العربية

بناء حزب المساواة الاشتراكية (فرنسا)

البيان التأسيسي للقسم الفرنسي للجنة الدولية للأممية الرابعة 2016

قامت اللجنة الدولية للأممية الرابعة بإنشاء حزب المساواة الاشتراكية كفرع لها في فرنسا. ويناضل حزب المساواة الاشتراكية لكسب تأييد العمال في فرنسا لبرنامج الثورة الاشتراكية العالمية الذي قدمته اللجنة الدولية للأممية الرابعة، استناداً لدفاعها الدائم عن  التروتسكية وتراث الماركسية الكلاسيكية. وحزب المساواة الاشتراكية على يقين من أن هذا البرنامج سيكسب تأييداً متزايداً في ظل تصاعد الأزمة العالمية للرأسمالية وتأثيرها على المؤسسة السياسية الفرنسية. فمنذ ربع قرن، مع تفكيك البيروقراطية الستالينية للاتحاد السوفييتي، ادعى المدافعون عن الرأسمالية أن النهاية المفترضة للخطر الشيوعي هي ضامن للسلام والازدهار والديموقراطية. ولكن ما حققته الرأسمالية على مدار الخمس وعشرين سنة الماضية، على خلاف ذلك، هو تذكير العمال على مستوى العالم بما دفع  إخوانهم وأخواتهم من نفس الطبقة العاملة في روسيا إلى إسقاط النظام قبل قرن من الزمان في ثورة أكتوبر 1917 تحت قيادة الحزب البلشفي. إن الانهيار الاقتصادي العالمي الذي نجم عن انهيار وول ستريت عام 2008 وردود الفعل الثورية الأولية للبروليتاريا العالمية والانتفاضات الجماهيرية عام 2011 في مصر وتونس عجلت بشكل واسع  من دوافع القوى الإمبريالية إلى إعادة تقسيم العالم. فالتيار المتصاعد للحرب الإمبريالية الذي يكتنف أوروبا، من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا الشرقية وآسيا، يهدد باندلاع حرب عالمية جديدة.

ففي الداخل، تخلت الرأسمالية الأوروبية عن الغطاء السلمي والإصلاحي الذي اعتمدته أثناء الحرب الباردة في مواجهة التحديات السياسية والأيديولوجية التي فرضها وجود الاتحاد السوفييتي. الأوروبي الآن يقوم بفرض إملاءات بالتقشف في جميع أنحاء القارة بلا هوادة، مطيحاً بالحقوق الاجتماعية بينما يقدم خطط إنقاذ بترليونات اليورو للبنوك كما يؤسس البنية التحتية القانونية والرقابية للدولة البوليسية. فالهدف الرئيسي من البنية التحتية للرقابة البوليسية هو قمع احتجاجات العمال ضد التقشف بالقوة.

ويتسم الموقف السياسي في فرنسا بتناقض واسع. فقد كانت الأعراف الثورية للبروليتاريا الفرنسية عاملاً رئيسياً ساهم في ولادة وتطور الاشتراكية الماركسية قبل حوالي قرنين من الزمان. فقد وجدت ثورة أكتوبر دعماً قوياً في صفوف الطبقة العاملة الفرنسية كما شكل النضال الثوري الرئيسي للبروليتاريا في فرنسا في القرن العشرين تجربة استراتيجية رئيسية للطبقة العاملة الدولية. أما اليوم، ومع استغراق الرأسمالية العالمية في حملات حرب متصاعدة وأزمة اقتصادية هي الأعمق منذ الكساد العظيم، لا نجد أي اتجاه سياسي في فرنسا باستثناء اللجنة الدولية للأممية الرابعة يهدف إلى الثورة للإطاحة بالرأسمالية على يد الطبقة العاملة وبناء الاشتراكية. بل على العكس من ذلك، فإن القوى التي هيمنت على الحياة السياسية "اليسارية" منذ 1968 تكن عداءاً مريراً للاشتراكية والطبقة العاملة.

الآن، يندلع غضب شعبي ضد الأجندة الرجعية للحرب والتقشف والتعدي على الحقوق الديموقراطية التي يمارسها الحزب الاشتراكي وأتباعه السياسيين على مدار حقبة تاريخية كاملة. فقد بات من الواضح أن تأسيس الحزب الاشتراكي عام 1969، وسقوط الحزب الشيوعي الفرنسي الستاليني على مدار عقود، وسيطرة سياسيات "أقصى اليسار" الرسمية من قبل  شخصيات من  الحركة الطلابية بعد عام 1968،  كل  ذلك عرّض العمال للتهميش بشكل كامل.

 وكما قال هولند نفسه في اجتماع لمحافظي البنوك في لندن أثناء حملته الانتخابية في 2012، "اليوم لم يعد هناك شيوعيون في فرنسا. فقد حرر اليساريون الاقتصاد وفتحوا الأسواق للتمويل والخصحصة. ليس هناك ما نخشاه."

  فعلى مدار عقود، سعى الحزب الاشتراكي وحلفاؤه إلى إعادة تعريف سياسات "اليسار" لتتماشى مع اهتمامات وأسلوب حياة القطاعات الميسورة من الطبقة الوسطى.  فروجوا لا لمعارضة الإمبريالية بل لتأييد حروبها "الإنسانية"، لا للصراع الطبقي بل لـ"حوار اجتماعي" بين بيروقراطية النقابات العمالية والشركات الكبرى، لا للتضامن العمالي الدولي بل للخوف من الإسلام والقومية. إلى حد أن هذه القوى يسمح لها بأن تتصدر كممثلة للاشتراكية،  وهي لا تقوم إلا بدفع الناخبين الغاضبين و اليائسين  خلف الجبهة الوطنية الفاشية الجديدة.

ولكن الصراع الطبقي لا يقبل الانقطاع. فالأحزاب القائمة هي أدوات سياسية للطبقة الحاكمة، وعليه فالمهمة الحرجة هي بناء بديل ثوري للطبقة العاملة. فحزب المساواة الاشتراكي يناضل من أجل تطوير حزب طليعة جماهيري من الطبقة العاملة، يستند إلى مواصلة صراع اللجنة الدولية للأممية الرابعة لصالح التروتسكية في مواجهة الديموقراطية الاجتماعية، والستالينية ومعاداة الماركسية من قبل البرجوازية الصغيرة.

 لم تتمكن الطبقة الحاكمة من محو ذكرى تروتسكي والتروتسكية بالكامل في فرنسا. فهي مرتبطة بشكل كامل بمعارضة خيانة ستالين للفرص الثورية التي كانت متاحة في فرنسا في القرن العشرين ومنها: الإضراب العام في 1936، التحرر من الاحتلال النازي عام 1944، والإضراب العام في 1968.

 وعلى أي حال، فإن حزب المساواة الاشتراكية يدرك أن مجرد الإعلان عن انتمائه للتروتسكية لن يمكنه من أن يحصل على دعم جماهير العمال والشباب أو يوضح مضمون برنامج الحزب. فعلى مدار 45 سنة، تم ربط التروتسكية زوراً في فرنسا بالورثة السياسيين للبورجوازية الصغيرة، المرتدين عن التروتسكية الذين يعملون على الهامش أو في إطار الحزب الاشتراكي.

لم يكن للجنة الدولية للأممية الرابعة فرع في فرنسا منذ 1971 حين انفصلت المنظمة الشيوعية الأممية تحت قيادة بيير لامبرت (والمعروفة اليوم باسم حزب العمال الديموقراطي المستقل) عن جمعة العمال الاشتراكي في بريطانيا والذي كان حينها الفرع الرائد للجنة الدولية للأممية الرابعة. وانضم وقتها لأوساط دولية من جماعات البرجوازية الصغيرة – بما في ذلك رابطة الشيوعيين الثوريين في فرنسا (والمعروفة اليوم بحزب مناهضي الرأسمالية الجدد) والنضال العمالي – والذين تأسست اللجنة الدولية للأممية الرابعة في 1953 لمناهضتهم. وقد تأكد مؤخراً أن هذه الأحزاب لا تقدم أي بديل للحزب الاشتراكي من خلال الدور الذي قام به حليفهم اليوناني، سيريزا. فبعد تشكيل حكومته في اليونان عام2015   قام سيريزا صاغراً بتنفيذ إملاءات التقشف من الاتحاد الأوروبي.

ويناضل حزب المساواة الاشتراكي من أجل أن يوضح للعمال المتقدمين المعارضة العنيدة بين النضال التروتسكي  للجنة الدولية للأممية الرابعة من أجل إرساء أممية بروليتارية وأحزاب اليسار الزائف تلك. فموقف حزب المساواة الاشتراكي من هذه الأحزاب موقف عدائي بشكل لا يقبل المساومة. فهو لا يعتبر أن أياً من من هذه المنظمات ذات اتجاهات تروتسكية، أو أنه يمكن حثها لتبني سياسات تروتسكية ويرفض بازدراء اتهاماتهم بأن حزب المساواة الاشتراكي هو حزب "طائفي"، بمعنى أنه يناضل من أجل مبادئ سياسية. وتستند معارضة حزب المساواة الاشتراكي لهذه الأحزاب على دروس تاريخية وسياسية لعقود من النضال الثوري للجنة الدولية للأممية الرابعة وأسلافها.

الحزب الشيوعي الفرنسي وإفلاس الستالينية

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الإضراب العام سنة 1968، كان الحزب الرائد لدى الطبقة العاملة الفرنسية هو الحزب الشيوعي بفرنسا. وظف الحزب صلته الوثيقة بالكرملين وبروزه في قيادة حركة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال النازي أثناء الحرب العالمية الثانية لتقديم نفسه في صورة الوريث لثورة أكتوبر في فرنسا. وقد استغل هذه المكانة لتعزيز التوجهات القومية ولخيانة الفرص الثورية العظيمة في فرنسا في القرن العشرين. لقد فقد الحزب مصداقيته خلال النصف الأخير من القرن الماضي من خلال خيانته للإضراب العام عام 1968، ومساندته ومشاركته في حكومات الحزب الاشتراكي، ودعمه لاستعادة الرأسمالية من قبل الكرملين في الاتحاد السوفييتي . فسجله برر تحليل تروتسكي أن الستالينية هي رد فعل ثوري مضاد ومناهض للماركسية تجاه منظور الثورة الاشتراكية العالمية.

في عام 1935، اعتمدت الأممية الثالثة الستالينية استراتيجية دعم الأحزاب البرجوازية في تحالفات الجبهة الشعبية، متخلية عن وعي منها عن النضال من أجل الثورة الاشتراكية خارج الاتحاد السوفييتي. هذه الاستراتيجية، التي نبعت من تنصل  البيروقراطية السوفييتية من الثورة العالمية واعتمادها لنظرية "الاشتراكية في بلد واحد" في الاتحاد السوفييتي، انتهكت بشكل مباشر مبدأ أساسي للماركسية وهو: الحاجة لإرساء الاستقلال السياسي للطبقة العاملة بعيداًعن البرجوازية. وقد نتج عنها هزائم مدوية على المستوى الدولي.

