العربية

مقدمة النسخة التركية من كتاب ليون تروتسكي وتطور الماركسية

نشرت هذه المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية في 7 أكتوبر 2021

في ما يلي مقدمة كتبها ديفيد نورث لترجمة تركية جديدة لمقاله ، ليون تروتسكي وتطور الماركسية ، التي كُتبت عام 1982 للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة للاغتيال السياسي لتوم هينهان. نورث هو رئيس هيئة التحرير الدولية لموقع الاشتراكية العالمية والرئيس الوطني لحزب المساواة الاشتراكية (الولايات المتحدة).

المقال متاح باللغة الإنجليزية من Mehring Books. تتوفر أيضاً من كتب دار مهرنغ ملاحظات ألقاها ديفيد نورث للاحتفال بالذكرى العشرين لاغتيال هينهان ، 'تحية لتوم هينهان: 1951 إلى 1977.'

                                                          ***

في عملية الكتابة ، غالباً ما يتم أخذ المؤلفين في اتجاه لم يقصدوه في الأصل. كان هذا هو الحال في كتابة مقال ليون تروتسكي وتطور الماركسية ، الذي أرحب بترجمته إلى التركية من قبل رفاق مجموعة المساواة الاشتراكية وهو فرع الأممية في تركيا .

كتبت هذا المقال في خريف عام 1982 للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة للاغتيال السياسي لتوم هينهان ، العضو القيادي في رابطة العمال (المنظمة السابقة لحزب المساواة الاشتراكية في الولايات المتحدة).

في 16 أكتوبر 1977 ، قُتل الرفيق هنيهان على يد مسلحين بينما كان يترأس حدثاً اجتماعياً برعاية الشباب الاشتراكي في حركة شباب رابطة العمال ، في مدينة نيويورك. كان الهجوم غير مبرراً على الإطلاق. اقتحم المهاجمان مكان الحدث الاجتماعي وتسببا عن عمد في اضطراب. ولما اقترب هنيهان من مدخل النادي الاجتماعي لتحديد ما كان يحدث ، أطلق أحد المهاجمين النار عليه خمس مرات. تم إطلاق النار على عضو آخر في رابطة العمال ، وهو جاك فيلوت ، من قبل مهاجم ثان بينما كان يهرع لمساعدة توم. ثم فر المسلحان من المبنى .

على الرغم من إصاباته الخطيرة ، تمكن فييلوت من نقل هينيهان ، الذي كان لا يزال واعياً ، إلى مستشفى قريب. وعلى الرغم من نقل توم إلى غرفة الطوارئ ، إلا أن الأطباء المعالجين ، لأسباب لم يتم توضيحها أبداً ، لم يحاولوا إجراء عملية جراحية لوقف نزيفه الداخلي. توفي توم في غرفة الطوارئ بعد حوالي 90 دقيقة من وصوله إلى المستشفى. كان عمره 26 عاماً فقط.

كان مقتل توم هينهان جريمة سياسية حرمت الطبقة العاملة الأمريكية والدولية من مقاتل اتصف بنكران الذات ومخلص ومتمكن للغاية. على الرغم من أنه كان في الحركة لمدة أربع سنوات ونصف فقط ، إلا أن توم كان موضع إعجاب رفاقه في رابطة العمال وفي جميع فروع اللجنة الدولية للأممية الرابعة. ولد في ولاية ويسكونسن في 16 مارس 1951 وترعرع في ميشيغان ، وانضم إلى رابطة العمال في ربيع عام 1973 بينما كان لا يزال طالباً في جامعة كولومبيا في نيويورك. جاء قرار توم بالانضمام إلى رابطة العمال بعد أن هدأت موجة التطرف الطلابي ، وحين انخرط شباب الطبقة الوسطى الأثرياء في سياسات الاحتجاج، تحولوا إلى الحياة المهنية والعيش وفق نمط حياة يخدم مصالحهم الذاتية وسياسات الهوية.

