العربية

الاشتراكية والصراع ضد الحرب

لتأسيس حركة عالمية من الطبقة العاملة والشباب ضد الإمبريالية!

1. بعد خمس عشرة عاماً منذ أن شنت الولايات المتحدة "الحرب على الإرهاب" ينجرف العالم بأكمله إلى دوامة من العنف الإمبريالي تزداد رقعتها مع الأيام. فالغزو والتدخل الذي تمارسه الإمبريالية الأمريكية أدى إلى تدمير أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا. بينما ينشغل حلف الناتو ببرنامج إعادة التسليح إعداداً للحرب مع روسيا. وتظل أفريقيا هدفاً للمكائد الاستعمارية الأمريكية والأوروبية الشرسة. والنزاع على الحدود بين الدول المتجاورة يثير التوتُّرات والصدامات المباشرة في أوروبا الشرقية وعبر القوقاز وشبه القارة الهندية وأمريكا الجنوبية. أما في آسيا الشرقية، فإن "محور آسيا" لإدارة أوباما يورط المنطقة بأسرها في مواجهة الولايات المتحدة مع الصين.

2. إن الحرب على الإرهاب - يصاحبها الخداع الإمبريالي والنفاق اللامحدود – صدمت وشوهت وقتلت ملايين لا حصر لها, وتسببت في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية. فقد أُجبر ستون مليون شخصاً على ترك بلادهم. ومئات الآلاف ممن استطاعوا الوصول إلى أوروبا بعد رحلات يائسة وخطيرة سيقوا إلى مراكز الاعتقال وأُجبروا على العيش في ظروف سيئة، كما تم تجريدهم حتى من أبسط متعلقاتهم. وعملاً على تقويض تضامن الطبقة العاملة، تقوم الحكومات الامبريالية والأحزاب السياسية الرأسمالية والإعلام بالترويج للشوفينية القومية والتعصب العنصري. في الثلاثينيات من القرن الماضي، استُخدم اليهود ككبش فداء للرجعية السياسية. واليوم في أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا، يقع المسلمون ضحية للتشهير الإعلامي والتمييز والعنصرية تحت رعاية الدولة، والعنف الفاشي.

3. على مدار خمسة عشر عاماً، تضمنت "الحرب على الإرهاب" جرائم لم يتم محاسبة أي مسؤؤلين حكوميين أو شخصيات استخبارية عسكرية عليها. والقانون الدولي ليس أكثر من حبر على ورق حيث يعمل البيت الأبيض على تأكيد "حقه" في اختطاف وسجن وتعذيب واغتيال ضحاياه دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. لقد أدت ذريعة الحرب على الإرهاب مهمة سياسية في غاية الأهمية للدول الاستعمارية. فالأعمال الإرهابية التي غالباً ما تضمنت أشخاصاً كانوا تحت مراقبة الدولة تم استغلالها لإسقاط الحقوق الديمقراطية. لقد بلغ الحظر في بوستن وفيرغسن ومدن أخرى حد البروفة على الأحكام العرفية. فرنسا بالكامل تم وضعها تحت "حالة طوارئ" بعد هجمات باريس في نوفمبر 2015. كما تقوم وكالات الاستخبارات بإجراء عمليات تجسس، وتجمع قواعد بيانات ضخمة عن عشرات الملايين من الناس دونما رادع. بالإضافة إلى ذلك فإن الممارسات الوحشية والقتل على يد الشرطة أصبحتواقعاً يومياً في المناطق التي تقطنها الطبقة العاملة، حيث تحاول الطبقة الحاكمة احتواء التوترات المتفجرة الناتجة عن عدم المساواة الاجتماعية، والرد على المعارضة بالاستخدام المستمر لقمع الدولة البوليسية.

4. يقف العالم على حافة صراع عالمي كارثي. والتصريحات التي يطلقها رؤساء الحكومات الرأسمالية تزداد عدوانية وميلاً للحرب على نحو متزايد. كذلك عملت الحروب بالوكالة في كل من أوكرانيا وسوريا على جر حلف الناتو وروسيا أكثر فأكثر إلى مواجهة واسعة النطاق. وقد قامت تركيا، وهي أحد أعضاء حلف الناتو، بالفعل بإطلاق النار على طائرات حربية روسية. في بدايات 2016، قام قائد عسكري سويدي بارز، هو الجنرال أندرس برانستروم، بإطلاق التحذير التالي للقوات الواقعة تحت قيادته: "إن الوضع العالمي الذي نعيشه ... يؤدي بنا إلى استنتاج أنه من الوارد أن نجد أنفسنا في حرب في غضون سنوات معدودة". وتماماً كما حدث في السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 والحرب العالمية الثانية في عام 1939،نجد القادة السياسيين والمخططين العسكريين يصلون إلى استنتاج أن حرباً بين القوى الرئيسية ليست بعيدة الاحتمال، وإنما هي واردة بدرجة عالية، بل وربما حتمية.

5. وعند نقطة معينة، تصبح هذه القدرية العسكرية عاملاً مهماً يسهم في اندلاع الحرب. وكما كتب متخصص في العلاقات الدولية مؤخراً، " بمجرد الوصول إلى فرضية أنه لا مفر من الحرب، تتغير حسابات القادة والعسكريين. فالسؤال لا يصبح هل سيكون أو ينبغي أن يكون هناك حرب، وإنما متى يمكن خوض الحرب مع الحصول على أكثر الفوائد الممكنة. حتى أولئك الذين لا يتطلعون للحرب ولا يطمحون لها قد يلجأون إلى خيار الحرب حين يجدون أنفسهم في إطار الحتمية". [الحرب العظمى التالية: جذور الحرب العالمية الأولى ومخاطر نشوب صراع صيني أمريكي، تحرير: ريتشارد ن. روزنكرنس وستيفن أ. ميلر (كامبريدج، ماستيوتس: مطبعة م ا ت، 2015), صـ 11.]

6. إن هذه الحملة لإشعال الحرب هي مؤامرة من النخب الرأسمالية، تديرها أعلى المستويات في الحكومة, وجهاز الاستخبارات العسكرية، وأقليات الشركات المالية، بالإضافة إلى إعلام يميني فاسد دونما حتى التذرع بحوار ديمقراطي. وعلى الرغم من وجود رغبة عارمة في السلام بين جماهير الطبقات العاملة حول العالم، إلا أنه، حتى الآن، ليس هناك حركة سياسية عالمية منظمة لمعارضة السياسات الطائشة لقوى الشر الإمبريالية التي تُضرم نار الحرب.

7. إلا أن هذه الحملة التي تؤجج لحرب عالمية ثالثة يجب إيقافها. يجب بناء حركة عالمية جديدة ضد الحرب، تعمل على توحيد الجماهير العريضة من الطبقة العاملة والشباب في مواجهة الرأسمالية والاستعمارية. إن الأزمة الرأسمالية التي أفرزت هذا الولع المجنون بالحرب هي نفسها التي تحفّز للدفع باتجاه ثورة اجتماعية. ولكن هذا الغضب المتزايد والمعارضة من قبل الملايين من الناس حول العالم – ضد الحرب، وعدم المساواة الاجتماعية والاعتداء على الحقوق الديمقراطية – يجب أن يتم توجيهه من قِبل منظوروبرنامج سياسي جديد.