ففي أسبانيا, قامت حكومة الجبهة الشعبية بقمع انتفاضات العمال وقادت الجمهورية الأسبانية إلى الهزيمة أمام التمرد الفاشي على يد القائد العام فرانسيسكو فرانكو. كما تجاوزت الجبهة الشعبية في فرنسا  الإضراب العام لسنة  1936، والذي باعه الستالينيون مقابل تنازلات تم الاتفاق عليها مع الاتحادات التجارية الفرنسية، وسحقت موجة الإضرابات التي استمرت حتى عام 1938.  وبعد فترة وجيزة من الإضراب العام لسنة 1936، بدأ ستالين محاكمات موسكو التي صورت الناجين من القادة البلاشفة القدامى لثورة أكتوبر على أنهم إرهابيين وفاشيين. مهد هذا الطريق لحملات التطهير الكبرى والإبادة الجماعية السياسية للماركسيين داخل الأممية الشيوعية والتي بلغت ذروتها باغتيال تروتسكي. وكما قام الحزب الشيوعي في فرنسا بعزل الإضرابات التي تلت الإضراب العام لسنة 1936 والسماح للدولة بسحقها، قام أيضاً بالتنديد بتروتسكي والهجوم على أنصاره. فقامت القيادات العليا فيه بنشر الافتراءات ضد تروتسكي والبلاشفة القدامى في الصحيفة اليومية للحزب الشيوعي الفرنسي "لومانيتيه" كما ساعدت في تنظيم اغتيال التروتسكيين دولياً على يد المخابرات السوفييتية.

لقد قطعت الستالينية الطريق على الفرصة الأخيرة للبروليتاريا الأوروبية لتجنب دمار ومذابح الحرب العالمية الثانية من خلال ثورة اجتماعية.فقد مهدت الطريق في فرنسا لوصول نظام فيشي الفاشي إلى السلطة، بينما تحولت البرجوازية إلى الانهزامية بعد الغزو النازي في 1940. وصوتت الجمعية الوطنية لإعطاء صلاحيات كاملة للمارشال فيليب بيتين الذي أشرف على التعاون مع النازيين. وأجبر الحزب الشيوعي الفرنسي  على الاختباء بعد أن وافق على اتفاق عدم الاعتداء بين ستالين وهتلر في عام 1939.

وتماشياً مع سيسات الكلرملين المضادة للثورة من حيث تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ مع الإمبريالية الأمريكية والبريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، قام الحزب الشيوعي الفرنسي بخيانة الفرصة الثورية التي سنحت من خلال تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. فقد استخدم دوره المهيمن في المقاومة الفرنسية لتقديم المساعدة للجنرال شارل ديجول وأمريكا والسلطات البريطانية لإقامة جمهورية رابعة رأسمالية، وللتغطية على جرائم الفاشية الأوروبية. وحل ميليشيات المقاومة لتنضم إلى جيش ديجول  كما شارك بتقديم الوزراء في حكومة ديجول ومن خلال تبنيه ادعاء ديجول المضلل بأن فرنسا "قاومت" وغلق الطريق أمام الملاحقة القانونية لمن تعاونوا مع الأعداء، قام الحزب بتفتيت لجان المصانع إلى هيئات مشاركة في الإدارة يسيطر عليها رؤساء العمل،. لقد سمح للحروب  الاستعمارية بالمضي قدماً لا سيما في الهند الصينية وبعدها في الجزائر. لقد شارك في تقديم الوزراء في حكومة ديجول وأثبت نفسه كأحد ركائز الاستقرار في كل أزمات الجمهورية الرابعة، لا سيما من خلال  خيانة الإضرابات التمردية الجماهيرية سنة 1947 والإضراب العام سنة 1953. وعلى هذا الأساس تمتع الحزب بتأييد واسع بين المثقفين الذين سعوا إلى إضافة صبغة "يسارية" أو حتى ماركسية لتنظيرهم، ولكنهم كانوا يعارضون الثورة الاشتراكية.

إن التعريف الزائف لثورة أكتوبر بالحزب الشيوعي الفرنسي أدى في نهاية الأمر إلى عواقب وخيمة للحركة العمالية في فرنسا كما ظهر من التحرير. فقد توافد الملايين من العمال على النقابات والحزب الشيوعي الفرنسي في ظروف كانت الرأسمالية تعاني فيها من فقدان مصداقيتها بشدة بسبب جرائم الفاشية. ولكنهم كانوا في الحقيقة ينضمون إلى منظمات مُسمّمة بالتوجهات القومية، كما أنها أسست ادعاءاتها الزائفة بتمثيلها للثورة على أكاذيب تاريخية: التستر على جرائم الفاشية في فرنسا، والدفاع المستميت  للحزب الشيوعي الفرنسي عن محاكمات موسكو، وإنكار دور التروتسكية كامتداد لثورة أكتوبر.

وسريعاً، كشفت حرب الجزائر 1954-1962 الدور الرجعي الذي تقوم به المؤسسة السياسية للجمهورية الرابعة والتي كان الحزب الشيوعي الفرنسي جزءاً لا يتجزأ منها. وحينما طالب جاي موليه، قائد القسم الفرنسي الاشتراكي الديموقراطي للمنظمة الدولية للعمال، بالحصول على ائتمانات حرب وصلاحيات خاصة، صوت الحزب الشيوعي الفرنسي لصالح ذلك.  وبعدها لم يفعل الحزب شيئا لمعارضة انقلاب عسكري غير مكتمل ضد موليه أعاد ديجول إلى السلطة سنة 1958 وأدى إلى تأسيس الجمهورية الخامسة. إن لجوء فرنسا إلى التعذيب الجماعي وقتل مئات الآلاف من الجزائريين فضح نظام ما بعد الحرب. إن الأساليب التي استخدمها جنود المظلات وقوات الأمن في الجزائر أعادت إلى الأذهان تلك الوسائل التي استخدمتها السلطات الفاشية في فرنسا قبلها بما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان. وفي فرنسا حيث قوبلت الاحتجاجات المناهضة للحرب بالقمع العنيف، أشرف محافظ باريس والمسؤول السابق عن فيشي، موريس بابون على المذبحة الدموية لاحتجاجات الجزائريين في 17 أكتوبر سنة 1961 والتي دعت إليها جبهة التحرير الوطنية.

كان اندلاع الإضراب العام في مايو- يونيو 1968 في فرنسا نقطة الذروة  في موجة نضال الطبقة العاملة على المستوى الدولي والتي حطمت التوازن الرأسمالي في فترة ما بعد الحرب، وفي فرنسا قوضت الحزب الشيوعي الفرنسي ونظام ديجول. فقد أثار الهجوم الدموي من قبل الشرطة على الطلاب المتظاهرين في السوربون ردة فعل جماهيرية في البروليتاريا. فقد قام أكثر من عشرة ملايين عاملاً بالإضراب حيث رُفعت الأعلام الحمراء فوق المصانع في أنحاء فرنسا وأجبر الاقتصاد الفرنسي على التوقف. وعندما قام ديجول برحلة عاجلة لزيارة جنرالاته في بادن- بادن وجد أن القوات الواقعة تحت قيادتهم لا يمكن الاعتماد عليها للزحف إلى باريس لسحق الاحتجاجات. لقد أظهرت الطبقة العاملة الدولية إمكانياتها الثورية الهائلة. فمن 1968 وحتى 1975 انتشر النضال العمالي الجماهيري والانتفاضات المناهضة للاستعمار والاحتجاجات الشبابية حول العالم.

لقد أدى انهيار الديكتاتوريات في كل من إسبانيا والبرتغال واليونان، واستقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون وهزيمة واشنطن في حرب فيتنام، وسط الإضرابات والاحتجاجات الجماهيرية داخل الولايات المتحدة، إلى زعزعة الرأسمالية العالمية من جذورها.  وكانت العقبة الرئيسية في طريق الثورة الاشتراكية هي أزمة القيادة الثورية في الطبقة العاملة. ففي فرنسا عام 1968، صد الحزب الشيوعي الفرنسي والفيدرالية العمومية للعمل مرة أخرى صراع الطبقة العاملة على السلطة، ودعمت حكومة ديجول في التفاوض على تنازلات في الأجور في اتفاقيات غرنيل، وفي غضون عدة أسابيع قامت بتنظيم العودة إلى العمل. وبينما تمكن الحزب الشيوعي الفرنسي من إيقاف الثورة، فقد بدّد الأوهام بأنه حزب ثوري.

صعود الحزب الاشتراكي

ومع ذلك ما ترتب على سحب الثقة من الحزب الشيوعي الفرنسي خلال أحداث 1968 لم يكن ظهور حزب ثوري جماهيري في الطبقة العاملة وإنما الحزب الاشتراكي. ومنذ بداية تأسيسه في إطار اجتماعات عقدت في 1969 و 1971 في ألفورتفيل و إبيني، لم يكن هذا حزباً اشتراكياً وإنما حزباً لرأس المال. كما أنه لم يكن نسخة جديدة من الفرع الفرنسي للأممية العمالية. فإطلاق مثل هذا الحزب كان في حد ذاته سيُعد مبادرة رجعية، حيث كان الفرع الفرنسي للأممية العمالية خادماً مطيعاً للبرجوازية: فقد أيد الحرب العالمية الأولى وعارض ثورة أكتوبر، و صوت معظم نوابه لصالح بيتان عام 1940، كما أنه شن الحرب في الجزائر.      

ولكن الحزب الاشتراكي مثّل تحالفاً أوسع بكثير. فقد صُمم الحزب كأداة انتخابية لفرانسوا ميتيران الذي كان مسؤؤلاً سابقاً في فيشي ووزيراً للعدل في حكومة موليه، وحافظ على علاقات قوية مع الشرطة في فيشي مثل رينيه بوسكيه الذي شارك في المحرقة. وقد ضم الحزب بقايا من الفرع الفرنسي للأممية العمالية، وإتفاقية ميتران للمؤسسات الجمهورية والتي ضمت قوى من  الحزب الراديكالي القديم الوثيق الصلة بفيشي، وقوى كاثوليكية-اجتماعية من أمثال أنصار مجلة الروح (سبيريت)، ومثقفين "يساريين", وستالينيين وتروتسكيين سابقين من الحزب الاشتراكي الموحد. لقد كان حزباً برجوازياً  وأعضاؤه في الأساس من آلة الدولة والإعلام والأوساط الأكاديمية.

