العربية

أولاً كمأساة ، ثانياً كمهزلة: ماركوس ودوتيرتي والأحزاب الشيوعية في الفلبين

في 26 أغسطس ، ألقى الدكتور جوزيف سكاليس هذه المحاضرة في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة حول الدعم الذي قدمه الحزب الشيوعي الفلبيني، والمنظمات المختلفة التي تتبع خطه السياسي ، للرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في عام 2016.  تفحص سكاليس الأصول التاريخية والسياسية لهذه السياسة للحزب من خلال إستكشاف أوجه التشابه التاريخية في الإجراءات التي إتخذها الحزب الشيوعي الفلبيني وحزب منافس ، Partido Komunista ng Pilipinas (PKP) الحزب الشيوعي الفلبيني-1930 ، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات ، آنذاك إتخذ فرديناند ماركوس كرئيساً خطوات نحو فرض الديكتاتورية العسكرية.

جوزيف سكاليس باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة نانيانغ التكنولوجية حاصل على درجة الدكتوراه في دراسات جنوب وجنوب شرق آسيا من جامعة كاليفورنيا في بيركلي.  وهو متخصص في تاريخ الحركات الثورية الحديثة في الفلبين ، مع التركيز على النمط الذي أثرت فيه كما وتشكلت به خلال التحولات السياسية الإقليمية والعالمية. أطروحة الدكتوراه له ، أزمة القيادة الثورية: الأحكام العرفية والأحزاب الشيوعية في الفلبين ، 1957-1974 ، تناولت التنافس السياسي بين الحزبين الستالينيين ، الحزب الشيوعي الفلبيني CPP والحزب الشيوعي الفلبيني الأسبق-1930 PKP ، ودورهما المسبب في فرض فرديناند ماركوس للأحكام العرفية في عام 1972. 

حساس للغاية تجاه إنتقادات  الحزب الشيوعي الفلبيني، قام مؤسس الحزب خوسيه ماريا سيسون ، دون تقديم ذرة من الأدلة ، بشجب الدكتور سكاليس بإعتباره عميلاً مدفوع الأجر لوكالة المخابرات المركزية الأمركية. لقد قام الدكتور سكاليس من خلال إنشاء السجل التاريخي لخيانة الحزب الشيوعي الفلبيني الستاليني بخدمة الطبقة العاملة في الفلبين وعلى الصعيد الدولي. 

يدعو موقع الإشتراكي العالمي قرائه إلى إرسال بيانات دعم للدكتور سكاليس ومعارضة الإفتراءات التي يطلقها سيسون و الحزب الشيوعي الفلبيني.

ما يلي هو نسخة منقحة من المحاضرة. يمكن مشاهدة الفيديو هنا ، والشرائح متاحة للتنزيل.

أود أن أشكر جامعة نانيانغ التكنولوجية لتسهيل سلسلة محاضرات ما بعد الدكتوراه هذه ولتعزيز منحتنا الدراسية. لقد كان كل من أعضاء هيئة التدريس والموظفين في جامعة نانيانغ التكنولوجية داعمين بشكل كبير لي ولعملي هنا.

لقد كنت باحثًا في الأحزاب الشيوعية في الفلبين خلال السنوات العشر الماضية. على مدار بحثي ، شحذت منحة دراستي تركيزها على فترة زمنية معينة ، بناءً على مجموعة غنية بشكل ملحوظ وغير مستخدمة من المصادر الأولية. عندما أطلقت هذا المشروع لأول مرة ، إعتقدت ، مثل عدد من العلماء قبلي ، أنني سأكتب تاريخ الحزب الشيوعي الفلبيني CPP ، من تأسيسه حتى الوقت الحاضر وأنني سأبني عملي إلى حد كبير على حسابات المقابلات. في سياق العملية ، إكتشفت أنني أسير في طريق كان قد سلكه بالفعل العلماء السابقون. ومع ذلك ، وجدت ما أصبح جوهر عملي ، عندما تعمقت في السجل المكتوب المعاصر ، والذي كان ضخمًا ، والذي فتح آفاقًا لم تكن معروفة من قبل.

في هذه العملية ، إكتشفت أنه لا يمكنني البدء بتأسيس الحزب الشيوعي الفلبيني، ولكن كان علي أن أذهب إلى وقت سابق له، وأبحث بالتفصيل سبب إنفصاله عن الحزب الشيوعي الفلبيني الأول، والدور الذي لعبه أعضائه الأوائل قبل الإنقسام. في الوقت نفسه ، إكتشفت أنه لا يمكنني الإستمرار في الكتابة حتى الوقت الحاضر. كان هناك الكثير من الأرض لتغطيتها. وهكذا ، في النهاية ، أصبحت دراستي حول كيفية وجود حزبين شيوعيين ، كانا نقيضي بعضهما البعض ، وكيف لعب كلاهما دورًا في فرض الأحكام العرفية في عام 1972.

السجل المكتوب متنوع: إنه منشورات ونشرات وكتيبات وبيانات ونشرات إخبارية. العديد منها عبارة عن ورقة زائلة واحدة ، تم إنتاجها من قبل منظمات مختلفة في الوسط الواسع المعروف بإسم الحركة الوطنية الديمقراطية. لقد عملت على تحويل ما يقرب من 10000 صفحة من أرشيفات مختلفة إلى ملفات رقمية ، وحاولت ، من خلال العمل المضني ، إعادة تحديد  اليوم الذي كُتبت فيه كل وثيقة ، ومن ثم وضعها في سرد أوسع ، أعدتُ بناءه على أساس قراءة سجل الجريدة المعاصرة. قرأت كل عدد من ثماني صحف يومية مختلفة على مدار ست إلى سبع سنوات ، بالإضافة إلى الصحف الأسبوعية. هذا هو السبب في أن بحثي إستغرق وقتًا طويلاً لإكماله.

يسعدني أن أرى أن هناك اهتمامًا كبيرًا بالموضوع الذي أعرضه اليوم "أولاً كمأساة ، ثانياً كمهزلة: ماركوس ودوتيرتي والأحزاب الشيوعية في الفلبين". ومع ذلك ، فإن عنصر الإهتمام بهذه المحاضرة ينبع من الجدل الذي إندلع خلال الأسبوع الماضي ، حيث بدأ مؤسس الحزب الشيوعي الفلبيني ، خوسيه ماريا سيسون ، المعروف باسم جوما سيسون ، في مهاجمتي مباشرة عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

في الأسبوع الممتد من 18 أغسطس إلى 25 أغسطس ، نشر صورًا مزيفة لي ، مع أنف مهرج وشعر مهرج ، ودبوس "أنا أحب تروتسكي" ، وكتاب عن تشويه التاريخ. كما كتب أنني "مريضاً مسعورًا معاد للشيوعية وعميل حرب نفسية لوكالة المخابرات المركزية متنكراً كأكاديمي تروتسكي". هذا ، أود أن أوضح ، تشهيري. ليس لديه أي دليل يدعي به أنني "عميل حرب نفسية لـوكالة المخابرات المركزية".