8. وبهذا البيان، فإن اللجنة الدولية للأممية الرابعة تعرض المبادئ التالية كأسس سياسية أساسية للحركة المناهضة للحرب:

  • ينبغي أن يستندالنضال ضد الحرب على الطبقة العاملة على اعتبار أنها القوة الثورية الكبرى في المجتمع، بحيث تتوحد خلفها جميع العناصر التقدمية في المجتمع.
  • ينبغي على الحركة المناهضة للحرب أن تكون مناهضة للرأسمالية ومعالاشتراكية ، حيث أنه لن يكون هناك نضال حقيقي ضد الحرب بدون الصراع لوضع حدلديكتاتورية رأس المالالنقدي والنظام الاقتصادي الذي يُعد السبب الرئيسي للنزعة العسكرية والحرب.
  • ولذلك من الضروري أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب مستقلة تماماً وبشكل لا لبس فيهعنكل الأحزاب والمنظمات السياسية للطبقة الرأسمالية بل ومعادية لها.
  • وقبل ذلك كله، ينبغي أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب عالمية، تعمل على حشد القوى الهائلة للطبقة العاملة في نضال عالمي موحد ضد الإمبريالية. فالحرب المستمرة من قبل البرجوازيين يجب أن يقابلها منظور الثورة الدائمة من قبل الطبقة العاملة بحيث يكون هدفها هدم نظام الدولة القومية، وإنشاء اتحاد اشتراكي عالمي. الأمر الذي سيسمح بالتنمية العقلانية والمخطّط لها للمصادر العالمية، وبالتالي القضاء على الفقر والنهوض بالحضارة الإنسانية إلى آفاق جديدة.

التناقض ما بين نظام الاقتصاد العالمي ونظام الدولة القومية:

9. لكي لا تترك الطبقة العاملة ضحية للتضليل والتشويش من قبل الدعاية الشوفينية، تحتاج الطبقة العاملة لفهم علمي للجذور الموضوعية للحرب. وهكذا ينبغي أن تستند الرؤية السياسية لأي حركة اشتراكية وعالمية مناهضة للحرب على تقييم دقيق للمصالح الاقتصادية والطبقية التي تنطوي عليها الاستراتيجيات الإمبريالية وصراعات القوى العظمى. فقط على هذا الأساس، تستطيع الطبقة العاملة تطوير برنامجها الخاص المستقل لمعارضة قوية "للمصالح القومية" التي تروج لها النخب الحاكمة في كل دولة كمبرر للحرب.

10) إن السبب الرئيسي وراء النزعة العسكرية والحرب يكمن في التناقضات العميقة للنظام الرأسمالي العالمي: 1) مابين اقتصاد متكامل ومتداخل عالمياً وبين تقسيمه إلى دويلات قومية متناحرة، 2) مابين الطابع الاجتماعي للإنتاج العالمي وبين إخضاعه إلى عملية تكديس لفوائد خاصة على يد الطبقة الرأسمالية الحاكمة من خلال الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. فهناك اتحادات قوية من البنوك والشركات الرأسمالية التي تستخدم الدولة لشن صراع تجاري وعسكري للسيطرة على المواد الخام وأنابيب النفط والغاز، والطرق التجارية ومنافذ العمالة الرخيصة والأسواق والتي تعد في غاية الأهمية لجمع الأرباح.

11. إن الحملة الداعية للحرب تنطلق من سعي الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها كقوة مهيمنة في العالم. فقد كان تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 بمثابة فرصة لتأكيد السيادة الأمريكية حول العالم بدون منافس. وقد تم تمجيد ذلك على يد دعائيين استعماريين على أنه "المحطة الأخيرة في التاريخ"، وأنه قد أنتج "لحظة أحادية القطب" ستُملي بمقتضاها الولايات المتحدة باعتبارها قوة لا منازع لها "نظاماً عالمياً جديداً" في مصالح وول ستريت. كان الاتحاد السوفييتي يشتمل على مساحة واسعة من العالم، امتدت من الحدود الشرقية لأوروبا إلى المحيط الهادي. وهكذا عادت مناطق أوراسيا الشاسعة الواقعة تحت احتلال روسيا الضعيفة، ودول وسط آسيا حديثة الاستقلال "إلى دائرة الضوء" مرة أخرى، عرضةً لاستغلال ونهب الشركات. فقد أدت استعادة الرأسمالية في الصين من قبل الاستالينيين، وقمع الدولة البوليسية لمقاومة الطبقة العاملة في 1989، بالإضافة إلى افتتاح "مناطق تجارة حرة" للاستثمار عبر الحدود إلى خلق منطقة واسعة للعمالة الرخيصة.

12. لقد تم استغلال انتصار الولايات المتحدة وحلفائها ضد العراق في حرب الخليج عام 1991 من قبل الطبقات الحاكمة في أنحاء العالم لشرعنة الحرب على أنها الوسيلة الأكثر فعالية للسياسة الخارجية. فقد نشرت جريدة وول سترست "القوة تُفيد". وبعدها بعام واحد، اعتمد البنتاغون وثيقة استراتيجية دفاعية تنص على أن هدف الولايات المتحدة كان "ردع الدول الصناعية المتقدمة عن تحدي ريادتنا، أو حتى مجرد الطموح إلى لعب دور إقليمي أو عالمي أكبر" عن طريق استخدام القوة العسكرية.

13. على كل الأحوال، لم تنجح خمس وعشرون سنة من الحرب طويلة المدى في أن تتصدى لتراجع الرأسمالية الأمريكية أو أن تخلق قاعدة جديدة مستقرة للعلاقات الدولية. على النقيض من ذلك، تحولت الولايات المتحدة المدججة بالسلاح والتي تمزقها الأزمات الداخلية المستعصية إلى أكبر مصدر لعدم الاستقرار العالمي. إن الحملة لخلق "نظام عالمي جديد" لم تنجح إلا في إثارة فوضى عالمية. فقد نتجت عن كل حرب شنتها الولايات المتحدة تعقيدات غير متوقعة وكارثية.

الجغرافيا السياسية للإمبريالية

14. إن العمليات الدؤوبة و النائية لوكالات الاستخبارات الأمريكية هي دليل عملي على أنه ليس هناك بقعة على وجه الأرض بمنأى عن دائرة الرأسمالية الأمريكية. فكل قارة وكل قطر يتم النظر إليه من منظور المصالح الاقتصادية والجيوسياسية للإمبريالية الأمريكية. إن الطبقة الحاكمة الأمريكية تضع كل تركيزها على تطوير استرتيجية لمواجهة أي تحدي حقيقي أو محتمل.

15. تعتبر واشنطن الصين أكبر تهديد حقيقي للسيادة الأمريكية حول العالم. فقد تحولت الصين بفضل التطور الذي جلبه الاستثمار العابر للحدود وترسيخ قدرة إنتاجية ضخمة إلى شريك تجاري رئيسي لعدد من الدول حول العالم و إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. فمع نمو ثقل الصين عالمياً، روجت الصين بدائل لأنظمة الاستثمار والتجارة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة حالياً، وتسعى للحصول على دعم دولي، بما في ذلك من حلفاء واشنطن الأوروبيين والآسيويين. وتخشى الولايات المتحدة من أن تطورات من قبيل تكوين بنك استثمارات البنية التحتية الآسيوي ومسعى الصين لمبادرة "الطريق الحريري" في أوراسيا سيؤدي بدرجة كبيرة إلى تقويض موقعها في الاقتصاد العالمي.

