفريقية، ونُشر هذا الحوار بواسطة (NPA)، و(USFI) تحت عنوان "ماذا يجري فى ليبيا؟".

لقد قال: "إذا تم السماح للقذافي بأن يستمر فى هجومه العسكري واستولى على بني غازي، فستحدث مذبحة كبرى. في هذه الحالة سيكون السكان في خطر حقيقي ولا يوجد بديل مقبول يمكن حمايتهم به. كان هجوم قوات القذافي على بعد ساعات أو أيام على الأكثر. لا يمكنك باسم مبادئ مناهضة الإمبريالية أن تعارض أي عمل سيمنع ذبح المدنيين."

تستخدم (USFI) مصطلحاتها الخاصة لتدمغ وجهة نظرها مثل البرجوازيين الصغار وطابع الموالين للإمبريالية. ما يحدث في ليبيا لا يتعلق بحقوق الإنسان، وليس الهدف الرئيسي للقوى الغربية هو فرض منطقة حظر جوي لحفظ السلام فى بني غازي.

فيما تدمر القوات الغربية جزء كبير من الجيش الليبي وقواته الجوية، وفيما تقصف القنابل والصواريخ الموجهة طرابلس ومدن ليبية أخرى، فإنهم يتدخلون بشكل متزايد وموسع في حرب مدنية في ليبيا. إنهم يهدفون لاستغلال العصبة اليمينية التي تحكم بني غازي، التى تصفها (USFI) اعتيادياً، بأنها "الشعب الليبي" وهم صامتون علي طابعها، كي تستولي على ليبيا. سينتج عن ذلك نظام طيع وموالي للغرب في منطقة استراتيجية وغنية بالنفط والتي ترتج نتيجة الكفاح ضد الطغاة المدعومون من الغرب.

بتصدير الأسباب "الإنسانية" غير الحقيقية لتبرير الحرب الليبية، يقدم (NPA) ومفكروه فى (USFI) أنفسهم كبرجوازيين وموالين للإمبريالية.

لقد تم استخدام الأسباب "الإنسانية" كأساس للحروب خلال القرن العشرين، ودون دليل فى الغالب، لإضفاء الشرعية للغزو الإمبريالي. كمثال حديث لذلك، قيام الناتو عام 1999 بقصف كوسوفو، الذي تم تبريره عن طريق مزاعم الصحف المبالغ فيها بأن الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسوفيتش يذبح مئات الألوف من ألبان كوسوفو. وبالرغم أن عدد وفيات المدنيين نتيجة العمليات اليوغوسلافية فى كوسوفو تم إعادة النظر في مقداره ليصبح مئات، إلا أن الناتو استخدم ذلك كذريعة لقصف صربيا وكوسوفو، مسانداً مجموعة إجرامية، وهو جيش تحرير كوسوفو الذي تبين أنه كان يتاجر فى الأعضاء البشرية.

وفوق ذلك، إذا تم تجاهل المبادئ السياسية وأصبح "إنقاذ الأرواح" هو المعيار الوحيد لتقييم الحروب التى شنتها قوى الغرب، فتقريباً لن توجد دولة في الشرق الأوسط، أو أفريقيا، أو آسيا، تستطيع (USFI) عدم مساندة غزوها. في المناطق التي تواجه فيها الدول صراعات عرقية وطائفية معقدة، تستطيع القوى الغربية دائماً أن تكرس للغزو على أساس إنقاذ أرواح القوات التي تساندها.

في حالة ليبيا، لعبت (USFI) دوراً من البداية، فى الحملة التي بدأت في أوائل مارس للترويج للحرب فى الدول الإمبريالية. في 3 مارس، أي اليوم التالي لطلب المجلس الوطني بأن يتدخل الغرب عسكرياً في ليبيا، نشرت إعلاناً تقول فيه "ساند الثورة الليبية! اسقاط القذافي"، وتمجد "القتال حتى الموت بين الشعب والدكتاتورية" الذي يحدث في ليبيا.

هذا الدعم الشديد للحرب ترجع أهميته إلى أن الإمبريالية الفرنسية تلعب دوراً قائداً في دفع الأمور ناحية الحرب. إن القراءة السريعة لتصريحات (NPA) أو (USFI)، لن توضح أبداً أن الطرف المستفيد- من مطالبتهما بمساعدة "ثورة" ليبيا- هو الحكومة اليمينية عديمة الشعبية للرئيس نيكولا ساركوزي.

