العربية

كيف ساعد الاشتراكيون الثوريون على تمهيد الطريق للقمع العسكري في مصر

وفي بيانهم الصادر في 14 أغسطس نراهم يقولون "إنّ الاشتراكيين الثوريين لم يدافعوا يوماً عن نظام محمد مرسي والإخوان المسلمين". 

ويندّدون بمن "وصفوا أنفسهم بالليبراليين واليساريين ]وقاموا[ بخيانة الثورة المصرية وعلى رأسهم من شاركوا في حكومة السيسي" متهمينهم بأنّهم "باعوا دم الشهداء خدمة لبيادة العسكر والثورة المضادة. هؤلاء أيديهم ملطخة بالدماء".

ولكنّ أيادي الاشتراكيين الثوريين وزملائهم في التفكير الدوليّين، المنظمة الاشتراكية الدولية (ISO) في الولايات المتحدة الأمريكية، وحزب العمال الاشتراكي في بريطانيا (SWP)، مغمّسة بالدماء مثلها مثل أيادي هؤلاء، إذ يُظهِر سجلهم العام الحافل أنّهم لم يدعموا المؤامرة السياسية المحاكة ضد الطبقة العاملة المصرية وحسب بل لعبوا دوراً أساسياً فيها أيضاً. وتمثلت هذه المؤامرة بقيام الجيش المصري وفصائل من البرجوازية الأكثر قرباً إلى نظام الرئيس السابق حسني مبارك والمعارضة لتلك الفصائل المتحالفة مع جماعة الاخوان المسلمين بإنشاء منظمة تعرف باسم "تمرّد" وتكون الجبهة لهم. وحافظ الاشتراكيون الثوريون على علاقاتهم بتلك الشرائح البرجوازية عبر "تمرّد" ساعين لضمان انتصارهم في انقلاب 3 يوليو.

وتعتبر حركة "تمرّد" المؤيد الأكثر صخباً للحكم العسكري والقمع الدموي الذي يطبقه والذي كلّف مئات الأرواح حتى اليوم. وقد حثّت المصريين على تشكيل جماعات أهلية لمساعدة الجيش على قمع الإخوان المسلمين و"حماية مصر والثورة والدفاع عن مستقبل أطفالنا ضد الإرهاب".

وأعلن محمود بدر، زعيم "تمرّد"، أنّ مصر كانت في طور "التخلص من مجموعة الإخوان المسلمين الفاشية قبل أن تهيمن على كل شيء وتقصي الجميع". وأضاف قائلاً إنّه لم ير الجيش يرتكب أعمالاً سيئة فهو بقي بعيداً عن الحياة السياسية وأكّد أنّه شاهدٌ بنفسه على ذلك ويدعم قرارات الجيش بناء على قناعات وليس على إملاءات معتبراً إياها قرارات صائبة تقود المصريين حيث يريدون.

وما زال الاشتراكيون الثوريون يسعون لتصوير هذا الدعم للجيش كتحول من جهة "تمرّد" وغيرها من القوات شبه الليبرالية وشبه اليسارية التي لطالما كانوا متحالفين معها. وفي مقابلة أجراها موقع أوبن ديموكراسي مع سامح نجيب زعيم الاشتراكيين الثوريين في 29 يوليو أكّد هذا الأخير أنّ "تمرّد" بدأت كنوع بسيط من المبادرة الديمقراطية التي ما لبثت أن انتشرت بسرعة كبيرة جداً.

كما وقال نجيب إنّ "تمرّد" لم تستخدم لعزل أي قوى ثورية إلا متى ظهر قادتها الرئيسيين على شاشة التلفزيون جنباً إلى جنب مع السيسي زعيم الانقلاب.

ويضيف "وهكذا، فإنك الآن إما مؤيد للجيش وإما مؤيد للإخوان المسلمين. ومن الصعب جداً اليوم في مصر إيجاد أي خط مستقل من أي نوع يكون ضد الاثنين".

وفي الواقع، لم يشكل الاشتراكيون الثوريون يوماُ "خطاً مستقلاً". وفي السنتين ونصف السنة الماضية من النضالات الثورية المريرة في مصر، لعبوا دوراً رئيسياً خدمة للبرجوازية وداعميها الإمبرياليين في احتواء الحركة الثورية للطبقة العاملة. فقد سعى الاشتراكيون الثوريون في كل مرحلة لإخضاع الطبقة العاملة لفصيلة واحدة أو أكثر من البرجوازية المصرية بهدف منعها من تطوير قيادتها السياسية الخاصة وتنظيم نضال سياسي واعٍ ضد الرأسمالية والإمبريالية.