16. بالإضافة إلى ذلك، تنشغل مؤسسات الفكروالرأي الأمريكية بالمؤشرات التي تفيد بأن الدولة الصينية تكتسب المزيد من الموارد والقدرات العسكرية والانتشار العالمي، الذي قد ينافس الولايات المتحدة بعد عدة عقود، إذا لم يوضع له حد. فحاجة الصين إلى إمدادات مستقرة من الطاقة والمواد الخام دفعت بكين إلى إقامة علاقات دولية أدت بشكل ملموس إلى تقويض نفوذ الولايات المتحدة في كل من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فقد أكد استعراض حديث لـ"محور آسيا" أو "إعادة التوازن إلى آسيا" أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بتكليف من البنتاجون، بلهجة واضحة العداء، أن "موازين القوة العسكرية في المنطقة تتغير لغير صالح الولايات المتحدة".

17. هناك مبالغة كبيرة، مدفوعة بمصالح استعمارية، في مثل هذه التقديرات لـ"صعود الصين". فالبلد تعصف به تناقضات اجتماعية متفجرة، حيث تتواجد المدن الحديثة والبنايات الصناعية المتقدمة جنباً إلى جنب مع مناطق الزراعة الريفية التي تعيش على الكفاف تقريباً، وحيث تتواجد الثروة الهائلة جنباً إلى جنب مع الاستغلال المُزري والتخلف المزمن. ووكالات الاستخبارات الأمريكية تعي تماماً حقيقة الانقسامات الفئوية والجهوية في الصين وتسعى لاستغلالها – حيث أن الصين دولة تضم 55 أقلية عرقية معترف بها رسمياً – وهذه الانقسامات تنشأ من الصراعات على الثروة والامتيازات بين القطاعات المتنافسة من الطبقة الرأسمالية الجديدة. وبالرغم من النمو الاقتصادي، فإن استعادة الرأسمالية في الصين جعل البلد أكثر عرضة لضغوط الإمبريالية الأمريكية والأوروبية.

18. وتتركز عملية "إعادة التوازن" على نشر قوات عسكرية للولايات المتحدة وحلفائها لتقوم بتهديد الصين بشكل دائم من خلال ضربات جوية مدمرة على المراكز الصناعية ذات الكثافة السكانية العالية على ساحل المحيط الهادي، وحصار الممرات البحرية الحيوية في بحر الصين الجنوبي والتي يعتمد عليها الاقتصاد الصيني. إن هدف الأبعاد العسكرية للـ"محور" والمتمثلة في مفهوم البنتاغون لـ"حرب بحر الهواء" هو إجبار الصين على الرضوخ للإملاءات الاقتصادية للولايات المتحدة. وتتمثل أطماع بنوك وول ستريت والشركات في شروط شراكة ما عبر المحيط الهادئ وتصريحات الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة، وليس الصين، "هي التي تكتب قواعد تجارة القرن الحادي والعشرين".

19. لقد أدى "محور آسيا" إلى عسكرة وزعزعة استقرار المنطقة بأسرها، كما سيؤدي إلى استنزاف مصادر هائلة من الولايات المتحدة. وفي العديد من الدوائر الاستراتيجية الأمريكية، تم وصفه بأنه غير ملائم. وقد تعهد النظام الصيني بتمويل شبكات الطاقة والمواصلات المسماة "حزام واحد، طريق واحد" عبر الجمهوريات السوفيتية السابقة في آسيا الوسطى وروسيا وأوروبا الشرقية، مما سيؤدي إلى إقامة أراضٍ وخطوط بحرية جديدة لموارد الشرق الأوسط وأسواق أوروبا الغربية لن تكون تحت رحمة العسكرية الأمريكية. وفي حين أن تحقيق مثل هذه التطلعات يعتمد على عدد من العوامل السياسية والمالية والفنية غير المعلومة إلى حد كبير، إلا أن واشنطن تنظر إليها على أنها تهديد للوجود الأمريكي.

20) ويتكهن التقرير المؤخر لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) حول التحديات التي قد تنشأ إذا ما عززت مثل هذه التطورات الاقتصادية تحالف عسكري وسياسي بين روسيا والصين قد يسيطر على منطقة أوراسيا، وبالتالي قد يعمل على جذب قوى أخرى. ويقول التقرير: "سواء كان الكرملين في نهاية الأمر سيصطف مع الصين أو أنه يسعى لتحقيق التوازن ضد جارته الأقوى، فسيكون لذلك تداعيات بعيدة المدى". فالنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة تعتبر الإدارة الحالية في موسكو وامتلاكها لمخلفات القوة العسكرية التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي السابق عقبة غير مقبولة أمام ممارسات القوة الأمريكيةالمطلقة في كل من أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط.

21. لقد لقت كتابات الاستراتيجي الإمبريالي البريطاني هالفورد ماكيندر (1861 – 1948) رواجاً واسعاً لدى المحللين الاستراتيجيين والعسكريين الذين يشكلون السياسة الخارجية للولايات المتحدة. في العديد من الكتب والمقالات المنشورة في دوريات أكاديمية على مدار السنوات الأخيرة، اعتبر ما كيندر ما أسماه بـ"قلب أورواسيا" – والتي تمتد من الحدود الشرقية لألمانيا إلى الحدود الغربية للصين – عنصراً ذا أهمية استراتيجية حاسمة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الغربيين.

22. بالإضافة إلى ذلك، تم إحياء مفاهيم أخرى، مثل خطة الزعيم اليميني المستبد لبولندا قبل الحرب العالمية الثانية، جوزيف بيلودسكي والتي كانت تُعرف باسم "إنترمريوم" (مابين البحار). كان هدف الإنترمريوم إنشاء تحالف استعماري تحت رعاية دول يمينية من بحر البلطيق إلى البحر الأسود (مشتملاً على إستونيا ولاتفيا ولتوانيا وبولندا وأوكرانيا) بهدف زعزعة استقرار الاتحاد السوفييتي. وقد كتب أحد المعاصرين من دعاة هذه النظريات في 2011: "يتعين على الغرب أن يكون له وجود في أوراسيا، وخصوصاً مع "دول شرق أوروبا الجديدة": أوكرانيا وروسيا البيضاء ودول القوقاز، وأيضاً دول آسيا الوسطى والتي تكون معاً "دول أوراسيا الصغرى". وبهذه الطريقة سيكون الغرب قادراً على خلق حصن منيع ضد القوى الرئيسية في أوراسيا – بين الجانب الأضعف لروسيا والباب الخلفي للصين" [ألكسندرس بيترسن، جزيرة العالم: الغرالفيا السياسية لأوراسيا ومصير الغرب، (سانتا باربارا: بريغر)، صفحة 114].

23. إن تطبيق هذه الخطط الاستراتيجية الجغرافية واضح في كل من أوروبا وآسيا، حيث يجري الإعداد المنظم لقوة عسكرية لأمريكا وحلفائها في المحيطين الهندي والهادي ضد الصين, بينما تتم مواجهة روسيا من خلال نشر قوات الناتو في أوروبا الشرقية، وتعهدات أمريكا بتقديم المساعدة العسكرية للأنظمة القومية المتطرفة في دول البلطيق وأوكرانيا. لقد استخلصت الطبقة الحاكمة الأمريكية أن الدول المسلحة نووياً في بكين وموسكو يجب إخضاعها عاجلاً وليس آجلاً. فهدف أمريكا يتمثل في إختزال الصين وروسيا إلى دول شبه استعمارية عميلة، والسيطرة على "مناطق قلب آسيا" وحكم العالم.