ومضى يقول إن "التروتسكيين في الخارج - مثل جوزيف سكاليس - وفي الفلبين - قاموا بمحاولات عقيمة لإلقاء اللوم على القوى الديمقراطية الشرعية ، وكذلك القوى الثورية، في الصعود إلى السلطة والحكم الإجرامي الحالي لنظام دوتيرتي الإستبدادي الخائن ألقائم بالإبادة الجماعية، الناهب والمخادع.

خصص الحزب الشيوعي الفلبيني عددًا خاصًا من مطبوعة هم الرئيسية ، أنج بايان ، والتي كانت موجودة منذ عام 1969 ، لمهاجمتي. في مقابلة مطولة ، أشار إليّ سيسون مرة أخرى على أنني "عميل مدفوع الأجر لوكالة المخابرات المركزية" - مكررًا نفس الإفتراء الذي لا أساس له.

قال: "لقد كنت على دراية بكتابات سكاليس المسعورة المعادية للشيوعية و للستالينية منذ بعض الوقت ، قبل وقت طويل من الآن. لقد تجاهله ، لأن الرفاق والأصدقاء الأمريكيين أخبروني أنه كان معروفًا بالفعل بإعتباره تروتسكيًا وعميلًا مدفوع الأجر لوكالة المخابرات المركزية ، ومأجور للتركيز على الحزب الشيوعي الفلبيني وكتاباتي ، وعمل مهنة من مهاجمتي وتشويه صورتي ".

وتابع - وبالتأكيد ليس لدي أي نية للخوض في كل هذا - لكنني سأقرأ إقتباسًا آخر. "سكاليس هو في نفس الوقت كاذب وعامل  مناهض للشيوعية  لصالح الإمبريالية والرجعية. في الواقع ، إنه عمليًا مخبر جامح لصالح فرق الموت الخاصه بدوترتي ".

لم يقدم سيسون أي دليل لإثبات أي من مزاعمه الشريرة ضدي. لم يقم بأي محاولة جادة للتعامل مع دراستي. من الواضح أنه يعتقد أنه يمكن أن يرفض عملي ببساطة من خلال مهاجمتي شخصيًا عن طريق تسميتي بجملة من  المفردات الإفترائية التهجمية.

الآن ، أود أن أشير إلى أن تنمره ، في صفحات العدد الخاص من أنج بايان، يحمل في طياته تهديدًا حقيقيًا للغاية. لطالما إرتبط الحزب باغتيال خصومه السياسيين ، واسم "تروتسكي" ، على لسان الستاليني ، هو تهديد بالتصفية الجسدية. سجل التاريخ في هذه النقطة واضح للغاية ، سواء في الفلبين أو في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك ، أرفض أن أتعرض للمضايقة من قبل سيسون ، ولن أنجر إلى التعامل معه على مستواه السياسي المبتذل. أنوي المضي قدما في محاضرتي التاريخية.

في مواجهة هجومه ، تلقيت دفقاً من الدعم من الأكاديميين والصحفيين على حد سواء ، الذين أصدروا بيانات عامة لدعمي ، وأود أن أعرب عن مدى إمتناني لأولئك الذين جاءوا للدفاع عني. علاوة على ذلك، نشر موقع الإشتراكي العالمي بيانًا دفاعًا عن الحرية الأكاديمية والحقيقة التاريخية ودراستي، وأنا ممتن لهذا الدفاع أيضًا.

قبل إندلاع هذا الجدل ، كتبت بيانًا عامًا ردًا على الإستهداف العنيف لإدارة دوتيرتي لعدد من النشطاء المرتبطين بالحركة الوطنية الديمقراطية ، وهي مجموعة واسعة من المنظمات التي تتبع الخط السياسي للحزب الشيوعي الفلبيني. على مدى عدة أسابيع ، قُتل على الأقل شخصيتان بارزتان في الحركة الوطنية الديمقراطية بوحشية. أود أن أقرأ البيان الذي نشرته في 14 أغسطس.

"أولئك الذين هم على دراية بدراستي سيعرفون أيضًا أن عملي التاريخي ينتقد بشدة الدور الذي لعبته قيادة الحزب الشيوعي الفلبيني والمنظمات المختلفة التابعة لخطه السياسي.

"لذلك أود أن أكون واضحًا بشأن هذه النقطة: أنا أدافع دون تحفظ عن الحزب وأولئك المرتبطين به من الهجمات التي تشنها ضدهم الدولة والجماعات شبه العسكرية الإنتقامية.

"كان مقتل راندال إيكانيس هجوماً على الجماهير العاملة في الفلبين وشكل خطوة دراماتيكية نحو حكم الدولة البوليسية.

"يتطلب الدفاع ضد خطر الديكتاتورية وحدة الطبقة العاملة من أجل مصالحها المستقلة.

"تستند معارضتي للحزب الشيوعي الفلبيني والتجمعات المتحالفة معه إلى حقيقة أنهم عارضوا بإستمرار الإستقلال السياسي للطبقة العاملة وسعوا على الدوام إلى إخضاع مصالحها لتشكيل تحالف مع قسم من النخبة الحاكمة. كان هذا المنظور ، برنامج الستالينية ، هو الذي دفع قيادة الحزب لإحتضان دوتيرتي ، مما سهل صعوده إلى السلطة والتقليل من خطر الديكتاتورية.

"إن معارضتي لقيادة الحزب وبرنامجه السياسي هي بالتالي دفاع عن مصالح الطبقة العاملة. ولنفس السبب الأساسي الذي جعلني أعارض الحزب - الدفاع عن الطبقة العاملة - أصرّح  علانية دفاعي عن أولئك المرتبطين بالحزب من الهجمات التي تشنها الدولة وقواتها شبه العسكرية ".

الآن لم يعترف سيسون ولا أي شخص آخر مرتبط بالحزب الشيوعي الفلبيني بهذا التصريح، على الرغم من أن العديد من الأكاديميين والجمهور الواسع قد إستجابوا له بحرارة شديدة. يدعي سيسون أنني مخبر لفرق الموت.

لا تخطئ ، فرق الموت الخاصه بدوتيرتي تشكل تهديدًا حقيقيًا للغاية. بدأت الحرب على المخدرات ، على المستوى الوطني ، عندما تولى دوتيرتي منصبه.

إن ضحايا فرق الموت فقراء للغاية. إنهم يأتون من مدن الصفيح ، وهم سائقو دراجة ثلاثية العجلات ، وبائعون لكرات السمك ، ومجرمون صغار غير متهمين بارتكاب جريمة ، ويقتلون كل ليلة. هناك جرائم قتل نفذتها الشرطة بدون أمر قضائي ، بل وأكثر من ذلك ، هناك جرائم قتل نفذتها المنظمات شبه العسكرية ومجموعات الإنتقام.

