العربية

الانقلاب العسكري في مصر: المسائل السياسية والاجتماعية

قضت المذابح الدموية التي قام بها الجيش المصري بحق المتظاهرين من الاخوان المسلمين خارج ثكنات الحرس الجمهوري صباح أمس في القاهرة على جميع الادعاءات بأنّ الجيش يقوم بثورة جديدة في مصر. فهو يقوم حالياً بالتضييق على معارضي الدكتاتورية العسكرية في مصر وبشنّ حملةٍ قمعية ضدهم سيقوم بتوجيهها في نهاية المطاف ضدّ الطبقة العاملة التي تشكّل القوة الأساسية وراء كافة الانتفاضات الجماهيرية في مصر منذ عام 2011. 

قامت وحدات من الجيش أمس في أثناء صلاة الفجر بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المحتجين من الإخوان المسلمين أولاً، ومن ثم تقدمت باتجاههم ترافقها مركبات مدرّعة مطلقة النار على الحشود. وخلّفت المجزرة 51 قتيلاً من المدنيين على الأقل و435 جريحاً وفقاً لأرقام وزارة الصحة المصرية، على الرغم من أنّ عدد القتلى قد يرتفع بعد إلى حدّ كبير.

 

وإنّما الغرض من هذه المجزرة هو ترهيب كل معارضي انقلاب يوم الاربعاء والمجلس العسكري الجديد.

 

ومن أجل فهم الأحداث المتشنّجة التي تتكشّف الآن في مصر وإعداد الطبقة العاملة للنضالات المقبلة، من المهم الإحاطة بصراعين مختلفين قائمين في مصر. ثمة الصراعات القائمة داخل البرجوازية نفسها التي تتمحور قبل كل شيء حول السياسة الاقتصادية، ولكن أيضاً حول قضايا السياسة الخارجية وحتى نمط الحياة، وهي صراعات تأججت منذ الإطاحة بمبارك.

 

واتخذ هذا الصراع في الأسابيع الماضية وعلى نحو خاص، شكل صراع محتدم ومتزايد على السلطة بين جماعة الإخوان المسلمين، بقيادة الرئيس السابق محمد مرسي، وعناصر ذات ميول أكثر علمانية من الطبقة الحاكمة. كما وللجيش أيضاً مصالح اقتصادية ومالية تراه مصمماً على حمايتها. وقد أعطت الفصيلتان كلتاهما الدعم للتدابير التقشفية والتقييديّة التي يمليها ويكرّسها صندوق النقد الدولي والتي يطلبها رأس المال الدولي.

 

أما الصراع الجازم والأهم، فهو الصراع الطبقي الأساسي بين الطبقة العاملة والفقراء في المناطق الحضرية من جهة، وكل الطبقة الحاكمة المصرية من جهة أخرى. وقد أدّى ارتفاع معدلات الفقر والسخط الاجتماعي في ظل حكم مرسي إلى تفاقم هذا الصراع على نحوٍ أبعد.

 

وقد شهدت الأشهر الأخيرة موجاتٍ من إغلاق المصانع والإضرابات في مصر. وأتى استيلاء الجيش على السلطة مسبوقاً باحتجاجات جماهيرية هائلة، شارك فيها عشرات الملايين من العمال والشباب، ضد حكومة جماعة الإخوان المسلمين. إلاّ أنّ تدخل الجيش لم يكن تعبيراً عن هذه الحركة بل كان ضربة وقائية موجهة ضد الطبقة العاملة.

 

وتفضح أعمال الجيش في الأيام الأولى للانقلاب العسكري طبيعة النظام الجديد، وأيضاً الدور الرجعي لحملة "تمرّد" المدعومة من قبل جماعات يساريّة مزيّفة مثل الاشتراكيين الثوريين في مصر، المتحالفين مع المنظمة الاشتراكية الدولية(ISO)  في الولايات المتحدة وحزب العمال الاشتراكي (SWP) في بريطانيا.

 

وإذا كان المجلس العسكري يركّز حالياً على سحق جماعة الإخوان المسلمين، فذلك لأنّه نجح، بمساعدة من حركة "تمرّد" والاشتراكيين الثوريين، بوضع جانباً مؤقتاً على الأقل المعارضة من العمال والشباب الذين شاركوا في الاحتجاجات الجماهيرية الأسبوع الماضي. فقد أعطى هذا للجيش المجال للمناورة وتعزيز حكمه، في الوقت الذي يستعدّ فيه لضربة أشدّ لإثبات قوته موجهة هذه المرة ضدّ الطبقة العاملة.

