العربية

الدروس السياسية للجائحة والنضال  في سبيل الا شتراكية

نُشر في الأصل باللغة الإنجليزية في 4 يناير 2021

1. مع بداية العام الجديد ، تواصل جائحة كوفيد -19 انتشارها في جميع أنحاء العالم. إنها أزمة عالمية ذات أهمية تاريخية كبيرة. إن الوباء هو "حدث محفز" يظهر بشكل شديد التركيز تناقضات النظام الرأسمالي العالمي ويطلق العنان لقوى تحول اجتماعي مكبوتة منذ فترة طويلة.

2. لا يمكن وصف الوباء بأنه مجرد أزمة طبية. فخلال العام الماضي ، تم الكشف عن الطابع الرجعي التام للرأسمالية العالمية. إن التفاعل بين الدافع للربح بغض النظر عن التكلفة الاجتماعية ، وشهوة أعضاءالطغمة المالية  لمستويات فاحشة من الثروة الشخصية ، وعدم اكتراثهم اللاإنساني بحياة ورفاهية سكان العالم قد خلق كارثة اجتماعية عالمية.

3 - كثيراً ما قارنت اللجنة الدولية للأممية الرابعة الوباء باندلاع الحرب العالمية الأولى. أدت أحداث عام 1914 وما تلاها من تداعيات الحرب إلى بدء عملية من الاضطرابات السياسية التي اجتاحت العالم.  و تحولت الطبقة العاملة والجماهير الفقيرة إلى التطرف السياسي. إن الإمبراطوريات التي بدت قوية للغاية ولا تقهر في بداية عام 1914 –مثل الإمبراطوريات الروسية والنمساوية المجرية والبروسية – لكن قوى الثورة الاجتماعية أطاحت بها في غضون سنوات. كماظهرت حركة مناهضة للإمبريالية ضد الهيمنة الاستعمارية ، ضمت مئات الملايين من الناس في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.

4. إن مأساة العام الماضي ، التي تستمر في  العام الجديد ، تحدث تغييراً عميقاً في وعي الطبقة العاملة والشباب على المستوى الدولي. إن عام 2020 - الذي تميز بموت جماعي مفاجئ ، واضطراب اقتصادي ، وأزمة وانهيار واضح للهياكل السياسية التقليدية ، سواء كانت ديمقراطية زائفة أو سلطوية علنية ، سيثبت أنه نقطة تحول حاسمة في تاريخ القرن الحادي والعشرين مثل ما كان  عام 1914 في تاريخ القرن العشرين. إن التناقض بين مصالح الأثرياء واحتياجات جماهير المجتمع صارخ لدرجة أنه يجب أن يثير الاحتجاج الاجتماعي والمعارضة السياسية التي لا هوادة فيها.

5. في بداية العام الماضي ، أعلنت اللجنة الدولية في بيانها للعام الجديد أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين سيكون عقد ثورة اجتماعية. واستند هذا التوقع إلى تحليل المرحلة المتقدمة بالفعل من الأزمة الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية. إن أحداث عام 2020 لم تؤكد هذا التحليل فحسب ، بل أعطته أيضاً سمة الإلحاح الشديد.

6. وبدلاً من أن يتلاشى تأثير الوباء نجد أنه يتصاعد. فحتى قبل اكتشاف سلالة جديدة أشد عدوى من الفيروس ، كانت انتشار COVID-19 بين سكان العالم يتسارع. وبلغ عدد القتلى في العالم ما يقرب من مليوني شخص قبل بداية العام الجديد. وفي آسيا ، تم الإبلاغ عن 305000 حالة وفاة. أما في أفريقيا ، فبلغ عدد القتلى الرسمي 63000. وفي أوروبا ، مات 552 ألف شخص. وشهدت الأمريكتين ، 848000 حالة وفاة.

7. إن العدد الإجمالي للوفيات في البلدان حين نأخذها بشكل مفصل مذهل. ففي البرازيل ، مات ما يقرب من 200000 شخص. وفي المملكة المتحدة ، تجاوز العدد الإجمالي قليلاً  71000. في حين بلغ عدد الوفيات في ايطاليا 72000. أما في فرنسا ، فقُتل 63000 شخص. وفي إسبانيا ، توفي 50000. وبلغ عدد الضحايا في ألمانيا 30 ألف قتيل.