وقام الاشتراكيون الثوريون بتقلبات سياسية عديدة وصولاً لهذه الغاية، فأشادوا أولاً بتشكيل حكومة جبهة للمجلس العسكري الذي تولى زمام السلطة بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك، ومن ثم تحوّلوا لدعم جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية التي تلت ذلك، مروّجين لها على أنّها "الجناح اليميني للثورة". وتم التهليل لانتخاب مرسي معتبرين أنّه يشكل "انتصاراً للثورة" و"إنجازاً كبيراً في دحر الثورة المضادة".

في الأشهر الأخيرة، ظهر الاشتراكيون الثوريون كالدعاة الأكثر تشدداً للنوايا الثورية الحسنة لحركة "تمرّد" ما زودهم بوسيلة دعم من الباب الخلفي للمعارضة "الليبرالية" المتمثلة بجبهة الخلاص الوطني فضلاً عن الجيش نفسه، والتي تحرك الأحداث من وراء الكواليس.

كانت حركة "تمرّد" منذ البداية عملية سياسية منشأة ومسيطر عليها من قبل أعلى مستويات أجهزة الدولة المصرية. أما هدفها فكان يتمثل بوضع الجيش على رأس الحركة الجماهيرية النامية ضد مرسي والإخوان.

وقد صدر عدد كبير من المقالات في صحيفة نيويوركتايمز، والجزيرة، وواشنطن بوست وديلي بيست تبيّن أنّ الجيش وعناصر من الفلول مقربة من نظام مبارك السابق كانت تسيطر على حركة "تمرّد" المكلّفة بالإصرار على أنّ السبيل الوحيد لاسقاط مرسي يكون بدعم القوات المسلحة. وكانت الحركة تأخذ أوامرها مباشرة من اللواء عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب.

وفي 12 يوليو أشار مايك جيليو في صحيفة ديلي بيست كيف كان "وليد المصري، وهو منظم رئيسي في حركة "تمرّد" على اتصال منتظم مع مجموعة من ضباط الجيش المتقاعدين"، الذين كانوا يعملون "نيابة عن قادة الجيش الحاليين".

وقال محب دوس، واحد من مؤسسي "تمرّد" لجيليو إنّهم قد تلقوا "اتصالات فردية بين عناصر تمرّد ومؤسسات الدولة".

مضيفاً أنّه "من الطبيعي التواصل مع الجيش قبل الثورة".

وعقدت اجتماعات مع ضباط سابقين في الجيش "في الطابق السفلي لأحد المطاعم الشعبية في القاهرة قبل أسبوع واحد من الاحتجاجات". ويقول ناشط في حركة "تمرّد" إنّ الضباط السابقين "كانوا الجسر بيننا وبين الجيش أثناء التحضير لـ30 يونيو".

وقد تم تمويل الحملة، وفقا ليوسف سايمان في صحيفة نيويورك تايمز، من قبل "عناصر من المؤسسة القديمة، وبعضها مقرب من السيد مبارك وكبار الجنرالات في البلاد". هذا وشملت نجيب ساويرس، الملياردير الذي تبرع باستخدام مكاتبه الموزعة في كافة أنحاء البلاد وقدّم الدعاية من خلال أوراسكوم/ أو أن تي في وهي شبكة تلفزيونية شهيرة هو مؤسسها، كما وبفضل الحصة الكبيرة التي يملكها في المصري اليوم وهي أكبر صحيفة خاصة في مصر.

واستمر الاشتراكيون الثوريون بتصوير "تمرّد" على أنّها القيادة غير المتنازع عليها للجماهير المصرية، وفي بيان لهم صادر في 19 مايو في صحيفة المنظمة الاشتراكية الدولية (ISO) بعنوان: "حشد المعارضة لمرسي" يصف الاشتراكيون الثوريون "تمرّد" كحملة "أطلقتها مجموعة من الشباب الثوري... أما الأمر الجديد والمختلف تماماً في حملة تمرد أنّها تنبع من مبادرة شعبية فتفتح المجال بالتالي للعمل الثوري والخبرة من الأسفل".

وشدّد الاشتراكيون الثوريون قائلين: "علينا أن نبني هذه الحركة وننخرط معها حيث نراها فعالة ونفتح مقرنا لها بحيث تكون مهمتنا ومسؤوليتنا الضخمة تشكيل وسيلة لها... بالتالي فنحن نعلن مشاركتنا الكاملة والحازمة في هذه الحملة وندعو جميع أولئك الذين يكافحون من أجل الديمقراطية والعدالة إلى المشاركة معنا ومع حركة الطبقة العاملة بأكملها في شنّ هذه المعركة".