 

أتت حركة "تمرّد" وليدة أفكار ائتلاف من أحزاب المعارضة الليبرالية والإسلامية واليساريّة الزائفة. وشمل مؤيّدوها إلى جانب الإشتراكيين الثوريين، جبهة الإنقاذ الوطني التابعة لمحمد البرادعي، وحزب مصر القوية الاسلامي التابع للعضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم أبو الفتوح، وحركة شباب 6 أبريل، وحتى بعض المسؤولين في نظام مبارك السابق مثل اللواء أحمد شفيق.

 

ولم تكن "تمرّد" في أي وقت غير منبر للمعارضة البرجوازية يمثّل فصائل من الطبقة الحاكمة. ولكن، في غياب أي قوة تعبئة للطبقة العاملة المناضلة ضد الطبقة الرأسمالية بأكملها، أي ضد كلّ من جماعة الإخوان المسلمين والقوى الفاسدة داخل "تمرّد"، تستطيع هذه الحركة الاستفادة من معارضة واسعة لمرسي، وجمع ملايين التوقيعات.

 

وقد اعتمد المجلس العسكري أساساً لحكمه جملة المطالب الرئيسيّة لحركة "تمرّد" المتمثّلة في حل مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الإسلاميّون في البرلمان، وتعيين رئيس القضاء رئيساً، كما وتعيين حكومة تكنوقراط داعمة للسوق الحرة.

 

وفي مايو، أعطى الاشتراكيّون الثوريّون دعمهم لحركة "تمرّد" وروّجوا لها على أنّها "وسيلة لاستكمال الثورة". وقام أعضاء الاشتراكيّون الثوريّون بجمع التوقيعات من أجل "تمرّد" ونظّموا الاجتماعات للترويج لهذه الحركة، ففي 28 مايو قام الاشتراكيّون الثوريّون بالهتاف لقادة "تمرّد" محمود بدر ومحمد عبد العزيز في مقرّهم في الجيزة، كما وأصدروا بيانات مشتركة داعمة لبرنامج "تمرّد".

 

وأشاد سامح نجيب، العضو الرائد في حزب الاشتراكيين الثوريين بالانقلاب فوراً بعد استيلاء الجيش على السلطة، واصفاً إياه بأنّه "ثورة ثانية" وذلك في تصريح له منشور على الموقع الالكتروني لحزب العمال الاشتراكي البريطاني (موقع العامل الاشتراكي Socialist Worker)، يقول فيه إنّ "هذه ليست نهاية الديمقراطية ولا هي مجرد انقلاب عسكري بسيط" مضيفاً أنّ "الأحداث الحاصلة في الأيام القليلة الماضية جعلت الناس يشعرون بالقوة وبأنّهم ذوي حقوق".

 

سعى الاشتراكيّون الثوريّون أيضاً لحشد المتظاهرين للدفاع عن المجلس العسكري. وفي بيانٍ لهم نشِرَ يوم 6 يوليو على موقعهم الالكتروني الصادر باللغة العربية كتبوا قائلين إنّ "عناد وغباء وإجرام جماعة الإخوان ومرشدها العام محمد بديع ومن ورائهم دعم الإدارة الأمريكية، يفتح آفاقاً مرعبة لحرب أهلية لن يوقفها إلا إحتشاد الملايين في الشوارع والميادين لحماية ثورتهم، وإجهاض الخطة الإخوانية الأمريكية بتصوير ثورة المصريين على أنّها إنقلاب عسكري ".

 

ومن ثم يطلب الاشتراكيّون الثوريّون من المجلس العسكري اتخاذ "خطواتٍ فورية لتحقيق العدالة الاجتماعية ... وكتابة دستور مدني ديمقراطي يرسّخ قيم الحرية والعدالة الاجتماعية". إنّ مشورة ودية مماثلة موجهة إلى مجلس عسكري مدعوم من الإمبريالية الأمريكية تطبع الاشتراكيين الثوريين كمنظمة معادية للثورة أيديها مضرّجة بالدماء.