8. لكن الحالة الأكثر كارثية في العالم هي في الولايات المتحدة ، حيث ينتشر الوباء ليخرج  عن نطاق السيطرة. فقد بلغ العدد الإجمالي للوفيات بالفيروس عام 2020 رقم  34000. وفي شهر ديسمبر ، توفي ما يقرب من 70000 أمريكي بسبب الفيروس ، ووصل عدد الوفيات اليومي إلى 3500. ومن المتوقع الآن أن يموت ما يقرب من 115000 أمريكي في يناير. على الرغم من جهود وسائل الإعلام لصرف الانتباه عن الكابوس المستمر من خلال التركيز على تطوير لقاحات مضادة لـ COVID ، إلا أن الحقيقة هي أن الأمريكيين يموتون بمعدل يتجاوز الحصيلة السنوية حتى في حروبها الأكثر دموية.

9. إن الضجة الإعلامية التي صاحبت إطلاق لقاحي Pfizer و Moderna قد فقدت مصداقيتها بالفعل بسبب الفوضى المتوقعة تماماً التي ميزت طرحهما. فلم يتم في الواقع سوى توزيع 3 ملايين جرعة لقاح من أصل  20 مليون جرعة كان من المقرر توزيعها بحلول نهاية ديسمبر / كانون الأول. ولكن حتى لو تم التغلب على هذه الفوضى وعدم الكفاءة بطريقة ما في الأشهر المقبلة ، وهو احتمال بعيد الاحتمال نظراً للحالة الكارثية لصناعة الرعاية الصحية الأمريكية التي يحركها الربح ، فإن التأثير على معدل الوفيات المتسارع سيكون محدوداً. وقد حذر معهد القياسات الصحية والتقييم في كانون الأول (ديسمبر) من أنه "حتى مع وجود لقاح ، فإنه إذا لم تتحرك الولايات للسيطرة على المعدلات الحالية في ارتفاع الإصابات، فقد يصل عدد القتلى إلى 770000 بحلول الأول من أبريل". لكن لن تتخذ الولايات ولا الحكومة الفيدرالية الإجراءات المطلوبة للسيطرة ، ناهيك عن منع ، الانتشار المستمر والكارثي للفيروس وفقدان الأرواح.

10. توقع الرئيس المنتخب جو بايدن أن "شتاء مظلم للغاية" ينتظرنا. لكن في مواجهة كارثة اجتماعية غير مسبوقة ، فإن الإجراء الوحيد الذي يقترح اتخاذه خلال أول 100 يوم له في منصبه هو توجيه دعوة لجميع الأمريكيين لارتداء أقنعة الوجه. في هذه المرحلة من الوباء ، يمكن مقارنة سياسة بايدن بمحاولة احتواء رياح العاصفة الناتجة عن الإعصار بشبكات صيدالفراشات. إن اقتراح بايدن المثير للشفقة يلخص ازدراء الأوليغارشية الرأسمالية للحياة البشرية.

11. ترفض الطبقة الحاكمة تنفيذ السياسات التي يجب اتخاذها لوقف انتشار فيروس COVID-19: أي إغلاق جميع أماكن العمل غير الضرورية ، وإغلاق المدارس وتوفير الدعم المالي الطارئ اللازم للسكان حتى يتم التغلب على الأزمة. و تتعارض مزاعم الخدمة الذاتية التي تقول بأنه لم يكن من الممكن فعل أي شيء لإنقاذ الأرواح مع قدرة الصين - من خلال برنامج صارم للاختبار وتتبع جهات الاتصال وعمليات الإغلاق الانتقائي - لاحتواء انتشار الفيروس بسرعة والحفاظ على إجمالي الوفيات عند أقل من 5000 ضحية.

12- إن واقع أن تأثير الوباء كان أشد في البلدان الرأسمالية المتقدمة في أوروبا الغربية ، ولا سيما الولايات المتحدة ، موطن أغنى طبقة حاكمة رأسمالية ومركز الإمبريالية العالمية ، يشهد على التقادم التاريخي لنظام اجتماعي اقتصادي قائم على نظام الدولة القومية ، والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدافع للربح من خلال استغلال قوة العمل البشرية. فمنذ المراحل الأولى لتفشي المرض ، رفضت الطبقات الحاكمة جميع الإجراءات ، مهما كانت ضرورية من وجهة نظر إنقاذ الأرواح ، التي تتعارض إما مع مراكمة الثروات الشخصية أو مع المصالح الجيوسياسية العالمية لدولها الوطنية.

