العربية

الأول من أيار 2018 والذكرى المئوية الثانية لمولد كارل ماركس

سيتم استثمار يوم الأول من مايو 2018 من خلال إضفاء دلالة خاصة لأننا لا نحتفل باليوم الدولي لتضامن الطبقة العاملة وحسب ، بل نحتفل أيضاً بالذكرى المئوية الثانية لمولد كارل ماركس. ولا يوجد أي قدر من المبالغة في التأكيد على أنه في عالم الفلسفة والاقتصاد السياسي وعلم التاريخ والنظرية الاجتماعية و السياسات فإن ماركس هو أهم شخص في الزمن الحديث.

لا يوجد مفكر آخر مارس هذا القدر من التأثير العظيم المستمر والتقدمي على تطور الوعي الاجتماعي لدى جماهير البشرية وعلى نضالها ضد القمع والاستغلال. إن عمل ماركس دشن حقبة جديدة في فهم البشر للقوى الموضوعية التي تحدد مسار التطور التاريخي الأمر الذي فتح المجال أمام نضال الطبقة العاملة الواعي في سبيل تحويل المجتمع على أساس اشتراكي.

فعلى قاعدة قيامه بدحض مثالية هيغل الموضوعية والاستحواذ النقدي لمنهجه الديالكتيكي ، استطاع ماركس تطوير فلسفة مادية وتطبيقها في دراسة التطور الاجتماعي- الاقتصادي والسياسي للبشر. فقبل ماركس – وحتى فيما يتعلق بأبرز المفكرين- وبشكل خاص هيغل و فويرباخ أعظم أسلاف ماركس المباشرين- كانت العلاقات الاجتماعية والسياسية مستمدة من نوع من الإلهام المثالي ، روحياً كان أو فكرياً. وحتى أعظم المفكرين الماديين في القرن الثامن عشر مثل هلفتيوس والبارون دولباخ اللذين لعبت كتاباتهما دوراً حاسماً في تمهيد الأرض للثورة الفرنسية الكبرى 1789- 1794، اعتقدا أن ما يحدد المحيط الاجتماعي والسياسي هو الرأي العام" أي الفكر . لكن المفهوم المثالي القائل بأن العلاقات الاجتماعية هي من إنتاج الفكر يتعارض مع الواقع حيث أن النوع البشري ، من خلال وجودهم التاريخي الواقعي، ولدوا وسط العلاقات الاجتماعية السائدة وواجهوها وتأقلموا معها بشكل غير واع.

أما ماركس، وهو أعظم الفلاسفة الماديين، فقد كشف المصدر الأصلي للفكر البشري وللمفاهيم الإيديولوجية ، و كما شرح لينين لاحقاً بإيجاز كبير، فإن ماركس برهن على " أن الاستنتاج القائل أن مسار الأفكار مرتبط بمسار الأمور هو الوحيد المتسق مع السيكولوجية العلمية . (Lenin, Collected Works, vol. 1, pp. 139-40).

في صياغته الأولية للمفهوم المادي للتاريخ الذي أكده لاحقاً في كتاب "رأس المال"،– وسط أفعال تبدو غير متناسقة يقوم بها ملايين لا تحصى من البشر الذي يسعى كل واحد منهم لتحقيق ما يظن أنه أفضل مصالحه مدفوعين بانفعالاتهم الفردية وطموحاتهم وتطلعاتهم المتناقضة- حدد ماركس تلك القوى الموضوعية التي تعمل بمعزل عن الوعي الفردي الذاتي بل وبكل مستقل عنه، وتكمن وراء البنية الاقتصادية للمجتمع وتحددها.

رفض ماركس أي فكرة لجوء إلى المثالية الذاتية لتفسير تطور الوعي. بل أن المفاهيم الخاطئة حول طبيعة المجتمع تكون متجذرة في الشروط الموضوعية القائمة بشكل مستقل عن الأفراد كما أنها تعكسها . إن عجز الإنسان، بالاستناد إلى الملاحظة المباشرة، عن تصور وفهم الطابع الاستغلالي للعلاقات الاجتماعية الرأسمالية لا يمكن أن يفسر على أنه فشل العقل الفردي بل هو ناجم عن " الطابع الغامض" التي تكتسبها منتجات العمل عندما تتخذ شكل سلع. وكتب ماركس كما هو حال السلع فإن " علاقة اجتماعية محددة بين الرجال تتخذ "بالضرورة" في عيونهم الشكل الوهمي لعلاقة بين الأشياء." ” (Capital, vol. 1, in Collected Works, vol. 35, pp. 82-83).

