العربية

أوقفوا الحرب ضد اللاجئين عند الحدود التركية اليونانية.

نُشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 3 مارس 2020

إن حزب المساواة الاشتراكية و اللجنة الدولية للأممية الرابعة يدينان الحرب ضد اللاجئين عند الحدود التركية- اليونانية. إن الصور التي دارت العالم خلال الأيام الأخيرة، تٌذَكِر بالحقب الأحلك ظلاماً في التاريخ الأوروبي وتكشف السمة الحقيقية للاتحاد الأوروبي ولكل الحكومات الرأسمالية في القارة.

الصورة: مهاجرون يفرون هرباً من قنابل الغاز المسيل للدموع رمتها الشرطة اليونانية خلال الاشتباكات عند المعبر الحدودي في منطقة الحدود التركية اليونانية يوم الاثنين الثاني من شهر مارس 2020.

فأمام أعين الرأي العام المصدوم قامت وحدات العسكر والشرطة المزودين بأسلحة ثقيلة بمهاجمة لاجئين عاجزين، هربوا من مناطق الحروب في الشرقين الأدنى والأوسط بحثاً عن ملجأ في أوروبا.  وعند نهاية الاسبوع منع الجنود اليونانيون، بالعنف، أكثر من عشرة آلاف لاجىء من عبور الحدود ورموا قنابل الغاز المسيل للدموع على النساء والأطفال. وصدر أمس أول تقرير عن استخدام ذخيرة حية وعن قتل من اللاجئين.

وقد نشر صحافي هيئة الإذاعة البريطانية مغيرة الشريف شريط فيديو وضعه على صفحة التويتر الخاصة به، نرى فيه مجموعة من الشبان الهائجين، يحاولون مساعدة رجل سقط على الأرض فاقداً الحياة. كانت الدماء تغطي وجهه. إنه أحمد أبو عماد، مهاجر سوري، قتلته صباح اليوم الشرطة اليونانية. ففي الساعة التاسعة وسبع دقائق من صباح اليوم أطلق الجنود اليونانيون النار على أحمد وهو يحاول، مع مئات اللاجئين، اجتياز الحدود في منطقة إبسالا.  وكتب الشريف أن جثة أحمد نٌقلت إلى تركيا.

لكن الناطق باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بستاس وصف شريط الفيديو " بالخبر الزائف وبأنه بروباغاندا تركية" . وعلى هذا يصبح جلياً أن الحكومة اليونانية تحضر إجراءات عسكرية قاتلة وأكثر شمولاً ضد اللاجئين. فمنذ صباح يوم الإثنين نفذت وحدات من الجيش اليوناني على الجزر شرق بحر إيجة تدريبات رمي بالذخيرة الحية ، هناك حيث يتكدس عشرات آلاف اللاجئين في مواقع غاية في الاكتظاظ في ظروف صحية مخيفة.

وهذه " التدريبات" هي ردة فعل مباشرة على قوارب اللاجئين التي انطلقت في اليوم السابق من تركيا باتجاه جزرليسبوس، وشيوس، وزاموس.  فوفق تقرير لمذيع خدمات عامة يونانية غرق على الأقل طفل صغير واحد، ويتم اعتقال من ينجح بالوصل إلى البر.  وبهذا تكون الحكومة اليونانية قد عطلت العمل بميثاق حق اللجوء الأوروبي. وقد أعلن رئيس الحكومة اليونانية المحافظ كرياكوس ميتسوتاكيس مساء يوم السبت  ما يلي:" قرر مجلس أمننا القومي، رفع إجراءات الردع عند حدودنا إلى أقصى مستوى. و على الفور، لن نقبل على امتداد شهر كامل أي طلب لجوء جديد".

وبهدف فرض الإجراءات المنافية لحقوق الشعوب بموجب القانون الدولي غالباً ما تعمل وحدات الجيش والشرطة اليونانية بالتعاون مع عصابات صدام فاشية محلية تقوم بمهاجمة اللاجئين و عمال الإغاثة والصحفيين. وقد وثق المصور الصحفي الألماني ميكائيل ترامر مساء الأحد كيف هاجمت مجموعة من الشبان اليونانيين من جزيرة ليسبوس، أمام أعين خفر السواحل اليوناني قارباً للاجئين يحمل نساء وأطفال كما ضربوا المصور ضرباً مبرحاً استدعى نقله إلى مشفى حيث أخبر لاحقاً صحيفة دي تزايت " أنه تم خياطة جرحاً في رأسي وأن هناك كدمات في الرأس والجسد". 

إن هذا الهجوم الوحشي ضد اللاجئين وضد كل من يتعاطف معهم أو ينشر معلومات انتقادية حول وضعهم يحظى بدعم السلطات الكامل في بروكسل وباريس وبرلين. وقد أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية ووزيرة الدفاع الألمانية سابقاً أورسولا فون لايين يوم الإثنين عن تقديم مزيداً من الدعم لليونان ولبلغاريا وقالت "تتمثل أولويتنا بتقديم كل الدعم اللازم إلى اليونان وإلى بلغاريا ، بهدف التعامل مع الوضع ميدانياً" و"إن التحدي الذي تواجهه اليونان هو تحد لأوروبا." 