13. إن اعتبارات الأمن القومي ، والصراعات بين الدول الإمبريالية وتوازن القوى العالمي ، وسعي الشركات العابرة للقومية (التي لا تزال مرتبطة بالدول القومية الحالية) للحصول على ميزة تنافسية منعت منذ البداية بناء أي استجابة منسقة عالمياً وموجهة علمياً للتصدي  للجائحة. وبدلاً من تعزيز الوحدة في مواجهة التهديد المشترك لحياة الإنسان ، كثف الوباء العداوات بين الدول القومية الرأسمالية. إن المسح الاستراتيجي لعام 2020 ، الذي نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ، أقر بأنه "حتى مع انتشار الفيروس في كل بلد تقريباً، لكن الانقسامات في ما بينها تعمقت." ويتابع تقرير المسح الاستراتيجي:

بحلول منتصف عام 2020 ، تراجعت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا والصين إلى أدنى مستوى لها منذ عقود. وظلت العلاقات الروسية الغربية محاصرة بالريبة. في حين اندلعت التوترات الصينية الهندية في اشتباكات حدودية دامية. وعانت المؤسسات والقوانين وقواعد التعاون من نكسات متعددةحيث شجبت الولايات المتحدة أو انسحبت من العديد من المنظمات والمعاهدات ، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية. وتركت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي. كماغيرت الصين الوضع الخاص لهونغ كونغ.

14. في تقييم تشاؤمي غير عادي للوضع العالمي ، أوضح المسح الاستراتيجي:

إننا ندخل عصر، بشكل متسارع مرحلة "حرب التسامح" ، والذي يعرفه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بأنه "الجهد المستمر لاختبار التسامح مع أشكال مختلفة من التدخل ضد الدول المستقرة." يتم أحياناً  شن حرب لتسامح علانية وتكون في الواقع حروباً"معلنة". لكن غالباً ما يتم تنفيذها من خلال شبكات أجنبية أو شركاء خاصين ، لا سيما في مسارح العمليات المجاورة للسلطة التي تنفذ هذه التقنية.

يٌعد التسامح مع هذه الحروب أداة مفضلة للجهات الفاعلة التي ترغب في تغيير الوضع الراهن ، ومن الصعب مواجهتها لأنها تولد صراعاً لا يصل إلى  عتبة الحرب التقليدية ، بحيث يتم تجاوز حدود القوانين المعمول بها، ولكن فوق  الحدود المقبولة للاستقرار ...

وبالكاد سمحت جائحة COVID-19 بتعطيل استراتيجي لهذه التوجهات بحيث تحولت المرونة الوطنية والاكتفاء الذاتي إلى أهداف رئيسية. كما تم إحياء سمة السمعة بوصفهاعنصر مهم من عناصر القوة الوطنية.

15. وفي خضم هذه الحالة المشحونة للغاية ، حذر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ،من أن  " الفوضى تبدو في كثير من الأحيان على بعد بضعة أخطاء فقط."

إن خصائص الحرب ، وشكل النزاعات ، والاستراتيجيات المستخدمة ، والجهات الفاعلة المشاركة والأسلحة المستخدمة كلها تتغير بسرعة. إن طبيعة القوة التي تنشرها الدول والشركات والجهات الفاعلة العابرة للقومية رقمياً واقتصادياً تتغير بسرعة. كما تتغير الأوامر الإقليمية. كما إن تفاعل القواعد والمبادئ التوجيهية والمعايير واللوائح والقوانين التي تحكم المجتمع الدولي في حالة تغير مستمر. ولا يزال المجتمع الدولي منظماً بشكل غير كافٍ ويكاد يصبح "مساحة غير خاضعة للحكم".

16. ما يصفه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بأنه "حرب التسامح" يمكن أن يتصاعد بسهولة إلى حرب واسعة النطاق ، مع وجود خطر حقيقي للغاية من تبادل قصف نووي. إن الإدانات الأمريكية المستمرة لروسيا والصين ، إلى جانب المناورات العسكرية الاستفزازية المتزايدة ، لها منطق سياسي قاتل. يما تتفاقم هذا الخطر بسبب حاجة الطبقة الحاكمة لتوجيه الضغط الاجتماعي الداخلي إلى الخارج ، أي بعيداًعن الصراع الطبقي الداخلي ونحو الحرب.