آخر إحصاء استطعت العثور عليه  للعد الحكومي الرسمي لأولئك الذين قتلوا على يد الشرطة كجزء من الحرب على المخدرات كان 6000. ومع ذلك ، نعلم من التقارير المنتظمة في الصحف أن عدد القتلى على أيدي المنظمات شبه العسكرية وجماعات الحراسة يفوق عدد الذين قتلوا على أيدي الشرطة. من الصعب للغاية تقييم تلك الأرقام بدقة في الوقت الحالي. يمكننا تقدير العدد الإجمالي للضحايا بإستخدام الأرقام الرسمية للشرطة الفلبينية وتطبيق النسبة التي نعرفها بين ضحايا فرق الموت شبه العسكرية وضحايا الشرطة على هذا الرقم. قد يشير مثل هذا الحساب إلى أن ما يقرب من 30 ألف ضحية يبدو تقديرًا تقريبيًا سليماً نسبيًا.

أعتقد أن هذا يمكن أن يحمل تسمية "الإبادة الجماعية" ، إبادة جماعية ضد الفقراء بإسم الحرب على المخدرات. لا شك أنك سترى في الصحافة الدولية أن حرب دوتيرتي على المخدرات تحظى بشعبية كبيرة بين سكان الفلبين. أعتقد أنه عندما يتعمق المؤرخون وعلماء الإجتماع في المستقبل في هذه الأحداث ، فإنهم سيصلون إلى سرد أكثر تعقيدًا بكثير. نفس الإستطلاعات التي وجدت حوالي 80 في المائة من التأييد للحرب على المخدرات ، تعيد رقمًا آخر نادرًا ما يتم الإستشهاد به: 8 من كل 10 فلبينيين يخشون أن يُقتلوا في حرب المخدرات.

الآن ، إذا كنت تخضع لإستطلاع واعترفت بأنك خائف على حياتك ، هل تعتقد أنك ستدّعي في الوقت نفسه أنك تعارض الحرب على المخدرات؟ أعتقد أن إصدار بيان علني من أي نوع ضد الحرب على المخدرات قد يُنظر إليه على أنه حكم بالإعدام. لا أعتقد أن الحرب على المخدرات تحظى بشعبية كبيرة.

من بين الادعاءات التي أدلى بها سيسون في هجومه العلني عليّ أنه "كذبة صريحة" أن الحزب الشيوعي الفلبيني يدعم نظام دوتيرتي. كتب سيسون "فقط التروتسكي يستطيع تفسير مفاوضات السلام بين طرفين متحاربين على أنها دعم لدوتيرتي وخيانة للشعب". لأكون واضحا ، هذه ليست حجتي. أنا لا أهاجم مفاوضات السلام ، أو أدعي أن هذه هي الطريقة التي دعم بها الحزب دوتيرتي. كما سأظهر أن دعمهم كان أكثر وضوحًا وشمولية من ذلك بكثير.

أود أن أخص بالذكر هذه الجملة في بيان سيسون: "إنها كذبة صريحة أن الحزب الشيوعي الفلبيني دعم نظام دوتيرتي على مدى عامين في عمليات القتل خارج نطاق القضاء على الفقراء". أريدك أن تضع هذه الصيغة في الإعتبار وأنا أراجع الأدلة التاريخية.

ما كنت أنوي فعله في هذا الحديث هو التركيز ، قبل كل شيء ، على مجموعة من أوجه التشابه التاريخية المفيدة مع فترة سابقة ، الفترة من 1969 إلى 1972 ، وصعود فرديناند ماركوس إلى السلطة. بالنظر إلى أن سيسون قد ادعى صراحة بأن الحزب الشيوعي الفلبيني قد دعم نظام دوتيرتي هو كذبة ، أشعر أنه من الضروري أولاً مراجعة السجل المعاصر بشيء من التفصيل.

سيتذكر الكثير من جمهوري بلا شك أن الحركة الوطنية الديمقراطية والحزب الشيوعي الفلبيني كانا متحمسين جدًا لدوتيرتي عندما تولى منصبه. يتم الآن رفض هذا الدعم الحماسي بإطراد. قيل لنا أن هذا لم يحدث قط. قام أحد المعلقين على صفحتي على فيسبوك في اليوم الآخر بتعليق ملاحظة وجدتها دقيقة بشكل خاص. قال ، "يبدو الأمر كما لو نتعرض للتلاعب." أعتقد أن هناك بعض الحقيقة في التوصيف.

قبل أن أبدأ مراجعتي للأدلة ، أود أن أوضح نقطة أخرى: لا أعرف ، ولا أهتم بشكل خاص ، من هو أو ليس عضوًا في الحزب. هذه ليست معلومات أطلع عليها ، ولو كانت كذلك ، فلن أفصح عنها. بعيداً عن الوجوه العامة للحزب ، هذه ليست معلومات أمتلكها.

ومع ذلك ، نحن نعلم أن هناك حركة جماهيرية واسعة في الفلبين ، وهي منظمة ضمن عدد من المجموعات، معظمها تشترك في منظور وتوجه سياسي مشترك. أنا لا أزعم أن هذه المنظمات يسيطر عليها سراً الحزب الشيوعي. أنا لا أقوم بوضع علامات حمراء عليها. بل أقول إنهم يتشاركون مع الحزب خطاً سياسياً مشتركاً. سأفحص طبيعة هذا الخط السياسي بتفصيل كبير ، لكنه في التحليل النهائي يتكون من مسعى لتحديد موقع القسم التقدمي من البرجوازية الوطنية والتحالف معها. 

لم يكن فقط للحركة الوطنية الديموقراطية هذا التوجه دائمًا ، الذي تشترك فيه مع الحزب الشيوعي الفلبيني، انما بطريقة ما تحالفت دائمًا مع نفس القوى التي حددها الحزب على أنها تقدمية.

من هو رودريجو دوتيرتي؟ كان دوتيرتي عضوًا في جناح الشباب في الحزب الشيوعي الفلبيني في الستينيات. كان ، في الثمانينيات ، عضوا قياديا في "بيان" ، وهي جزء من الحركة الوطنية الديمقراطية. نحن نعلم هذا لأن جوما سيسون نفسه قال ذلك. صعد دوتيرتي إلى السلطة في مدينة دافاو الجنوبية ، حيث سرعان ما حقق شهرة كشخصية سياسية شريرة كرئيس فرق الموت. ونتيجة لسمعته ، جلبته الرئيسة جلوريا ماكاباغال أرويو إلى لجنة  مكافحة الجريمة خاصتها. خاطب دوتيرتي قمة مكافحة الجريمة في عام 2002 ، مشيرا إلى أن "الإعدام بإجراءات موجزة للمجرمين يظل الوسيلة الأكثر فعالية للحد من الإختطاف والمخدرات غير المشروعة".