وقد اضطر الحزب الاشتراكي إلى تقديم نفسه على أنه "اشتراكي" في ظل تصاعد الاحتجاجات بين العمال والشباب والتي احتفظ فيها الحزب الشيوعي الفرنسي و الحركة التروتسكية بنفوذهما. كان هدف الحزب كما أوضح ميتران بعدها لمسؤلين أمريكيين مؤيدين هو هدم القاعدة الانتخابية للحزب الشيوعي الفرنسي، وأن يصبح الحزب "اليساري" الرئيسي ويستولي على السلطة. لقد قدم نفسه كحزب اشتراكي من خلال توجيه النقد للحزي الشيوعي الفرنسي والجرائم التاريخية للستالينية والتي كُشف عنها النقاب في الستينات والسبعينات. هذا النقد لم ينبع من وجهة نظر الطبقة العاملة، على أساس دفاع تروتسكي عن الديموقراطية السوفييتية في مواجهة البيروقراطية الستالينية أو تحليل تروتسكي لدور الحزب الشيوعي الفرنسي في الثورة المضادة. بل على خلاف ذلك، روج الحزب الاشتراكي لمناهضة الشيوعية  ولأوهام الديموقراطية البورجوازية. استغل الحزب الاشتراكي تحول الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان يترنح بفعل الإضراب العام لسنة 1968 نحو اليمين. وكان رد فعل الحزب الشيوعي الفرنسي للنضال الثوري في 1968-1975 هو توقيع برنامج مشترك مع الحزب الاشتراكي وحركة اليسار الراديكالي البورجوازية في عام 1972، والتخلي عن ديكتاتورية البروليتاريا في عام 1976 في خضم التحول "الأوروبي الشيوعي".

وفي حين أحاط هذا البرنامج المشترك نفسه بهالة من التنازلات الاجتماعية التي منحتها الجبهة الشعبية في سنة 1936 بشكل مؤقت مهد الطريق لا لمكاسب اجتماعية بل لحقبة كاملة من الحرب الاجتماعية على الطبقة العاملة. وفي مقدمة ذلك اعتمد الحزب الاشتراكي على الحرب على الماركسية التي شنتها قطاعات عريضة من المثقفين الفرنسيين. فالطبقة المثقفة "اليسارية" والتي انتقلت بشكل كبير من الحزب الشيوعي الفرنسي إلى الماوية بعد الحرب الجزائرية والخطبة السرية لرئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف والتي اعترف فيها بجرائم ستالين، اقتربت أكثر إلى اليمين بعد الاضراب العام في 1968. ولخوفهم من مواجهة ثورة اجتماعية، تخلوا عن ارتباطهم بالماركسية الذي سعوا إليه سابقاً تحت رعاية الحزب الشيوعي الفرنسي، واعتلوا بدلاً من ذلك حملة إعلامية وسياسية لدعم الحزب الاشتراكي. وهاجمت قوى عديدة مثل "الفلاسفة الجدد" تحت قيادة برنارد هنري- ليفي وميشيل فوكو، المتخصص في ما بعد البنيوية  ومؤرخ ثورة 1789 فرانسوا فوريه "الشمولية" وصوروها على أنها النتيجة الحتمية للثورة الاجتماعية.

وفي حين مثلت "الشمولية" خليطاً رجعياً ما بين الشيوعية والستالينية والفاشية، إلا أن هدف هذه الحملة لم يكن الفاشية أو جرائم ستالين. فلم تهاجم هذه القوى المسؤؤلين السابقين لفيشي في فرنسا مثل بوسك وميتران، أو الإبادة الجماعية السياسية للماركسية على يد الكرملين. وإنما قامت بالهجوم على الشيوعية والماركسية على أساس تحليل يميني لسياسات الكرملين المناهضة للديمقراطية. وروجوا للمنشقين الموالين للسوق الحرة الذين يتعرضون للقمع من قبل الكرملين مثل ألكسندر سولجينتسين. وهكذا بصمتهم عن جرائم الإمبريالية وعدائهم لنضال الطبقة العاملة السوفييتية للإطاحة بالبيروقراطية الستالينية وضعوا الإطار النظري لدعم "اليسار" لمناهضة الشيوعية واستعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي، وبعدها للحروب "الإنسانية" التي شنتها الإمبريالية ضد البلاد التي كانت مستعمرة سابقاً والتي قُدم قادتها أيضاً على أنهم "شموليين". كما أنهم هاجموا النضال لصالح سلطة العمال ودعوا إلى "الإدارة الذاتية" بدلاً من ذلك. ولارتباطها في بداية الأمر بمحاولة فاشلة من قبل العمال للاستحواز على مصنع الساعات الخاص بشركة ليب وتشغيله، احتوت الدعوات إلى "الإدارة الذاتية" على عداء واسع للماركسية. وأشار زعيم الحزب الاشتراكي الموحد، ميشيل روكار، إلى أن الفهوم كان "غامضاً" ولكن حالفه الحظ في أنه "روفق  برفض لنوعية لنظام الذي كان يفرضه الاتحاد السوفييتي".

وبشكل أكثر صراحة، حذرت صحيفة سبريت (الروح) من أن الصراع الاجتماعي القائم على " مبادئ ... الاشتراكية ينتج دولة شمولية"، وبدلا من ذلك يتم الإشادة بالإدارة الذاتية على أنها "السبيل لتقليص الرغبة في السلطة". وقد مهد هذا الطريق لميتران ليصل إلى السلطة في 1981 بمساعدة الحزب الشيوعي الفرنسي. استغل ميتران السخط الجماهيري على تداعيات الأزمة الاقتصادية في السبعينيات وسياسات التقشف التي مارسها زعيم الحزب المحافظ فاليري جيسكار ديستان، وتعهد بتأميم الشركات الرئيسية وتعزيز القوة الشرائية. إلا أنه بمجرد وصوله إلى السلطة تنكر لبرنامجه. وبعد أن واجه هروباً متوقعاً لرؤوس الأموال من فرنسا، رفض ميتران أن يفرض ضوابط على رؤوس الأموال، وأعلن بدلاً من ذلك عن "تحول نحو التقشف"،  بخفض الإنفاق الاجتماعي والوظائف. وقد نتج عن خيانة ميتران للوعود الانتخابية للحزب الاشتراكي صدمة وغضب و خيبة أمل بين العمال.

في نهاية الأمر، بما أنه لم يوجد في فرنسا حزب يناهض من أجل سياسة ثورية مستقلة ضد الحزب الاشتراكي لم تجد هذه المعارضة وسيلة منظمة للتعبير عن نفسها. وفي هذه الحالة السريالية مع اتساع الهوة بين العمال والقوى المتميزة في الحركة الطلابية وبيروقراطية الدولة أكثر من أي وقت مضى بدأت الحركة العمالية في التفكك. النقابات العمالية انهارت وتقلصت نشاطات الإضرابات وعضوية النقابات، وظهرت النقابات الناشئة كقوى شرطية مؤسسية تمولها قطاعات الأعمال بشكل كبير. وأقامت البرجوازية الصغيرة اليسارية مجموعة من المؤسسات تحت سيطرة الحزب الاشتراكي وحلفائه السياسيين مثل جمعية مناهضة العنصرية (SOS-Racisme) والاتحادات الطلابية. وكانت مهمتها مراقبة المجتمع وتنظيم احتجاجات محدودة إذا استدعت الحاجة كصمام أمان لعدم الرضا.

أزمة الحركة التروتسكية في فرنسا وانفصال المنظمة الشيوعية الأممية عن اللجنة الدولية للأممية الرابعة

إذا كان الحزب الذي هيمن في فرنسا بعد 1968 هو الحزب الاشتراكي وهو الحزب الذي هاجم الحزب الشيوعي الفرنسي  من وجهة نظر اليمين فإن هذا يعود قبل كل شئ إلى أزمة الحركة التروتسكية وخيانة المنظمة الشيوعية الأممية مما حجب ظهور بديل في اليسار. انفصلت المنظمة الشيوعية الأممية عن اللجنة الدولية للأممية الرابعة وتبنت رؤية اتحاد اليسار، ساعية بذلك إلى تحالف سياسي وانتخابي مع الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي الفرنسي. وبينما ادّعت المنظمة أن هذه الرؤية سينتج عنها جبهة موحدة من المنظمات العمالية، فإنها في الواقع أنتجت تجمعات مناهضة للطبقة العاملة يسيطر عليها الحزب الاشتراكي وهو حزب برجوازي. وقد كان هذا إنكاراً صارخاً للنضال من أجل الاستقلال السياسي للطبقة العاملة والنضال ضد نفوذ البورجوازيين داخل الحركة التروتسكية ذاتها والذي كان صلب عمل تروتسكي و اللجنة الدولية للأممية الرابعة.

وبتبنيها رؤية اتحاد اليسار، ساعدت المنظمة الشيوعية الأممية في خلق إطار سياسي للحكومات البورجوازية  "اليسارية" في فرنسا على مدار نصف القرن الماضي، منضمة بذلك إلى وسط واسع البرجوازية الصغيرة الموجهة نحو الحزب الاشتراكي. ويشمل هذا أيضاً جماعة النضال العمالي (LO)  التي تأسست عام 1956 كمنظمة نقابية باسم  صوت العمال  (فوا أوفرير) ثم أعيد تسميتها (LO) في 1968. وقد ضمت أعضاء من مجموعة كانت ناشطة في الثلاثينيات والأربعينيات تحت قيادة ديفيد بارتا. ادعت جماعة بارتا الولاء للتروتسكية ولكنها رفضت الانضمام إلى الأممية الرابعة متذرعة بحجج مناهضة للماركسية مفادها أن الطبقة العاملة يجب أن تناضل فقط على أسس قومية، وبالتالي  فالأممية الرابعة هي مؤسسة من البورجوازيين الصغار.

وبينما شنت جماعة بارتا أعمالاً مشتركة مع الأممية الرابعة في حربها من أجل إضراب شركة رينو الذي أدى إلى الإضرابات الجماهيرية لعام 1947، إلا إنها احتفظت بعلاقات وثيقة مع دوائر الأناركية النقابية. وقام الإعلام والنخبة السياسية بتقديم جماعة النضال العمالي كجماعة تروتسكية في الحملات الانتخابية لمرشحها أرليت لاغيلر في حين أنها  تدور بشكل وثيق في فلك الحزب الاشتراكي. إن توجه جماعة النضال العمالي القومي والمتميز بالأناركية النقابية يخدم دورها في التستر على خيانات النقابات لنضال العمال، والتحريض على كراهية المسلمين من خلال دعمها للحظر على الحجاب والنقاب، والدعم الضمني للسياسات الخارجية للإمبريالية الفرنسية.

تأسست اللجنة الدولية للأممية الرابعة في سنة 1953 في صراع مباشر ضد النزعة التحريفية المنتمية لبابلو في الأممية الرابعة والتي تولد عنها الجمعية الشيوعية الثورية والحزب الجديد المناهض للرأسمالية. ظهر هذا التيار داخل السكرتارية الدولية للأممية الرابعة في باريس تحت زعامة مايكل بابلو وإرنست ماندل واللذين استبعدا غالبية الفرع الفرنسي لمعارضتهم خطهما السياسي.  وتدخلت اللجنة الدولية للأممية الرابعة للدفاع عن التروتسكية ضد بابلو وماندل اللذين أصرا على أن تصفي الأممية الرابعة نفسها في الأحزاب الستالينية والقومية البورجوازية التي ظهرت  من خلال الحركات العمالية الجماهيرية والانتفاضات المناهضة للاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية.    