17. في الوقت الذي سعت فيه النخب الرأسمالية بلا هوادة إلى تحقيق مصالحها الجيوسياسية العالمية ، رفضت أي رد على الوباء يتعارض مع مصالح أرباح الشركات والدافع إلى تراكم الثروة الخاصة. كان الارتفاع المذهل في قيم الأسهم في وول ستريت بين مارس وديسمبر 2020 وتزايد عدد القتلى ظاهرتين متوازيين ومتكاملين. كما جعلت السياسات التي جعلت الإثراء الرأسمالي ممكناً الموت الجماعي أمراً لا مفر منه. ففي وقت مبكر من يناير 2020 ، اتخذت الطبقات الحاكمة في الولايات المتحدة وأوروبا قراراً بإعطاء الأولوية لمصالح الأسواق المالية على إنقاذ الأرواح. كما اعترف دونالد ترامب لاحقاً في مقابلته مع الصحفي بوب وودوارد ،بأنه تم إخفاء الخطر الذي يشكله الوباء عن الجمهور ، بينما تم وضع الخطط خلف الكواليس لسن  قانون كيرز، الذي رصد له عدة تريليونات من الدولارات لإٌنقاذ وول ستريت والشركات الكبرى.

18. منذ بداية عام 2020 ، زادت ثروة أغنى 500 شخص في العالم نحو 1.8 تريليون دولار ، لتصل إلى ما مجموعه 7.6 تريليون دولار. وثمة خمسة من هؤلاء المستفيدين من الوباء لديهم الآن أكثر من 100 مليار دولار لكل منهم ، بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس (190 مليار دولار) والرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك (170 مليار دولار). وقد زاد هذان الشخصان ثروتهما معاًبمقدار 217 مليار دولار في عام 2020.

19. اعتمدت الزيادة المذهلة في ثروة الطبقة الحاكمة كلياً على التحويل اللامحدود من جانب صندوق التحوط الفيدرالي للأموال المصنعة رقمياً ، أي"رأس المال الوهمي" غير المرتبط تمامًا بإنتاج القيمة الحقيقية ، إلى الأسواق المالية. وقد أطلق هذا العنان لعربدة من المضاربات التي قادت أسعار أصول المضاربة ، وثروة أولئك الذين يمتلكونها ، إلى مستويات عالية فلكية من الارتفاع. وقد ارتفع سعر عملة البيتكوين المشفرة ، وهي أموال  ليس لها وجود مادي خارج عالم الفضاء الإلكتروني ، بنسبة 360 في المائة في عام 2020 ، من 7194 دولارًا إلى 34000 دولار، كما تضاعف سعرها في السوق تقريباً بين عطلة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة. وتأتي مثل هذه الهدايا للأثرياء ، كما علق إدوارد لوس بسخرية في عمود نُشر خلال عطلة نهاية الأسبوع رأس السنة الجديدة ،  بوصفها "مجاملة من صندوق التحوط الفيدرالي الأمريكي ... وقد أدى تدفق الأموال المجانية إلى رفع جميع أسعار الأصول".

20. لكن عبء سياسة صندوق التحوط الفيدرالي يقع على عاتق الطبقة العاملةحيث يتطلب التراكم الهائل لعجز الدولة وديون الشركات المطلوبة لتمويل خطة الإنقاذ استمرار تدفق عائدات الشركات ومستويات عالية من الربحية. وبدون هذا التدفق ، لا يمكن استدامة فقاعة المضاربة والثروة التي تعتمد عليها.و لا يمكن تلبية هذه الضرورة الاقتصادية إلا من خلال الاستغلال المستمر للقوة العاملة للطبقة العاملة. تماماً كما كان يجب الاحتفاظ بالجنود في الحرب العالمية الأولى في الخنادق وإجبارهم على خوض معركة ضد نيران الرشاشات والغازات السامة ، يجب اليوم إبقاء العمال في المصانع ومواقع العمل على الرغم من الانتشار غير المنضبط للفيروس. ولكي يتمكن الآباء من الاستمرار في وظائفهم ، يجب أن تظل المدارس مفتوحة ، على الرغم من حقيقة أن الأطفال هم الناقلون الرئيسيون لانتقال فيروس COVID-19 إلى البالغين.

21. هذه هي الحسابات الإجرامية اجتماعياً التي يقوم عليها تنفيذ برنامج "مناعة القطيع" ، أي قبول الانتشار غير المنضبط للفيروس إلى حد الدعوة في نهاية المطاف ، وفقاً لمناصري هذه السياسة ، لترك جزء كبير من السكان يصاب بفيروس COVID-19 الأمر الذي سيحقق "مناعة القطيع".