أريد أن أخص فقط  بعض تصريحات دوتيرتي، التي إخترتها بدافع الرغبة في توضيح أنه لم يكن هناك تحول أعجوبي لدوتيرتي ليصير شخصية فاشية في عام 2016. كان سجله واضحًا تمامًا.

أعلن المقرر الخاص للأمم المتحدة الذي يحقق في فرق الموت في دافاو تحت حكم دوتيرتي ، "لا أحد مشارك في جرائم القتل العصابية يغطي وجهه". بعبارة أخرى ، كان لهذه الأعمال إقرار رسمي. عرف الجميع هذا. وقدمت مئات الجثث ، على مدار عقد من الزمان تحت حكم رئيس بلدية دوتيرتي ، الأدلة القاتمة.

لم يكن رد الحركة الوطنية الديمقراطية في إعتراض. قامت لوز إيلاجان ، عضوة في الكونجرس مع غابرييلا ، وهي جزء من الحركة الديمقراطية الوطنية ، في بيان نُشر في مانيلا تايمز في عام 2009 ، قامت بتقييم دور رئيس البلدية لدوتيرتي: "العمدة يستحق دعمنا. لا يستطيع أولئك من خارج المدينة تقدير ما فعله رئيس البلدية للحفاظ على النظام الذي نتمتع به. لقد ساعدتنا العلامة التجارية لقيادة دوتيرتي في الحفاظ على سلامتنا وأماننا ".

هناك بعض الحقيقة في هذا البيان. خلال فترة حكم دوتيرتي كرئيس للبلدية ، لم يكن ضحايا جرائم القتل العصابية من أعضاء الحركة الوطنية الديمقراطية. لم يكونوا نشطاء. في الواقع ، لم يتم استهداف حتى الحزب الشيوعي الفلبيني والجيش الشعبي الجديد. كان المستهدفون هم الفقراء ، وهم نفس الأهداف التي تعاني الآن في ظل رئاسته.

دعونا ننتقل بسرعة إلى عام 2015. لقد تم إحضار دوتيرتي الآن إلى المسرح الوطني. تم تحويله إلى ما يُعرف في الفلبين بشخص "قابل للرئاسة". في يناير 2015 ، عقد دوتيرتي مؤتمرا صحفيا ، أمام علم المطرقة والمنجل الذي تم رفعه له من قبل الحزب الشيوعي الفلبيني-الجيش الشعبي الجديد ، وأعلن أنه إذا تم إنتخابه ، فإنه سيلغي الكونغرس ، وخصخصة الأصول الحكومية ، بما في ذلك الضمان الإجتماعي، وتشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الشيوعي الفلبيني. ووعد بأن يصبح جوما سيسون رئيسًا لمكتب الرعاية الاجتماعية المخصخص حديثًا. ورد سيسون ، مؤسس الحزب الشيوعي، على فيسبوك ، "يجب أن يصبح العمدة دوتيرتي رئيسًا".

تذكر أنها كذبة صريحة أن الحزب الشيوعي الفلبيني دعم دوتيرتي.

25 مايو 2015: خلال مقابلة إذاعية ، واجه دوتيرتي تقريرًا لـ هيومن رايتس ووتش يفيد بأن أكثر من 1000 شخص قُتلوا خلال أواخر التسعينيات على أيدي فرق الموت في هذه المدينة. رد بتأكيده بفخر أنه كان رئيس فرق الموت ، ثم أدلى بتصريح إشتهر: "إذا أصبحت رئيسًا سيصبح هذا الرقم 100.000. سوف أطعم أسماك خليج مانيلا الجثث".

يجب أن أقول إن عددًا كبيرًا من الصحافة وعددًا من الشخصيات السياسية الذين كان ينبغي أن يتعاملوا مع هذا على أنه إعتراف بالقتل الجماعي ، وإعلان سياسي مشين ، وتحذير صريح ، ردوا بإدعاء أن دوتيرتي كان يمزح. إذا كان تقدير 30000 ضحية الذي إقترحته سابقًا في هذه المحاضرة يقترب من الدقة ، فإن دوتيرتي يحاول الوفاء بوعده.

في يوليو 2015 ، كان هناك سهرة  لأحد قادة الجناح المسلح للحزب الشيوعي الفلبيني، الجيش الشعبي الجديد ، رجل يدعى ليونسيو بيتاو ، المعروف بإسم كا باراجو. تم تنظيم الحدث في دافاو. لم تكن هناك محاولات لإخفاء الحدث ، ولم تكن هناك مخاوف بشأن الأمن. أعد الحزب الشيوعي الفلبيني حشداً هائلاً لتكريم هذا "القائد الثوري". وحملت على المسرح لافتات الحزب "عاشت الجبهة المتحدة! يعيش الحزب الشيوعي الفلبيني! " في وسط المسرح توجد صور المطرقة والمنجل والبندقية. لقد غنّوا بدون شك نشيد الأممية، ثم قدم الحزب رودريغو دوتيرتي كمتحدث ضيف. رئيس فرق الموت ، الذي أعلن علنًا قبل شهر واحد أنه سيشرف على قتل 100 ألف شخص ، منح الحزب الشيوعي المسرح لتكريم أحد قادتهم.

للتذكير: إنها كذبة صريحة بأن الحزب الشيوعي الفلبيني دعم دوتيرتي.

وضع الحزب كتابات على الجدران في دافاو تروج للكفاح المسلح وإحياء ذكرى بيتاو. جنبًا إلى جنب مع وجه بيتاو وضعوا صورة رودريجو دوتيرتي.

عندما يتعلق الأمر بإنتخابات عام 2016 ، وبطريقته المتقلبة المعتادة ، فعل دوتيرتي شيئًا غير إعتيادي إلى حد ما حيث كانت النافذة الرسمية لإعلان الترشيح للرئاسة قيد الإغلاق. تراجع عن ذلك وأعلن أنه لن يترشح للرئاسة. تم إختيار رجل غير مهم إلى حد ما ، مارتن دينيو ، كمرشح عن حزب دوتيرتي.

بحثًا عن مرشح رئاسي تتحالف معه ، تمسكت الحركة الوطنية الديمقراطية بغريس بو ، التي قد صادقت عليها لعضوية مجلس الشيوخ في عام 2013. تقدمت مرشح مجلس الشيوخ عن تحالف ماكابيان نيري كولميناريس على لائحتها.

ثم بأسلوب درامي ، أعلن دوتيرتي أنه قرر عودته إلى السباق. تنحى ديينو وبدأ دوتيرتي في حملته الإنتخابية لمنصب الرئيس. وقد شكل هذا تحد للحركة الوطنية الديمقراطية ، لأن العلاقات الرسمية مع بو قد تمت بالفعل. لقد إضطروا إلى القيام بحملة معها ومن أجلها.

