العربية

موجة جديدة من الإحتجاجات في لبنان وسط تصاعد الأزمة الاقتصادية

نُشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 19 يونيو 2020

خرج  الآلاف  إلى الشوارع في العديد من المدن والبلدات اللبنانية ، في أكبر إحتجاجات منذ بدء قيود الإغلاق  جرّاء فيروس كورونا  COVID-19.

أدى إنهيار الليرة وسط أزمة اقتصادية ومالية مستمرة إلى زيادة إنتشار الفقر وأدى إلى إرتفاع هائل لأسعار المواد الغذائية. مع إنتشار أسعار متفاوتة للعملة في الوقت الحالي، أغلقت تجار ووكالات الصرف في بيروت ومدينة بعلبك وشمال لبنان أبوابها، تاركين محطات الوقود وغيرها من التجار غير الرسميين كأماكن الصرف الرئيسية.

أدى فرض الحجز المنزلي  في مارس / آذار إلى فقدان مئات الآلاف من الناس لقمة عيشهم مع القليل من الدعم الاقتصادي إن وُجد من الحكومة. في حين أن الحكومة قد رفعت القيود مؤخراً، فقد أصاب الفيروس حوالي 1500 شخص وأدى إلى وفاة أكثر من 30 شخصًا ، على الأرجح أن التعداد أقل من الواقع ، ولا تزال الأرقام في إرتفاع.

وقد تفاقمت المشقّة بسبب انخفاض تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى الداخل، الذين تأثرت وظائفهم وأجورهم أيضاً بسبب الإغلاق الدولي والركود الاقتصادي ، ناهيك عن انهيار السياحة و إنخفاض أسعار النفط التي أثرت على التدفقات المالية من دول الخليج.

يحتاج حوالي 75 في المائة من السكان إلى المساعدة ، ويلجأ البعض إلى البحث عن الطعام في محتويات القمامة و يتوسلون المارة من أجل شيء يأكلونه   .تفتقر الجاليات الأكثر عرضة، بما فيهم ما يقارب مليوني لاجئ سوري وفلسطيني و 250.000 عاملة منازل وافدة من إفريقيا وآسيا ، إلى الغذاء ، مع خوف العديد من إحتمال الطرد.

في الأسبوع الماضي ، ألقى المتظاهرون قنابل حارقة على المباني الحكومية والبنوك في بيروت وطرابلس. وقام شبان بحرق الإطارات و حاويات القمامة وسدّوا الطرق الرئيسية جنوب شارع الحمرا في بيروت. استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود ، في حين  إنتشر الجيش بأمر من الحكومة.

وطالب المئات من المتظاهرين على درّاجات نارية في مدينة طرابلس الشمالية للحصول على الوظائف، حيث كان ثلث السكان على الأقل عاطلين عن العمل الشهر الماضي. استخدم الجيش القوة لتفريق عشرات المتظاهرين الذين منعوا الشاحنات من التحرك ، زاعمين أن الشاحنات كانت تهرب السلع إلى سوريا ، بينما صرحت السلطات فيما بعد أنها كانت تنقل مساعدات من الأمم المتحدة.

وفي مدينة صيدا الجنوبية ، عبّر البعض عن غضبهم من مدير مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الذي يشغل المنصب منذ فترة طويلة، والذي يعمل عن كثب مع واشنطن ونفّذ عقوبات مالية أمريكية ضد حزب الله. و طالبت كل من الولايات المتحدة وفرنسا ، القوة الإستعمارية السابقة  في لبنان، من رئيس الوزراء حسان دياب الذي يلقى اللوم على سلامة في إنهيار العملة ، بعدم طرده.

على النّقيض من إحتجاجات أكتوبر الماضي التي إتّسمت بمعارضة النظام السياسي الطائفي في لبنان ، تشمل هذه الإحتجاجات  بشكل مباشر الأحزاب والفصائل السياسية ورعاتها الخارجيين. 

لطالما كانت النخبة الحاكمة في لبنان تعتمد على الداعمين الخارجيين  مثل فرنسا وسوريا وفي الأونة الأخيرة الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. هذا البلد الصغير الذي إقتطعته فرنسا من الولايات  السورية السابقة للإمبراطورية العثمانية في التقسيم الإمبريالي للشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، والذي تضخم عدد سكانه بعد 100 عام إلى ستة ملايين بعد تدفق اللاجئين الفلسطينيين والسوريين إليه ، لم يكن أبدًا كيانًا قابلاً للحياة ، و كان هذا عن عمد.

وقام تيار المستقبل السني الذي يقوده رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، هو وحلفاؤه المصطفين مع الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ، بالدعوه إلى نزع سلاح حزب الله ، المجموعة الدينية البرجوازية التي تقف إلى جانب إيران وسوريا، و المتحالفة مع حركة أمل الشيعة والتيار الوطني الحر المسيحي حيث يشكلون أكبر كتلة برلمانية. أدت الإشتباكات الصغيرة والعنيفة التي إندلعت بين الكتلتين المتنافستين إلى مخاوف  من قيام حرب أهلية أخرى في بلد كان ساحة صراع مرير بين تحالفات متغيرة مدعومة من قوى خارجية من سنة  1975 إلى 1989.

مع تنامي الإحتجاجات ، بدأ الناس يطالبون حكومة دياب بالإستقالة بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 60 في المائة من قيمتها مقابل الدولار. إنخفض يوم الجمعة الفائت سعر الصرف في السوق السوداء إلى 6000 ليرة لكل دولار ، مقارنة بالربط الرسمي البالغ 1507 لكل دولار. وقد أدى ذلك إلى إرتفاع معدل التضخم ، المتوقع أن يصل إلى 53 في المائة هذا العام ، وأدى إلى تآكل دخول العمال. ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 10 إلى 15 في المائة في عام 2020.

