العربية

الحرب الأهلية الليبية تشتد وسط مفاوضات دولية متنامية

كثّفت مؤخراً الأحزاب المحلية والدولية في الحرب الأهلية في ليبيا من المحادثات بعد تقدم حكومة الوفاق الوطني في  طرابلس بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الأميركي دونالد ترامب يوم الاثنين بشأن ليبيا وقضايا إقليمية أخرى. وبعد ذلك أعلن أردوغان: "قد يبدأ عصر جديد بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن العملية [الليبية]، وقد تم إبرام بعض الاتفاقيات أثناء محادثتنا ، ومن الممكن اتخاذ مثل هذه الخطوة".

يأتي ذلك وسط تزايد المبادرات الدبلوماسية الدولية عبر المنطقة. في 4 يونيو/حزيران ، في العاصمة التركية أنقرة ، التقى السراج بأردوغان لمناقشة التطورات الأخيرة في الدولة الشمال أفريقية. ثم ، في مؤتمر صحفي مشترك ، أدان أردوغان مرة أخرى حفتر على أنه "انقلابي".

وقال أردوغان في المؤتمر الصحفي: "سيحكم التاريخ على من تسببوا في إراقة الدماء والدموع في ليبيا من خلال دعم انقلاب حفتر". من جانبه قال السراج لقوات حفتر: "لقد هُزمتم في طرابلس. عليكم قبول ذلك."

في 6 حزيران/يونيو ، في القاهرة ، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، الذي تولى السلطة في انقلاب بدعم من الولايات المتحدة ، بحفتر وحليفه السياسي أغيلا صالح عيسى من مجلس النواب في طبرق في ليبيا. وبعد الاجتماع ، عقد السيسي وحفتر وصالح عيسى مؤتمراً صحفياً مشتركاً وأصدروا إعلان القاهرة الذي دعا أيضاً إلى وقف إطلاق النار والمحادثات الدبلوماسية في ليبيا. في السابق ، كان حفتر قد رفض الدبلوماسية والدعوات إلى وقف إطلاق النار عندما كانت قواته تتقدم على الأرض ضد حكومة الوفاق الوطني.

بعد أن ألقت أنقرة بثقلها العسكري والدبلوماسي وراء السراج ، نددت بهذا الإعلان ووصفته بأنه "مُجهض".  وقال وزير الخارجية مولود تشافوش أوغلو للصحفيين يوم الأربعاء: "وسط الانتصارات الأخيرة لحكومة الوفاق الوطني ، يطالبون بهدنة حيث بدأ حفتر يخسر على الأرض. إن جهود وقف إطلاق النار في القاهرة ميتة".

غير أن واشنطن واصلت أيضا مناقشات منفصلة مع القاهرة. وطبقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض فإن "الرئيس ترامب أشاد بالجهود التي بذلها الرئيس السيسي في نهاية الأسبوع الماضي لتعزيز المصالحة السياسية والتهدئة في الصراع الليبي"، أثناء مكالمة هاتفية أجريت يوم الأربعاء.

لم يكن رد الاتحاد الأوروبي على إعلان القاهرة إيجابياً ، داعياً أطراف النزاع إلى الاتزام بمؤتمر برلين الذي قادته ألمانيا في يناير/كانون الثاني. أعلن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو يوم الاثنين أنه "بشكل عام ، فإن أي مبادرة تتماشى مع عملية برلين بقيادة الأمم المتحدة هي تطور إيجابي. ولكن لا يوجد بديل مقبول للحل السياسي الشامل لعملية برلين ، الذي أكدته الأمم المتحدة أيضًا".

وحث بيان مشترك آخر أدلى به يوم الثلاثاء الممثل الرفيع للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ووزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا "جميع الأطراف الليبية والدولية على وقف جميع العمليات العسكرية بشكل فعال وفوري والانخراط بشكل بناء [في المفاوضات] للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل وفقًا  مع المعايير المتفق عليها في برلين ".

وفي يوم الاثنين ، أكَّد أردوغان أيضاً على "حزنه" إزاء مشاركة روسيا في قمة القاهرة ، معلنا: "خاصة مشاركة روسيا في قمة القاهرة بدور مختلف إلى جانب السعودية وإدارة أبوظبي وفرنسا والأردن أحزنتنا".  في السابق ، اتهم أردوغان الكرملين بنشر المرتزقة في ليبيا إلى جانب قوات اللواء حفتر.

وتتواصل المفاوضات مع استمرار الحرب الأهلية العنيفة بلا هوادة في ليبيا. وأعلنت حكومة الوفاق الوطني أنها استعادت السيطرة على محيط طرابلس التي حاصرها جيش حفتر منذ نحو عام.  كما استولت مؤخراً على عدة معاقل استراتيجية للجيش الوطني الليبي ، بما في ذلك قاعدة الوطية الجوية بالقرب من الحدود التونسية ، ومطار طرابلس الدولي ومدن مثل عين زارة و وادي الربيع  وترهونة. أعلن الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني الليبي أنه أطلق عملية جديدة تسمى دروب النصر تستهدف سرت والجفرة وحقول النفط في جنوب ليبيا.

كانت ليبيا مسرحاً لحرب أهلية دامية منذ حرب الناتو عام 2011 واغتيال حاكم ليبيا الطويل الامد معمر القذافي في عام 2011. ومنذ ذلك الحين ، قسمت الفصائل المسلحة ، التي تعمل كوكلاء ، البلاد إلى مركزي قوة رئيسيين متنافسين. فضلاً عن ذلك فقد شهدت ليبيا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الإصابات المؤكدة بمرض كوفيد-19 من 75 في الخامس والعشرين من مايو/أيار إلى 378 إصابة في يوم الأربعاء — من المحتمل أنها تقديرات مصغرة بكثير — في ظل ظروف تعرضها الشديد لوباء بعد تدمير نظام الرعاية الصحية بها من خلال سنوات من الحروب الإمبريالية والأهلية. 