في مينداناو وفي جميع أنحاء جنوب الفلبين ، لم تقم أناكبايان ، أناكباويز ، والمنظمات التابعة لهما بحملة لصالح بو ، بل قاموا بحملات من أجل دوتيرتي. وحملت شاحنات الحملة في جميع أنحاء المنطقة ملصقات لأناكباويز ونيري كولميناريس ورودريجو دوتيرتي.

وكانت الشخصيات المحورية في ذلك هي الشخصيات المرتبطة بالحركة الوطنية الديمقراطية من دافاو ، ولا سيما ممثل أناكباويز أييك كاسيلاو. تُظهر صور له ، مأخوذة من صفحته الخاصة على فيسبوك، أناكباويز يقوم بحملات في جميع أنحاء المنطقة بإستخدام القبضة المرفوعة التي هي علامة دوتيرتي المسجلة.

وقع مرشحو الحركة الوطنية الديمقراطية من مينداناو وكاسيلاو وكارلوس زاراتي من بيان مونا ، إعلانًا عامًا في مايو عن "الدعم الكامل للرئيس المفترض المنتخب رودريجو دوتيرتي".

فوجئ بعض ممثلي بيان مونا في مانيلا بالسرعة التي كانت الحركة الديمقراطية الوطنية تتحرك بها لتأييد دوتيرتي بعد أن خاض حملته من أجل بو. لجأ سيسون إلى فيسبوك في مايو لإنتقادهم علنًا. كتب: "أنت لا تهاجم الرأسماليين هكذا... يمكننا العمل مع الرأسماليين القوميين حتى وحين نتحدث ونقنع الكومبرادور ... لقد بدأ شهر عسلنا للتو. نحن نتحدث معه. لقد عرض علينا مناصب ".

ألقى سيسون خطابًا منحطاً بشكل خاص في 10 يونيو 2016 ، في خطاب لمجموعه من قادة الشباب ضمن تشكيلة واسعة من المنظمات. وإدعى أنه "بينما كان عمدة مدينة دافاو ، إعترف دوتيرتي بدور المرأة في الحياة العامة وقدره ، وأنشأ مرافق للنساء والأطفال المحتاجين ، وأظهر كره للعنف ضد النساء". هذا كذب مذهل.

يشتهر دوتيرتي بإلقاء "نكات" عن الإغتصاب ؛ النكات على شاكلة أنه بعد زيارة الرجال الذين إرتكبوا الإغتصاب ، مؤنبهم بعدم السماح له بالذهاب أولاً. ويطلق عويل الذئب على الصحفيات خلال مؤتمراته الصحفية. عندما اختلف الحزب الشيوعي الفلبيني أخيرًا مع دوتيرتي ، ألقى خطابًا دعا فيه الجيش إلى مهاجمة عضوات الحزب الشيوعي الفلبيني بإطلاق النار عليهن في المهبل.

هذا ليس رجلاً "أظهر كرهه للعنف ضد المرأة".

أود أن أضيف أن سيسون لا يتمتع بقدر كبير من المصداقية عندما يتحدث عن الدفاع عن حقوق المرأة. إلتزم الحزب على مدى عقود سياسة  تأديب الكادر النسائي إذا مارسن الجنس قبل الزواج. كانت هذه محاولة من جانب القيادة لتجنب تنفير بعض حلفائها في الكنيسة الكاثوليكية. تم استبعاد النساء بشكل روتيني من القيادة السياسية داخل الحزب.

ومضى سيسون بخطابه في 10 يونيو إلى قادة الشباب:

"ما يلوح في الأفق هو نوع من الحكومة الإئتلافية ، بين الحزب وإدارة دوتيرتي ، التي تنطوي على مشاركة الحزب الشيوعي وسط قوى وطنية وتقدمية أخرى. إنها حكومة وحدة وطنية وسلام وتنمية. ... السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت الثورة الوطنية الديمقراطية يمكن أن تكتمل في غياب حرب الشعب. ... "

الآن لم يرد على هذا السؤال ، لكنه إقترح ما سيحدث بالضبط لالجيش الشعبي الجديد في حالة تشكيل حكومة إئتلافية مع دوتيرتي.

"يمكن للوحدات المسلحة الثورية أن تصبح حراس البيئة والصناعات في ظل ظروف السلام والتنمية. يجوز دمج القوات المسلحة ".

عدد كبير من كادر الجيش الشعبي الجديد الذين حملوا السلاح ، معتقدين أنهم يقاتلون من أجل عالم أفضل، هم من الشباب. لقد أصبح هؤلاء الشباب مقتنعين بأنه لا يوجد حل آخر للفقر المدقع في البلاد. لقد ضحى الكثير منهم بحياتهم.

كان سيسون يعلن أن الجناح المسلح للحزب ، بما في ذلك الشباب المثالي والمضحي الذين إنضموا إلى الرتب ، سيتحولون إلى حراس أمن في الصناعة. خلّي في البال  أن سيسون يقترح أن يتم هذا التحول في ظل الديمقراطية الوطنية وليس الإشتراكية. هذه هي الشركات الرأسمالية الخاصة التي سيصبح الجيش الشعبي الجديد حراس أمن لها. وجادل كذلك بأن كادر الجيش الشعبي الجديد يمكن دمجه في القوات المسلحة الفلبينية ، وهي القوة التي كانت مسؤولة عن قمع كادر الحزب وتعذيبه الوحشي وقتله على مدى عقود.

لم يمضي وقت طويل في ظل إدارة دوتيرتي المنتخبة حديثًا قبل أن تصبح طبيعة رئاسته واضحة. كتبت وكالة فرانس برس في 12 يونيو ، "الشرطة المسلحة تحتجز الأطفال الباكين ، السكارى الحائرين والرجال الذين لا يرتدون قمصان في جميع أنحاء العاصمة الفلبينية ، في هجوم ليلي يقدم طعمًا سلطويًا للحياة في ظل الرئيس القادم رودريغو دوتيرتي  .آباء وأمهات الأطفال ، الذين تم العثور عليهم في الشارع ، في الليل ، بمفردهم ، يُسجنون". خلال الأسبوع الأول من الإدارة الجديدة ، كان عدد الجثث يتكدس. وتناثرت جثث الضحايا في الشوارع إلى جانب لافتات من الورق المقوى الملطخة بالدماء ، وظهرت صور المذبحة على الصفحات الأولى للصحافة الفلبينية.

لم تؤيد الحركة الوطنية الديمقراطية ببساطة دوتيرتي. لقد أيدوا الحرب على المخدرات. كتب أينشتاين ريسيدس ، أمين عام أناكبايان في 26 يونيو: "نعتقد أن حرب دوتيرتي على المخدرات الخطيرة والجريمة نعمة للفقراء".