24. يعد جنوب آسيا والمحيط الهندي عنصران أساسيان في استراتيجية الإمبريالية الأمريكية للسيطرة على أوراسيا والعالم. فمنذ بداية القرن الحالي، سعت الولايات المتحدة بدون هوادة لتوسيع وجودها العسكري الاستراتيجي في جميع أنحاء شبه القارة الهندية، وكان من ضمن ذلك احتلال أفغانستان الذي مر عليه الآن خمس عشرة سنة، وتطوير "شراكة استراتيجية عالمية" مع الهند بما في ذلك توسيع العلاقات العسكرية بشكل مستمر، وأيضاً تنسيق عملية تغيير النظام في سيريلانكا في يناير 2015 لتعيين حكومة أكثر تبعية لواشنطن. إن خطط أمريكا لاستخدام نقاط اختناق بحرية لفرض حصار اقتصادي على الصين في حالة وقوع حرب أو أزمة حرب تعتمد على فرض السيطرة على المحيط الهندي. وكذلك الأمر بالنسبة لإنزال قوة عسكرية أمريكية في شرق أفريقيا والشرق الأوسط. وأخيراً وليس بآخر، فإنه ينظر للسيطرة على المحيط الهندي على أنها أمر محوري لأنها تمد واشنطن بقبضة قوية على الممرات البحرية التي تربط شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، أو إذا صح أن نستخدم كلمات الاستراتيجي الأمريكي ر. د. كابلان، القبضة على "الطريق البحري المتميز للطاقة والتجارة بين دول العالم".

25. إن حملة الولايات المتحدة لربط الهند وجنوب آسيا بالكامل بالمطامع الاستراتيجية التوسعية الأمريكية يؤجج النيران في منطقة هي في الأساس تستعر بالصراعات الجيوسياسية والقومية-العرقية والطائفية المتفجرة. وما يزيد من القلق أنها قلبت موازين القوة بين الهند وباكستان، وهما على حد سواء مسلحتان بأسلحة نووية، الأمر الذي ترتب عليه سباق تسلح في جنوب آسيا. وقد صور تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في 2013 عدم مبالاة واشنطن بالأثار التخريبية لأعمالها العدوانية في جنوب آسيا. فقد صرح التقرير بأن حرباً نووية بين الهند وباكستان قد يموت فيها عشرات إن لم يكن مئات الملايين "لن يترتب عليها بالضرورة عواقب استراتيجية بالغة الخطورة" بالنسبة للولايات المتحدة, بل "ربما يكون لها فوائد".

26. إن الإمبريالية الأمريكية هي مسرح التخطيط لحرب عالمية، ولكنها ليست أكثر من تعبير قوي عن الأزمة المستعصية للرأسمالية كنظام عالمي. وبالمثل فإن الإمبريالية الأوروبية واليابانية، اللتان تواجهان نفس التناقضات الداخلية والخارجية، تسعيان وراء مصالح الطبقات الحاكمة لديهما والتي لا تقل طمعاً أو رجعية. الجميع يسعى إلى استغلال التوسع الأمريكي لتأمين حصة في ما تحول إلى معركة شرسة لعملية دولية تعمل على إعادة تقسيم القوة الاقتصادية والسياسية العالمية. هل ستبقى ألمانيا خليفاً للولايات المتحدة أم أنها ستعود لتظهر من جديد كعدوها الرئيسي في القارة الأوروبية؟ هل ستنتهي "العلاقة الخاصة" والمتوترة دائماً بين الولايات المتحدة وبريطانيا على جانب الطريق؟ من المستحيل في خضم الصراع العالمي الذي يتكشف أمامنا الآن أن نتنبأ على وجه اليقين بالتوجهات المستقبلية للحكومات الإمبريالية. فكما وضح لينين أثناء الحرب العالمية الأولى، القوى الاستعمارية " متورطة مع بعضها البعض في شبكة من المعاهدات السرية مع حلفائها وضد حلفائها".

27. بعد سبعين عاماً من سقوط ألمانيا النازية تحت حكم هتلر (الرايخ الثالث)، تطالب الطبقة الحاكمة الألمانية من جديد بتأكيد دولتهم كالسيد الأعلى لأوروبا بدون منازع وكقوة عالمية. وفي مواجهة المشاعر المناهضة للحرب وسط الجماهير الألمانية، تقوم برلين بنشر قوات عسكرية للتأكيد على مصالحها في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفي حين تتدفق الأموال على إعادة التسليح، تتصدر المعاذيرحول جرائم النظام النازي المؤسسة السياسية والإعلام والمحافل الأكاديمية بهدف تبرير إحياء الطموحات الاستعمارية الألمانية.

28. ومن جانبها، ترى الإمبريالية البريطانية في تراجع الولايات المتحدة فرصة لتوسيع التداولات العالمية للبنوك وبيوت التمويل القائمة بالعاصمة المالية لندن والتي لازالت تتمتع بأهمية كبيرة. وتحاول فرنسا أن تستعيد قبضتها على مناطق نفوذها الاستعمارية السابقة في شمال وغرب أفريقيا. أما إيطاليا فلديها خطط لاستعادة نفوذها في ليبيا. وتحت قيادة بريطانيا، قامت الدولة المفترض تحالفها "الخاص" مع الولايات المتحدة، وجميع القوى الأوروبية الرئيسية بالإعلان عن تحديهم لواشنطن من خلال انضمامهم إلى الصين لإنشاء بنك آسيا لاستثمارات البنية التحتية. وفي الوقت ذاته، فإن العداء المتزايد بين القوى الأوروبية – وعلى وجه الخصوص العداء في بريطانيا وفرنسا تجاه النفوذ المتزايد لألمانيا – يسبب شرخاً في الاتحاد الأوروبي. إن الوهم بأن القارة يمكن توحيدها على أساس العلاقات الرأسمالية قد تحطم. وقد يؤدي استفتاء سيجري في وقت لاحق من هذا العام على خروج بريطانيا إلى انهيار الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، وإعادة كل الخصومات القومية العالقة - والتي أدت سابقاً إلى حربين عالميتين - إلى بؤرة السياسات الأوروبية.

29. بينما تتعهد اليابان بالتحالف الدائم للنظام العالمي تحت سيادة الولايات المتحدة، ترفض النخبة الحاكمة في الدولة القيود التي فرضت بعد الحرب على دورها الإمبريالي المستقل، وتعمل على بناء جيشها من أجل التأكيد بقوة على طموحاتها. في عام 1941 دفع النزاع حول القوة التي لها أن تسيطر على آسيا كلاً من الإمبريالية الأمريكية واليابانية إلى الحرب. وبالنسبة لدعم القوى الأقل استعمارية مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا للعسكرة الأمريكية، فإنه ينبع من قرار ارتزاقي، مفاده أن هذه هي الوسيلة الأفضل في الوقت الراهن للإبقاء على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. وعلى الإمبريالية الأمريكية الأخذ في الاعتبار المواقف والإمكانات العسكرية للدول التي لم تحسب لها حساب في نهاية الحرب العالمية الثانية مثل الهند والبرازيل وإيران وأندونيسيا.

الإمبريالية وانهيار الرأسمالية

30. إن الإنهيار العالمي للنظام الرأسمالي يشعل التوترات والصراعات بين الدول القومية المتنافسة. وقد كانت اللجنة الدولية للأممية الرابعة هي الوحيدة التي أصدرت تقييماً مفاده أن تفكك الاتحاد السوفييتي على يد الستالينية لم يكن مؤشراً على نجاح الرأسمالية، وإنما على انهيار الآلية السياسية الهامة التي سهلت استقرارها بعد الحرب العالمية الثانية. فقد تزامن تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 مع التراجع الاقتصادي للولايات المتحدة والنهاية الحتمية لقدرة واشنطن على أن تخمد بشكل سلمي التناقضات الكامنة التي أدت إلى حربين عالميتين بين القوى الرأسمالية الرئيسية.