لكن توم هينيهان انجذب إلى التوجه السياسي لرابطة العمال إلى الطبقة العاملة والتركيز على جذور الحزب في النضالات التاريخية للحركة التروتسكية العالمية ، التي يعود تاريخها إلى العقد الثاني من القرن الماضي. تم تعليمه كماركسي بينما كانت رابطة العمال تمر بفترة حرجة في تطورها السياسي الخاص. ففي عام 1974 ، رفض تيم وولفورث ، الذي أسس رابطة العمال في إطار معارضة  انفصال حزب العمال الاشتراكي عن اللجنة الدولية للأممية الرابعة ، المبادئ والبرنامج الذي دافع عنها على مدى السنوات الأربعة عشر الماضية وعاد إلى حزب العمال الاشتراكي.

لم يجد تراجع وولفورث أي دعم داخل كادر رابطة العمال ، التي تم تجنيد وتعليم أعضائها الشباب على أساس معارضة اللجنة الدولية لتخلي حزب العمال الاشتراكي الأمريكي عن التروتسكية ، الذي تجلى في إعادة توحيده في عام 1963 مع البابلويين  في الأمانة المتحدة.

ردت رابطة العمال على خيانة وولفورث بتكثيف دراستها لتاريخ الأممية الرابعة واستيعاب القضايا النظرية والسياسية التي أثيرت في النضال المطول ضد التحريفية البابلوية.

مع اقتراب الذكرى الخامسة لاغتيال الرفيق هينهان ، نويت التركيز على عمله السياسي والإشادة بمساهمته البارزة في بناء رابطة العمال. ومع ذلك ، أثارت مراجعة حياة توم أسئلة حاسمة: كيف يتم تعليم أولئك الذين ينضمون إلى الحركة التروتسكية؟ و من خلال أي عملية يتم تطوير الكادر الماركسي-التروتسكي؟ وما هي العلاقة بين النشاط اليومي للحزب الثوري وتاريخ الأممية الرابعة؟

 اكتسبت هذه الأسئلة إلحاحا استثنائياً في سياق الأزمة المتزايدة في اللجنة الدولية للأممية الرابعة. ففي الأسابيع التي سبقت كتابة مقال إحياء لذكرى اغتيال توم ، كنت قد بدأت العمل على نقد واسع لانحراف حزب العمال الثوري الذي كان في ذلك الوقت كان الفرع الأكثر خبرة وقيادة في اللجنة الدولية ، تجاه الانتهازية والسياسة البابلوية. إن العلاقات التي طورها حزب العمال الثوري ، بدءاً من منتصف العقد السابع من القرن العشرين ، مع سلسلة من الحركات والأنظمة القومية البرجوازية في الشرق الأوسط وإفريقيا ، مع التوجه الاستراتيجي الذي حدده تروتسكي في نظريته عن الثورة الدائمة. وفي الوقت نفسه  أنتجت قطيعة مع التراث الثوري داخل بريطانيا طابعاً انتهازياً متملقة للبيروقراطية النقابية.

تمت تغطية تراجع حزب العمال الثوري عن الإستراتيجية التروتسكية لإرساء الاستقلال السياسي للطبقة العاملة ، التي دافع عنها قادته الرئيسيون ، جيري هيلي ، ومايكل باندا وكليف سلوتر،  ضد الستالينية والانتهازية البابلوية في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي. مع الاستدعاءات الاحتيالية للمادية الديالكتيكية. وما أسماه هيلي 'ممارسة الإدراك' الذي كان مزيجاً انتقائياً من الانطباعية الذاتية والبراغماتية غير المقيدة ، في محاولة لإضفاء مظهر العمق من خلال الاستخدام المزعوم للغة الهيغلية الزائفة. علاوة على ذلك ، فإن تركيز قادة حزب العمال الثوري على 'المنهج الفلسفي'  الذي لا علاقة له بالتحليل السياسي ولا علاقة له مطلقاً بالماركسية، هدف إلى تقويض دراسة كتابات تروتسكي والوثائق النقدية التي شكلت تراث اللجنة الدولية للأممية الرابعة.