هذه المواقف وضعت (USFI) فى خلاف مع شخصيات سياسية تم تقديمها كأنموذج لعقود: أنظمة أمريكا اللاتينية البرجوازية القومية، مثل هوغو شافيز في فينزويلا، ودانييل أورتيغا فى نيكاراغوا، وفيديل كاسترو فى كوبا. حذرت أنظمة أمريكا اللاتينية هذه من خطورة الغزو الغربي، بما لها من خبرة طويلة مع الانقلابات المدعومة من الولايات المتحدة، مثل الانقلاب العسكري ضد شافيز في فينزويلا عام 2002، وتمرد الكونترا ضد الثورة في نيكاراغوا عام 1980، وغزو كوبا فيما يعرف بأزمة خليج الخنازير عام 1961.

لقد ندد بيان (USFI) بالقوميين فى أمريكا اللاتينية، فكتبت تقول: "نحن لا نتفق أبداً مع المواقف التي تبناها هوغو شافيز، ودانييل أورتيغا، وفيديل كاسترو. لقد شجب فيديل كاسترو تدخل الإمبريالية الأمريكية بدلا من مساندة كفاح الشعب الليبي. أما هوغو شافيز فقد كرر دعمه للدكتاتور القذافي."

لقد حاولت تغليف موقفها الموالي للإمبريالية باستخدام ما بدا مصطلحات فنية يسارية: "هذه مواقف غير مقبولة للقوى الثورية والتقدمية والمناهضة للإمبريالية فى العالم كله. فمناهضة الإمبريالة لا تكون بدعمك لدكتاتور يذبح شعبه الثائر. بل هذا ما يدعم الإمبريالية. المهمة الجوهرية للحركة الثورية على مستوى العالم هي الدفاع عن هذه الثورات ومعارضة الإمبريالية بمساندتك لهذه الثورات، وليس بدعمك للطاغية."

هذا المقطع هو نموذج تقليدي للخداع والمتاجرة بالكلام. فتصريحات القوميين بأمريكا اللاتينية غير مقبول بالنسبة لـ(USFI) ليس لأنه تحدث بالنيابة عن "القوى المناهضة للإمبريالية" ولكن لأنها تستعد لمساندة حرب رجعية تقودها الإمبريالية الغربية.

ولكي تعارض القوميين بأمريكا اللاتينية الذين حذروا من خطورة الحرب، نشرت (USFI) بيان خاص تندد فيه بـ"إفلاس الشافيزية"، وقد صدر عن حزبها البلجيكي "التحالف الشيوعي الثوري- حزب العمال الاشتراكيين" (LCR-SAP).

لقد أدانوا شافيز وكاسترو لأنهما ألمحا أنه "لا توجد حاجة ملحة لشجب المذبحة التي ارتكبها القذافي بحق شعبه أو الانحياز لجانب الثورة الشعبية. [ولكن] يوجد ضرورة للاحتجاج ضد التدخل المستقبلي والافتراضي للناتو. لذا وباسم الخطر الناتج عن جريمة محتملة ومبهمة، يجب أن "نلتزم الصمت" بشأن جريمة تحدث فى الواقع."

كما أثبتت الأحداث، لم يكن هناك شيء "مبهم" أو "إفتراضي" حول خطورة أن تهاجم قوات الناتو ليبيا. وبالرغم من ذلك أنكرت (USFI) بهستيرية أن التدخل الإمبريالي كان محتملاً.

نبذ (LCR-SAP) هذه التحذيرات لأنها "هذيان نظرية المؤامرة" وكتب يقول: " لا يوجد شيء "استثنائي" أو "خاص" حول الثورة في ليبيا، لا وجود لمخطط أجنبي وضعته المخابرات الأمريكية (CIA) أو بن لادن, بالعكس، إنه جزء من الثورة العربية التي تجتاح المنطقة."

كانت هذه تصريحات زائفة بشكل واضح، حتى في ذلك الوقت. ففي الاسبوع السابق لنشر وثيقة (LCR-SAP)، امتلأت الصحف بتقارير تكشف وجود جنود القوات الخاصة البريطانية والإيطالية والفرنسية ونشاطها في ليبيا تحت غطاء الرحلات "الإنسانية" داخل ليبيا. مع اندلاع حملة القصف الكثيف بواسطة القوات الغربية، كان دور (USFI)، في الترويج للحرب الإمبريالية، مكشوفاً.

فيما كانت الحكومة الفرنسية تضغط لإصدار قرار من الأمم المتحدة ضد ليبيا، وتسرع في اتجاه الحرب، تعاون (NPA) مع شركائهم المعتادين فى "اليسار" البرجوازي الفرنسي، بقيادة الحزب الاشتراكي (PS)، في محاولة لتقديم حجة إنسانية للهجوم على ليبيا.