22. تم تنفيذ هذه السياسة على الفور  من قبل السويد وسط صخب عارم  ، وبعد ذلك ، وبعد تنفيذ خطط الإنقاذ في أواخر مارس 2020 ، تم نقلها إلى بقية أوروبا والولايات المتحدة.  كما تم تبرير سياسة الاعتلال الاجتماعي هذه بالادعاء بأن استخدام عمليات الإغلاق وإغلاق المدارس لوقف انتشار الفيروس من شأنه أن يؤدي إلى تكاليف مالية لا تطاق. وقد أشاد توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز ، في عمود بالمثال الذي حددته السويد وروج شعار "العلاج لا يمكن أن يكون أسوأ من المرض". إن المعنى الحقيقي لهذا الشعار الساخر هو أن إنقاذ الأرواح البشرية لا ينبغي أن يأتي على حساب أرباح الشركات وقيم أسهم وول ستريت.

23. كانت النتيجة السياسية للسياسة الاقتصادية للطبقة الحاكمة هي التحول العلني أكثر من أي وقت مضى نحو تعزيز الحركات الفاشية ، وتفكيك المؤسسات التقليدية للديمقراطية البرجوازية ، و بذل الجهود لإنشاء أنظمة استبدادية.  ففي مؤامرته للإطاحة بالدستور وإقامة دكتاتورية رئاسية ، لم يكن دونالد ترامب مختل عقلياً منعزلاً يسعى لتحقيق طموحاته الشخصية الهتلرية. إن واقع تنصله من نتائج انتخابات عام 2020 مدعوم علناً من قبل قسم كبير من الحزب الجمهوري ، بما في ذلك أعضاء الكونغرس ، يشير إلى مدى استعداد العناصر القوية داخل الطبقة الحاكمة لكسر الدستور ودعم خلق نظام استبدادي.

24. إن إدانات ترامب المستمرة لـ "اليسار الراديكالي" والاشتراكية ، إلى جانب تشجيعه للعصابات الفاشية ، يستفز المخاوف داخل الأوليغارشية من أن تطوير الحركة الشعبية الجماهيرية ضد عدم المساواة الاجتماعية ليس ممكناً فحسب ، ولكنه أمر حتمي وشيك الحدوث. وتتوافق خطابات ترامب وأفعاله مع الاستراتيجية السياسية التي حددها المؤرخ اليساري الشهير أرنو ج.ماير مع التحضير للثورة المضادة الاستباقية:

في جو مليء بالشكوك وعدم اليقين والعنف الضاغط ، يحاول قادة الثورة المضادة إقناع النخب المحاصرة والمصدومة بأن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت حتى يستغل الثوار الوضع مرة أخرى لتحقيق أغراضهم. لكن بدلاً من أن يسعوا لتبريد الجو المحموم ، فإنهم يبذلون قصارى جهدهم لزيادة اشتعاله. إنهم يفعلون ذلك من أجل دعم ادعائهم بأن الثورة باتت وشيكة ، بينما يبحثون في الوقت نفسه عن المواجهات ، إن لم يكن عن التعجيل بها ، لإثبات قدرتهم على إخضاع الثوار الحقيقيين أو المزعومين. [ ديناميات الثورة المضادة في أوروبا، 1870-1956: إطار تحليلي (نيويورك: هاربر ورو ، 1971) ، ص. 86].

25. يقدم هذا التحليل المنظور التاريخي الضروري لفهم الحسابات السياسية وراء هجمات ترامب على احتجاجات العنف المناهضة للشرطة في العام الماضي وتحريضه الوحشي على قتل الدولة لداعم أنتيفا المزعوم مايكل راينوهل في 3 أيلول / سبتمبر 2020.

26. تؤكد تصرفات نظام ترامب تحذيرات اللجنة الدولية ، التي استند تقييمها للأهمية السياسية لوصوله إلى السلطة إلى تحليل ماركسي للأسس الاجتماعية للحكم الرأسمالي في الولايات المتحدة. ففي بيانها للعام الجديد الذي نُشر قبل أربع سنوات تقريباً ، في 3 يناير 2017 ، قبل أسبوعين فقط من تنصيب ترامب ، حذر موقع الاشتراكية العالمية:

لقد فضح انتخاب دونالد ترامب  ، حقيقة حكم الأوليغارشية في الولايات المتحدة بكل عريه المثير للاشمئزاز. ومع ذلك ، يجب التأكيد على أن ترامب ليس نوعاً من المتطفلين البشعين في ما كان ، حتى يوم الانتخابات 2016 ، مجتمعاً  معيباً  ولكنه لائق في الأساس. فترامب هو نتاج الزواج الإجرامي والمرضي بين الصناعات العقارية والتمويل والمقامرة والترفيه ، إنه الوجه الحقيقي للطبقة الحاكمة الأمريكية.