 

أما الاقتراح بأنّ الإمبريالية الأمريكية المتعاونة مع جماعة الإخوان المسلمين، هي التي تسعى للتشهير بالانقلاب وباستيلاء المجلس العسكري على السلطة لهو سخيف نظراً لحقيقة أنّ حكومة الولايات المتحدة قد تعمّدت عدم استخدام هذا المصطلح من أجل تجنّب عواقب قانونية معيّنة تترتب عن القيام بذلك، بما في ذلك قطع المساعدات العسكرية للجيش المصري.

 

وفي الواقع، حافظت حركة "تمرّد" أيضاً على اتصالٍ وثيق مع واشنطن والاتحاد الأوروبي في خلال الانقلاب. ودخل البرادعي في محادثات مع وزارة الخارجية الامريكية ومسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، يحثّهم فيها على دعم انقلاب، كما جاء على لسان البرادعي نفسه في حديثٍ له مع ديفيد د. كيركباتريك في صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي.

 

وفي مقالٍ بعنوان "شخصية ليبرالية مصرية بارزة تصرّح بأنّها سعت للحصول على دعم الغرب للقيام بانتفاضة" يكتب كيركباتريك أنّ البرادعي أعلن أنّه "عمل جاهداً لإقناع القوى الغربية [بـ] ضرورة الاطاحة بالقوة بالرئيس محمد مرسي".

 

ويكتب كيركباتريك أيضاً أنّه "في أيام الاستيلاء على السلطة، قال السيد البرادعي إنّه أجرى محادثاتٍ مكثفة مع وزير الخارجية جون كيري، ومسؤولة العلاقات الخارجية رفيعة المستوى بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، لمحاولة إقناعهما بضرورة عزل السيد مرسي". ووفقاً لكيركباتريك، قال البرادعي إنّه "ومع خروج الملايين إلى الشارع مطالبين برحيل السيد مرسي... كان تدخل الجيش واستيلائه على السلطة "أقل الخيارات ألماً".

 

إنّ الثورة تكشفُ النقاب عن الدجل السياسي. ويضحد القتل الجماعي الحاصل في شوارع القاهرة كافة محاولات الاشتراكيين الثوريين الرجعيّة لتصوير عملية حركة "تمرّد" والانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة كـ"ثورة ثانية".

 

ويشكل دعم الاشتراكيّون الثوريّون الحالي للمجلس العسكري أحدثَ مناورةٍ لهم في سلسلة العمليات الدنيئة التي تُقام منذ بداية الاحتجاجات ضد حسني مبارك في عام 2011. ورداً على تأجيج المعارضة في يناير 2011، انضم الاشتراكيّون الثوريّون إلى البرادعي والفصائل البرجوازية الأخرى في الدعوة، ليس لإسقاط النظام، وإنما لدعوة الحكومة إلى تكريس "الديمقراطية والحريات المدنية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة" وذلك وفقاً لبيان مشترك صدر في 21 يناير.

 

وبعد تطور احتجاجات 25 يناير إلى حركة ثورية جماهيرية للطبقة العاملة أطاحت بمبارك، أعطى الاشتراكيّون الثوريّون دعمهم للمجلس العسكري المدعوم من الولايات المتحدة والذي استولى على السلطة. وفي 31 مايو كتب مصطفى عمر العضو الرائد في حزب الاشتراكيين الثوريين مقالاً نشر على الموقع الالكتروني لصحيفة "Socialist Worker" يدّعي فيه أنّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة "يهدف إلى إصلاح النظام السياسي والاقتصادي، ما يتيح له أن يصبح أكثر ديمقراطية وأقل قمعية".

 

وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية مجدداً ضد الحكم العسكري، عارض الاشتراكيّون الثوريّون علناً "ثورة ثانية" فغيّروا مسارهم على الفور لدعم مرسي والاخوان المسلمين. وفي الانتخابات الرئاسية، قاموا بحملة من أجل مرسي مصدرين عدد لا يحصى من التصريحات التي تروّج للاخوان المسلمين واصفة إياهم "بالجناح اليميني للثورة" وواصفة مرسي "بمرشح ثوري". إلى ذلك، قاموا أيضاً بالاحتفال بفوز مرسي متى أصبح رئيساً.