31. وعلى النقيض من ادعاءات الانتصار النهائي لـ"السوق الحرة" التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي، شهدت الخمس وعشرون سنة الماضية سلسلة من الأزمات التي لم تنتهي. فالأزمة الاقتصادية في آسيا في 1997 – 1998 تلاها تعثر روسيا وإفلاس إدارة رأس المال طويل الأجل (Long Term Capital Management) في عام 1998 و انفجار فقاعة دوت-كوم في 2001، لتبلغ الأزمة ذروتها بانهيار الرهن العقاري في الولايات المتحدةوالانهيار المالي في جميع أنحاء العالم في أواخر 2008.

32. وعلى مدار السبع سنوات الماضية، قامت البنوك المركزية حول العالم تحت قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بضخ أكثر من 12 ترليون دولاراً لدعم البنوك وبيوت التمويل. وبالرغم من ارتفاع قيمة الأسهم والثروة الاسمية للطبقة الأكثر غنى، استمر ركود الأنشطة الإنتاجية، حتى مع ارتفاع الدين العالمي إلى ما يعادل 57 ترليون دولار. فالنمو في الصين، والذي يستمر بفعل سياسات التحفيز التي تغذيها الديون، يتباطأ الآن بحدة، مسبباً انهيار في أسعار السلع الأساسية. وعليه فالبلدان التي تعتمد على صادرات السلع الأساسية مثل السعودية وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وفنزويلا، وحتى كندا وأستراليا, تنزلق نحو كساد اقتصادي.

33. وهكذا يلوح في الأفق انهيار مالي أكثر كارثية. وقد ذكرت النيويورك تايمز أن: "الديون المعدومة أصبحت عبئاً على النشاط الاقتصادي منذ الأزمة المالية في 2008". وفيما يخص الصين، حذرت الصحيفة من أن "الائتمانات المتعثرة قد تتجاوز 5 ترليون دولاراً، وهو رقم يبعث على الصدمة إذ أنه يعادل نصف حجم الناتج الاقتصادي السنوي للبلاد". وتواصل الجريدة تحذيرها قائلة أن "القروض المتعثرة " في الصين، والتي تمثل المحرك الرئيسي لأي نمو اقتصادي حدث منذ 2008، قد تؤدي إلى خسائر مالية بمقدار 4.4 ترليون دولاراً. ويصدر محللون آخرون تحذيرات قاتمةحول ملايين التريليونات التي قُدمت في صورة ائتمانات من قبل المؤسسات المالية حول العالم لشركات الطاقة الخاسرة.

34. وكما أدى انهياروول ستريت في عام 1929 إلى إثارة التوترات الجيوسياسية التي أدت بعد عقد من الزمن إلى نشوب الحرب العالمية الثانية، فقد أشعل انهيار 2008 النزعات العسكرية الإمبريالة. فقد شهدت السنوات السبع الماضية صراعاً مريراً متصاعد الوتيرة بين الشركات عبر الوطنية المتنافسة حول أسهم الأسواق والفوائد المتهاوية. ويعرب تقرير أصدره مؤخراً معهد ماكينزي الدولي - وهو شركة استشارية مقرها أمريكا – عن المخاوف الأمريكية بشأن انتهاء "العصر الذهبي" لربحية الشركات نتيجة لمزيج من الركود العالمي وتصاعد المنافسة والمطالبة بزيادة الأجور من قبل الطبقة العاملة. وبينما ازدادت الأرباح من 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% ما بين 1980 و2013، تؤكد ماكينزي بأن الظروف ستتغير بشكل جذري في خلال العقد القادم. فالمؤسسات الكبرى التقليدية تواجه تحديات متزايدة من الشركات العاملة في "الأسواق الناشئة"، خصوصاً في الصين. بينما يؤثر تصاعد مقاومة الطبقة العاملة على تراجع تكاليف العمالة الذي استمر لعقود. ويخلص تقرير ماكينزي إلى أن "الحكومات حول العالم ستواجه تحديات جديدة حول ما يعنيه تطوير ميزة نسبية بمقدورها أن تصمد في هذا المناخ السريع التغير". وكما يبدو، الطبقة الحاكمة ترى في القوة العسكرية إحدى وسائل اكتساب "الميزة النسبية".

الإمبريالية والاحتكار والطغمة المالية

35. يصادف العام 2016 الذكرى المئوية لأعظم ما كتب فلاديمير لينين عن الاستعمارية، وقد كتب ذلك في خضم مذبحة الحرب العالمية الأولى. لقد وضح لينين أن الإمبريالية لم تكن مجرد سياسة، بل مرحلة خاصة من مراحل تطور الرأسمالية العالمية. "الإمبريالية هي رأسمالية احتكارية، رأسمالية طفيلية ومتحللة، رأسمالية محتضرة". ويؤكد لينين أنها، أي الإمبريالية، تتسم بـ"استبدال المنافسة الحرة بالاحتكار" والهيمنة على الاقتصاد من خلال المنظمات والبنوك العملاقة "التي تقوم بتوجيه السوق العالمي بأكمله وتوزيعه فيما بينها (بشكل ودي) – حتى تقوم الحرب بإعادة توزيعه". كما أضاف أن الإمبريالية هي دكتاتورية رأس المال النقدي "التي تسعى إلى السيطرة وليس الحرية".

36. لقد كتبت مؤلفات لينين في مرحلة مبكرة من عمليات تطورت بشكل كبير على مدار القرن الماضي. فمع عولمة الانتاج الرأسمالي، تمكنت الشركات عبر الوطنية من فرض هيمنتها على الكوكب بأسره، مقيمة بذلك شبكات انتاج ضخمة وسلاسل إمدادات تقوم باستغلال جهود العمال في جميع أنحاء العالم. لقد بلغت دكتاتورية رأس المال النقدي آفاقاً بعيدة. وفي دراسة قام بها باحثون في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا بسويسرا في عام 2011، وجد الباحثون أنه من بين 43,060 شركة عبر وطنية كبرى، تمتلك 1,318 شركة فقط فيما بينها الغالبية العظمى من شركات التصنيع الكبرى على مستوى العالم، وهذا يمثل 60% من عائدات الإيرادات العالمية. ومن هذه الـ 1,318 شركة، تسيطر 147 شركة فقط على 40% من الثروة الكلية لهذه الشبكة – وهذه تتمثل بصورة كبيرة في البنوك العملاقة وصناديق الاستثمار التي تتمركز في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان.

37. وقد تعالت وتيرة عملية تركيز المؤسسات منذ الأزمة الاقتصادية في 2008. حيث انخرطت الشركات في موجة من عمليات الاندماج والاستحواذ. وقد سجل عام 2015 رقماً قياسياً لمثل هذه التعزيزات التي وصلت قيمتها الكلية إلى 4.9 ترليون دولاراً، متفوقة بذلك على الرقم السابق في 2007 والذي كان 4.6 ترليون دولاراً.

38. وقد كتب لينين في ظل الإمبريالية "إن سيادة رأس المال النقدي على جميع أشكال رؤوس المال الأخرى يعني غلبة الريعية والطغمة المالية، مما يعني أن عدد قليل من الدول "القوية" يتميز على باقي الدول".إن الاتجاه تقوية قطاع الخدمات المالية وسيطرة مضاربي "الريعية" على جميع أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية انتشر بشكل واسع في الولايات المتحدة أكثر من أي مكان آخر. فبينما تدفقت 6% فقط من أرباح الشركات الأمريكية في قطاع الخدمات المالية في عام 1980، تزيد نسبتها اليوم عن 40%.