تولّى دياب منصبه في وقت سابق من هذا العام ، بعد أن أدّت أسابيع من الإحتجاجات المناهضة للحكومة على الصعيد الوطني بسبب تدهور الظروف الإقتصادية والإجتماعية ، و الفساد الحكومي والطائفيّة إلى إسقاط حكومة الحريري.

في شهر مارس ، تخلّف دياب ، المدعوم من حزب الله ، عن قرض بقيمة 1.2 مليار يورو من أجل حماية احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية المتضائلة - المقدرة بـ 35.8 مليار دولار.  وقام فيما بعد بتمديد العجز عن سداد جميع الديون  الخارجية المستحقة السداد في المستقبل القريب. تبلغ ديون لبنان حوالي 90 مليار دولار بنسبة 170 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

بعد أيام ، أعلن حالة الطوارئ ، وأدخل إجراءات الحجز المنزلي لوقف إنتشار الفيروس التاجي ، وأرسل قوات الأمن لإخلاء معسكرات الإحتجاج في وسط بيروت.

وأعلن دياب يوم الجمعة الماضي أن المصرف المركزي سيضخ الدولار في السوق لدعم العملة. لقد وظّف المستشارين الماليّين" لازارد فريرز "للمساعدة في إعداد مناشدة لصندوق النقد الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة للحصول على قرض - خاضع ل"إصلاحات" السوق الحرّة المعتادة التي من شأنها أن تغرق الملايين في حالة عوز وتتعارض مع المصالح الرئيسية والمتضاربة للنخبة الحاكمة.

إن الامتثال لشروط صندوق النقد الدولي سيكون الشرط المسبق للحصول على قروض إضافية من القوى الأوروبية والإقليمية. ولكن قبل كل شيء ، سيتوقف قرض صندوق النقد الدولي على التوافق السياسي مع دول النفط السنية ، التي تراجعت العلاقات معها على مدى السنوات الست الماضية ، مقابل إيران ، وبالتالي ، سوريا ، وهي ظروف معاكسة لحزب الله.

في الشهر الماضي ، رفض الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله ، بشدة نشر قوات الأمم المتحدة على الحدود مع سوريا التي ستشرف على التحركات بين البلدين وتحد من تجارتها في المواد الغذائية والبنزين والمخدرات مع سوريا. أصبحت هذه الإيرادات ذات أهمية أكثر من أي وقت مضى ، مع جفاف الدعم المالي من طهران ، في ظل ظروف يعتمد فيها دعمها السياسي المحلي على برامج الرعاية الاجتماعية. 

ثمة تقرير صدر مؤخراً عن لجنة الدراسة الجمهورية في الكونغرس يركز على احتواء النفوذ والسيطرة الإيرانية في الشرق الأوسط  حيث يعطي بعض الدلائل نحو توجه التفكير في واشنطن ، والضغط على لبنان والقوى الكامنة وراء تيار المستقبل السني.

أوصت لجنة الدراسة الجمهورية  بتشريع يحظر تقديم أموال من صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان ، لأنه "يكافئ حزب الله فقط" ، وإلى مد   العقوبات الأمريكية نحو حلفاء حزب الله في لبنان. وشملت الأهداف صهر الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية السابق جبران باسيل ، وكذلك زعيم الحركة الوطنية الحرة ، ورئيس البرلمان وزعيم حركة أمل منذ فترة طويلة نبيه بري.

يأتي الفيتو الأمريكي على قرض من صندوق النقد الدولي - كما كان في حالة إيران - على رأس قرار قيصر ، وهو تشريع لمعاقبة النظام السوري للرئيس بشار الأسد وجميع المتعاملين معه ، وهو مقرر أن يبدأ هذا الأسبوع . هذا يشمل لبنان ، الذي يرتبط إقتصاده تاريخياً بسوريا ، وسيؤدي إلى إنهيار لبنان الإقتصادي والإجتماعي.

يتم التعبير عن وجهة نظر لجنة الدراسة الجمهورية في إستشهادها بمحلل لبناني أمريكي كتب في عام 2017 ، "إستقرار لبنان ، بقدر ما يعني إستقرار النظام الإيراني وقاعدة الصواريخ الأمامية هناك ، ليس في الواقع مصلحة أمريكية".

وهذا يعني أن حرباً أهلية في لبنان ، الذي شهد حرباً أهلية بين 1975 و 1990 ، سيكون مرحباً بها كوسيلة مفيدة لإحتواء أنشطة حزب الله في الساحة الأوسع.

أبدى جيفري فيلتمان ، السفير الأمريكي السابق في لبنان ومساعد وزير الخارجية السابق  لشؤون الشرق الأدنى ، ازدراءه من قدرة دياب على تنفيذ مقترحاته ، بالنظر إلى إعتماده على حزب الله ، وقال إن إجراءات الحكومة لمكافحة الفساد تهدف إلى القضاء على منافسيها.

وحذر فيلتمان في مايو / أيار ، أنه حتى لو حصل دياب على دعم أوسع من الأطراف الأخرى لإجراءاته، "سوف يتطلب قيادة قوية من الأمريكيين و / أو الفرنسيين لتشكيل ائتلاف داعم على إستعداد لزيادة برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير".

Loading