رينات رييس ، الأمين العام لبيان ، كتب في 4 يوليو: "بصراحة ، إنه حليف". وبينما اعترف بأن بيان كانت لديه "خلافات" مع دوتيرتي ، إلا أنه قال إن "المواجهة الفورية في كل مرة قال فيها الرئيس شيئًا غير مقبول خلال الشهر الماضي كان سيضعف التحالف". وناشد قرائه: "على الأقل يجب أن نعطيه فرصة".

كان هذا هو الشغل الشاغل للحركة الوطنية الديمقراطية. إذا حذروا الجمهور من أن دوتيرتي متورط في حملة قتل جماعي فاشية ، فسيضعف ذلك تحالفهم مع الرئيس.

أصدرت بيان ، بمناسبة إفتتاح دوتيرتي ، بيانًا: "أجندة مائة يوم للشعب" ، والتي أعلنت أن "الشعب الفلبيني مبتهج بتصريحات دوتيرتي الوطنية والمؤيدة للشعب".

بعد خطاب التنصيب الذي ألقاه دوتيرتي ، تم الترحيب بهم في القصر الرئاسي في مالاكانانغ حيث قدموا البيان له والتقطوا صورًا يرفعون القبضة مع الرئيس.

بدأ سيسون إنهاء تصريحاته بإعلانه "يعيش الرئيس دوتيرتي!"

أذكر مرة أخرى: إنها كذبة صريحة أن الحزب الشيوعي الفلبيني يدعم دوتيرتي.

ألقى دوتيرتي خطابه عن حالة الأمة. لقد كان حديثًا مبتذلًا وغير مركزاً من النوع الذي نعرفه الآن للأسف. وجه جزء من خطابه مباشرة للجيش والشرطة. وأعلن: "علي أن أقتل هؤلاء الأغبياء الذين يدمرون بلدي". "قلت للجيش إذا رأيت أي [مجرم] ، أطلقوا النار عليهم ، حتى لو إستسلموا بعلم أبيض ، فهذا من أجل الحرب وليس المجرمين. أطلق عليهم النار ، ولا ترحمهم. أعلن أنكبيان أن خطاب دوتيرتي عن حالة الأمة كان "نسمة من الهواء النقي".

في 26 يونيو 2016 ، كتبت أنج بايان ، المنشور الرئيسي للحزب الشيوعي الفلبيني ، "إن الناس سوف تدعم تمامًا الخطوات التي سيتخذها دوتيرتي لإزالة ومعاقبة عصابات المخدرات". بعد أسبوعين ، في 7 يوليو ، أعلن أنغ بيان أن "الحزب الشيوعي الفلبيني يرحب بدعوة دوتيرتي للتعاون مع القوى الثورية ضد تهريب المخدرات الواسع الإنتشار". أعلن لويس جالاندوني في أنج بيان في أغسطس ، "العلاقة بين الحركة الثورية ودوتيرتي ممتازة".

ألقى دوتيرتي خطابًا أمام القوات المسلحة الفلبينية في الأول من يوليو ، أصدر فيه نداءًا إلى الجيش الشعبي الجديد التابع الحزب الشيوعي الفلبيني. "إستخدِموا محاكم الاعتباطية  الصورية لقتلهم [مروّجو المخدرات المزعومين] لتسريع حل مشكلتنا." إستجاب الحزب الشيوعي الفلبيني في اليوم التالي ببيان بعنوان "رد على دعوة الرئيس دوتيرتي للتعاون في مكافحة المخدرات" والذي أعلن: "يرحب الحزب بدعوة الرئيس دوتيرتي للتعاون مع القوى الثورية ضد تجارة المخدرات الواسعة الإنتشار". صرح الحزب الشيوعي الفلبيني أنهم "يشاركون الرئيس دوتيرتي في إستنكاره لتجارة المخدرات غير المشروعة."

مر شهر الآن وكان عدد الجثث بالمئات. كانت الشرطة تطلق النار على كل من قاوم الإعتقال  بتفويض رئاسي صريح. وحذو الحزب الشيوعي الفلبيني حذوه. وتابع بيانهم ، "الجيش الشعبي الجديد على إستعداد لخوض معركة مع أي شخص يقاوم الإعتقال بالعنف المسلّح".

تمت مقابلة سيسون على شبكة سي إن إن في اليوم التالي وأعلن للجمهور الدولي أن الحزب سوف يتخذ إجراءات صارمة بعنف ضد تجار المخدرات المزعومين. وردّاً على سؤال حول كيفية منح المشتبه بهم الإجراءات القانونية الواجبة في محاكم جيش الشعب الجديد ، قال إن "المدعي العام للشعب" سيقدم أدلّة أولية في شكل شهادة شهود عيان قبل تنفيذ "العدالة الثورية". 

للحزب تاريخ طويل ودامي من "العدالة الثورية" و "المحاكم الشعبية". في الثمانينيات ، أطلق الحزب سلسلة من عمليات التطهير الداخلية التي إستهدفت صفوفه الخاصة ، حيث كانوا يطاردون ما زعموا أنهم عملاء عسكريون متخفيون. على أساس شهادات "شهود العيان" ، التي إنتُزِعت تحت التعذيب ، قتل الحزب الشيوعي الفلبيني ما يقرب ال 1000 من كادره.

لنتذكر مرة أخرى ادعاء سيسون: "إنها كذبة صريحة أن الحزب الشيوعي الفلبيني يدعم نظام دوتيرتي". آمل أن يكون واضحًا لك الآن ما هو ، في الواقع ، كذبة صريحة. بل إنها كذبة صريحة أن الحزب الشيوعي الفلبيني لم يقم بدعم دوتيرتي.

هذا الدعم والتراجع عن الدعم ، حيث يتم إستخدام الأكاذيب لتبرير الدعم ومن ثم التّستُّر عليه - يشكلان نمطًا يشكل عنصرًا حاسمًا في السلوك التاريخي للحزب. هذه نقطة أود أن أضعها بوضوح. لقد زوّرت قيادته تاريخ الحزب بأكمله. إذا أخذنا شيئًا واحدًا فقط من هذا الحديث ، فيجب أن يكون نداءًا عاطفيًا للحقيقة التاريخية.

أود أن أشير إلى مثال آخر لكيفية دعم الحزب والمنظمات الديمقراطية الوطنية لدوتيرتي. إنه أمر مزعج بشكل خاص بالنسبة لي.

بإسم كاباتانغ ماكابيان، قام الشباب القومي، الذي كان جناح الشباب في الحزب الشيوعي في الأيام التي سبقت الأحكام العرفية ، والحركة الوطنية الديمقراطية والحزب الشيوعي الفلبيني بمنح "جائزة غواد سوبريمو" إلى رودريغو دوتيرتي تكريما لقوميته.