إن إدارة ترامب القادمة ، لجهة أهدافها كما لجهة أفرادها ، لها طابع تمرد الأوليغارشية. فحين تقترب طبقة اجتماعية محكوم عليها بالفشل من نهايتها ، فإن جهودها في الصمود في وجه مد التاريخ   كثيراً ما تتخذ بشكل متكرر شكل محاولة لعكس ما تعتبره تآكلاً طويل الأمد لسلطتها وامتيازها، وتسعى إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه من قبل (أو كما كانت تتخيل) قبل أن تبدأ قوى التغيير الاقتصادي والاجتماعي التي لا هوادة فيها في تقويض أسس حكمها.

27. إن تنصيب جوزيف بايدن رئيساً في 20 يناير – على افتراض أن جهود ترامب لتنظيم انقلاب لم تنجح - لن يوقف بأي شكل من الأشكال انهيار الديمقراطية الأمريكية ، ناهيك عن عكس هذا المسار. إن الحركة نحو الاستبداد لا تحركها الشخصيات بل 1) التناقضات الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية الأمريكية ، والتي تجد التعبير الأكثر  خبثاً  عنها في المستويات المتطرفة من عدم المساواة الاجتماعية ؛ 2) الدافع المتأصل الذي لا يمكن السيطرة عليه من قبل الإمبريالية الأمريكية ، مهما كانت العواقب الوخيمة ، لعكس تآكل موقعها الجيوسياسي وإعادة ترسيخ هيمنتها العالمية.

28. لا شيء من هذه العناصر الأساسية للحكم الرأسمالي الأمريكي المتمثل في مستويات أعلى من عدم المساواة الاجتماعية والتأكيد العالمي غير المقيد لمصالح الولايات المتحدة  بوصفها قوة إمبريالية بارزة  يتوافق مع الديمقراطية. إن الدفاع عن عدم المساواة ضد الاحتجاجات الداخلية المتنامية وتنامي الصراع الطبقي بتطلب اللجوء إلى تدابير الدولة البوليسية. كما أن النضال من أجل الحفاظ على السيادة العالمية يتطلب  تحويلاً غير محدود ومطلق للموارد الاقتصادية بهدف التحضير للحرب وشنها. هذه هي الضرورات التي ستحدد سياسات حكومة بايدن ، سواء داخل الولايات المتحدة أو على الصعيد الدولي.

29. لكن الضرورة الاجتماعية تجد تعبيراً عنها ليس فقط في سياسات الطبقة الحاكمة بل  إنها تؤدي إلى تغييرات هائلة في الوعي الجماعي. لقد أدت مأساة عام 2020 ، التي استمرت حتى عام 2021 ، إلى تقويض ثقة الطبقة العاملة في النظام الرأسمالي بشكل عميق لا رجعة  فيه. والدرس الأساسي من الجائحة هو أنه لا يمكن الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة  إلا من خلال النضال ضد النظام الرأسمالي.  لن تكون هناك مقاومة متزايدة لسياسات مناعة القطيع فحسب ، بل ستكون هناك مطالب متزايدة لتغيير الهياكل القائمة في المجتمع.  و سيكون التحول إلى اليسار في الوعي الجماهيري واشتداد الصراع الطبقي من المؤشرات الواضحة على التطور الأولي لحالة ما قبل الثورة.

30. لم تفشل الطبقة العاملة في ملاحظة أن الارتفاع المتسارع في معدل الوفيات سار جنباً إلى جنب مع الارتفاع الهائل في قيم الأسهم في وول ستريت وغيرها من البورصات الرئيسية. بينما كان الآلاف يلهثون بحثاً عن الهواء ويعانون من الموت وحيدين في وحدات العناية المركزة المكتظة ، ومحرومين  حتى من راحة احتضان أخير وكلمات رقيقة من أحبائهم ، احتفلت فئة المستفيدين من الوباء بإثرائها الذاتي المدمر اجتماعياً. إلى جانب التراكم الفاحش للثروة الخاصة ، هناكفي المقابل  تراكماً للغضب الاجتماعي.

31. إن الغضب سيؤدي إلى اندلاع الصراع الطبقي. وقد تم توقع هذا التطور وتشجيعه من خلال جهود أحزاب المساواة الاشتراكية ، التابعة للجنة الدولية للأممية الرابعة ، للشروع في تشكيل لجان مستقلة على مستوى مواقع العمل ، خارج سيطرة النقابات العمالية الرسمية ، التي هي ليست سوى ملحقات لإدارة الشركات مكرسة لقمع كل جهد يبذله العمال لمقاومة الاستغلال الرأسمالي.