شارك (NPA) فى التوقيع على تصريحات خاصة بليبيا مع جماعة التضامن مع الشعب الليبي، وهي مجموعة موسعة تتكون من أحزاب صغيرة تابعة للحزب الاشتراكي.

بقدرة معقولة على التنبؤ، وبنفاق "اليسار" اليميني الفرنسي، فإن "التضامن مع الشعب الليبي" يعني دعم الحرب التي تشن ضدهم. فى 17 مارس، اليوم االذي صوت فيه مجلس الأمن على قرار 1973، أصدروا بياناً يطالب بـ"الاعتراف بالمجلس الوطني، كممثل شرعي ووحيد للشعب الليبي."

تم تجميل جماعة التضامن، بالعديد من التابعين للحزب الاشتراكي (PS) ، مثل تحالف البيئة الأوروبية، والحزب اليساري (PG) بقيادة جون لوك ميلونشون، المنفصل حديثاً عن الـ (PS) ، وقد أصدروا تصريحات رسمية تؤيد الحرب على ليبيا. بل زعم تحالف البيئة الأوروبية، شريك الحزب الاشتراكي فى الحكم لمدة طويلة، أنها "تعطي القوة للقانون الدولي."

بالنسبة لميلونشون، فقد صرح لجريدة ليبراسيون اليومية أنه "يؤيد العملية العسكرية في ليبيا" وشرح ذلك قائلاً: "يجب أن نوقف الطاغية لنمنعه من القضاء على الثورة."

في محاولتها لترويج بضاعتها بأن التدخل الغربي في ليبيا يهدف إلى إنقاذ الأرواح، تعيد هذه الأحزاب تدوير المبررات التي وضعها علناً القادة الاستراتيجيون للإمبريالية الفرنسية. فها هو وزير الخارجية السابق هوبرت فيدرين المنتمي للحزب الاشتراكي، الذي أشرف على اشتراك فرنسا في غزو أفغانستان عام 2001، يرحب بقرار الأمم المتحدة رقم 1973 ويصفه بالتاريخي، وهو القرار الذي دفعت به القوى الغربية لتبرير هجومها على ليبيا.

أشاد فيدرين بالقرار لأنه يتيح للقوى الكبرى أن تغزو الدول بذريعة حماية المدنيين. لقد صرح لمجلة لو نوفيل أوبزرفاتور أن قرار 1973 هو "تطبيق لمبدأ مسئولية الحماية الذي تم إقراره فى الأمم المتحدة منذ سنوات فى عهد كوفي أنان، وهو تصور قامت الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بالموافقة عليه لإنهاء الجدال الشائك حول الحق فى التدخل."

ولنكن اكثر وضوحاً، فقد قرر الدبلوماسيون الإمبرياليون، مثل فيدرين، أنه من الأفضل عدم الإصرار على حقهم فى الهجوم وغزو الدول عندما يشاءون. عوضاً عن ذلك، يفضلون ارتداء ثوب المبادئ باستخدام غطاء "حماية " المدنيين في الدول التي تهاجمها. لا تتميز هذه الصيغة بالتعتيم على ما يحدث فقط، ولكنها تسمح للطبقة الحاكمة بتعبئة الدعم السريع والكامل من طبقة البرجوازيين الصغار "الإنسانية"، التي تمثلها السكرتارية المتحدة للأممية الرابعة (USFI) والأحزاب التي تتعاون معها داخل فرنسا، وعبر العالم.

هذه القوي المساندة للحروب، تدرك تماماً، رغم ذلك، دوافعها اليمينية، والطابع اليميني للإمبريالية المتحالفة مع ليبيا. وأوضح مثال على ذلك، المقابلة مع جيلبرت أشقر المنشورة بواسطة (USFI).

صرح أشقر أن المقاومة "متنوعة جداً" ويكمل بقوله: "ما يوحد كل هذه القوى المتباينة هو رفضها للدكتاتورية والرغبة في الديمقراطية وحقوق الإنسان. ووراء ذلك هناك العديد من وجهات النظر المختلفة. في ليبيا على وجه الخصوص، هناك مزيج من نشطاء حقوق الإنسان، والمدافعين عن الديمقراطية، والمثقفين، والعناصر القبلية، والقوى الإسلامية- تجمع متسع للغاية. ... تحتوي الحركة الليبية كذلك على قطاعات من الحكومة والقوات المسلحة التي انشقت وانضمت للمقاومة."