جائزة غواد سوبريمو ، وهي أعلى جائزة لكاباتانغ ماكابيان، مُنحت لشخصين ولشخصين فقط - رودريجو دوتيرتي وخوسيه ماريا سيسون. كان الشباب الذين انضموا إلى كبتانج مكابياً من نواح كثيرة عباره عن أفضل طبقات لجيل بأكمله. كانوا يضحون بأنفسهم ، لقد جاهدوا بلا توقف. بينما كنت أعمل عبر تاريخ الفترة التي سبقت ديكتاتورية ماركوس ، خرجت بإعجاب عميق بهؤلاء الشباب والتزامهم وتفانيهم. في الوقت نفسه ، طورت معارضة شديدة لما فعلته قيادتهم بهذا التفاني.

يبدو لي أن منح غواد سوبريمو لرودريجو دوتيرتي كان بمثابة خيانة أخيرة. تضحيات أولئك الذين قاتلوا ضد الدكتاتورية قبل خمسين عامًا وكل معاناتهم تحولت إلى شارة إستحقاق تافهة يتم تثبيتها على صدر السفاح الفاشي من أجل تسهيل التحالف السياسي.

أريد أن أنتقل إلى مادة التاريخ. ماذا كانت كاباتانج ماكابايان؟ ما هي الجذور التاريخية لتحالف الحزب مع دوتيرتي؟ هل توجد أوجه تشابه مفيدة يمكن أن تساعد في فهمنا للحاضر؟

يبدأ حسابي بـ جوما سيسون نفسه.إن الأحداث التي نحن بصددها لا تبدأ بفرد ، والتاريخ المعني يسبق طويلا وقت سيسون. تبدأ جذور قصتنا بتأسيس الحزب الشيوعي الفلبيني (PKP) ، وهو حزب ستاليني سابق. سأشرح بدقة ما أعنيه بالستالينية بعد لحظات. تأسس الحزب الشيوعي الفلبيني في الثلاثينيات ، وأسس جناحًا كبيرًا من الفلاحين، كما وأشرف على تمرد الفلاحين ، المعروف بإسم تمرد هوك ، الذي قاتل ضد الإحتلال الياباني ومن ثم ضد الدولة المستقلة حديثًا ، وذهب إلى حد كبير تحت الأرض في الخمسينيات. لا أستطيع تغطية هذا التاريخ هنا.

أريد أن أركز في محاضرتي اليوم على تاريخ الإنقسام في الحزب الشيوعي الفلبيني الأول (PKP) الذي أدى إلى تأسيس الحزب الشيوعي الفلبيني الحالي (CPP) وكيف ، كما أزعم ، سهّل الطرفان فرض الأحكام العرفية. في الولادة الجديدة للحزب الشيوعي الفلبيني الأول من سباته في الخمسينيات من القرن الماضي ، وفي الإنقسام وتأسيس حزب جديد ، لم يلعب أي فرد دورًا مركزيًا أكثر من خوسيه ماريا سيسون.

تعتبر خلفية سيسون توجيهية بشكل خاص. لقد جاء من إحدى أغنى العائلات في البلاد. سيطر جده الأكبر دون لياندرو سيرانو على أكبر ملكية في شمال لوزون خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وروى سيسون نفسه أن جده الأكبر كان يمتلك 80 بالمائة من مسقط رأسه وأجزاء كبيرة من أربع بلديات أخرى. وبنى من أرباح العزبه "أكبر قصر في المحافظة. مع 25 غرفة ، قيل أن لديها مساحة أرضية إجمالية قدرها 5000 متر مربع بإستثناء قاعة طعام تتسع للمئات ، وكنيسة صغيرة ومخزن من أربعة طوابق كان الأكبر في المقاطعة ". الوصف مأخوذ من مذكرات سيسون الخاصة والتي كُتبت على أساس مقابلات معه.

تزوج دون جورجونيو سيسون ، جد جوما سيسون ، إحدى بنات دون لياندرو. كان آخر عمده في كابوغاو في ظل النظام الإستعماري الإسباني. أصبح رئيس البلدية للبلدة خلال الجمهورية الفلبين قصيرة العمر  وتمكن من الإحتفاظ بمنصبه تحت حكم الأمريكيين ، ليصبح عمدة كابوغاو.

بحلول عام 1921 ، تضمنت ملكية عائلة سيسون حيازات شاسعة من التبغ يعمل بها جيش من المزارعين المستأجرين. جسدت عائلة سيسون الإمتياز الإقطاعي مع العملاء الفلاحين وممتلكات الأراضي المترامية الأطراف المتجاورة والمقسمة عن طريق التزاوج الضمني. لقد كان في قلب رابطة واسعة من الصلات العائلية. كان إثنان من أعمامه من أعضاء الكونجرس ، وكان أحدهم رئيس أساقفة نويفا سيغوفيا ، وكان عمه الأكبر هو الحاكم. و كان أحد أعمامه الآخرين رئيس جامعة الفلبين ، وكان عمه الآخر رئيس لجنة الإنتخابات. المقاعد الأمامية في قداس الأحد كانت مخصصة لعائلته. يأتي المستأجرون الفلاحون كل يوم إلى المنزل لتسليم إيجار الأرض وطلب البذور، والقيام بمهام وضيعة حول المنزل والترافع من أجل إعتبارات خاصة. كل هذا شكل سيكولوجية سيسون.

قالت والدته ، في مقابلة ساحرة مع جرافيك ويكلي عام 1970 ، إن إبنها ، الذي أسمته تشينغ ، "إعتاد أن يأمر الخادمات ، أكثر من أي طفل آخر. كان على الخادمات إنتظاره بإستمرار. لم يفعل أشياء لنفسه. حتى في الحمام كان ينادي الخدم لتسليمه فوطته وملابسه ".

لكن عالم الإمتياز هذا كان يختفي. كانت ملكية دون لياندرو مبنية على الأرز والتبغ والنيلي والماجوي. كان أداء هذه السلع سيئًا في القرن العشرين. بينما أصبح السكر سلعة أحادية المحصول ذات أهمية عالمية هائلة ، تم إستبدال النيلي والماجوي بالأصباغ الإصطناعية والنسيج الصناعي. تحول مركز إنتاج الأرز إلى حد كبير إلى مقاطعة نويفا إيسيجا. أصبح التبغ يهيمن على ممتلكات الأسرة ولم يستطع الحفاظ على ثروتها السابقة.

في محاولة لدعم ممتلكات الأسرة ، كتب والد سيسون ، سالوستيانو ، رسالة إلى عمه فيسينتي مالاري في عام 1949 يطلب منه إبلاغ وزير الداخلية بأنه مهتم بأن يصبح "عميلًا سريًا" للحكومة. هذه الرسالة محفوظة في جامعة هاواي في مجموعة شقيق سيسون ، رامون سيسون. هو كتب:

"لقد علمت من مصادر موثوقة أن الوزير سوتيرو بالويوت يوظف عملاء سريين لوزارة الداخلية لمتابعة الحملة الحالية ضد المنشقين في وسط لوزون وأجزاء أخرى من الفلبين." كان هذا في إشارة إلى تمرد هوك. كان والد سيسون يتطلع إلى تعزيز ممتلكات العائلة من خلال أن يصبح عميلًا سريًا من أجل قمع تمرد هوك.