32. يتم جر الطبقة العاملة إلى عاصفة النضال الثوري. فمثلما أثارت ثروات وامتيازات الأرستقراطيين الأوروبيين ومالكي العبيد في أمريكا الشمالية مطالب بالإطاحة بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي قامت عليها ثروة وسلطة الطبقات الحاكمة القديمة ، فإن العالم المعولم الحديث لن يتسامح إلى ما لا نهاية  إن الثروة الاجتماعية محصورة بين أفراد النخبة الرأسمالية الصغيرة. كما إن المطالبة بمصادرة ثروة الأوليغارشية وإعادة التنظيم الاشتراكي للاقتصاد العالمي لصالح البشرية ينبع بالضرورة من هذه الأزمة. إن الاعتراف بالمنطق الموضوعي لهذه العملية الاجتماعية هو الأساس الحقيقي للمنظور السياسي ولممارسة الحركة التروتسكية العالمية.

33. إن تطور الحركة الاشتراكية بين صفوف الطبقة العاملة هو بطبيعته نضال أممي. لقد كشف الوباء بأكثر الطرق مباشرة حقيقة أن كل مشكلة رئيسية تواجه البشرية هي مشكلة عالمية وتتطلب حلاً عالمياً. كما أن اللامبالاة تجاه الحياة ، وعدم الكفاءة وعدم التنظيم ، والتبعية القاسية للحاجة الاجتماعية للثروة الخاصة والمصالح الجيوسياسية  ذاتها هي التي تميز استجابة الطبقة الحاكمة لكل مشكلة ، سواء كانت تغير المناخ ، أو حرب عالمية أو الفقر الجماعي.

34. إن توحيد الطبقة العاملة الدولية في نضال مشترك ضد الرأسمالية يتطلب معارضة جميع الجهود المبذولة لتقسيم العمال ، سواء من خلال قومية اليمين المتطرف أو سياسات الهوية التي تركز على العرق التي بتبناها اليسار الزائف. وعلى مدار العام الماضي ، قاد الحزب الديمقراطي ونيويورك تايمز حملة لا هوادة فيها للترويج للانقسامات العرقية ، زاعمين أن الانقسام الأساسي في الولايات المتحدة هو بين "أمريكا البيضاء" و "أمريكا السوداء" ، وليس بين الطبقة العاملة و الطبقة الرأسمالية. هذه هي السياسات الرجعية للطبقة الوسطى العليا ، التي تقاتل ليس من أجل المساواة الاجتماعية ، ولكن من أجل توزيع أكثر ملاءمة للثروة والامتيازات بين فئة الـ 10 في المائة من السكان في قمة الهرم.

35. إن تعزيز السياسات العنصرية هو أحد الأساليب التي تسعى الطبقة الحاكمة من خلالها إلى إبقاء المعارضة الاجتماعية في إطار الحزب الديمقراطي. هذا هو الدرس السياسي المركزي الذي انبثق عن الاحتجاجات الجماهيرية ضد القتل على يد الشرطة، التي اندلعت في ربيع عام 2020 وانتشرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي. لقد حرف الديموقراطيون ومنظماتهم الرديفة داخل اليسار الزائف الغضب من وباء عنف الشرطة ، الذي يؤثر على العمال والشباب من جميع الأعراق ، تحت شعار شجب "الامتياز الأبيض". كما تم تكثيف التزييف العنصري للتاريخ ، الذي بدأه مشروع 1619 في نيويورك تايمز ، من خلال حملة رجعية لتفكيك تماثيل قادة الثورتين البرجوازية الديمقراطية في الولايات المتحدة أي الثورة الأمريكية والحرب الأهلية.

36. لعب سيناتور ولاية فيرمونت بيرني ساندرز ، بدعم من الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا وغيرها من المنظمات اليسارية الزائفة ، مرة أخرى دوراً رجعياً ومزدوجاً في تحويل المعارضة للرأسمالية ودفعها خلف الحزب الديمقراطي. ففي انتخابات 2020 ، كما في انتخابات 2016 ، قال ساندرز إنه كان يقود "ثورة سياسية" ، فقط لتبرير وقوفه خلف مرشح الجناح اليميني لمؤسسة الحزب الديمقراطي. إن ادعاءات ساندرز وآخرين بأن إدارة بايدن ستخلق "مساحة" لتنفيذ الإصلاحات الاجتماعية تم دحضه حتى قبل تولي بايدن منصبه. فقد شكل حكومة يمينية ، وأصدر دعوات لا نهاية لها من أجل "الوحدة" ، وتعهد بالعمل مع "زملائه الجمهوريين" ،أي نفس الأفراد الذين دعموا محاولة ترامب لسرقة الانتخابات وتأسيس ديكتاتورية رئاسية مناهضة للدستور.