وقد تنبأ أتباع بابلو بأن "ثورة الحرب" والتي ستُدار بين النظم الستالينية والامبريالية ستحل محل الثورة من خلال الحراك المستقل للطبقة العاملة كما حدث في روسيا في أكتوبر 1917، وأن ثورات الحرب المنتصرة ستنتج ديكتاتوريات مثل النظم الستالينية في الصين وأوروبا الشرقية تدوم لقرون، وسينتج عنها في المستقبل البعيد الاشتراكية. ولكن بعد وقت قصير دحض التاريخ تنبؤات بابلو وماندل. فبعد أقل من أربعة عقود، استعادت النظم الستالينية في روسيا والصين وأوروبا الشرقية الرأسمالية، وألقت أنظمة الحكم القومية في البلاد التي كانت مستعمرة سابقاً بنفسها في رأس المال الإمبريالي بشكل منفتح.

وقبل ذلك بفترة من الوقت، كشفت الأحداث عن الدور الثوري المضاد للبابلويين. انفصلت  اللجنة الدولية للأممية الرابعة عن البابلويين بعد أشهر فقط من قيام الحزب الشيوعي الفرنسي  ببيع الإضراب العام لسنة 1953 والذي تكيف معه البابلويون. كما أدى إفلاس النظام الجزائري البورجوازي الذي نتج عن الحرب في 1962 إلى فضح إفلاس منظور بابلو في التوجيه نحو البورجوازية في الدول المستعمرة.

وبخلاف المنظمة الشيوعية الأممية التي حاولت دون جدوى  تطوير حركة جزائرية تروتسكية عبر مناقشات مع عناصر في الحركة الوطنية الجزائرية تحت قيادة مصالي الحاج، فإن البابلويين لم يحاولوا حتى  تطوير حركة في الجزائر. وإنما قاموا بطبع نقود مزورة ليساعدوا في تسليح جبهة التحرير الوطنية والتي خدم فيها بابلو لوقت قصير كمستشار قبل أن يغادر البلاد بعد الانقلاب العسكري على يد بومدين.

عارضت اللجنة الدولية للأممية الرابعة الحركة البابلوية التي تواءمت مع القوى الستالينية والقومية البورجوازية السائدة، وأوضحت أنها كانت تمثل هجوماً من البورجوازيين الصغار على الماركسية. فبتقليص السياسة إلى صراع ما بين  الحكومات الإمبريالية والستالينية، أفقدت الحركة البابلوية الطبقة العاملة الدولية – القوة الرئيسية في الماركسية التقليدية – أهميتها. علاوة على ذلك فإنها تبنت العديد من وجهات النظر التي كان يتم تداولها على نطاق واسع في البورجوازية الفرنسية. إن المعارضة المستميتة من قبل الحركة البابلوية للوجود المستقل المتواصل للحركة التروتسكية تطابق مع تحيزات البورجوازيين الصغار والتي كانت سائدة على نطاق واسع ضد الأداة السياسية الرئيسية للماركسية، أي الحزب البروليتاري الثوري.

وفي حين عارضت غالبية القسم الفرنسي الحركة البابلوية إلا أنها تبنت تدريجياً موقفاً متشككاً تجاه تاريخ اللجنة الدولية للأممية الرابعة والحركة التروتسكية. فقد استقدمت معها في المؤتمر الثالث لعام 1966 للجنة الدولية للأممية الرابعة وفداً من الفوا أوفرير (صوت العمال) وبدأت تدعو إلى "إعادة هيكلة" الأممية الرابعة. وكانت صيغة "إعادة هيكلة" تعني توجهاً وسطاً بعيداً عن التعنت الذي ميز صراع اللجنة الدولية للأممية الرابعة ضد الحركة البابلوية، ونقلة في اتجاه الوسط العريض من البورجوازيين الصغار الذين يدورون في فلك الديموقراطية الاجتماعية والحزب الشيوعي الفرنسي.

في 1968 سعت المنظمة الشيوعية الأممية إلى توجيه المظاهرات الطلابية للعمال ودعت إلى إضراباً رئيسياً في مصنع "سود" للطيران في نانت مما أدى إلى الإضراب العام. ولكنها تبنت خطاً نقابياً، ودعت فقط إلى تشكيل لجنة إضرابات مركزية جمعية كل النقابات العمالية وأحزاب العمال. وقد انتقدت جمعية العمل الاشتراكي البريطانية عن حق المنظمة الشيوعية الأممية لعدم دعوتها للحزب الشيوعي الفرنسي والفيدرالية النقابية العمومية للعمل  التي يسيطر عليها الستالينيون إلى تولي السلطة من أجل إثارة قضية سلطة الدولة مع العمال، وفضح سياسات الثورة المضادة للحزب الشيوعي الفرنسي، وبذلك تضع نفسها في موقع المناضل من أجل القيادة السياسية للطبقة العاملة. وقد أخذت التوجهات الوسطية والمتشككة  للمنظمة الشيوعية الأممية في التزايد وقد نتج عن ذلك آثار كارثية حين أدى تصاعد التطرف بعد 1968 إلى تدفق مفاجئ للأعضاء الجدد في الحزب، والذين قدموا في الأساس من شباب الطلاب.

وفي عام 1971، أعلنت جمعية العمل الاشتراكي البريطانية وغالبية أقسام اللجنة الدولية للأممية الرابعة انفصالها عن المنظمة الشيوعية الأممية. وكانت انتقادات جمعية العمل الاشتراكي لانتهازية المنظمة الشيوعية الأممية مبرّرة بشكل كافٍ. وقد اتضح ذلك من خلال مسيرة ليونيل جوسبان الذي تدرج من العمل بشكل سري كعضو في كل من المنظمة الشيوعية الأممية والحزب الاشتراكي في آن واحد إلى أن أصبح مساعداً أعلى لميتران ثم لاحقاً رئيس وزراء فرنسا. وبالرغم من ذلك فإن تنفيذ  جمعية العمل الاشتراكي للانفصال لم يستند على إيضاحات كافية للقضايا السياسية. كما أنه لم يسعى إلى كسب قوى من داخل المنظمة الشيوعية الأممية أو بناء حزب في فرنسا.  وقد أدى هذا الانفصال السابق لأوانه، والذي استبق مناقشة القضايا السياسية الهامة، إلى تفكيك التروتسكية في فرنسا كتيار سياسي منظم على مدار حقبة تاريخية كاملة وأظهر عواقب سياسية خطيرة على جمعية العمل الاشتراكي نفسها في بريطانيا.

وخلال ذلك الانفصال في 1971, دافعت المنظمة الشيوعية الأممية عن خطها النقابي في 1968 وتوجهها نحو الحزب الاشتراكي. فقد ادعت أن دعوة اتحاد وخلال ذلك الانفصال في 1971, دافعت المنظمة الشيوعية الأممية عن خطها النقابي في 1968 وتوجهها نحو الحزب الاشتراكي. فقد ادعت أن دعوة  جمعية العمل الاشتراكي لحكومة مشتركة ما بين الحزب الشيوعي الفرنسي و الفيدرالية  النقابية العمومية للعمل في عام 1968 كان يعني تقسيم الطبقة العاملة وعزل نقابات العمال الديموقراطية الاجتماعية التي كانت تدعم  المنظمة الشيوعية الأممية، وإحداث شرخ في جبهة كانت متحدة من المنظمات العمالية.  العمل الاشتراكي لحكومة مشتركة ما بين الحزب الشيوعي الفرنسي و الفيدرالية العمومية للعمل في عام 1968 كان يعني تقسيم الطبقة العاملة وعزل نقابات العمال الديموقراطية الاجتماعية التي كانت تدعم  المنظمة الشيوعية الأممية، وإحداث شرخ في جبهة كانت متحدة من المنظمات العمالية. وهذا الادعاء لم يتجاهل فقط حقيقة أنه في 1968 كانت أنظار غالبية العمال المتشددين تتجه نحو الحزب الشيوعي الفرنسي، وليس النقابات الديموقراطية الاجتماعية، لانتهاج سياسة ثورية، وإنما أيضاً زور الطابع الطبقي للحزب الاشتراكي الذي هو في الأساس حزب بورجوازي. لقد كان دخول المنظمة الشيوعية الأممية في تحالف سياسي دائم مع الحزب الاشتراكي بمثابة تخلي أساسي عن منظور اللجنة الدولية للأممية الرابعة.

وبتخليها عن النضال من أجل التروتسكية والاستقلال السياسي للطبقة العاملة، تحولت المنظمة الشيوعية الأممية إلى حزب بورجوازي. فقد تبنت منظور اتحاد اليسار الذي أثبت أنه الإطار السياسي الذي مارس من خلاله الحزب الاشتراكي دوره المهيمن، ابتداءً من رئاسة ميتران عام 1981 . كانت المنظمة الشيوعية الأممية ترسل أعضاءها للحزب الاشتراكي للعمل كفصيل للحزب الاشتراكي والبيروقراطيات النقابية. ولم تلعب المنظمة هذا الدور في فرنسا فقط، ولكنها مارست نفوذها لتشكيل أحزاب معادية للطبقة العاملة على الصعيد  الدولي، وبشكل صارخ في أمريكا اللاتينية، حيث ساهمت في انشاء حزب العمال في البرازيل. وبتفكّكها سياسياً إلى أحزاب بورجوازية بهذا الشكل، فإن أتباع لامبرت لم يحاولوا أن يكسبوا قوى لصالح التروتسكية وإنما كانوا على أهبة الاستعداد لتقديم الغطاء السياسي للسياسات البورجوازية الفرنسية والبرازيلية والدولية.

انفصال اللجنة الدولية للأممية الرابعة عن حزب العمال الثوري

بعد انفصال جمعية العمل الاشتراكي عن المنظمة الشيوعية الأممية عام 1971 دون إيضاحات، بدأت جمعية العمل الاشتراكي في تبني سياسات مماثلة في بريطانيا. فبعد إعادة تسمية نفسه حزب العمال الثوري، اتسع الحزب على أساس المعارضة الشعبية لحكومة إدوارد هيث المحافظة ولكنه بدأ في التقليل من شأن نضال اللجنة الدولية للأممية الرابعة ضد الحركة البابلوية. وعندما عاد حزب العمال للسلطة عام 1974، وتعثر حزب العمال الثوري في مواصلة النمو في صفوف العمال، سعى الحزب لحشد التأييد في جهات مختلفة دون علم بقية اللجنة الدولية للأممية الرابعة، وذلك من خلال إقامة علاقات مع القوميين في العالم الثالث وفصائل البيروقراطية النقابية والمؤسسة السياسية. تُوجت المعارضة داخل اللجنة الدولية للأممية الرابعة ضد تراجع حزب العمال الثوري بتشكيل انتقادات نظرية وسياسية لخط حزب العمال الثوري عام 1982 على يد ديفيد نورث، السكرتير القومي لرابطة العمال- الحزب الأمريكي المتضامن مع اللجنة الدولية للأممية الرابعة.