ما أن بدأت صياغة تكريم هينهان، كان من المستحيل تجنب أن يتم التعبير عن القضايا النظرية والسياسية التي انشغلت بها في النقد المتنامي لحزب العمال الثوري. تطلب تكريم توم هينيهان ، بعد خمس سنوات من وفاته ، الدفاع عن المبادئ والبرنامج والأسلوب الماركسي الحقيقي الذي استند إليه تدريبه ككادر ثوري. وهكذا ، فإن تكريم حياة توم اتخذ شكل صياغة أولية لنقد خيانة حزب العمال الثوري للتروتسكية. لم تشر المقالات على وجه التحديد إلى حزب العمال الثوري. لكن هيلي وباندا وسلاوتر لم يفشلوا بالتأكيد في ملاحظة الآثار السياسية لتكريمي لتوم هينهان ، التي كانت موجهة بوضوح ضد تزويرهم الانتهازي للنظرية الماركسية. كانوا سيشعرون بالإهانة بشكل خاص من الملاحظة التالية:

يعتمد المراجعون والدجالون السياسيون من جميع الأوصاف دائماً في سياساتهم على التركيز على أكثر الاحتياجات الفورية والعملية في الوقت القائم. أماالاعتبارات المبدئية ، أي تلك التي تنشأ من دراسة جادة لتاريخ الحركة العمالية الدولية ، ومعرفة تطورها كعملية يحكمها القانون ، والتي تنبع من ذلك ، إعادة صياغة نقدية مستمرة لتجاربها الموضوعية ،فهي أمر غريب تماماً لهؤلاء البراغماتيين حيث أن شعارهم في السياسة هو 'كل شيء مباح  طالما أنه يحقق بعض النجاح'. وبقدر ما يُظهرون اهتماماً بالتاريخ ، فإن الأمر ببساطة لا يعدو أن يكون استغلال اقتباس ممزق خارج السياق أو إخفاء انتهازيتهم الحالية بإشارات احتفالية بحتة إلى الإنجازات السابقة للحركة التروتسكية ، أو ، على الأرجح ، لتروتسكي بوصفه فرداً.

كما أن هيلي وسلوتر ، وهما الداعمان الرئيسيان لتزوير أسلوب حزب العمال الثوري، لم يسعدا بالبيان التالي:

بدون معرفة حقيقية بالتطور التاريخي للحركة التروتسكية ، فإن الإشارات إلى المادية الديالكتيكية ليست مجرد إشارات فارغة ؛ تمهد هذه المراجع الفارغة الطريق لتشويه حقيقي للمنهج الديالكتيكي. لا يكمن مصدر النظرية في الفكر بل في العالم الموضوعي. وهكذا فإن تطور التروتسكية  يتدفق من التجارب الجديدة للصراع الطبقي التي يتم وضعهابالاعتماد على المعرفة  المستمدة الكاملةتاريخياً لحركتنا.

على الرغم من أن نقدي كان موجهاً ضد تشويه حزب العمال الثوري وتزييفه للديالكتيك ، إلا أنني لم أتجاهل خطر تحريف انتقاداتي واستغلالها بسوء نية سياسية من قبل معارضي اللجنة الدولية لتشويه سمعة الديالكتيك وتقويض الأسس الفلسفية للسياسة الماركسية.  لذلك شددت على الرابط الأساسي بين المنهج الديالكتيكي المطبق بطريقة تتفق مع المفهوم المادي للتاريخ وعمل ليون تروتسكي.

أما أولئك الذين يدرسون كتابات ليون تروتسكي بجدية ومنهجية ، وهذا ضروري للتطور النظري لكل كادر في رابطة العمال واللجنة الدولية ، فسيكتشفون الثراء الهائل للمنهج الديالكتيكي. سيكون من الخطأ ، بالطبع، اختزال المحتوى الكامل للنضال الذي خاضه تروتسكي ضد الستالينية إلى مسألة الديالكتيك ضد الميتافيزيقيا، بغض النظر عن فحص القوى الاجتماعية التي كانت وما زالت تتجلى من خلال هذه المعارك التاريخية  .ومع ذلك ، لا شك في أن كل مرحلة من مراحل تطور النضال ضد البيروقراطية الستالينية تطلب تعميق الأسلوب المادي الديالكتيكي ضد الميتافيزيقيا المثالية الذاتية للبيروقراطية. الفلسفة حزبية المحتوى وهذا يعني أن النظرية هي سؤال طبقي. كما أن انتقائية ومثالية ستالين ، التي جعلته في البداية عرضة لضغوط القوى الاجتماعية المعادية للبروليتاريا ، أصبحت راسخة ، في مرحلة معينة من تطور الأزمة العالمية ، في المصالح المادية للبيروقراطية السوفيتية ، وبالتالي مصالح الإمبريالية العالمية.