هذا الوصف للتركيب الاجتماعي للمجلس الوطني، يقضي على الادعاءات المثيرة للسخرية لأشقر وفيديت وزملاءهما، بأنهم يقاتلون من أجل الثورة في ليبيا. في الحقيقة، إن قيادة المجلس الوطني تتضمن وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل واللواء عبد الفتاح يونس العبيدي قائد وحدة الصاعقة الليبية التي تدربت مع القوات الخاصة البريطانية (ساس). هؤلاء الأشخاص وكذلك قادة القبائل المختلفة، والاسلاميين في المجلس الوطني، لديهم بالكاد "الرغبة" في الديمقراطية.

لا يمثل المجلس الوطني استمراراً للنضال الثوري للطبقة العاملة في مصر وتونس. كان هناك احتجاجات شعبية أصيلة في الأيام الأولى للأزمة الليبية التي شهدت مظاهرات للشباب وإضرابات في مجال النفط، وقد وصل الأمر بالمجلس الوطني إلى الحد الذين وجهوا فيه هؤلاء لاتجاه مختلف تماماً.

إنهم لا يطمحون لتطوير حركة سياسية واسعة ضد النظام، بل يريدون كفاحاً مسلحاً داخل النظام ضد الموالين للقذافي، بمساعدة الإمبريالية الغربية. لقد أصدروا بيانات متكررة يطالبون فيها بضربات جوية وأن يتدخل الناتو في ليبيا، ويكون هدفها وضعهم في السلطة.

إذا تولى المجلس الوطني الحكم، قد يشكل قاعدة ينطلق منها الموالون للإمبريالية ضد نضال الطبقة العاملة الثوري النامي في المنطقة، خاصة جارتي ليبيا، مصر وتونس. يتضح ذلك بتعاونه مع الجيش المصري المدعوم من الولايات المتحدة، الذي يترأس دكتاتورية تحاول وضع نهاية للإضرابات والمظاهرات الضخمة التي أدت إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير.

وكما يعرف جيداً الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA)، قد يريد المجلس الوطني نصيبه من النفط المنهوب من الشركات الغربية. يلاحظ أشقر أن "الغرب يستجيب بالطبع لرائحة النفط " ويضيف قائلاً: "ظهرت فرنسا كما لو كانت الوحيدة التي تتخذ موقفاً قوياً، وقد يرتبط ذلك بحقيقة أن فرنسا وبريطانيا علاوة على إيطاليا -على عكس ألمانيا التي امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 1973- لا يملكون حصة كبيرة في النفط الليبي، ويأملون بالتأكيد في نصيباً أكبر فيما بعد القذافي."

يوضح هذا المقال أن إدعاءات (NPA) بأن القوى الغربية تهاجم ليبيا لإنقاذ الأرواح، هو من قبيل السخرية والخداع الواعي. إنهم يعرفون أن هدف القوى الغربية هو تغيير النظام، أو كما وصفه جيلبرت أشقر، هو ليبيا "ما بعد القذافي". سيسمح هذا لفرنسا والقوى الأخرى بأن يستولوا على قطاع النفط الليبي، الذي توسع القذافي في تأميمه من عام 1971 إلى عام 1974، كما سيسمح بتنصيب سلطة يمينية خاضعة في طرابلس.

صفق أشقر للحرب الغربية على ليبيا، وللاستيلاء على النفط، وللجميع، وهو بذلك يتحدث بالنيابة عن العناصر "الإنسانية" و"الثورية" للحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA)، وكذلك للسكرتارية المتحدة للأممية الرابعة (USFI).

إن مساندة (USFI) و(NPA) للتدخل الإمبريالي في ليبيا، تشكل منعطفاً جوهرياً في تطور هذه الأحزاب، لتكشف بوضوح أكثر طبيعة القوى البابلوية التي انفصلت عن الأممية الرابعة في عام 1953. بدأت كتروتسكية معدلة حيث تأقلمت سياسياً، مع الستالينية، والقومية في العالم الثالث، وزعمت أنه يمكن الضغط على هذه القوى لتتبنى سياسة ثورية. وقد نمت البابلوية بين البرجوازيين الصغار في الوسط الاجتماعي للحركات الرديكالية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.

في ذلك الوقت في فرنسا، تأسس التحالف الشيوعي الثوري (LCR) – الذي يعد الرحم الذي خرج منه الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA) الذي أنشيء عام 2009- على يد أغلبية من الحركة الطلابية الرديكالية "التروستكية-الجيفارية". ومازال أعضاء هذا الجيل يزود (NPA) بقياداته العليا (شخصيات مثل آلان كريفين وفرانسوا سابادو) ويمدهم كذلك بالإعضاء الرسميين ذوي الصلة مع الأحزاب الحاكمة، مثل هنري ويبر من الحزب الاشتراكي (PS).