لم يقم ماركس وصديق عمره وشريكه ، العبقري فريدريك إنجلز " بابتداع " الاشتراكية حيث دخل هذا التعبير نطاق الاستخدام في العقد الثالث من القرن التاسع عشر دخل سان سيمون واوين وبكل خاص فورييه التاريخ بوصفهم أسلاف الطوباويين لماركس و إنجلز. إن هؤلاء المفكرين البارزين لم يفتقدوا للأفكار المتألقة حول عيوب المجتمع القائم كما لم يفتقدوا لمقترحات لتنظيمه بشكل أكثر عقلانية لكن ما غاب عن مفاهيمهم كان تفسير الصيرورة الموضوعية الاجتماعية- الاقتصادية التي ستنبثق منها الاشتراكية فعلاً و كذلك تحديد القوة الاجتماعية التي ستناضل في سبيل تحقيقها.

وكما أشار ماركس لاحقاً فلقد اقترح هو و إنجلز " الدراسة العلمية للبنية الاقتصادية للمجتمع البورجوازي بوصفها الأساس النظري الوحيد الذي الصالح " للنضال في سبيل الاشتراكية، و" برهنا بصيغة شعبية بأن الموضوع لا يتعلق بتطبيق عملي لنظام طوباوي ، بل بالمساهمة الواعية في الصيرورة التاريخية لتثوير المجتمع أمام أعين الجميع". (Herr Vogt, in Marx-Engels Collected Works, vol. 17, Moscow: 1981, p. 79).

ومن خلال تفسير دلالة عمله النظري حدد ماركس ، بقدر كبير من التواضع، ثلاثة منجزات حاسمة ومتشابكة:

"الجديد الذي أنجزته كان البرهنة :1 ، أن وجود الطبقات مرتبط فقط بمراحل تاريخية خاصة من تطور الإنتاج. 2، أن الصراع الطبقي سيقود بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا. 3، وأن هذه الديكتاتورية بذاتها لا تكل سوى مرحلة انتقالية على درب إلغاء كل الطبقات و إقامة مجتمع لاطبقي. " (Marx Letter to Weydemeyer, March 5, 1852, Collected Works, vol. 39, pp. 64-65).

ومع اقتراب الذكرى المئوية الثانية لميلاد ماركس لم يكن هناك نقص بإقرار الأكاديميين والصحافيين بأهمية حياته. إن كارثة عام 2008 الاقتصادية ما تزال طرية في ذاكرة كل شخص . ولا يمكن سوى للرجعيين من مناهضي الشيوعية غير القابلين للإصلاح الذين أعماهم الحقد والجشع نكران عظمة عمل ماركس . بل أن جملة " كان ماركس محقاً" تم تداولها بشكل كبير . وقد قام الأكاديميون أكثر إخلاصًامن الناحية الفكرية, بتنفيذ بحث مضني لدحض هجمات الاقتصاديين البورجوازيين التقليديين لعناصر حاسمة في عمل ماركس مثل نظرية قيمة العمل وتحيلها وكذلك ميل معدل الربح للتراجع، ويجب أن يتم الترحيب بمثل هذا العمل الفكري الجاد وتشجيعه.

لكن حتى الإقرارات الأكثر سخاء من عبقرية ماركس تظل محدودة بالجهود لعزل عمله النظري عن تطبيقاته السياسية العملية ونعني تداعياته الثورية المعاصرة . وهكذا يتم الإشادة بجانب أو آخر من عمل ماركس بوصفه ضروري لفهم بالظروف الاقتصادية الحالية. لكن تقدير ماركس ، المنظر الاقتصادي، يفصل بشكل صارم عن الماركسية بوصفها نظرية وبرنامج وممارسة الثورة الاشتراكية العالمية. إن معظم النقاش راهنية ماركس يطغى عليه ويحرفه الفصل الصارم لتقدير نقد ماركس الاقتصادي للرأسمالية عن الاعتراف باستمرار أهمية الماركسية بوصفها الحركة السياسية الدولية التاريخية والمعاصرة لفئات الطبقة العاملة الأكثر تقدماً في سبيل الإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي.