39. إن مقدار الثورة الذي تمتلكه حفنة صغيرة من سكان العالم يستعصي على الفهم. فالـ 62 شخصاً الأغنى في العالم اليوم يمتلكون أكثر من الـ50% الأدنى في المجتمع، أو بمعنى آخر 3.7 مليار شخص. وفي الولايات المتحدة، فقد عاد "الانتعاش الاقتصادي" بالفائدة فقط على الطبقة الرأسمالية، حيث أن نصيب الثروة التي يمتلكها الـ 0.1% الموجودون في أعلى الهرم ارتفع من 17% في 2007 إلى 22% في 2012، بينما انخفض دخل الأسرة العادية بمقدار 12% في خلال الفترة نفسها. هذا العام، من المحتمل أن تسيطر نسبة الـ 1% التي بأعلى الهرم من سكان العالم على ثروة تزيد عن نصيب الـ99% الأدنى.

40. لقد وسعت النزعة العسكرية من عدم المساواة الاجتماعية بشكل كبير، كما زادت من حدة التوترات الطبقية. وتتم زيادة الإنفاق الدائم على العسكرية على حساب الحقوق الاجتماعية للعمال . فقد ارتفع الإنفاق العسكري العالمي إلى أكثر من 1.7 ترليون دولاراً، تهدر الولايات المتحدة الأمريكية وحدها أكثر من 600 مليار منها.

الطبقة العاملة والصراع ضد الإمبريالية

41. إن أزمة نظام الدولة القومية الرأسمالية تفرز وجهتين سياسيتين لا يمكن التوفيق بينهما. فالإمبريالية تسعى للتغلب على صراع المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية المتأصل في نظام الدولة القومية الرأسمالية عن طريق انتصار قوة عالمية مهيمنة واحدة على جميع منافسيها. وهذا هو هدف الحسابات الإمبريالية الجيوستراتيجية، والنتيجة الحتمية لذلك هي حرب عالمية.

42. ولمعارضة الجغرافيا السياسية للطبقة الرأسمالية، تعد الطبقة العاملة الدولية القوة الاجتماعية التي تمثل، وبموضوعية، القاعدة الجماهيرية لثورة اشتراكية عالمية تنذر بنهاية نظام الدولة القومية برمته وإقامة اقتصاد عالمي يقوم على المساواة والتخطيط العلمي. فالإمبريالية تسعى لإنقاذ النظام الرأسمالي من خلال الحرب، بينما الطبقة العاملة تسعى إلى حل الأزمة العالمية من خلال الثورة الاجتماعية. فاستراتيجية الحزب الثوري تتطور كأداة نفي للواقع الجغرافي السياسي للدولة القومية الإمبريالية. وكما وضح تروتسكي، الحزب الثوري "لا يتبع خريطة للحرب وإنما خريطة للصراع الطبقي".

43. وكما يصف الماركسيون، الرأسمالية تحفر قبرها بنفسها. فعولمة الإنتاج والتي ضاعفت من حدة أزمة الرأسمالية أدت إلى زيادة ضخمة في حجم الطبقة العاملة الدولية. فمن 1980 إلى 2010 ازدادت القوة العاملة في العالم بمقدار 1.2 مليار، حيث وصلت إلى ما يقارب 2.9 مليار شخص، بما في ذلك 500 مليار عاملاً جديداً في الصين والهند وحدهما. ولا يقتصر النمو الحاصل في الطبقة العاملة على مئات الملايين من العمالة الجديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، ولكن يشمل أيضاً قطاعات واسعة من السكان في الدول الإمبريالية التي انضمت إلى الطبقة العاملة. فالعالم بأسره ينقسم بشكل متزايد ما بين طبقة صغيرة تمتلك وتسيطر على وسائل الإنتاج وغالبية عظمى مضطرة إلى بيع جهدها في سوق العمل.

44. وهكذا يتم دفع الطبقة العاملة إلى صراعات ستستدعي حتماً أبعاداً ثورية. وستجد الطبقات الحاكمة في كل مكان نفسها مضطرة للدفاع عن مواقعها من خلال "التضحية" المستمرة بالعمال في "ذات" دولتهم القومية، وسيأخذ ذلك أشكالاً مثل البطالة على نطاق واسع والتقشف والإضرار بمستويات المعيشة. جيل بأكمله من الشباب يُضحى بمستقبله. وموارد هائلة تهدر على الإنفاق العسكري بينما تضمحل البنية الاجتماعية الأساسية، وينتشر الفقر، ويتم تجاهل مشاكل بيئية معقدة.

45. والدلائل واضحة على أن التوترات الاجتماعية التي تراكمت على مر عقود تطفو على السطح الآن. فقد كانت الحركة الجماهيرية للعمال والشباب في مصر في عام 2011 إيذاناً ببداية عهد جديد من النضال الثوري من قبل الطبقة العاملة الدولية. فقد تلت هذه الحركة مظاهرات قوية للمعارضة من الطبقة العاملة لعدم المساواة واستغلال المؤسسات الكبرى في بلدتلو الآخر بدءاً من المظاهرات المناهضة للتقشف في أوروبا، إلى تزايد الإضرابات في الصين وروسيا وجنوب أفريقيا، إلى ظهور روح التمرد بين عمال صناعة السيارات وقطاعات أخرى من العمال في الولايات المتحدة.

وكالات اليسار الزائف للإمبريالية

46. هناك معارضة قوية للحرب بين العمال والشباب على الصعيد العالمي. في 2003، حين كانت إدارة بوش تعد لغزو العراق على أساس من الأكاذيب، قامت مظاهرات حاشدة ضمت الملايين في جميع أنحاء العالم. هذه المشاعر لم تختف. إذن، ما الذي يفسر حقيقة قمع جميع أشكال الاحتجاج ضد الحرب على مدار العقد الماضي؟

47. وتكمن الإجابة في السياسات الموالية للرأسمالية والإمبريالية من قبل من يقدمون أنفسهم كذباً على أنهم "اليسار". لقد كانت الحركة المناهضة للحرب أثناء حرب فيتنام قائمة بالأساس على قطاعات من الطبقة الوسطى تبنت نزعات يسارية. وعلى مدار العقود الأربع الماضية، مرت هذه الطبقات بتحول اجتماعي وسياسي كبير. فقد أدى الارتفاع الهائل في قيمة الأسهم - الذي ساعد عليه فرض خصومات على فوائد وأجور العمال بشكل مستمر،وتضاعف معدلات الاستغلال، وانتزاع مبالغ هائلة من القيمة الإضافية من الطبقة العاملة – إلى تقديم الفرصة لقطاع محظوظ من الطبقة الوسطى للوصول إلى درجة من الثراء ما كانوا ليتخيلوها عند بداية حياتهم المهنية. فالازدهار الطويل الأمد لسوق البورصة مكن الإمبريالية من أن تجند جمهوراً جديداً موالياً لها من بين قطاعات من الطبقة الوسطى العليا. هذه القوى - إلى جانب المؤسسات السياسية التي تعبر عن مصالحها– بذلت ما في وسعها ليس فقط لإخماد المعارضة للحرب، بل أيضاً لتبرير عمليات النهب التي تقوم بها الإمبريالية.