إن التطور السياسي لهذه الاتجاهات والأشخاص التي تقودها يعكس مسار شريحة كاملة من الطبقة الوسطى التي كانت رديكالية. مثل دانييل كون- بنديت من حركة الخضر، ووزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر الذي تحول من طالب رديكالي ساخط إلى سياسي محترف وثري.

بالنسبة للمؤسس التاريخي الذي أصبح من الشخصيات القيادية في (NPA)، يجب العودة لشخصية مثل بيير لافال. فقد بدأ كديمقراطي اشتراكي، وقد تساءل ولو مرة، إذا كان التحاقه بالحزب الشيوعي سيفيد مستقبله السياسي، وذلك قبل انضمامه لليمين ويصبح رئيس الوزراء في نظام فيشي العميل الموالي للنازية اثناء الحرب العالمية الثانية.

طبق قادة (LCR) والآن قادة (NPA) نفس منهج العقلية الوظيفية المثير للسخرية على الحياة والأفكار السياسية، وتبنوه لصالح الاحتياجات المتغيرة للطبقة الحاكمة، حتى لو كان ذلك، مثلما هو الآن، يتعلق بمساندة الحروب العدوانية.

إن ذلك يلقي ضوءاً قاسياً على عملية تغيير السمات المميزة والتحول من (LCR) إلي (NPA) في 2009، وعلى أساس الرفض الصريح لارتباطه الزائف تماماً مع التروتسكية، التزم (LCR) بأصول نظامه القيادي نتيجة انتمائه التاريخي للحركة "التروتسكية-الجيفارية". وبعد الاستعداد لذلك على مدى عقود، أعلن الاندماج الكامل للحركة مع السياسات البرجوازية- وهو مدار الحزب الاشتراكي (PS)- والإمبريالية الفرنسية.

كتبت اللجنة العالمية للأممية الرابعة في حينه: "إن هدف (LCR) الحقيقي من تدميرها للذات، ما هو- في الواقع- إلا ميراثاً سياسياً تروتسكياً: الإصرار على الاستقلال السياسي الكامل للطبقة العاملة، والأممية الثورية، ومعارضة لا تلين للتعاون مع الحكومة البرجوازية والبيروقراطيات الاستالينية و الديموقراطية الاشتراكية، وكل أشكال القومية البرجوازية، ورديكالية البرجوازيين الصغار.

"إن اختيار LCR "مناهضة الرأسمالية" كأيدولوجية توجهه، وفي سياق السياسات الأوروبية وخاصة الفرنسية، هي خطوة عملاقة للخلف وناحية اليمين، ناحية أرخص عملة في المملكة. إنه يتقبل، بسياسة ملتبسة، كل أنواع السخط الاجتماعي، بغض النظر عن أصل الطبقة وتوجهاتها. إنه مصطلح يمكن قبوله من قطاعات واسعة من البرجوازية الصغيرة، ومن كلا اليمين واليسار- من الفوضوية التي دعى إليها بيير-جوزيف برودون في منتصف القرن التاسع عشر إلى الاحتجاجات العنيفة لليمين الشعبي التي دعى لها بيير بوجاد في منتصف القرن العشرين.

يرفع (NPA) الراية الخطأ من خلال كتاباته وتصريحاته، كي ييسر مفاوضاته مع نقابات العمال، والأحزاب البرجوازية الأخرى في فرنسا- حيث يحلون معهم مشاكل الصفقات الانتخابية المختلفة، ويساندون نقابة العمال في تصفية النزاعات العمالية- إنه ينكر بوضوح كونه حزباً تروتسكياً. ومع ذلك يقدمون أنفسهم ضمن "الأممية الرابعة" على مواقعهم الإلكترونية التي تتعامل مع القضايا الدولية، مثل انترناشيونال فيوبوينت (وجهة نظر عالمية) ويوروب سوليدير سون فرونتيير (تضامن أوروبي بلا حدود).

إن هدف هذه العملية هو الانتحال الزائف لطابع الحزب التروتسكي كي يكتسبوا مصداقية اليسار في الخارج. ومساندتهم الواعية للحرب الإمبريالية يظهر أنه ليس لهذا الحزب أي صلة بسياسات الطبقة العاملة أو الاشتراكية بأي شكل كانت. إن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية (NPA)، مثله في ذلك مثل المجموعة العريضة التي يطلق عليها أحزاب "اليسار" في فرنسا والطريقة التي يعملون بها، وكذلك مفكروهم في السكرتارية المتحدة للأممية الرابعة (USFI)، قد انتقلوا إلى معسكر الرجعية.