 

وصرّح سامح نجيب في مؤتمر المنظمة الاشتراكية الدولية، مؤتمر الاشتراكية لعام 2012، بـ"أنّ انتصار مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، يعدّ إنجازاً كبيراً في مسار دحر الثورة المضادة ودحر هذا الانقلاب... كلما كان هناك خطر الثورة المضادة، سوف يميل الإسلاميون نحو الجماهير - سيعملون على تعبئة الجماهير بمئات الآلاف ضد النظام العسكري".

 

وكان ترويج سامح نجيب لجماعة الإخوان المسلمين على أنّها قوة ثورية سخيفاً وغير منطقي. ولكن كما اتضح فيما بعد، كان الاشتراكيّون الثوريّون هم من حوّلوا مسارهم مرة أخرى لدعم انقلاب ضدّ الاخوان المسلمين هذه المرة.

ولا يعطي الاشتراكيّون الثوريّون أي تفسير لهذه التحولات والانعطافات غير العادية في مواقفهم، ويكتفون ببساطة بالتأكيد على أنّ عزل جماعة الاخوان المسلمين (التي يعلنونها فجأة معادية للثورة) من قبل المجلس العسكري المدعوم من الولايات المتحدة (الذي يثنون عليه فجأة معتبرين أنّه تقدّمي) إنماّ هو ثورة ثانية.

 

تشكّل هذه التذبذبات السياسيّة العشوائية المتناقضة السّمة المميّزة لمجموعة تمثل الفاسدين من الطبقة الوسطى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدولة البرجوازية والإمبريالية العالمية.

 

ونشير هنا إلى أنّ أحدثَ مناورات الاشتراكيين الثوريين تدعم محاولةَ البرجوازية المصرية ومؤيديها الإمبرياليين فرض سياساتٍ يطالب بها رأس المال المالي بطريقة أشدّ من طريقة مبارك ومرسي قبلهم. ولطالما كان البرادعي واحداً من دعاة الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الأكثر عدوانية. وفي مقابل ذلك، فإنّ صندوق النقد الدولي سيطالب بتخفيضاتٍ ضخمة لإعانات السلع الأساسية مثل الحبوب والوقود التي تعتمد عليها أعدادٌ هائلة من المصريين.

 

ويقوم الجيش بتشكيل حكومة ملتزمة بتنفيذ السياسات التي يطلبها رأس المال المالي الدولي وحسب. ويشمل المرشحون لمنصب رئيس الوزراء المصري الجديد إلى جانب البرادعي، مرشحين مثال فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي المصري السابق، وعادل اللبان، مصرفي سابق في مورغان ستانلي يشغل حالياً منصب المدير التنفيذي للبنك الاهلي المتحد الذي يقع مقره بالبحرين.

 

لا شك في أنّ مجلساً عسكرياً لا يرحم ملتزماً بفرض سياساتِ التقشف سيتواجه حتماً مع الطبقة العاملة في صراعٍ اجتماعي مرير. وتكمن المهمةُ الحاسمة الآن في بناء قيادةٍ ضمن الطبقة العاملة، مستندة على النضال من أجل الاشتراكية ضد جميع فصائل الطبقة الرأسمالية.

 

وقد وضع الاشتراكيّون الثوريّون أنفسهم مرة أخرى في معسكر الرجعية من خلال تقديمهم الدعم لانقلابٍ عسكري دموي مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية يسعى لتهيئة الظروف لشنّ حملة أكثر عنفاً على الطبقة العاملة. ويجب على العمال والشباب في مصر الذين يتشاركون الأفكار الاشتراكية معاملة هذه المنظمة بازدراء إذ نراها تقف على الجانب الآخر من المتاريس في النضال الثوري للعمال والشباب من أجل الديمقراطية والمساواة الاجتماعية.

 

مأخوذ من الموقع الإلكترونيّ للاشتراكيّة العالميّة (WSWS). تم نشره من قبل اللجنة العالمية للأممية الرابعة.

تمّ تعريب هذا المقال من الإنكليزيّة. يحثّ الموقع الإلكترونيّ للاشتراكيّة العالميّة (WSWS) القرّاء في مصر وجميع أنحاء المنطقة على توزيع مقالاتنا والنضال في سبيل الاشتراكيّة. للاتصال بـWSWS، أنقروا هنا. وللإطّلاع على مزيد من المقالات في اللغة العربيّة، انقروا هنا

 

 

Loading