وبدوره صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعبارات مماثلة :" التضامن التام مع اليونان وبلغاريا. وفرنسا مستعدة، للممساهمة في الجهود الأوروبية ولإرسال معونات عاجلة ليتمكن البلدان من حماية حدودهما. يجب علينا القيام بعمل مشترك بهدف تحاشي أزمة إنسانية وأزمة متعلقة بسياسة الهجرة".  

ويمكن بسهولة فهم ما قصده فون دير لايين وماكرون بتعبير" تحدي" و "دعم" من خلال مراقبة ما يحدث على الحدود اليونانية التركية أي الإجراءات الشاملة التي يمكن أن  تؤمن "القلعة الأوروبية" من خلال حشد فرق قتالية ومجموعات صدام فاشية!

ووفق ما أوردته التقارير قامت هيئة حماية حدود الاتحاد الأوروبي، سيئة الصيت، فرونتكس بإرسال تعزيزات إلى اليونان. وتم رفع مستوى الإنذار إلى درجة عالية كما تم تعزيز المراقبة الجوية عبر الأقمار الصناعية والطائرات. وبدورها قامت بلغاريا بإرسال 350 جندياً إضافياً من القوات الخاصة إلى الحدود. وثمة دول اخرى تحضر لإجراءات مماثلة ، مثل المستشار الاتحادي النمساوي سيباستيان كورتز، الذي يرأس حكومة التحالف في فيينا مع حزب الخضر، حيث هدد بتعزيز الحدود على طول طريق غرب البلقان مع وحدات الشرطة النمساوية.

وقد عرض مانفرد فيبر، زعيم الكتلة البرلمانية المحافظة في البرلمان الأوروبي بوضوح يوم الإثنين نطاق العمليات العسكرية المزمعة للاتحاد الأوروبي ضد اللاجئين حيث قال: "إن دول الاتحاد الأوروبي سبق لها أن تناقشت مطولاً بما فيه الكفاية، وإن كل ما تحتاجه اليونان هو معونة عاجلة وعلى الاتحاد الأوروبي إعداد مبادرة فورية  لنشر عشرة آلاف من جنود حماية الحدود الأوروبية".

وخلال مقابلة مع راديو ألمانيا مدح فيبر الممارسات الفظة للجيش اليوناني وهو الذي  سبق له في عام 2018 المطالبة بحل نهائي لمسألة الهجرة مستعيراً بذلك تعبيراً نازياً.  وهو لم يترك مجالاً للشك بأن الحرب ضد اللاجئين هي في حقيقتها حرباً ضد الطبقة العاملة بأسرها التي تعترض بشكل متصاعد، كما هو الحال في فرنسا وفي ألمانيا، ضد سياسة الهجوم على المكتسبات الاجتماعية، وضد إعادة تسليح الجيش والأجهزة الداخلية لقمع الدولة وضد عودة النزعة العسكرية و الإرهاب الفاشي حيث أعلن بطريقة استفزازية  :

"إذا كانت الدولة تضمن أن حدودها الخارجية آمنة وأن الناس يطيعون القانون ، فيجب أن تكون قادرة أيضًا على القيام بذلك في المظاهرات ، كما هو الحال في ألمانيا وفرنسا. (...)يجب أن تكون مستعدة لاستخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين. "نحن الألمان جاهزون لهذا عندما يسود العنف في الشارع!"

كما لم يرفض فيبر تدخلاً عسكرياً ألمانياً- أوروبياً في سورية، وهو الأمر الذي سعى إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال الاتفاقيات القذرة بين أنقرة وبروكسل حول اللاجئين.  وتساءل فيبر إن كان من الوارد تحقيق مقترح آنيغريت  كرامب-كارين باور الذي طرحته قبل أشهر والقاضي بإنشاء منطقة في شمال سورية تخضع لقيادة دولية بتفويض من الأمم المتحدة بهدف منح الناس ميناء آمن فعلاً، وضمان الأمن والاستقرار. وأضاف  "ستكون هذه  بالتأكيد هي أفضل نتيجة في مواجهة الوضع المربك السائد حالياً في سورية".

يشعر المرء بضرورة استرجاع توصيف ليون تروتسكي اللامع في مقاله عام 1933 بعنوان "ما هي الاشتراكية الوطنية؟" حين كتب : "لا يمكن أن يتحول كل برجوازي صغير غاضب إلى هتلر ، إنما هناك قطعة صغيرة من هتلر داخل كل برجوازي صغير غاضب. "

وفي حين تتبنى البورجوازية الألمانية تجاه سياسة اللجوء بشكل كامل خط حزب البديل الألماني،  نجد أنها تجنح على صعيد السياسة الخارجية وسياسة الحرب للسير على خطى الاشتراكيين الوطنيين. إن ما عده فيبر ساخراً بأنه" الأفضل" لسورية، يحمل معه في الحقيقة المزيد من القتل والتدمير. حيث أن إقامة منطقة آمنة ألمانية- أوروبية ستؤجج الحرب في سبيل النفط والمصالح الإمبريالية، المستعرة منذ أكثر من تسع سنوات في سورية، ومنذ ما يقارب الثلاثين سنة في المنطقة وأدت إلى مصرع وجرح وتهجير الملايين، مع ازدياد احتمال وقوع مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى. 