إن فصل ماركس" المنظر الاقتصادي" عن الاشتراكي الثوري يمتلك تاريخاً طويلاً فعلى مدى أكثر من قرن بذلت جهود لا تحصى " لتشذيب لحية ماركس" أيلمصالحة ماركس مع هذه أو تلك من الإيديولوجيات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة الانتهازية والإصلاحية. وهكذا استغل إدوارد برنشتاين فرصة وفاة إنجلز عام 1895 لفصل الماركسية عن الثورة الاشتراكية وتحويل الأممية الاشتراكية إلى حركة تنادي بالإصلاح الاجتماعي. وخلال القرن العشرين اكتسبت عملية تحريف الماركسية طابعاً رجعياً متصاعداً بهدف تجريدها بشكل علني أو ضمني من أية دلالة ثورية وتحويلها إلى عذر يستخدمه الانتهازيون القوميون في الأحزاب الجماهيرية الاشتراكية الديمقراطية وفي لأحزاب الستالينية ونقابات العمال.

لقد تم تسهيل الهجوم على ميراث ماركس عن طريق الجهود التي لا تلين التي بذلها منظرو البورجوازية الصغيرة بهدف تقويض وتشويهالأسس المادية لعمله النظري والتشكيك فيه. فمنذ العقد التاسع من القرن التاسع عشر ولم يكن بالكاد قد مر عقد على وفاته كان هناك مجموعة متنوعة من الأساتذة الألمان التواقين لمصالحة أخلاق ماركس الثورية المستندة إلى منطق الصراع الطبقي مع مفهوم كانط حول ما فوق التاريخي وحول الضرورة الحتمية .ومنذ بداية القرن العشرين وكانعكاس لتصاعد نفوذ اللاعقلانية الفلسفية بين صفوف فئات واسعة من أنتليجنسيا البورجوازية الصغيرة صار إصرار ماركس على السمة الموضوعية للصيرورة التاريخية التي تحكمها قوانين عرضة للهجوم.

وثمة مفكرين مثل جورج سوريل و لاحقاً هنري دومان ممن ادعوا أن العمال يحتاجون لأساطير ملهمة لا لمعرفة القوانين الموضوعية التي تتحكم بالصراع الطبقي ضد الرأسمالية لإلهام النضال في سبيل الاشتراكية. وتم الإعلان عن أن امتلاك بصيرة نافذة تتعلق بالدوافع النفسية اللاواعية بدلاً من تحليل وفهم القوى الاقتصادية الموضوعية هو أمر ضروري لكسب العمال لصالح الحركة الاشتراكية.

ارتبط فرار مثقفو البورجوازية الصغيرة باتجاه اللاعقلانية بالهجوم على إنجلز بوصفه مادياً سوقياً ، وادعوا أنه أخفى عناصر النزعة الفردية والعناصر الإنسانية من فكر ماركس . وتم رفع " ماركس الشاب" الذي كتب المخطوطات الفلسفية عام 1844 إلى مقام أسمى من مقام " ماركس العجوز" مؤلف "رأس المال". وكان الهدف الرئيس للهجوم –الذي استمر تحت تأثير كل من فلسفة نيتشه و الوجودية وتخفيف المادية من قبل مدرسة فرانكفورت من خلال إضافة العلم الفرويدي الزائفوالنزعة اللاعقلانية والعدمية الفكرية التاريخية المناهضة للتاريخ لما بعد الحداثة – بهدف إلغاء المحتوى الثوري الجوهري لعمل ماركس.

كما أن وكالات الاستخبارات في الدولة الرأسمالية لم تقف خارج خطوط الحرب الإيديولوجية ضد ماركس . وثمة مقال نشرته أمس صحيفة الأندبند نت البريطانية مثير للانتباه حول أوراق بحثية رفعت عنها السرية مؤخراً وكالة الاستخبارات المركزية. ويبدو أن "الوكالة قرأت نظرية ما بعد الحداثة الفرنسية وتوصلت إلى أن التساؤلات التي طرحتها حول القواعد الموضوعية للواقع يمكن أن تستخدم لإضعاف العقيدة الماركسية حول الحتمية التاريخية. لقد تم ضخ ملايين الدولارات لحساب منظمات غطاء مثل المجلات ودور النشر ولأكاديميين تم انتقاءهم بهدف نشر أفكار ما بعد الحداثة وخلق يسار وسطي بهدف وضع حدود للأفكار المحترمة- وأي تجاوز لتلك الحدود يمكن أن يتعرض للإدانة بوصفه جنون راديكالي خطير ..."