48. إن الوظيفة السياسية الخاصة لمنظمات اليسار الزائف وشركائهم هي التغطية على أكاذيب الولايات المتحدة وحلفائها –لتبرير التدخل سواء في البلقان أو ليبيا أو سوريا – من خلال الادعاءات الاحتيالية بـ"حقوق الإنسان". فقادة اليسار الزائف يستنكرون "معاداة الإمبريالية غير المحسوبة" لوقوفها في وجه أي عملية أو أخرى يعد لها البنتاجون من قبيل "مسؤولية الحماية". وقد يذهب قادة بارزون لليسار الزائف إلى أبعد من ذلك فيشاركون في الجلسات الاستراتيجية الاستعمارية مثل جلبارت أشقر. كما قام البروفيسور خوان كول، مروجاً لنفسه، بتقديم خدماته علناً كجندي للإمبريالية في ليبيا. ليس هناك جديد في مثل هذه الادعاءات الهزلية بالنبل الأخلاقي والقيمي من جانب الأكاديميين البرجوازيين الصغار والقادة الدينيين وغيرهم من أذناب الإمبريالية لتبرير العمليات الإجرامية لحكوماتهم. وقديماً مع مطلع القرن العشرين، دعا الليبرالي الناقد للإمبريالية، جون أ. هوبسون، بشكل ساخر إلى الانتباه إلى الدور الذي تلعبه "كذبة الروح" في التغطية على الغزو والاحتلال. وكما كتب هوبسون، فإنه وكنتيجة لمثل هذه الأكاذيب "قد تدنست العملة الأخلاقية للأمة".

49. وفي مسعى حثيث لتقديم ولائهم للمخططين الاستراتيجيين في البنتاجون من خلال شرعية نظرية وسياسية ما، قامت مجموعة كبيرة من مؤسسات اليسار الزائف بإعلان روسيا والصين كقوتين "إمبرياليتين". وقد تم إطلاق هذا التعريف اعتباطياً، دون أية محاولة لشرح العملية التاريخية التي تحولت من خلالها كل من روسيا والصين، في غضون 25 سنة، من دولتين عماليتين ضعيفتين ومشوهتينبيروقراطياً إلى قوتين إمبرياليتين.

50. لو كان الأمر مجرد تعبير عن المعارضة السياسية للنظام في كل من بكين وموسكو لما استدعى ذلك توظيف لقب "إمبريالية". وتنادي اللجنة الدولية للأممية الرابعة بإسقاط الدولتين الرأسماليتين في كل من روسيا والصين على يد الطبقة العاملة كعنصر أساسي للثورة الاشتراكية العالمية. فقد أوضحت اللجنة أن الدولتين هما نتاج خيانة الستالينية لثورات القرن العشرين الاشتراكية واستعادتها للرأسمالية في نهاية الأمر. الحكومة الروسية هي الممثل لحكم الأقليات الذي نتج عن البيروقراطية الستالينية بعد أن فككت الدولة السوفيتية وألغت علاقات الملكية المؤممة. والترويج لها كقومية "روسية عظمى" هو نتاج حاد للستالينية نفسها التي مثلت رفضاً عنيفاً وانقلاباً على ثورية البرنامج الأممي للماركسية. ونظام الحزب الشيوعي الصيني يمثل النخبة الرأسمالية وبيروقراطية الدولة البوليسية التي نشأت منذ الثمانينات وأثرت نفسها من خلال العمل لتمكين استغلال الشركات الكبرى للجماهير الصينية.

51. ويتعين السؤال هنا، ما الغرض السياسي من وراء إضافة كلمة "إمبريالية" لوصف الصين وروسيا؟ من الناحية السياسية العملية، فإن هذا الوصف يخدم أغراضاً محددة جداً. في المقام الأول، هو يضفي الطابع النسبي على الدور العالمي الأساسي والحاسم المتصدي للثورات من قبل الإمبريالية الأمريكية والأوروبية واليابانية وبالتالي يقلل منه. وهذا ييسر التعاون الفعال من جانب اليسار الزائف مع الولايات المتحدة في عمليات تغيير الأنظمة كما في سوريا، حيث تساند روسيا نظام الأسد. ثانياً، وهو الأهم، توصيف الصين وروسيا كقوتين إمبرياليتين – وبالتالي، ضمنياً، كقوتين استعماريتين تقومان بقمع الأقليات العرقية والقومية واللغوية والدينية – يدعم مساندة اليسار الزائف لانتفاضات "التحرر الوطني" و "الثورات الملونة" داخل حدود الدول القائمة، بدعم من الإمبرياليةالأمريكية.

52. ويتلاقى دعم الإمبريالية في الخارج مع تأييد إملاءات الأرستقراطية المالية في الداخل. إن صعود حزب سيريزا ("وهو تحالف لليسار الراديكالي") إلى السلطة في اليونان في 2015، وقبوله بغاية السرعة لسياسات التقشف التي كان يدعي معارضتها، كشف طبيعة ودور اليسار الزائف على المستوى الدولي. وتقوم مجموعات أخرى بنفس المهمة مثل الحزب اليساري في ألمانيا، والحزب الجديد المناهض للرأسمالية في فرنسا، وحزب العمال الاشتراكي في المملكة المتحدة، والمنظمة الاشتراكية العالمية والبديل الاشتراكي في الولايات المتحدة. وهدف هذه المؤسسات هو منع التعبئة السياسية المستقلة للطبقة العاملة سواء كان هذا بالترويج لحملة حزب العمال لدعم جيريمي كوربين في بريطانيا أو حملة الحزب الديموقراطي لدعم برني ساندرز في الولايات المتحدة. إن ترويجهم الدائم لسياسات الهوية للعرق أو النوع أو التوجه الجنسي كان ولايزال هو الوسيلة التي يصلون من خلالها إلى مواقع متميزة ودخول مرتفعة في الدوائر الأكاديمية والمهن والنقابات العمالية والجهاز البيروقراطي في الدولة. فهم مرتبطون بألف خيط بعباءة الأرستقراطية المالية ويحملون عداء كبيراً للطبقة العاملة.

العمل على بناء اللجنة الدولية للأممية الرابعة

53. نحن الآن على مشارف المئوية الأولى لثورة أكتوبر 1917. هذا الحدث غير المعتاد في تاريخ العالم – أول ثورة اشتراكية وإنشاء أول دولة عمالية – أعده أمميون ماركسيون، تحت قيادة لينين وتروتسكي، كانوا يعارضون بشدة الحرب العالمية الإمبريالية الأولى. وقد أدت الخيانة اللاحقة للبرنامج الأممي ومبادئ ثورة أكتوبر على يد الجهاز البيروقراطي الستاليني في نهاية الأمر إلى تفكيك الاتحاد السوفييتي. ولكن بالرغم من المصير المأساوي للاتحاد السوفييتي، تبقى ثلاث حقائق تاريخية ثابتة. أولاً، لقد برهنت ثورة أكتوبر 1917 على صحة التقييم الماركسي للدور الثوري للطبقة العاملة وضرورة وجهة النظر الواعية والقيادة من قبل الحزب الثوري. ثانياً، أوضح النضال الذي دشنته الحركة التروتسكية – في داخل وخارج الاتحاد السوفييتي – أن هناك بديل ثوري للانحطاط البيروقراطي للنظام الستاليني يستند إلى برنامج اشتراكي وأممي. وعليه لم يكن تفكيك الاتحاد السوفييتي أمراً حتمياً. ثالثاً، إن التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية المتأصلة في الرأسمالية، والتي أدت إلى الحرب العالمية في 1914 والثورة الاشتراكية في 1917 لم يتم التغلب عليها.