وفي 1985، وبعد اندلاع أزمة بين الفصائل المختلفة داخل حزب العمال الثوري، علقت اللجنة الدولية للأممية الرابعة عمل حزب العمال الثوري كفرعها في بريطانيا واعترفت من جديد بأولئك الأعضاء الذين قبلوا سلطة ومنظور اللجنة الدولية للأممية الرابعة على المستوى الدولي. ونشرت اللجنة الدولية للأممية الرابعة كشفاً شاملاً عن حزب العمال الثوري، وكيف خان التروتسكية، كما نشرت كتاب ديفيد نورث "التراث الذي ندافع عنه" والذي دافع فيه عن تاريخ نضال اللجنة الدولية للأممية الرابعة من أجل التروتسكية مقابل الهجوم اللاذع من الأمين العام لحزب العمال الثوري مايكل باندا. وقد أكدت هذه المستندات كيف دافعت اللجنة الدولية للأممية الرابعة عن التروتسكية في مواجهة تكيف حزب العمال الثوري مع بيروقراطيات النقابات وحزب العمال واعتناقها القومية البورجوازية.

قامت اللجنة الدولية للأممية الرابعة بشن هجوم سياسي قوي على تحريف البورجوازيين الصغار حيث أن الصراع الموضوعي بين الطبقة العاملة من جهة وبيروقراطيات حركة العمال ذوي التوجهات القومية وأحزاب البورجوازيين الصغار الذين توافقوا معهم من جهة أخرى وصل إلى مستوى غير مسبوق. فقد كانت هناك خيانات من قبل النقابات لإضرابات رئيسية على المستوى الدولي، بما في ذلك إضراب 1981 لمنظمة مراقبي الحركة الجوية في الولايات المتحدة وإضراب عمال المناجم البريطانيين 1984-1985 في أوروبا، بالإضافة إلى الإعلان عن إصلاحات السوق الحرة للبيروسترويكا من قبل النظام السوفييتي لرئيس الوزراء ميخائيل جورباتشوف. وقد كشفت الفترة التي سبقت استعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي عن الهوة الطبقية التي تفصل بين اللجنة الدولية للأممية الرابعة وجماعات البورجوازيين الصغار ذات التوجه اليميني مثل رابطة الشيوعيين الثوريين و المنظمة الشيوعية الدولية. فقد قامت هذه المنظمات، تمشياً مع الحكومات الامبريالية الكبرى، بالإشادة بالبيروسترويكا كإصلاح ديموقراطي من قبل البيروقراطيات.

كانت اللجنة الدولية للأممية الرابعة الوحيدة التي أستندت إلى تحذيرات تروتسكي بأن البيروقراطية الستالينية ستتحرك في نهاية المطاف لاستعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي، وحذرت من أن إصلاحات جورباتشوف ستؤدي إلى استعادة الرأسمالية إذا لم يطح العمال السوفييتيون بالبيروقراطية.

لقد مثلت استعادة الرأسمالية في الصين وأوروبا الشرقية، وأخيرا تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991 نقطة تحول تاريخية وسياسية.  فقد تأكدت تماماً تحذيرات تروتسكي والتي صدرت منذ أكثر من نصف قرن من الدور الثوري المضاد للستالينية. وانهارت الأحزاب الستالينية الأوروبية والتي فقدت التأييد بشكل مطرد بعد 1968. ومع تجاهل التفكك الصناعي والاقتصادي الذي حدث في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة الرأسمالية، وصعود أوليغارشيا العصابات، أعلنت القوى الرجعية أن هذا وضع نهاية للتاريخ والانتصار النهائي للرأسمالية.

وفي معارضتها ضد هذه القوى, تمسكت اللجنة الدولية للأممية الرابعة بأن استعادة الرأسمالية، وإن كان بلا شك يمثل ضربة للطبقة العاملة الدولية، إلا أنه لا يعني نهاية مرحلة الحرب الامبريالية والثورة الاشتراكية العالمية والتي بدأت قبل حوالي قرن من الزمان. فتفكك الاتحاد السوفييتي لم يحل التناقضات الأساسية للرأسمالية التي حددتها الماركسية. في الواقع، فإن العمليات الاقتصادية والصراعات الجيواستراتيجية التي كانت وراء تقويض الاتحاد السوفييتي ودفع النظام الستاليني إلى استعادة الرأسمالية هي نفسها التي ستقوض النظام الإمبريالي العالمي.

كما أشارت اللجنة الدولية للأممية الرابعة إلى نمو العولمة الاقتصادية والشركات العبر وطنية التي تنظم سلاسل توريد دولية في صراع مميت لأعلى قدر من الربح.  هذه العمليات صعبت من إمكانية انتهاج سياسة اقتصادية أو المفاوضة من أجل تحسين الأجور وظروف العمل على المستوى القُطري المحلي. إن استراتيجيات "التنمية الوطنية" لقوى البورجوازية الاستعمارية السابقة، ومفاوضات البيروقراطيات النقابية على المستوى القطري، وتوجهات الاكتفاء الذاتي للستالينية قد عفا عليها الزمن. بل أنها أصبحت تتصرف بشكل مفضوح كمقاولي عمل، حيث تتنافس لخفض أجور العمال وظروف عملهم لتقديم أعلى قدر من الربح لرأس المال العالمي.

إن الأزمة الاجتماعية الحادة تصاحبها أزمة متصاعدة للنظام الامبريالي العالمي. فعملية العولمة وما نتج عنها من إعادة توزيع  للقوة الاقتصادية لم تقوّض مستويات معيشة العمال فحسب، بل قٌوضت الأساس الموضوعي للهيمنة الدولية للولايات المتحدة. بالرغم من أحلام  الإمبريالية الأمريكية الجامحة  بأن اختفاء القوة العظمى المنافسة لها سيسمح لها بتعويض تراجعها الاقتصادي النسبي عن طريق استعادة قوتها العسكرية، فإن محاولاتها لغزو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أو السيطرة العسكرية عليهما لم يؤدِ إلا إلى كوارث. ومع أنه أصبح من المستحيل العودة إلى أساليب الحياة الاقتصادية القطرية القديمة، إلا أن عولمة الرأسمالية قد  جلبت  كل التناقضات  التي انفجرت عنها في العقود السابقة حروب عالمية وثورات محمومة. كان هذا ولا يزال يمثل الأساس الموضوعي للثورة الاشتراكية العالمية. على أي حال، القضية الرئيسية التي تواجه الطبقة العاملة على المستوى الدولي هي أزمة القيادة الثورية والمنظور السياسي والتاريخي.

حاربت اللجنة الدولية للأممية الرابعة لإيضاح أسس تطوير الوعي الاشتراكي في المرحلة الجديدة وتقريب هذا الوعي الاشتراكي للطبقة العاملة. كما عملت جاهدة لدحض الممثلين الأكاديميين لمدرسة التزييف التاريخي لمرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي الذين تخلوا عن تروتسكي وأصروا على أنه ليس هناك بديل اشتراكي عن الستالينية وتفكك الاتحاد السوفييتي.

وفي 1995 قامت الفروع الوطنية للجنة الدولية للأممية الرابعة، والتي سبق وأن نظمت نفسها كجمعيات، بإعادة تنظيم نفسها كأحزاب مساواة اشتراكية. وكان وراء هذه المبادرة تغيير في مفهوم علاقة اللجنة الدولية للأممية الرابعة بالطبقة العاملة. فقد أكدت اللجنة الدولية للأممية الرابعة على أن التوجه الصريح نحو سياسات مناهضة للعمال من قبل المؤسسات الوطنية القديمة وتفكك قاعدتها بين الطبقة العاملة جعل من المستحيل المحاربة لإعادة توجيه الطبقة العاملة عن طريق وضع الضغوط على هذه المؤسسات وكسب العمال بداخلها.

أوضح حزب المساواة الاشتراكي (بالولايات المتحدة) أنه: "في كل أنحاء العالم، تواجه الطبقة العاملة حقيقة أن النقابات العمالية والأحزاب بل وحتى الدول التي صنعتها هي في فترة سابقة تحولت إلى أدوات مباشرة للامبريالية. فقد انتهت الحقبة التي كانت بيروقراطيات العمل "تتوسط" فيها بين الصراعات الطبقية وتلعب دور الحامي بين الطبقات ... لن نستطيع أن نحل أزمة القيادة للطبقة العاملة بأن "نطلب" من الآخرين توفير هذه القيادة. إذا كانت هناك  حاجة لحزب جديد فعلينا أن نبنيه". في عام 1998، أطلقت اللجنة الدولية للأممية الرابعة الموقع الإلكتروني الاشتراكي العالمي كجريدة اشتراكية الكترونية يومية. ومن خلال هذا الموقع، تقوم فروع اللجنة الدولية للأممية الرابعة بشكل جماعي بإيضاح خط سياسي مشترك، كما توفر تحليلاً ومنظور وقيادة لنضال الطبقة العاملة الدولية. وفي غضون أكثر من ثمانية عشر عاماً من النشر اليومي المتواصل، أثبت الموقع الإلكتروني للاشتراكية العالمية نفسه كأوسع الصفحات الإلكترونية الاشتراكية قراءة في العالم.

نضال اللجنة الدولية للأممية الرابعة ضد اليسار الزائف في فرنسا

يشكل العمل السياسي والتنظيري المكثف للجنة الدولية للأممية الرابعة أساس لتدخله في فرنسا. وقد شهدت فترة التسعينات والعقد الأول من الألفية الثانية صراعات طبقية هامة واحتجاجات اجتماعية في فرنسا: بما في ذلك إضرابات ضد خفض المعاشات، والإضراب الجماعي للسكك الحديدية عام 1995، واحتجاجات الشباب ضد إصلاحات عقود العمل الأولى. في خلال تلك الفترة وكرد على انهيار الحزب الشيوعي الفرنسي سعت فئات من العمال للتوجه إلى بديل تروتسكي. ولكن تم  اعتراضهم  في  ذلك من قبل   الدور الرجعي لجمعية الشيوعيين الثوريين وجماعة النضال العمالي والمنظمة الشيوعية  الاممية. فقد قامت هذه الأحزاب من خلال تأييدها لاستعادة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي بتطوير روابط قوية مع الأحزاب الستالينية والديموقراطية الاجتماعية المتقلصة في أوروبا وارتبطت بشكل كبير بالإعلام والدوائر الأكاديمية وبيروقراطيات النقابات العمالية.

وفي حين تقدم هذه الأحزاب نفسها على أنها "يسارية" فقد دعمت الحروب الامبريالية والتقشف الاجتماعي والتعدي على الحقوق الديموقراطية. وقد أظهرت الفترة الممتدة منذ أزمة الانتخابات الرئاسية لعام 2002 إفلاسهم. ففي هذا العام، تم استبعاد مرشح الحزب الاشتراكي ليونل جوسبن في الجولة الأولى، واندلعت الاحتجاجات ضد جولة الإعادة بين المرشح المحافظ  جاك  شيراك ومرشحة الجبهة الوطنية جين ماري لوبان. وحصلت جمعية الشيوعيين الثوريين وجماعة النضال العمالي وحزب العمال معاً على ثلاثة ملايين صوتاً. وفي نفس العام اندلعت الاحتجاجات الدولية المناهضة للحرب ضد الغزو غير الشرعي من قبل الولايات المتحدة للعراق الذي شُنّ في.2003 ومع ذلك فقد كان كل ما أثبتته جمعية الشيوعيين الثوريين وجماعة النضال العمالي وحزب العمال هو أنها قادرة على تبديد هذه الفرصة.