إن فصل ماركس المنظر عن ماركس الثوري لا بد أن يقود إلى التزوير وينعكس هذا في المقام الأول في السيرة الذاتية لماركس حيث لا يمكن فهم ماركس المفكر بشكل منفصل عن تطوره السياسي ونشاطه الثوري. وكما لاحظ فرانز مهرينغ في كتابه عن سيرة حياة ماركس : " ما من شك أن قامة ماركس التي لا مثيل لها تعود بشكل ليس بالقليل إلى واقع أن فيما يخصه فإن رجل الأفكار مرتبط بشكل لا فكاك منه مع رجل الأفعال وأن الاثنان يتكاملان ويدعم واحدهم الآخر."(Karl Marx:TheStory of His Life, p.xiii)

وفي مارس 1843 كتب ماركس لأرنولد رغ : " إن أمثال فويرباخ تبدو لي غير صحيحة في أحد جوانبها لأنه يكثر الإشارة إلى الطبيعة في حين يقلل من الإشارة إلى السياسة لكن هذا هو الترابط الوحيد الذي يمكن أن يجعل الفلسفة الراهنة تصبح حقيقة." (Marx-Engels, Collected Works, vol. 1, p. 400) لم تكن تلك بالجملة العابرة بل هي مفتاح فهم العلاقة الجوهرية بين الفلسفة والسياسات في كل من عمل ماركس والعالم المعاصر.

ففي أطروحته حول فويرباخ كتب ماركس :" إن مسألة نسب الحقيقة الموضوعية إلى التفكير البشري ليس بالقضية النظرية بل هي قضية عملية. على الإنسان إثبات الحقيقة أي الواقع والسلطة ، ودنيوية تفكيره في الممارسة. إن الخلاف حول واقعية أو لاواقعية التفكير الذي يعزل نفسه عن الممارسة هو قضية دراسية محضة."(Collected Works, vol. 5, p. 6)

إن الفلسفة المنفصلة عن السياسات الثورية وعن الصراع ضد اضطهاد الإنسان للإنسان هي تخمينات فارغة بدون دلالة تقدمية لكن السياسات بدون قاعدة صلبة من النظرية الثورية ومعرفة تطورها خلال المسار التاريخي الطويل للحركة العمالية العالمية و الصراع في سبيل الاشتراكية يمكن أن تقود فقط إلى ارتجالات واهنة وإلى خيانة صريحة .

توفي ماركس في الرابع عشر من مارس 1883 في سن الرابعة والستين. وخلال كلمته التأبينية وصف إنجلز صديقه المحبوب ورفيق دربه بأنه " رجل علم" وأضاف " لكن هذا لم يكن حتى نصف الرجل " وأعلن إنجلز أن ماركس" كان ثورياً قبل كل شيء آخر وكانت رسالته في الحياة المساهمة ، بطريقة أو أخرى، في الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي وبمؤسسات الدولة التي أقامها ، وكذلك المساهمة في تحرير البروليتاريا الحديثة التي كان ماركس أول من من نبه الوعي بين صفوفها إلى وضعها الخاص وإلى متطلباتها ووعى شروط تحررها. كان النضال هو جوهره وقد ناضل بشغف وبعناد وبنجاح عجز منافسيه عن مجاراته" (Reproduced in Reminiscences of Marx and Engels, Moscow, p. 349).

توفي ماركس الرجل قبل 135 عام لكن الماركسية – بوصفها تطبيق منهج المادية التاريخية و الدياليكتيكية في دراسة الظروف الاقتصادية- الاجتماعية الموضوعيةالمتغيرة باستمرار ، وبوصفها علم يمتلك منظور سياسي ثوري موجه للاستحواذ على السلطة السياسية من قبل الطبقة العاملة، و إنهاء الاستغلال الرأسمالي وإلغاء نظام الدولة- الأمة وإقامة مجتمع اشتراكي على مستوى العالم- لا يمكن أن تفهم بشكل صحيح إلا من خلال علاقتها بالتطور التاريخي للصراع الطبقي وللحركة الاشتراكية العالمية.