وفي نهاية شهر مايو نظم الاشتراكيون الثوريون اجتماعاً مشتركاً مع "تمرّد" في مقرهم الرئيسي في الجيزة، وكان بدر من بين قادة "تمرّد" الذين هلل لهم أعضاء الاشتراكيون الثوريون. (شاهد الفيديو)

وفي 27 يونيو، أصدر الاشتراكيون الثوريون بياناً بعنوان "الثورة والثورة المضادة" يحثّ على دعم احتجاجات 30 يونيو التي نادت بها "تمرّد" ضد مرسي. وأشار الاشتراكيون الثوريون "ومن بين الطلبات المتزايدة للقادة والمعلقين الليبراليين الضمنية أحياناً والخفية أحياناً أخرى، ضرورة التدخل العسكري للتخلص من حكم جماعة الاخوان المسلمين. وهذا لا يعني شيئاً آخر غير الطلب على انقلاب عسكري".

وبموافقة الاشتراكيين الثوريين على ائتلاف سياسي يعرفون أنّه مرتبط بمطالب لانقلاب عسكري كانوا يشيرون إلى أنّهم هم أنفسهم كانوا أيضاً داعمين لانقلاب. وذهبوا كذلك الأمر للإشادة بـ"عبقرية اسم وبساطة" حملة "تمرّد" التي أشعلت "فتيل هذه الحركة على المستوى الوطني على نحو غير مسبوق".

ونجد الاشتراكيين الثوريين اليوم مجبرين على الاعتراف بأنّ النشطاء في حركة "تمرّد" يشملون "فلول النظام القديم" العاملين تحت غطاء "المعارضة البرجوازية الليبرالية" التي لا تريد إلا "الانتصار الكامل للثورة المضادة وكذلك الانتقام الدموي ضد الثورة وجميع الذين شاركوا فيها".

ولكنّ هذا لم يغيّر شيئاً بالنسبة إلى الاشتراكيين الثوريين الذين اقترحوا مواصلة التعاون مع هذه الشرائح داخل "تمرّد" بناء على دعوة زائفة لـ"الاستقلال التام داخل الحركة عن هؤلاء الانتهازيين والخونة". ]التشديد مضاف[

وسعى الاشتراكيون الثوريون إلى الترويج لحركة "تمرّد" وعرقلة نضال سياسي مستقل للطبقة العاملة على الرغم من أنّهم كانوا يعلمون بأنّ من شأن هذا الأمر أن يعزّز أهمية الإخوان المسلمين في نهاية المطاف لدى شرائح من الشعب. وكتبوا قائلين إنّ "جماعة الاخوان المسلمين قادرة على تصوير المعركة لشريحة من الشعب على أنّها معركة بين الاخوان وفلول النظام القديم".

وفي 1 يوليو، في أعقاب احتجاجات 30 يونيو التي أدت نهاية إلى تعجيل سقوط مرسي، أشار الاشتراكيون الثوريون إلى أنّ الجيش قد "أصدر تحذيره النهائي الخاص: على الحكومة تلبية مطالب المحتجين، وإلا فسيفرض الجيش "خارطة الطريق" الخاصة به لحل الأزمة".

وأشاد الاشتراكيون الثوريون بـ"تمرّد" ولكن هذه المرة كتحالف من "الشباب من الاشتراكيين الثوريين، ومن الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري، ومن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، ومن حزب الدستور الذي أنشأه محمد البرادعي. إلى ذلك، وبطبيعة الحال، كان يشمل شباب من حركة شباب6 أبريل وغيرها من الجماعات. ونجح هؤلاء الشباب في العمل معاً...".

وهذه هي قائمة بالقوى نفسها التي أيدت فرض الحكم العسكري، والتي انضم معظمها إلى الحكومة التي هي أقامتها. فحازم الببلاوي، رئيس الوزراء الحالي، هو عضو مؤسس في الحزب الديمقراطي الاجتماعي المصري وواحد من الدعاة الأكثر عدوانية للقمع. أما نائبه، فكان محمد البرادعي حتى قام هذا الأخير مؤخراً بتقديم استقالته لحفظ ماء الوجه، وقد قام الاشتراكيون الثوريون بتشكيل تحالفات معه مرات كثيرة وبما في ذلك داخل حركة "تمرّد".

وفي مقال "سقوط الإخوان" المؤرخ في 4 يوليو تلحظ المنظمة الاشتراكية الدولية(ISO) في تصريح معتدل أنّ "بعض القوى السياسية الناشطة في الحركة ضد مرسي قامت بتكريس أعمال الجيش".