أصدرت اللجنة الدولية للأممية الرابعة خطاباً مفتوحاً للأحزاب الثلاث، مقترحة حملة مقاطعة نشطة ضد جولة الإعادة. وبدون إخفاء خلافاتها السياسية معهم، أوضحت اللجنة الدولية للأممية الرابعة أن المقاطعة النشطة، وتعبئة العمال ليكونوا جزءاً من النضال هي أفضل وسيلة لإعداد الطبقة العاملة لمعارضة السياسات التي سيتخذها شيراك. ولم تعبأ هذه الأحزاب بالرد، وإنما وبكل بساطة وقفت جنباً إلى جنب مع حملة الحزب الاشتراكي للتصويت لشيراك بزعم منع الفاشية الجديدة من الوصول للسلطة. وعلى مدار الأربع عشرة سنة التالية، قاموا باتباع شيراك والحزب الاشتراكي مع تحول النخبة الحاكمة إلى الفاشية الجديدة وقيامها بشن سلسلة من الحروب الاستعمارية الجديدة. حتى عندما تخلت الدولة الفرنسية عن معارضتها المبدئية لحرب العراق، فإن هذه المؤسسات التي يُزعم أنها من "اليسار المتطرف" أيدت القوانين العنصرية المعادية للإسلام ضد الحجاب والبرقع. بل إنهم اتجهوا أكثر نحو اليمين بعد الانهيار المالي في عام 2008 وردود الفعل الأولية من البوليتاريا الدولية: الانتفاضات الثورية في مصر وتونس سنة 2011.

وعندما وصل نُظراؤهم في الفكر في سيريزا  في اليونان إلى السلطة في 2015 ، قاموا بدعم رئيس الوزراء اليوناني ألكسس تسيبراس في مواصلته في فرض إجراءات التقشف التي أملاها الاتحاد الأوروبي على الشعب. كما دعموا تحت مسمى "الثورات الديموقراطية" ليس فقط حروب الناتو في ليبيا وسوريا، وإنما أيضاً دعموا انقلاباً فاشياً في كيف قام بتمكين نظام يميني متطرف موال لحلف الناتو في أوكرانيا مما يهدد بإثارة حرب شاملة مع روسيا. وقد قامت مثل هذه السياسات بوضع العالم على حافة حرب نووية وانهيار اقتصادي.

وقد صنفت اللجنة الدولية للأممية الرابعة هذه القوى على أنها يسار زائف، وهو تيار تأسس في الطبقات الأعلى من الطبقة المتوسطة وتعود جذوره  إلى انهيار الحركة الطلابية فيما بعد عام 1968. وهو تيار مناهض للماركسية ومعادٍ للطبقة العاملة وللكفاح الطبقي، بينما يدعم الحروب الامبريالية والتقشف وإجراءات الدولة البوليسية. وهم لن يجلبوا سوى الكوارث على الطبقة العاملة. وفي ذات الوقت، فإن السخط المتفجر والمتصاعد بين الطبقة العاملة ضد الحزب الاشتراكي وحلفاؤه من اليسار الزائف يضع القاعدة السياسية الموضوعية لإنشاء حزب المساواة الاشتراكية كحزب تروتسكي جماهيري.

وقبل ثماني وسبعين سنة، أصدرت الأممية الرابعة برنامجها الانتقالي المؤسس وحذرت قبل عامين من الحرب العالمية الثانية من آلام الاحتضار التي تعاني منها الرأسمالية. وتواجه الرأسمالية مرة أخرى أزمة تاريخية مستعصية على الحل في الوقت الذي تتجه فيه القوى الامبريالية جميعها إلى الحرب والديكتاتورية، بسبب ترنحها تحت الأزمة الاقتصادية وتداعيات الأزمة المصيرية لهيمنة الولايات المتحدة. إن خطر الحرب، والمستويات الرهيبة من عدم المساواة الاجتماعية والهجوم على الحقوق الديموقراطية يسيطر على العالم. ففي الوقت الذي تظهر فيه سياسات التقشف للاتحاد الأوروبي طابعه الرجعي وتتصاعد الفاشية الخديدة عبر أوروبا، هناك تهديد باندلاع حرب عالمية ناتجة عن الحروب في الشرق الأوسط وصراع حلف الناتو مع روسيا في أوروبا الشرقية و"محور آسيا" الأمريكي الذي يهدف إلى عزل الصين.

وكما كان الحال في 1938، فإن التوجه الآن ينصب على الطبقة العاملة الدولية والنضال من أجل الاشتراكية. ففي قرار 2014 تحت عنوان " الاشتراكية والكفاح ضد الحروب الامبريالية"، كتبت اللجنة الدولية للأممية الرابعة: "إن وقوع حمام دم إمبريالي آخر ليس فقط ممكناً، بل إنه حتمي إذا لم تتدخل الطبقة العاملة الدولية على أساس برنامج ماركسي ثوري... على أية حال فإن التنافضات التي تدفع بالامبريالية إلى الحافة هي نفسها التي توفر الدافع الموضوعي للثورة الاجتماعية ". وقد أضاف القرار أن "بناء الأممية الرابعة تحت قيادة  اللجنة الدولية هو السؤال الاستراتيجي الرئيسي. فهي الوسيلة الوحيدة الممكنة التي يمكن من خلالها للطبقة العاملة أن تتوحد على المستوى الدولي.. ومهمة اللجنة الدولية للأممية الرابعة الآن هي العمل على إنشاء فروع لها في بلدان ومناطق جديدة حول العالم." وعلى أساس هذا المنظور وهذا التاريخ, فإن حزب المساواة الاشتراكي (في فرنسا) يضع المبادئ التالية التي توجه عمله السياسي.

مبادئ حزب المساواة الاشتراكي (فرنسا)

الأممية والنضال من أجل الثورة الاشتراكية العالمية

 بقبوله السلطة السياسية للجنة الدولية للأممية الرابعة، يسعى حزب المساواة الاشتراكي لجذب العمال في فرنسا لبرنامج الثورة الاشتراكية العالمية تحت قيادة اللجنة الدولية للأممية الرابعة. هذه الثورة تدلل على دخول الجماهير في النضال السياسي الواعي وينذر بنهاية تقسيم المنظومة الاجتماعية للجنس البشري إلى طبقات، وبالتالي استغلال البشر لغيرهم من البشر. إن مهمته داخل فرنسا هي تعبئة الطبقة العاملة للاستيلاء على السلطة السياسية وإقامة دولة عمال منتهجة سياسات اشتراكية، كجزء من الولايات الأوروبية الاشتراكية المتحدة.

لا يمكن تأسيس سلطة العمال من خلال انتخاب الاشتراكيين لهياكل الدولة البرجوازية. بل ينبغي تأسيس أجهزة جديدة من الديمقراطية التشاركية، تنشأ في سياق النضال الثوري الجماهيري من أجل تمثيل حقيقي لغالبية السكان من الطبقة العاملة، كأساس لدولة العمال. مثل هذه الدولة، كما انها تقدم التدابير الضرورية للتحول الاشتراكي للحياة الاقتصادية، ستعمل بنشاط على تعزيز توسع هائل للسيطرة الديموقراطية للطبقة العاملة على عمليات صنع القرار.

هذه التغييرات لا يمكن تحقيقها إلا في سياق التعبئة الجماهيرية للطبقة العاملة المشبعة بالوعي الاشتراكي. كل ذلك سيخلق الشروط الموضوعية لتطوير مجتمع ديمقراطي اشتراكي حقيقي ينعم بالمساواة. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف النهائي إلا من خلال الكفاح الدولي لتوحيد العمال من جميع البلدان وإنشاء اتحاد عالمي لدول العمال، يشرف بشكل ديموقراطي علي استخدام وتوسيع القوى الإنتاجية التي تم إنشاؤها في ظل الرأسمالية المتكاملة عالمياً لتلبية الاحتياجات الاجتماعية للبشرية.

وكما كتب تروتسكي، موضحا نظريته للثورة الدائمة، "تبدأ الثورة الاشتراكية على الساحة الوطنية، وتقع أحداثها على الساحة الدولية، وتنتهي على الساحة العالمية. وهكذا، تصبح الثورة الاشتراكية ثورة دائمة بالمعنى الجديد والأوسع للكلمة: فتنتهي فقط مع النصر النهائي للمجتمع الجديد على كوكبنا بأسره."

يحارب حزب المساواة الاشتراكي لرفع الآفاق السياسية للعمال خارج حدود فرنسا، ولتوضيح أن نضال العمال في فرنسا يرتبط ارتباطا وثيقا بأحداث الثورة الاشتراكية العالمية الناشئة، والتي تتطلب استراتيجية ومنظوراً  أمميَا. ويحارب حزب المساواة الاشتراكي كل محاولات تقسيم الطبقة العاملة من خلال التمييز على أسس العرق أو الإثنية أو اللغة أو الدين أو الجنس أو التوجه الجنسي. ويدافع الحزب عن حقوق جميع اللاجئين والمهاجرين في العيش والعمل والدراسة في البلاد التي يختارونها مع حقوق المواطنة الكاملة. كما يبني سياسته على توحيد الطبقة العاملة الدولية في النضال الثوري. إن مهمة إلغاء المجتمع الطبقي هي مهمة عصر بأكمله. لذا تستند مبادئ حزب المساواة الاشتراكي على تاريخ هذه الحقبة بأكملها: أي على نضال تروتسكي ضد الخيانة الستالينية لثورة أكتوبر، والتي استمدت جذورها في استبدال الأممية بالقومية من قبل البيروقراطية السوفيتية، وعلى استمرارية نضال اللجنة الدولية للأممية الرابعة من أجل التروتسكية على المستوى الدولي.    

أزمة الرأسمالية

إن الرأسمالية والنظام العالمي الامبريالي الذي يقوم على أسسها الاقتصادية هما السبب الرئيسي للفقر والاستغلال والعنف والمعاناة الإنسانية. والتاريخ الدموي للقرن العشرين – بما في ذلك من حربين عالميتين وحروب محلية لا حصر لها والديكتاتوريات الفاشية في أنحاء أوروبا – يشكل لائحة اتهام دامغة للرأسمالية. فالقوى الانتاجية الهائلة والتقدم التكنولوجي للمجتمع الحديث كافية لضمان مستوى معيشي عالي لجميع سكان العالم. ومع ذلك يعجز المجتمع الرأسمالي عن حل أي من مشاكله الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية أو الثقافية. وإنما في المقابل تتدنى الظروف المعيشية لجماهير عريضة من الناس وسط أشد أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير. وتتخذ عدم المساواة الاجتماعية أبعاداً رهيبة في الوقت الذي يمتلك فيه بضع عشرات من المليارديرات ثروة أكثر مما يملكه 50% من  سكان العالم، ويوازي ما يملكه الـ 1%  الأغنى من السكان ما يملكه باقي سكان العالم. وهكذا تواجه الحضارة البشرية مرة أخرى وسط هذا الحرمان من الرؤية والأمل في المستقبل تهديدات من الحروب والفاشية البربرية. وحل هذه الأزمة لا يكمن في إصلاح الرأسمالية لأنها تستعصي على الإصلاح، وإنما في الإطاحة بها. وكما أفسح الاقطاع المجال للرأسمالية، على الرأسمالية أن تفسح المجال للاشتراكية.