كتب إنجلز ذات مرة أنه مع كل تقدم في العلوم الطبيعية يجب على المادية تغيير شكلها وعلى هذا يجب عليها أن تستوعب في فهمها للعالم المادي آخر المنجزات في الفيزياء وفي الكيمياء وفي علم الأحياء التطوري وفي الرياضيات. وبشكل مماثل فإن الماركسية بوصفها علم مسخر بشكل نوعي لدراسة المجتمع الرأسمالي ، تتطور من خلال الدراسة المستمرة للتغيرات الحاسمة في نمط الإنتاج الرأسمالي على مستوى العالم ومن خلال المساهمة في تجارب الصراع الطبقي على مستوى العالم واستيعابه بشكل نقدي. إن كل ادعاءات " الدياليكتيك" التي تستبعد العنصر الحاسم في الماركسية وتتجاهل أو تهمل دروس الصراع الثوري خلال القرن المنصرم لا تعدو أن تكون تمريناً للمتاجرة بالعبارات الجوفاء أو لشعوذة السياسية البورجوازية الصغيرة.

إن الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لمولد ماركس يتصف بدلالة سياسية ثورية هامة يستند إلى كل التطور التاريخي للماركسية. وخلال القرن العشرين مرت الطبقة العاملة بتجارب تاريخية ضخمة مثل الحروب الإمبريالية ، والثورات والثورات المضادة. فالماركسية لا تقوم في عالم تجريدي أو على شكل مجموعة من الاستنتاجات التي صيغت قبل أكثر من قرن بل هي قائمة بوصفها حركة حقيقية تمثل استمرار النضال الواعي بين صفوف الطبقة العاملة العالمية بهدف تطوير برنامج ومنظور وممارسة الثورة الاشتراكية العالمية. ففي عام 1938 أسس ليون تروتسكي الأممية الرابعة كمعارضة ثورية للثورة المضادة التي قادتها البيروقراطية الستالينية التي أدت خياناتها إلى هزائم كارثية حلت بالطبقة العاملة.

وعلى مدى 80 عام مرت الأممية الرابعة بصراعات عنيفة، ولم يقتصر هذا على الصراع ضد أحزاب ومنظمات الثورة المضادة التابعة للبيروقراطيات الستالينية والاشتراكية الديمقراطية بل وضد العديد من أشكال الانتهازية والوسطية والنزعة اليسارية الزائفة التي عكست ضغط الطبقة الرأسمالية والإمبريالية على الطبقة العاملة. وفي خضم الصراع مع كل تلك القوى فإن الأممية الرابعة تحت قيادة اللجنة الدولية دافعت عن الماركسية وطورتها.

إن احتفالنا بيوم العمال العالمي 2018 يترافق مع بروز إشارات إلى بداية مرحلة جديدة لنضال جماهيري ثوري للطبقة العاملة . وكما هي الحال عادة فإن بزوغ الطبقة العاملة على مسرح التاريخ يأتي كمفاجأة – وقبل الكل بالنسبة لممثلي اليسار الزائف والأكاديميين المعادين للماركسية -الذين يستندون في مفاهيمهم الفكرية والسياسية إلى الرفض التام للطبقة العاملة بوصفها قوة ثورية وعلى هذا الأساس اعتقاد كامل بديمومةالرأسمالية.

لكن هذا كله "غير منطقي" و كل هذا يتعارض مع احتياجات التطور التقدمي للحضارة الإنسانية كما أن هذا "غير واقعي"وعلى هذا الأساس فهو محكوم بالاندثار نتيجة تناقضاته الخاصة غير القابلة للحل. إن هذا الحكم قد فرضه التاريخ والمجتمع الرأسمالي ويجب تنفيذه. هل كان هناك طبقة حاكمة أخرى أظهرت مثل هذه الدلالات الجلية على الطفيلية الاجتماعية وعلى افتقاد التوجه السياسي والإنهاك الفكري والانهيار الأخلاقي؟ وبالمقارنة مع المافيا العالمية المرتبطة بحكم القلة التي تستهلك وتتحكم بحصة واسعة من الثروات التي أنتجها جهد مليارات البشر تبدو بورجوازية عصر ماركس أقرب إلى أن تكون مثل أخوية محترمة من المحسنين. إن ادعاءات الإصلاحيين مثل ساندرز وكوربين أن أعضاء الطغمة المالية الرأسماليين يمكن أن يردعوا من خلال العبارات المعسولة ليقبلوا بتوزيع أكثر عدلاً للثروة لا يعدو أن يكون وهماً.