غير أنّه في 5 يوليو، قام الاشتراكيون الثوريون باستبعاد أي تهديد بنشوء دكتاتورية عسكرية، وكتبوا أنّ النخبة البرجوازية الليبرالية ترغب في "الإطاحة بحكم النخبة الإسلامية من أجل أن يصلوا هم أنفسهم إلى السلطة بتأييد ودعم من المؤسسة العسكرية"، ومن فلول النظام القديم الذين يريدون "العودة إلى الساحة السياسية".

لكنّهم أصرّوا "أنّ الثورات الشعبية تتّسم بمنطقٍ خاص لا يخضع لأوهام أو مخططات الليبراليين أو الفلول..."

ويصرّح أحمد شوقي، رئيس تحرير مجلة الاشتراكية الدولية، في مقابلة مرفقة أجريت معه أنّ"حركة "تمرّد" كسرت الحاجز من خلال توفير أداة استطاعت الحشود المصرية بواسطتها جعل مرسي يدفع ثمنًا سياسيًا لأفعاله".

وعندما طرح عليه السؤال التالي: "الانقلابات العسكرية عادة تبشر بهزيمة العملية الثورية - إنها غالبا ما تكون التمثيل الأكثر تطرفا في الثورة المضادة. هل تدخل الجيش لإزالة مرسي، تعيين رئيس جديد، والتعهد بانتخابات جديدة تمثل انتصار الثورة المضادة"؟

أجاب قائلاً " كلا إطلاقا" ثمّ وصف تدخل الجيش بمجرّد مسعى "لاحتواء الحركة... ففي حين أنّ القوات العسكرية نزلت الى الشارع وتجاوزت الحدود الدستورية لصلاحياتها، الا انّي أعتقد أنّها سوف تسعى للعودة بسرعة إلى سلطة مدنية. أنا لا أعتقد أنّ الجيش يريد أن يحتفظ بسلطة الدولة".

وقعت المجزرة الأولى بحقّ مناصري جماعة الإخوان المسلمين في 8 يوليو عندما كان الاشتراكيون الثوريون لا يزالون يشجّعون الاحتجاجات المؤيدة للجيش دفاعًا عما أشاروا إليه مرارًا بـ"الثورة الثانية".

وهكذا وفور تولّي الجيش الحكم، أشار العضو البارز في الاشتراكيين الثوريين سامح نجيب إلى الانقلاب بـ"الثورة الثانية" في تصريح ورد على موقع "سوشاليست ووركر" التابع لحزب العمال الاشتراكي (SWP) في بريطانيا، حيث أعلن أنّ "هذه ليست نهاية الديمقراطية ولا هي مجرد انقلاب عسكري بسيط"، مضيفًا أنّ "الأحداث الحاصلة في الأيام القليلة الماضية جعلت الناس يشعرون بالقوة وبأنّهم ذوي حقوق".

وتجدر الإشارة إلى أنّ جهود الاشتراكيين الثوريين لنزع سلاح الطبقة العاملة السياسي حظيت بالدعم الكامل من المنظمة الاشتراكية الدولية (ISO) في الولايات المتحدة الأمريكية التي نشرت التصريحات الواردة أعلاه كلّها، كما ومن حزب العمال الاشتراكي (SWP) في المملكة المتحدة، حيث شدّدت جوديث أور الكاتبة في "سوشاليست ووركر" البريطانية في مقالتها التي نشرت في 9 يوليو أنّ "تولّي الجيش الحكم شكّل أكثر من الانقلاب العسكري البسيط الذي تصفه معظم وسائل الإعلام. وهو لا يبشّر بـ’نهاية الديمقراطية’. وقد شكّلت المسيرات الحاشدة غير المسبوقة التعبير الأكبر عن حركة نشأت من أسفل الهرم وتطالب بتغييرٍ حقيقي".

وبعد يومين، في تصريح مؤرّخ في 11 يوليو بعنوان "فلنقاوم سرقة الثورة من جديد"، كتب الاشتراكيون الثوريون عن الحكومة المؤقتة التي تمّ تشكيلها مؤخرًا ذاكرين "نفس سياسات نظام (مبارك – مرسي)". وقد تحسّروا على "الإعلان الدستوري الدكتاتوري" الذي قلّما كان في الحقيقة مختلفًا عن ذاك الذي طرحته سابقًا حركة "تمرّد".

أما شكواهم الحقيقية فكانت من استبعادهم من السلطة، ذاك أنّ الإعلان الدستوري "جاء من دون استشارة القوى الثورية التي أكد وزير الدفاع ثم الرئيس المؤقت بأنّها شريك في إقرار خارطة الطريق".