النضال ضد الحروب الامبريالية

إن أزمة الرأسمالية تتجسد بأعنف صورها في انتشار الحروب الامبريالية التي تسعى للنهب والتنافس ما بين القوى الامبريالية المتنافسة الذي يهدد الإنسانية من جديد بحرب عالمية. وتنشأ هذه الصراعات من التناقضات الأساسية للرأسمالية التي حللها كل من لينين وتروتسكي قبل قرن من الزمان: أي التناقض ما بين نظام الاقتصاد العالمي ونظام الدولة القومية، وما بين الطابع الاجتماعي لعمليات الإنتاج والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. فبينما تعمل وسائل الإنتاج على الصعيد العالمي تحت سيطرة الشركات عبر الوطنية، تظل جذور الرأسمالية متأصلة في نظام الدولة القومية والتي تمثل قاعدة عمليات  تنطلق منها الطبقة الرأسمالية لكل دولة لمتابعة مصالحها الاقتصادية. وهذا الدافع الجامح للقوى الامبريالية للسيطرة على الأسواق والموارد الحيوية ومنافذ الوصول للعمالة الرخيصة ودوائر النفوذ والمزايا الاستراتيجية هو ما سيؤدي حتماً إلى نشوب حرب.

إن فرنسا قوة امبريالية تسعي وراء مصالحها  الاقتصادية والعسكرية الطامعة من خلال الحرب والتدخلات على الصعيد الدولي. ففي القرن التاسع عشر، غزت فرنسا مايُقَدَّر بإمبراطورية من عشرات الملايين من العبيد من المستعمرات في أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. واليوم، في سعيها لإعادة غزو مناطق النفوذ، تنضم لموجة من الحروب التي تشنها القوى الامبريالية من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى روسيا والصين، الأمر الذي يهدد بإطلاق العنان لحرب عالمية جديدة.

 إن حزب المساواة الاشتراكي يدين الحروب التي تشنها فرنسا وجميع القوى الامبريالية الأخرى، ويرفض الذرائع الاحتيالية التي يقدمها الامبرياليون والمدافعون من اليساريين الزائفين من أن هذه التدخلات هي نضال من أجل حقوق الإنسان أو ضد الإرهاب. كما يعترف الحزب بالحق الأساسي للشعوب في الدفاع عن أنفسهم وبلادهم ضد الغزاة الاستعماريين الجدد. هذا الموقف المبدئي لا يقلل من معارضة حزب المساواة الاشتراكي لأعمال العنف ضد المدنيين الأبرياء في الدول المحتلة أو في جميع أنحاء العالم. مثل هذه الأعمال الرجعية، والتي يمكن قانونياً أن تعرف بأنها إرهابية، تثير غضب الرأي العام وتضلله، وتعمق من التوترات العرقية والطائفية، وتقوض النضال من أجل الوحدة الدولية للبروليتاريا في النضال الثوري - الأساس الوحيد الذي يمكن من خلاله للدول أن تتحرر من الهيمنة الإمبريالية.

تعمل الهجمات الإرهابية في أيدي النخب الحاكمة الإمبريالية، والتي تستخدمها لإضفاء الشرعية على اللجوء إلى الحرب. حزب المساواة الاشتراكي يشجع ويدعم الاحتجاجات الواسعة ضد الحرب الإمبريالية. ولكنه يشدد على أنه بما أن أسباب هذه الحرب هي جزء لا يتجزأ من بنية المجتمع الرأسمالي وتقسيمه السياسي إلى دول قومية، فإن النضال ضد الحرب الإمبريالية لا يمكن أن ينجح إلا بالقدر الذي يعبىء به الطبقة العاملة على أساس استراتيجية ثورية عالمية.

وكما  ذكرت اللجنة الدولية للأممية الرابعة في  بيانها، "الاشتراكية والنضال ضد الحرب": فإن النضال ضد الحرب يجب أن يستند إلى الطبقة العاملة، والتي تُعد القوة الثورية الكبيرة في المجتمع، وتوحيد كل العناصر التقدمية في المجتمع خلفها. وينبغي أن تكون الحركة الجديدة المناهضة للحرب اشتراكية ومناهضة للرأسمالية، حيث لا يمكن أن يكون هناك صراع جاد ضد الحرب إلا من خلال الكفاح من أجل وضع حد لدكتاتورية رأس المال والنظام الاقتصادي الذي هو السبب الرئيسي وراء النزعة العسكرية والحرب.وبالتالي فإن الحركة الجديدة المناهضة للحرب يجب أن تكون بالضرورة مستقلة تماماً وبشكل لا لبس فيه عن جميع الأحزاب السياسية والمنظمات التابعة للطبقة الرأسمالية ومعادية لها. وفوق ذلك كله، ينبغي للحركة الجديدة المناهضة للحرب أن تكون دولية  وأن تحشد القوة الهائلة من الطبقة العاملة في نضال عالمي موحد ضد الامبريالية.إن الحرب الدائمة للبورجوازية ينبغي أن يكون الرد عليها هو من منظور الثورة المستديمة من قبل الطبقة العاملة، والتي يكون هدفها الاستراتيجي هو إلغاء نظام الدولة القومية وإنشاء اتحاد اشتراكي عالمي. مما سيمكن من التنمية المنظمة والرشيدة للموارد العالمية وعلى هذا الأساس، القضاء على الفقر والارتقاء بالثقافة الإنسانية إلى آفاق جديدة.

الدفاع عن الحقوق الديمقراطية

 يتقدم حزب المساواة الاشتراكي ويدافع  عن الحقوق الديمقراطية التي تم اكتسابها علي مدار اكثر من قرنين من النضال الثوري ضد الأرستقراطيات الإقطاعية ومن بعدها الرأسمالية في فرنسا. هذه الحقوق قد تآكلت بشكل كبير، وبصفة خاصة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، والأزمة الاقتصادية لعام 2008 وقرار فرنسا بالانضمام بكامل قوتها الي ما يسمى "الحرب على الإرهاب". إن إعادة التأهيل السياسي للقوى اليمينية المتطرفة في أوروبا، وكذلك التأهب لاستخدام الجيش الفرنسي ضد المعارضة الداخلية، والتجسس الإلكتروني الشامل على الشعب من قبل وكالات الاستخبارات الفرنسية والدولية، كل هذا هو شاهد على تشهد على الحالة المتقدمة من التحلل التي أصابت الديمقراطية البرجوازية. كما أثبت الحزب الاشتراكي واليسار الزائف، الذين يُدينون الماركسية والثورة على أنها تهديد للديمقراطية، أنهم داعمين لإجراءات الدولة البوليسية. إن الخطر على الديمقراطية يأتي من سياسات البورجوازية وأزمة الرأسمالية كنظام اجتماعي محكوم عليه تاريخياً بالانتهاء.

الدفاع عن الحقوق الديمقراطية يرتبط ارتباطا وثيقاً بالنضال من أجل الاشتراكية: فكما أنه لا يمكن أن يكون هناك اشتراكية بدون ديموقراطية، فلن يكون هناك ديموقراطية بدون اشتراكية. إن اضمحلال الديموقراطية في فرنسا وجميع البلدان ذات التقاليد الديموقراطية البرجوازية لا يمكن مكافحته إلا عن طريق معارضة المؤسسة السياسية بأكملها من خلال تعبئة سياسية مستقلة للطبقة العاملة على أساس برنامج اشتراكي.

النضال من أجل الاستقلال السياسي للطبقة العاملة

إن الصراع على السلطة يتطلب الاستقلال السياسي غير المشروط للطبقة العاملة عن الأحزاب والممثلين السياسيين والمنظرين والعملاء التابعين للطبقة الرأسمالية. وتعد الخيانات المتكررة للفرص الثورية في فرنسا من قبل الستالينية واليسار الزائف أمثلة تقليدية محددة للنتائج الكارثية للأوضاع التي يتم فيها تقييد البروليتاريا عن طريق التحالفات المنهكة مع أحزاب تمثل قوى طبقية أخرى. في فرنسا، هذا يعني أولا وأخيراً المعارضة الثابتة للحزب الاشتراكي وأتباعه المختلفين من الستالينيين واليسار الزائف، ورفض أكذوبة أن هذه القوى تمثل أهون الشرين مقارنة بالأحزاب البورجوازية الأخرى.

إن معارضة حزب المساواة الاشتراكي لهذه المؤسسة السياسية المفلسة لا ينطوي على أي التزام بتقديم الدعم لأي أحزاب أو منظمات تنشأ معارضةً لهذه المؤسسة. فالحزب يقيم مثل هذه التوجهات ليس على أساس المواقف العرضية حول قضايا منفردة، وإنما على أساس تاريخها وبرنامجها ومنظورها وقاعدتها الاجتماعية وتوجهاتها الطبقية. فالحزب يتمسك بالمصالح الأساسية للطبقة العاملة على أساس من الفهم الماركسي العلمي لطبيعة  الرأسمالية التي  يحكمها القانون والتطورات السياسية للمجتمع الطبقي.    

هذا يضع حزب المساواة الاشتراكي في صف المعارضة غير المتسامحة مع السياسات الانتهازية التي تضحي بالمصالح طويلة الأجل للطبقة العاملة سعياً وراء تحقيق مكاسب تكتيكية قصيرة الأجل. ولكن الانتهازية ليست مجرد نتاج لأخطاء فكرية ونظرية. ولكنها متجذرة في القوى المادية في المجتمع الرأسمالي، وتتطور داخل الحركة العمالية كتعبير عن القوى الطبقية المعادية للبروليتاريا. إن أشكال الانتهازية، مثل انتهازية ستالين التي نشأت في الحزب البلشفي في في العشرينات، وانتهازية بابلو وماندل التي نشأت داخل الأممية الرابعة في الخمسينات، وتكيف المنظمة الشيوعية الدولية  مع الحزب الاشتراكي في السبعينات، يمكن أن تعزى لنفوذ القوى البرجوازية والبرجوازية الصغيرة على الطبقة العاملة.

إن النضال ضد هذه التأثيرات لا يُعد إلهاء عن بناء الحزب، وإنما هو نقطة الذروة لسعي الطبقة العاملة في النضال من أجل الماركسية. فحزب المساواة الاشتراكي يدافع عن المفهوم الماركسي الكلاسيكي، الذي وضعه لينين في بناء الحزب البلشفي والذي واصله تروتسكي في نضاله لبناء الأممية الرابعة، بأن الوعي الاشتراكي الثوري لا يتطور بشكل عفوي في الطبقة العاملة. هذا الوعي يتطلب نظرة علمية في قوانين التطور التاريخي وقوانين الرأسمالية. هذا الفهم يجب أن يُقدم للطبقة العاملة، وهذه هي المهمة الرئيسية للحركة الماركسية. إن الحط من النضال من أجل الوعي الثوري هو سمة سائدة للاكاديميين الرجعيين والانتهازيين السياسيين.