.وكما تساءل تروتسكي ذات مرة هل هناك فرق بين التوسل الباكي لتليين قبل الأثرياء وبين صلاة من اجل المطر؟ لا يوجد طريقة لتصفية الحسابات مع الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج والشبكات المالية العالمية وتتحكم بها إلى جانب الآلات العسكرية العملاقة ووكالات الاستخبارات وقوات الشرطة إلا عن طريق الثورة الاشتراكية، لكن هل هذا ممكن؟

كتب ماركس:" في احد مراحل تطورها فإن قوى الإنتاج المادي في المجتمع تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة.....وتتحول تلك العلاقات من عامل تطوير للقوى المنتجة إلى عامل مقيد لها وبعدها تبدأ حقبة من الثورة الاجتماعية."(Marx Engels Lenin on Historical Materialism, Moscow: 1972, p. 137)

إن هذه الكلمات تحدد، بأكبر قدر من العمق و الراهنية ، الوضع الذي تواجهه الرأسمالية في أيامنا .

فعلى الرغم من كل ثروتها وقوتها فإن النخب الحاكمة تترنح من أزمة إلى أزمة. وإن بروز ترامب في الولايات المتحدة هو التعبير الأكثر جلاء والأبشع عن انحطاط الطبقة الرأسمالية الشامل لكن بروز ترامب لا يقتصر على دلالته الرمزية حيث أنه خلال القرن العشرين ، وبشكل خاص في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية عملت الولايات المتحدة بوصفها الضامن الأكبر لاستقرار وبقاء النظام الرأسمالي العالمي ، لكنها لم تعد قادرة على القيام بهذا الدور.

وخلال ربع القرن المنصرم تحولت الإمبريالية الأمريكية- الساعية إلى موازنة تداعيات عملية انحسارها الاقتصادي الممتد عبر عمليات عسكرية- إلى مركز عدم استقرار جيو-سياسي ومالي. وفي هذا الوضع يمتلك انبعاث الصراع الطبقي في الولايات المتحدة دلالة تاريخية هائلة. إن الصعود المفاجئ للصراع الطبقي في الولايات المتحدة سيجدد ثقة الطبقة العاملة العالمية بإمكانية هزيمة الإمبريالية وبالتالي سيسرع من صيرورة تجذيرمواقف الطبقة العاملة العالمية.

لقد أعلن تروتسكي خلال تأسيسه للأممية الرابعة أن قوانين التاريخ أقوى من الجهاز البيروقراطي. إن هذا التكهن يتحول الآن إلى حقيقة. فالطبقة العاملة تسعى للتخلص من أغلال النقابات القديمة الرجعية وحلفاءها من .منظمات اليسار الزائف البورجوازية الصغيرة في أشكال مختلفة من السياسة الرجعية المتعلقة بالهوية

.إن الصراعات الثورية والتقدمية الحقيقية لهذه الحقبة ستستند إلى طموحات الطبقة العاملة العالمية في التحرر لا على الجهود الأنانية لهذه الفئة أو تلك من الفئة العليا من الطبقة الوسطى لجني مزايا مستندة إلى الهوية.

في هذا اليوم التاريخي ، في الذكرى المئوية الثانية لمولد كارل ماركس فإن اللجنة الدولية للأممية الرابعة تدعي بفخر بأن التروتسكية هي ماركسية القرن الحادي والعشرين . ندعو كل من يسمعنا في سائر أرجاء العالم كما ندعو مئات آلاف من قراء موقع الاشتراكية العالمية للانضمام إلى صفوفنا! أقيموا فروع جديدة للجنة الدولية ! شاركوا في النضال في سبيل انتصار الطبقة العاملة وإقامة مجتمع إنساني حقيقي جديد قائم على المبادئ الاشتراكية الأصيلة للتضامن العالمي ولمساواة بين كل البشر.

Loading