54. لم ينقضي القرن الماضي هباءً. فالوعي السائد بين العمال والشباب في جميع أنحاء العالم تأثر بشدة بعقود من الحرب الدائمة والأزمة الاقتصادية. هناك تيار متصاعد للمقاومة ضد مستويات المعيشة المتدنية، والهجوم على المساعدات الاجتماعية، اتساع التفاوت الاجتماعي، وهدم الحقوق الديمقراطية تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب". المهمة الأساسية هنا هي دعم هذا النضال بفهم حقيقي لأزمة الرأسمالية ككل، والتي تتمثل بأخطر أشكالها في حملة الحرب الإمبريالية. من الضروري إعداد قيادة سياسية بين الطبقة العاملة يمكنها توحيد مساعي النضال المتفرقة ووضع القاعدة للإطاحة بالنظام الاجتماعي الاقتصادي بأسره من خلال ثورة اشتراكية.

55. لقد دخل الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية مرحلة جديدة. فمرحلة انتصار الرأسمالية التي وجدت طريقها مع استعادة الرأسمالية في أوروبا الشرقية وبلغت ذروتها مع تفكيك الاتحاد السوفييتي على يد البيروقراطية الستالينية قد انتهت. فأسواق المال التي كانت تصدق على الثروات الطفيلية للطبقة الحاكمة تنهار. وانهيار قيمة سوق المال لا يخفض فقط من حجم الحافظات المالية، وإنما يحطم سمعة ومصداقية منظري الرأسمالية والقادة السياسيين.

56. وما يصيب النخبة الحاكمة بالحيرة والخوف أن الراديكالية السياسية النامية بين الشباب والعمال تكتسب بشكل متسارع توجهات اشتراكية. وسيكون من الخطأ الكبير أن نساوي بين هذا الدافع الغريزي الأولي تجاه الاشتراكية وبين الوعي الثوري المبني على أسس سياسية. ولكن، عل أي حال، عملية التطور السياسي آخذة في التبلور – بدءاً من المظاهر الأولية للغضب الشعبي ضد إجحاف الرأسماليين إلى فهم ضرورة الإطاحة بالرأسمالية واستبدالها بالاشتراكية العالمية.

57. وهذه الأحزاب والشخصيات التي تظهر على أنها المستفيد الأول من السخط السياسي لن تستطيع الصمود أمام القوى الاجتماعية الحاشدة التي ستتحرك بسبب الأزمة الاقتصادية. إن مصير حزب سيريزا وقائده تسيبراس – الذي نال استحسان العالم في يناير 2015 ليحل محله الازدراء في يوليو – سيصيب آخرين غيره من الدجالين والمضللين السياسيين. لكن ليس من الكافي أن نظل سلبيين في انتظار أن تكشف الأحداث الخونة. بل إنه من الضروري أن نعمل على إنشاء الحزبالثوري الحقيقي بما يتماشى مع المهام التي تواجهها الطبقة العاملة.

58. هذه هي المهمة السياسية للجنة الدولية للأممية الرابعة. ويتهم جميع أعدائنا السياسيين اللجنة الدولية بأنها "مجموعة متشددة". وقد تم توظيف هذا اللقب لعقود عدة ضد الماركسيين من قبل المنتهزين والأوغاد السياسيين من البرجوازيين الصغار من جميع الطوائف (أعني الليبراليين والديمقراطيين الاجتماعيين والوصوليين المتعلقين بحزب العمال وموظفي النقابات العمالية واليسار الزائف والمصلحين الذين يخشون ظلهم، إلخ). وما يقصدونه من وصف "مجموعة متشددة"، هو الالتزام بالمبادئ الاشتراكية ورفض الدخول في تحالفات سياسية مع الطبقة الحاكمة والصلابة في الكفاح من أجل الاستقلال السياسي للطبقة العاملة الدولية. ولقد كان تروتسكي معتاداً على مثل هذه الاتهامات. فقد كتب: إن الأممية الرابعة، كما هي اليوم، مكروهة عن استحقاق من قبل الستاليين والديموقراطيين الاجتماعيين والليبراليين البرجوازيين والفاشيين. فهي تعلن حرباً لا هوادة فيها على كل الجماعات السياسية المتعلقة بأذيال البرجوازية. ومهمتها - إلغاء هيمنة الرأسمالية. هدفها – الاشتراكية. وسيلتها – الثورة العمالية. [معاناة الموت للرأسمالية ومهام الأممية الرابعة، (البرنامج الانتقالي)].

59. تدعو اللجنة الدولية للأممية الرابعة إلى مناقشة واسعة للتحليل الذي تم عرضه في هذا البيان. ندعو عشرات الآلاف من قراء موقع الاشتراكية العالمية على النت إلى قراءة البيان والسعي إلى تداوله على أوسع نطاق. ونحث على الاستفادة من المبادئ المقدمة في هذا البيان كقاعدة لبناء حركة عالمية مناهضة للحرب. هذه المبادئ، نؤكد من جديد هي:

  • ينبغي أن يستند النضال ضد الحرب إلى الطبقة العاملة، باعتبارها القوة الثورية العظمى في المجتمع، موحدة خلفها جميع العناصر التقدمية في المجتمع.
  • ينبغي أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب مناهضة للرأسمالية ومع الاشتراكية، بما أنه لن يكون هناك نضال حقيقي ضد الحرب إلا من خلال الكفاح لإنهاء ديكتاتورية رأس المال النقدي ووضع حد للنظام الاقتصادي المسؤول الأساسي عن العسكرة والحرب.
  • وعليه, ينبغي على الحركة الجديدة المناهضة للحرب أن تكون بالضرورة مستقلة تماماً وبشكل قاطع، ومعادية لكل الأحزاب والمؤسسات المرتبطة بالطبقة الرأسمالية.
  • والأهم من كل ذلك، ينبغي أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب عالمية تعمل على حشد القوة الهائلة للطبقة العاملة في نضال عالمي موحد ضد الإمبريالية.

60. يمكن صياغة المسائل التاريخية المهمة الناتجة عن الموقف العالمي الحالي كالتالي: كيف سيتم حل أزمة النظام الرأسمالي العالمي؟ هل ستؤدي التناقضات التي تنخر في هذا النظام إلى حرب عالمية أم إلى ثورة اشتراكية عالمية؟ هل سيقودنا المستقبل نحو الفاشية والحرب نووية والسقوط النهائي إلى حالة من البربرية؟ أم أن الطبقة العاملة الدولية ستسلك طريق الثورة وتطيح بالنظام الرأسمالي، ومن ثم تعيد بناء العالم على أسس اشتراكية؟ هذه هي البدائل الحقيقية التي تواجهها الإنسانية.

61. ترحب اللجنةالدوليةللأمميةالرابعةبفروعها بالمناقشة الأخوية مع مختلف الاتجاهات السياسية والأفراد حول العالم الذين يدركون الحاجة الملحة لتأسيس حركة جماهيرية عالمية مناهضة للحرب على أساس المبادئ التي وردت في هذا البيان.

  • معاً من أجل وحدة الطبقة العاملة الدولية!
  • معاً للدفاع عن الحقوق الديمقراطية!
  • معاً من أجل المساواة والاشتراكية!
  • معاً لإيقاف حملة الحرب العالمية الإمبريالية من خلال برنامج الثورة الاشتراكية العالمية!
  • معاً لزيادة عدد قراء موقع الاشتراكية العالمية على الإنترنت!
  • معاً لتثقيف جيل جديد من العمال والشباب بمبادئ الأممية الاشتراكية الثورية!
  • معاً لبناء فروع جديدة للجنةالدوليةللأمميةالرابعة!