لقد سعيت أيضاً إلى توضيح علاقة الديالكتيك المادي بعمل الحزب البلشفي والأممية الشيوعية ، التي تأسست في أعقاب ثورة أكتوبر 1917:

تحت قيادة لينين وتروتسكي ، تم إحياء المنهج الديالكتيكي ، الذي تعامل معه كاوتسكي وأغلبية قادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي بوصفه 'كلباً ميتاً ، وإثرائه واستعادته إلى مكانته اللائقة في الأممية الشيوعية كأساس منهجي استند إلى علم الاستراتيجية الماركسية ، ووجهات النظر السياسية والعمل الثوري. ففي عصر الحروب الأهلية ، والتغيرات المفاجئة 'بين عشية وضحاها' في الوضع السياسي ، والتحولات اليومية في علاقات القوى الطبقية على نطاق عالمي ، والحركات المفاجئة في ساحة المعركة السياسية من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى اليسار ، الطريقة الديالكتيكية هي وحدها التي أثبتت أنها على مستوى المهمة التاريخية للبروليتاريا. وكما كان من الممكن أن يكتب ماركس لو كان  حيا اليوم: الديالكتيك ليس أداة للنقاش الأكاديمي بل هو سلاح في الحرب الطبقية. إنه ليس شغف الرأس بل إنه رأس العاطفة الثورية. بهذه الروح تدرب اللجنة الدولية للأممية الرابعة اليوم كادر الحركة التروتسكية العالمية.

تم نشر الجزأين الأول والثاني من ليون تروتسكي وتطور الماركسية في أعداد النشرة ، التي تصدر مرتين في الأسبوع عم رابطة العمال ، بتاريخ 15 و 19 أكتوبر 1982. وفي يوم الجمعة ، 22 أكتوبر ، 1982 ، أبلغت شخصياً هيلي عن معارضتي لتزييفه المثالي للمنهجية الماركسية. تبع ذلك على الفور سلسلة من الاجتماعات المتفجرة مع هيلي.

ومع عودتي إلى الولايات المتحدة ، كتبت الجزأين الثالث والرابع من المقال ، اللذين نُشرا في عددي 23 نوفمبر و 14 ديسمبر 1982 من النشرة. في هذه المرحلة ، كان قادة حزب العمال الثوري قد فهموا بوضوح الآثار النظرية والسياسية للمقال ، أي نقده الأساسي لرفض حزب العمال الثوري الانتهازي لتراث الأممية الرابعة. ففي اجتماع عُقد في لندن في 18 ديسمبر 1982، أعرب سلوتر عن موافقته على انتقاداتي لـ 'ممارسة الإدراك' لدى هيلي  وبعدها عكس مساره فجأة و شجب مواقفي بوصفي  براغماتياً أمريكياً.

رداً على ذلك ، أشرت إلى عدة فقرات في كتاب 'ليون تروتسكي وتطور الماركسية' المكرسة لمسألة المنهج، وطلبت من سلوتر أن يشرح بدقة كيف أظهروا تعاطفهم مع البراغماتية لكنه اختار عدم مواجهة التحدي.

لم يتم نشر المقال مطلقاً في The News Line. ثم تسارع الانحطاط الانتهازي لحزب العمال الثوري ، وبلغ ذروته في التفكك السياسي للمنظمة وانفصالها عن اللجنة الدولية والتروتسكية في فبراير 1986. وفي أعقاب الانقسام ، تم توزيع المقال على نطاق واسع في اللجنة الدولية ونشر في الصحافة بجميع أقسامها.

إن الجيل الأكبر سناً من الرفاق في حزب المساواة الاشتراكية واللجنة الدولية الذين عملوا مع توم واحتفوا بذاكرته سيشارك ارتياحي لأن هذا التكريم قد وجد طريقه الآن ، من خلال جهود جيل جديد من المناضلين من أجل الاشتراكية ، إلى اللغة التركية. 

سوف يستلهم الجيل الناشئ من الثوريين التروتسكيين في جميع أنحاء العالم من مثال توم هينهان. تشهد هذه الطبعة الجديدة على التأثير المتزايد في جميع أنحاء العالم لمبادئ وبرنامج اللجنة الدولية للأممية الرابعة التي ضحى توم بحياته للدفاع عنها.

Loading