وحصدت المجازر التي قامت بها القوات العسكرية لغاية 26 يوليو المئات من أنصار الإخوان المسلمين، ما دفع بالاشتراكيين الثوريين إلى إصدار تحذير فكتبوا عن تظاهرة وشيكة مؤيدة للقوات العسكرية قائلين: "إن نزول الجماهير يوم الجمعة خطوة تضر بالثورة مهما خلصت نوايا المشاركين.التفويض الشعبي للجيش للتخلص من الإخوان سيؤدي حتماً إلى ترسيخ أركان النظام الذي قامت الثورة لإسقاطه".

فشل الاشتراكيون الثوريون مجدّدًا في تحديد أولئك الذين سعوا إلى توفير هذا "التفويض" للجيش – وهم حركة "تمرّد" ومؤيّديها، بما في ذلك الاشتراكيون الثوريون أنفسهم.

ثمّ كتبوا في اليوم التالي: "إن بشائر عودة نظام مبارك الاستبدادي لا تخفى على أحد"، ذاكرين منها "والتهديد باستعمال قانون الطوارئ لفض الاعتصامات، وتدخل الجيش في اعتصام عمال السويس للصلب.. وغيرها".

وحتى حينئذٍ لم يكتبوا إلا عن "ما يثير تساؤلاتنا عن دور "حكومة العسكر" الحالية ومدى تورطها في الجريمة ".

ولم يندد الاشتراكيون الثوريون "بالليبراليين واليساريين" لقيامهم "بخيانة الثورة المصرية"،وذلك من دون ذكر "تمرّد"، إلا في 14 أغسطس، بعد سقوط مئات القتلى في الشوارع.

وأما "نقدُ" الاشتراكيين الثوريين لهذه القوات فجاء مخادعًاتمامًا، حيث أنّ البرجوازية الليبرالية لم "تخن" الثورة، ولكّنها تصرّفت وفقًا لمصالح فئتها. واختاروا العودة إلى الدكتاتورية العسكرية في مواجهة خطر قيام ثورة اشتراكية.

كان الاشتراكيون الثوريون جزءًا من هذه العملية، وهي مكونة من شرائح برجوازية صغيرة بارزة وثرية، أتت بشكلٍ كبير من الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام. ودافع هذه الطبقات هو تقدّم مكوناتها الشخصي، فلا تدّعي "الثورة" إلا كورقة مساومة لضمان مكانة مريحة لمكوناتها في إطار النظام الاجتماعي القائم الذي صمّمت للدفاع عنه في مواجهة الطبقة العاملة.

والملفت في هذا السياق هو أن التقلبات المستمرة في الخط السياسي للاشتراكيين الثوريين تتوافق دائما بدقة مع متطلبات السياسة الخارجية الأميركية.

عندما دعمت واشنطن جماعة الإخوان المسلمين فجعلت منها أداتها السياسية المختارة، تغنى الاشتراكيون الثوريون بمساعي مرسي الثورية. وعندما أيدت واشنطن الانقلاب العسكري ضد الإخوان، اصطف الاشتراكيون الثوريون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من خلال دعم "تمرّد"، بهدف استباق النضالات الثورية العمالية المتجدّدة.

ونلاحظ أنّه ومنذ الانقلاب بشكلٍ خاص، أصبحت تصريحات الاشتراكيين الثوريين متصلة بشكلٍ غريب حقًّا بالدفع السياسي للبيانات الصادرة عن البيت الأبيض. ويتزايد قلق واشنطن اليوم من أن يأتي العنف الهائل الذي يمارسه المجلس العسكري بنتائج عكسية فيؤدي إلى ازدياد تطرف الجماهير ليس في مصر فحسب بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهنا أيضًا يشاركها الاشتراكيون الثوريون هذا القلق وهم قبل كلّ شيء يخشون قيام ثورة اشتراكية، ويحثون بشدّة على التوصل إلى تسوية ما بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين لتجنب نشوب حرب أهلية.

ليس الاشتراكيون الثوريون إلا أداة سياسية للثورة المضادة. حيث أنّه تحت هذه القشرة الرقيقة من الخطاب اليساري، هم يدافعون عن أي فصيل من فصائل البرجوازية الحاكمة في الوقت الحاضر، قبل أن ينتقلوا مرة أخرى إلى موقف "المعارضة".

تعريب تي تي إنترناشونال غروب ش.م.ل. (لبنان)

http://www.grouptt.com

Loading