خيانة النقابات العمالية

ويدعو حزب المساواة الاشتراكي العمال للخروج على النقابات. ويصر على أن  النضال للعمال لن ينتصر إلا إذا تم تنظيمه بشكل مستقل عن النقابات مستنداً إلى  منظور اشتراكي ثوري لتعبئة واسعة للطبقة العاملة في النضال السياسي ضد الرأسمالية. كما أنه يشجع في كل مرحلة تشكيل منظمات مستقلة جديدة في كل موقع، مثل لجان المصانع وأماكن العمل، التي تمثل حقا مصالح العمال من جميع الرتب وتخضع لرقابتهم الديمقراطية.

ويناضل حزب المساواة الاشتراكي من أجل فهم علمي لدور النقابات العمالية. فمنذ بدايات الحركة النقابية في بريطانيا، قام ماركس بانتقاد النقابات التي تفاوض على شروط استغلال الطبقة العاملة في ظل الرأسمالية في أي بلد، بدلاً من السعي للإطاحة بالرأسمالية على المستوى الدولي. فقد كتب: "بدلا من الشعار المحافظ ‘أجر يوم عادل في مقابل يوم عمل عادل‘ كان عليهم أن يكتبوا على لافتتهم الشعار الثوري: ‘إلغاء نظام الأجور‘".

وأكدت تجارب القرن العشرين الدور الثوري المضاد من جانب البيروقراطية النقابية بشكل عام، بما في ذلك في فرنسا، حيث لعبت نقابة الاتحاد العام للعمال دورا رئيسيا، مع الحزب الشيوعي الفرنسي، في قمع الفرص المتاحة للثورة في الأعوام 1936، 1945، 1953 و 1968. على الرغم من ذلك، سعت الحركة التروتسكية بشكل سليم للتدخل داخل النقابات بنفس القدر الذي سعت به الجماهير العريضة من العمال المتشددين للنضال من خلال النقابات. وقد ميز هذا اللجنة الدولية للأممية الرابعة عن غيرها من العديد من جماعات اليسار من البورجوازيين الصغار الذين استنكروا  سياسات النقابات كذريعة للامتناع عن النضال من أجل الوصول إلى العمال.

لقد أدى ظهور العولمة في الفترة منذ عام 1968 وانهيار عضوية الطبقة العاملة في النقابات إلى تحول هذه المنظمات. فمن منظمات تدافع عن مصالح العمال قصيرة المدى من خلال المساومات داخل كل دولة على حدى حول الأجور وظروف العمل، تحولت هذه المنظمات إلى بيروقراطيات ذات امتيازات تدافع عن القدرة التنافسية العالمية للشركات الكبرى عن طريق التخطيط لخفض الأجور والوظائف. في فرنسا، أشرفت هذه المنظمات على الإضرابات الاحتجاجية الرمزية التي نفذت لتلبية الاحتياجات السياسية للنخبة الحاكمة، بينما شهدت على انخفاض حاد في نشاط الإضراب. ومع ذلك، على الرغم من انهيار قاعدة مستحقاتهم، والتخفيضات الاجتماعية، وتسريح العمال الجماعي وإغلاق المصانع، واصلت إيرادات النقابات في الارتفاع، وذلك بفضل مليارات اليورو المتدفقة في شكل التمويل القانوني أو شبه القانوني من كل من الشركات الكبرى والدولة. فلم تعد هذه المنظمات منظمات للعمال، وإنما هياكل فارغة تمولها الطبقة الحاكمة، بحيث أصبح  العمال محاصرون وواقعون تحت سيطرة ممثلين عن البرجوازيين الصغار يتمتعون بروابط مع الشرطة ووكالات الاستخبارات. وهي تعمل اليوم كقوة شرطية صناعية موجهة ضد الطبقة العاملة.

نحو حزب طليعة تابع للينين داخل الطبقة العاملة

يظهر التاريخ الكامل للقرن العشرين أن الثورة لا يمكن ان تنتصر إلا إذا تمت قيادة الطبقة العاملة من قبل حزب ثوري. وهذا هو السبب وراء العداء الشرس للأوساط الرجعية من البورجوازيين الصغار في اليسار الزائف لبناء حزب طليعي ماركسي داخل الطبقة العاملة. إن حزب المساواة الاشتراكي يشجع النضال على نطاق واسع من قبل الطبقة العاملة ويرحب بكل انتصار حقيقي . ولكنه يعارض بشكل تام  المفاهيم النقابية القائمة على أن تنظيم نضالات متشددة يمكن أن يحل محل استراتيجية ثورية معدّة للطبقة العاملة بقيادة حزب ماركسي.

يتمسك حزب المساواة الاشتراكي بالمبدأ الاشتراكي الثوري: أخبروا العمال الحقيقة. وهو يبني برنامجه وعمله السياسي على التقييم العلمي والموضوعي للواقع السياسي ويحارب لتطوير الوعي الاشتراكي عند الجماهير عن طريق إيصال منظور الماركسية للقطاعات الأكثر تقدما من العمال والشباب. ويرفض الإدعاء الخبيث بأن الماركسيين عليهم أن يأخذوا المستوى السائد من الوعي الجماهيري - أو بالأحرى، ما يتخيله جهلاء البرجوازية الصغيرة كذلك – كنقطة انطلاق لهم. وكما أوضح تروتسكي، المسؤولية الأولى للحزب هي تقديم "صورة واضحة وصادقة عن الوضع الموضوعي والمهام التاريخية التي تنطلق من هذا الوضع بغض النظر عن جاهزية  أو عدم جاهزية العمال الآن لذلك."

فمهمتنا لا تعتمد على عقلية العمال. وإنما على تطوير عقلية العمال. هذا هو ما يجب على البرنامج صياغته وتقديمه الحاضر أمام العمال المتقدمين." الكفاح الثوري للطبقة العاملة يتطلب تنظيما، والتنظيم مستحيل من دون انضباط. الانضباط اللازم للنضال الثوري لا يمكن فرضه من أعلى، ولكن يجب أن يتطور على أساس اتفاق يتم التوصل إليه طوعا، وأيضاً على أساس من المبادئ واستناداً إلى برنامج. هذا المفهوم يتجسد في الهيكل التنظيمي لحزب المساواة الاشتراكي الذي يقوم على مبادئ المركزية الديمقراطية.

في صياغة السياسات والتكتيكات، فإن أكمل صور الديمقراطية يجب أن تسود داخل الحزب. فليس هناك قيود على المناقشات الداخلية حول سياسات وأنشطة حزب المساواة الاشتراكي باستثناء تلك المشار إليها في دستور الحزب. يتم انتخاب القادة ديمقراطيا من قبل الأعضاء، ويخضعون للنقد والرقابة. ولكن في حين أن صياغة السياسة تتطلب المناقشة على أوسع نطاق والنقد الصريح والصادق، فإن تنفيذها يتطلب انضباطاً صارماً. والقرارات التي يتم التوصل إليها ديمقراطيا داخل الحزب تكون ملزمة لجميع الأعضاء. أولئك الذين يعترضون على هذا العنصر الأساسي من المركزية، أو الذين يرون في التأكيد على الانضباط انتهاكا لحريتهم الشخصية، ليسوا اشتراكيين ثوريين وإنما فوضويين لا يفهمون تبعات أو متطلبات الصراع الطبقي.

الدفاع عن الماركسية

إن المهمة الرئيسية لحزب المساواة الاشتراكي هي الدفاع عن التقاليد التاريخية والنظرية للماركسية. منذ ما يقرب من قرن مضى  وفي الذكري الخمسين للجنة الثورية الباريسية كتب تروتسكي "لقد بذلت فرنسا تضحيات أكثر من أي بروليتاريا أخري من أجل الثورة. ولكنها أيضا تعرضت للانخداع أكثر من أي بروليتاريا أخرى. فقد بهرتها البورجوازية في كثير من الأحيان ببريق مفاهيم مثل الجمهورية، الراديكالية، الاشتراكية لفرض قيود الرأسمالية عليها. فقد وضعت البورجوازية  بواسطة وكلائها والمحامين والصحفيين العاملين بها حزمة من القوانين والصيغ الديموقراطية والبرلمانية والاستقلالية التي لم تكن أكثر من عوائق كبلت البروليتاريا وأعاقت تقدمها إلى الأمام".

كما يجب القول بأنه على مدار القرن الماضي، استمر هذا العمل من الغموض السياسي والتنظيري على نطاق أوسع. إن حزب المساواة الاشتراكي يؤسس نشاطه علي تحليل للقوانين الموضوعية للتاريخ والمجتمع.  وبتجذرها في المادية، فإن الماركسية تؤكد علي أولوية المادة على الوعي. فقد كتب ماركس "لا شئ مثالي سوى العالم المادي متمثلاً في العقل البشري الذي يترجمه إلى أنماط من الفكر". والمادية الماركسية جدلية، وذلك لأنها تنظر إلى العالم المادي وانعكاساته على الفكر ليس بوصفه مجموعة من الأشياء والمفاهيم الثابتة والمتجانسة داخلياً، وإنما بوصفه مجموعة من العمليات المعقدة  في حركة وتفاعل مستمرين مع اتجاهات معادية ومتباينة. قدم هذا المفهوم الأساس النظري لتطوير الاشتراكية العلمية على يد كارل ماركس وفريدريك انجلز استنادا إلى فهم موضوعي للصراع الطبقي والاستغلال في المجتمع الرأسمالي والدور الثوري للطبقة العاملة.

وعلى الرغم من الروح الاشتراكية التي حركت جماهير العمال في فرنسا خلال القرن العشرين ، فإن هذه المفاهيم لم تسد في أوساط المثقفين من الطبقة المتوسطة التي كانت  تدين بالولاء للماركسية. إن انهيار أحزاب اليسار الزائف في المرحلة الحالية من أزمة الرأسمالية والحرب الإمبريالية والنضال الثوري للطبقة العاملة هو دليل علي إفلاس كل هذه النظريات المعادية للماركسية وكذلك جميع الأطراف التي كانت تستلهم منها.

إن حزب المساواة الاشتراكي يناضل من أجل نهضة الماركسية الكلاسيكية لتوفير القاعدة النظرية لتطوير حركة تروتسكية داخل الطبقة العاملة. ويدافع الحزب عن الإرث التاريخي لليون تروتسكي والحركة التروتسكية ضد الهجمات والتزييف من خصومه من البورجوازية والبورجوازية الصغيرة. هذه الهجمات - سواء كانت من قبل المنحدرين من مناهضي الشيوعية في الحرب الباردة أو المفكرين الستالينيين أو قوى اليسار الزائف التي تسعى إلى تغطية سياساتها المناهضة للتروتسكية من خلال الادعاءات الكاذبة بأن هناك "أشكال متعددة من التروتسكية" - تهدف جميعها إلى عرقلة تطور الوعي الاشتراكي داخل الطبقة العاملة. فهم ينكرون أن نضال تروتسكي والذي تبنته اللجنة الدولية للأممية الرابعة هو استمرار لنضال الحركة الماركسية باعتبارها البديل الثوري للرأسمالية.

Loading