وسبق لتروتسكي أن كتب في بيان الأممية الرابعة عند اندلاع الحرب العالمية الثانية حول الترابط بين الرأسمالية والتحريض ضد اللاجئين والعنصرية مع الحرب:

"إن عالم الرأسمالية العفنة يعاني من الاكتظاظ (.....) ففي عصر الطائرات، والتليغراف، وأجهزة الراديو والتلفزيون تم تقييد السفر من بلد إلى بلد من خلال جوازات السفر وتأشيرات الدخول. حيث أن حقبة تراجع التجارة الخارجية وانكماش الأسواق الداخلية هي في الوقت ذاته حقبة التصاعد المرعب للشوفينية، وبشكل خاص احتداد معاداة السامية (...) ففي وسط الأراضي الشاسعة ومعجزة التقانة التي غزت السماء والأرض للبشرية ، تمكنت البورجوازية من تحويل كوكبنا إلى سجن مثير للاشمئزاز". [1]

كما أن أحزاب اليسار الزائف في أوروبا، مثل سيريزا في اليونان، وبوديموس في إسبانيا، وحزب اليسار في ألمانيا وما إلى ذلك، تدعم سياسات الحرب والتقشف. وضمن هذا السياق صرح نائب حزب اليسار في البرلمان الأوروبي أوزلم دميريل يوم الإثنين لمحطة إذاعة ألمانيا حيث قال" أجل، ثمة حق في الدفاع عن الحدود وهذا أمر أكدت عليه مؤخراً المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان". إن هذا يعني أن العمال والشباب يواجهون مهام ثورية حيث أن الرأسمالية، كما كان عليه الحال في سنوات العقد الثالث من القرن العشرين، لا يمكن إصلاحها أو تهدئتها بل يجب الإطاحة بها واستبدالها بالاشتراكية. 

إن الحرب على اللاجئين عند الحدود الخارجية الأوروبية هي الجانب الآخر من  الإرهاب اليميني المتطرف ضد الناس من ذوي الأصول اليهودية أو من المهاجرين كما شهدنا مؤخراً في مدينتي هاناو وهاليه. ولا يمكن الفصل بين الأمرين. فكلما اتبعت الطبقة السائدة بقوة سياسة العسكرة وتقليص الدعم الاجتماعي بهدف حماية مصالحها وثروتها ، كلما اعتمدت علانية على فرض العنف الاستبدادي والفاشي بهدف قمع كل معارضة.

إن حزب المساواة الاشتراكية يدعو العمال والشباب إلى عدم التسامح مع الإرهاب ضد اللاجئين وضد المهاجرين وإلى الدفاع عن حقوقهم الديمقراطية.  يجب ان يبادروا إلى تأسيس لجان عمل ولجان دفاع مستقلة في مواقع العمل، وفي مراكز التدريب، وفي المدارس والجامعات وفي الأحياء السكنية، وينظموا احتجاجات وإضرابات بهدف تنسيق المعارضة ضد الهجمات على المهاجرين وعلى اللاجئين في كل أوروبا. و يجب طرح المطالب التالية ومناقشتها على أوسع نطاق ممكن:

•تفكيك مواقع تجميع اللاجئين في شمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط، وسحب كل القوات الأوروبية وقوات الولايات المتحدة من تلك المناطق وضمان حرية انتقال اللاجئين إلى الدول الأوروبية التي يختارونها.

•تفكيك معسكرات التجميع في اليونان وفي غيرها من البلدان الأوروبية والاعتراف بكل اللاجئين وليس فقط بأولئك المسجلين على قائمة الهجرة إلى أوروبا.

•حل شرطة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، فرونتكس، وفتح الحدود بشكل كامل وإلغاء كل المظاهر العسكرية على الحدود.

•رفض التعاون مع آلية الترحيل التابعة للاتحاد الأوروبي ومع كل سياسات حكومية تمهد للتطهير العرقي.

•وضع مليارات اليورو بهدف توفير خدمات عامة وخدمات صحية وتدريب وفرص عمل لكل العمال بغض النظر عن بلدهم الأصلي. ويجب مصادرة أملاك المصارف والشركات الكبرى  وإخضاعها لرقابة ديمقراطية.

•النضال في سبيل وحدة الطبقة العاملة الدولية وفي سبيل برنامج اشتراكي ضد الرأسمالية والفاشية والحرب.

[1] Leon Trotsky, Manifesto of the Fourth International on Imperialist War, May 1940

Loading