37. إن الدفاع عن الحقوق الديمقراطية والنضال ضد الفاشية ، في الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي ، مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالتعبئة المستقلة للطبقة العاملة في النضال من أجل الاشتراكية. والدرس الأساسي لعام 2020 هو أنه طالما لا يوجد منفذ تقدمي حقيقي للاستجابة لأزمة الرأسمالية ، فإن كل أهوال القرن العشرين ستعاود الظهور بأشكال أكثر دموية وهمجية.

38. خلال العام الماضي ، أثبتت قيادة الحركة التروتسكية ، اللجنة الدولية للأممية الرابعة ، في الممارسة العملية رسوخ أسسها التاريخية وقوة الأسلوب الماركسي. فمنذ المراحل الأولى للوباء ، حذرت اللجنة الدولية للأممية الرابعة من الخطر العالمي ، وكشفت مؤامرات النخب الحاكمة ، وقدمت برنامجاً ومنظوراً للطبقة العاملة لوقف الفيروس القاتل. لا يوجد منشور واحد في العالم تقارن تغطيته للوباء بتغطية موقع الاشتراكية العالمية على الشبكة.

39. في 28 فبراير ، لما بلغ عدد الوفيات العالمية أقل من 3000 حالة ولم تكن هناك حالات وفاة مسجلة في الولايات المتحدة حتى ذلك الوقت ، أصدرت اللجنة الدولية للأممية الرابعة نداءً عاجلاً للاستجابة العالمية الطارئة للوباء. بينما كانت الطبقة الحاكمة تقلل من أهمية الخطر وتؤخر العمل ، دعت اللجنة الدولية للأممية الرابعة إلى تعبئة الموارد العلمية والتقنية والاجتماعية العالمية لمكافحة التهديد المميت. وفي 17 آذار (مارس)، حين تجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة 100 شخص ، نشرت اللجنة الوطنية لحزب المساواة الاشتراكية في الولايات المتحدة "برنامج عمل للطبقة العاملة" ، تضمن مطالبة بالإغلاق الفوري للمدارس ولمواقع الإنتاج غير الضرورية ، مع المحافظة على الدخل الكامل للعمال المتضررين. هاتان فقط اثنتان من البيانات والمقالات التي لا تعد ولا تحصى والتي تقدم سجلاً تاريخياً للبديل الاشتراكي البرنامجي والسياسي لسياسة الطبقة الحاكمة المتمثلة في الموت الجماعي والدمار الاجتماعي.

40. مثلما أظهرت الحرب العالمية الأولى بعد نظر الحزب البلشفي ، كذلك أظهرت الأزمة الحالية المكانة التاريخية للحركة التروتسكية المعاصرة. وليس هناك شك في أنه لو تم تنفيذ السياسات التي تناضل من أجلها اللجنة الدولية للأممية الرابعة ، لكان قد تم إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح.

41. إن مدة حالة ما قبل الثورة ، أي طول مرحلة  الانتقال إلى صراع مباشر على السلطة ، لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً. ودون المشاركة في نضالات الطبقة العاملة ، فإن التكهنات حول وتيرة الأحداث لا يمكن أن يكون لها سوى طابع مجرد وميتافيزيقي. إن التحدي الذي يواجه الحركة الاشتراكية ، في سياق الأزمة الموضوعية للرأسمالية ونمو الصراع الطبقي ، هو رفع الوعي الطبقي للعمال ونقل حركتهم نحو اتجاه اشتراكي.

42. لكن هذه المهمة لا تقتصر على تقديم المشورة للعمال من الخارج حيث يعتمد نجاح النضال من أجل الاشتراكية على تأسيس وجود قوي لحزب المساواة الاشتراكية في المصانع والمدارس ومواقع العمل داخل كل فئة من الطبقة العاملة. وسيلعب الشباب في برنامج الشباب والطلاب الدوليين من أجل المساواة الاجتماعية دوراً مهماً في توسيع وجود حزب المساواة الاشتراكية وسط الطبقة العاملة.

43. إن الظروف الاجتماعية والسياسية مهيأة لبناء حركة عالمية قوية للطبقة العاملة. ونحن  ندعو قراء موقع الاشتراكية العالمية إلى أن يصبحوا ناشطين في النضال من أجل الاشتراكية ، والانضمام إلى حزب المساواة الاشتراكية وبناء الأممية الرابعة باسم الحزب العالمي للثورة الاشتراكية.