تدعم كِلا إيطاليا وتركيا حكومة الوفاق الوطني لكسب المزيد من تقسيم موارد الطاقة في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط. لقد أدى تدخل تركيا في الصراع — نشر جنود وطائرات مسيرة ومقاتلين إسلاميين من سوريا — إلى تغيير مسار الحرب الأهلية لصالح حكومة الوفاق الوطني.

وتهدف أنقرة إلى الاستفادة من تقسيم احتياطي النفط الليبي الذي تشرف عليه القوى الاستعمارية ومن إعادة إعمار ليبيا في المستقبل. فضلاً عن ذلك فإن أوروبا لديها طموحات أوسع نطاقاً في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد وقعت تركيا وحكومة الوفاق الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر اتفاقات بشأن المساعدة العسكرية والحدود البحرية لضمان حقوق تركيا في التنقيب عن النفط في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي الشهر الماضي ، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونمز أن تركيا "سوف تتمكن من البدء في عمليات استكشاف النفط هناك في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر".

وفي الشهر الماضي ، في إعلان مشترك ، اتهم وزراء خارجية اليونان ومصر وفرنسا والإمارات وقبرص أنشطة التنقيب التي قامت بها أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط بأنها "غير قانونية".

إن الجيش الوطني الليبي ، الذي يسيطر على مساحات شاسعة من شرق وجنوب ليبيا ومتحالف مع فصيل مؤثر في مجلس النواب ، الذي يمثل هيئة برلمانية منافسة هربت إلى مدينة طبرق الشرقية بالقرب من الحدود المصرية في 2014 ، تسلحه الإمارات ، مصر ، فرنسا وروسيا. وحتى وقت قريب ، كان له اليد العليا في الصراع.

من خلال دعم الأطراف المتحاربة عسكرياً في ليبيا ، تهدف دول مثل تركيا وروسيا ومصر إلى أن تكون جهات فاعلة رئيسية ليس فقط في ليبيا ولكن أيضاً في شرق البحر الأبيض المتوسط.  ومع ذلك ، سيكون تدخل القوى الإمبريالية الأمريكية والأوروبية في كل من الصراع الليبي والتدافع الأوسع نطاقاً لأفريقيا وشرق البحر المتوسط حاسماً ، وسيهدد اندلاع حرب إقليمية أو حتى عالمية.

لا يوجد موقف مشترك بشأن ليبيا داخل الاتحاد الأوروبي. تقدم إيطاليا دعماً مفتوحاً لحكومة الوفاق الوطني للحفاظ على مواقع عملاق الطاقة الوكالة الوطنية للمحروقات (ENI) ، من خلال مشروعها المشترك مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية (NOC) ، تسيطر على حقل الفيل النفطي إلى جانب امتيازات أخرى في حوض غدامس في جنوب غرب ليبيا ، بالإضافة إلى مرافق التصدير والتكرير الهامة في الشمال. ومع ذلك ، تدعم فرنسا الجيش الوطني الليبي. في العام الماضي ، سحبت باريس سفيرها في إيطاليا مع تصاعد التوترات بين باريس وروما بشأن ليبيا.

تحاول ألمانيا استخدام معارفها في الفصيلين المتعارضين في ليبيا لزيادة نفوذها عبر المنطقة.  لقد استعدت برلين للتدخل بشكل أكثر عنفا في ليبيا وأفريقيا من خلال الاتحاد الأوروبي ، مثل مشاركتها الواسعة في المهمة العسكرية "Irini" في البحر الأبيض المتوسط. هذا القرار ، الذي أشاد به وزير الخارجية هيكو ماس (SPD) كمثال على تولي ألمانيا "المزيد من المسؤولية في العالم" ، هو جزء من حملة البرجوازية الألمانية نحو اعادة عسكرة سياستها الخارجية.

وكما ذكر الموقع الالكتروني للاشتراكية العالمية الشهر الماضي ، فإن الولايات المتحدة تدعم كلا الجانبين في الصراع حتى الآن. ومع ذلك ، تشير التصريحات الأمريكية الأخيرة إلى أن حيادها يمكن أن يتغير لمعارضة النفوذ الروسي المتنامي في ليبيا وفي جميع أنحاء المنطقة. بعد اتصال السراج مع وزير الخارجية مايكل بومبيو ، أعلنت السفارة الأمريكية في ليبيا على حسابها في وسائل التواصل الاجتماعي في 25 مايو/آيار: "الولايات المتحدة فخورة بالشراكة مع حكومة ليبيا الشرعية والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة ، حكومة الوفاق الوطني".

في السادس والعشرين من مايو/أيار ، أعلن الجنرال ستيفن تاونسند ، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا ، على وسائل التواصل الاجتماعي: "من الواضح أن روسيا تحاول قلب الموازين لصالحها في ليبيا. وكما رأيتهم يفعلون في سوريا ، فإنهم يوسعون نطاق تواجدهم العسكري في أفريقيا باستخدام مجموعات مرتزقة تدعمها الحكومة مثل فاغنر. سمع العالم السيد حفتر يعلن أنه على وشك إطلاق حملة جوية جديدة. وسيكون ذلك طيارين مرتزقة روس يقودون طائرات روسية لقصف الليبيين".

وفي مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية اليومية ، أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أن "الناتو على استعداد لتقديم دعمه لحكومة طرابلس" ، مضيفًا أن الحلف لم "يضع القوات التي يقودها حفتر على نفس مستوى حكومة فايز السراج ، الوحيدة التي اعترفت بها الأمم المتحدة".

Loading