أدى تدهور الموارد المالية للأسرة إلى تقييد آفاق سيسون إلى حد ما. كان لا يزال طفلًا يتمتع بإمتياز ، لكنه وإخوته سعوا وراء وجود أقل إقطاعية وأكثر حضرية بوسائل محدودة للغاية. لقد كانوا ، بإختصار ، برجوازيين صغار.

أصبح أشقاء سيسون طبيبًا وطبيب أسنان وتكنوقراطًا في إدارة ماركوس ، وكان سيسون نفسه يطمح إلى "أن يصبح محامياً ويذهب إلى هارفارد ويصبح زعيماً سياسياً". تابع دراسته الجامعية والدراسات العليا في جامعة الفلبين حيث كان عمه ، فيسينتي سينكو ، رئيسًا للجامعة. حصل سينكو على تمويل لإبن أخيه من وكالة التعاون الدولي، سلف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

خلال مسيرته في التخرج المهني، بدأ سيسون في تطوير منظور سياسي ، والذي تشكل قبل كل شيء من خلال أفكار كلارو م ريكتو.

شكّل ريكتو أفكار طبقة إجتماعية بأكملها في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي بخطبه التي دعت إلى "الرأسمالية القومية". فقد كان يعالج مشكلة أساسية واجهت الاقتصاد الفلبيني ، كما فعلت إقتصادات البلدان التي تأخرت في التطور الرأسمالي حول العالم. سيطر رأس المال المالي الدولي على الإقتصاد الفلبيني ، وقبل كل شيء المصالح التجارية الأمريكية ، وتم تشكيله وفقًا لمصالحهم. لقد عبّر ريكتو ، ببلاغة إلى حد ما ، عن مصالح الرأسماليين الفلبينيين.

الخطاب الذي ألقاه ركتو على الكيفيت جيسيز في 24 فبراير 1957 هو خطاب تمثيلي. ودعا إلى "التحول الصناعي للبلاد على يد الرأسماليين الفلبينيين ، وليس مجرد منع التحول الصناعي من قبل الرأسماليين الأجانب؛ إستغلال مواردنا الطبيعية من قبل رأس المال الفلبيني ؛ تطوير وتعزيز الرأسمالية الفلبينية ، وليس الرأسمالية الأجنبية ؛ زيادة الدخل القومي ، ولكن مع عدم السماح له بالذهاب في الغالب لصالح غير الفلبينيين ".

كان هذا هو الشغل الشاغل لريكتو - تطوير الرأسمالية الفلبينية. تم إتخاذ تدابير على هذا المنوال من خلال السياسة الفلبينية الأولى لإدارة غارسيا. كرست واشنطن إمتيازات رأس المال الأمريكي في الفلبين بشكل قانوني ضمن قوانين مستعمرتها السابقة. ونتيجة لذلك ، كان المستهدفين من حملة  "الفلبينيين أولاً" هم بالأغلبية الساحقة من مجتمع الأعمال الصيني. كانوا كبش الفداء وجُرّدوا من ممتلكاتهم.

في النهاية ، لم يتم حل أي من القضايا التي سعى ريكتو إلى معالجتها نحو تطوير الرأسمالية الفلبينية. بدأ الشباب الذين إنجذبوا إلى منظور ريكتو يدركون أنه إذا كانت رؤية ريكتو ستتحقق ، فإنها تتطلب قوة دافعة لحركة جماهيرية وراءها. لم يكن كافيا بأن  يبقى برنامج الرأسماليين ، بل كان عليه أن يصبح برنامجاً يتبناه الجماهير العريضة.

في عام 1965 ، بعد فترة وجيزة من تأسيس كاباتانغ ماكابيان وقبل فترة وجيزة من إصدار سيسون تعليمات لـ كاباتانغ ماكابيان لدعم فرديناند ماركوس ، ألقى سيسون خطابًا أمام السفارة الأمريكية قال فيه لجمهوره ، وفقًا لنشرة مانيلا: "نحن نقف إلى جانب الرأسماليين الفلبينيين ". كانت هذه وجهة نظره الأساسية.

وقد صاغ سيسون هذا المنظور بوضوح شديد في خطاب بعنوان "القومي كناشط سياسي" ، والذي ألقاه عام 1966. أخبر جمهوره أن المجتمع الفلبيني مقسم إلى ثلاثة أجنحة.

"من حيث الميول الطبقية والمصالح المادية والأيديولوجية ، فإن الجناح اليساري سوف تحتلّه الطبقة العاملة والفلاحون. يحتضن الجناح الأوسط ثلاث طبقات من الطبقة الوسطى المزعومة ويمكن وصف هذه الطبقات الثلاث بأنها يسار ، ووسط ، ويمين داخل الجناح الأوسط ، والجناح الأيسر الأوسط يحتله المثقفون ، وأصحاب الممتلكات الصغيرة المعتمدون على أنفسهم من نسمّيه البرجوازية الصغيرة ؛ الوسط، رجال الأعمال القوميون ، الذين قد نسميهم البرجوازية الوطنية أو البرجوازية الوسطى ؛ والوسط الأيمن ، التجار الذين هم جزئيًا مستثمرون في الصناعة المحلية والذين هم أيضًا كومبرادور جزئيًا. يتألف الجناح اليميني من القوى المناهضة للقومية ، مثل الكومبرادور وملاك الأراضي وعملائهم الفكريين والسياسيين المسعورين ".

ما هي المهمة السياسية للحركة الجماهيرية؟ تابع سيسون:

"لإمالة الميزان بغرض عزل الجناح اليميني المكون من أعداء التقدم والديمقراطية ، من الضروري إذن أن تتحد القوى الرئيسية والهائلة للعمال والفلاحين مع المثقفين وأصحاب الأملاك الصغيرة والحرفيين المستقلين ، الفوز على روّاد الأعمال الوطنيين وعلى الأقل تحييد القوى الوسطى اليمنى. إن الوحدة الناتجة هي ما نسميه الوحدة القومية أو المعادية للإمبريالية والمناهضة للإقطاع ".

لم تكن المهمة الأساسية للعمال والفلاحين ، وهم الأغلبية الساحقة من السكان ، هي النضال من أجل مصالحهم المستقلة ، ولكن الفوز على "الوسط الأوسط" - البرجوازية القومية.

هذا شيء يصعب ترويجه. ما كان سيسون يروج له بشكل فعال هو إقتصاد إنتشاري. لم يكن قد حصل على هذه التسمية حينها، لأن هذا لم يكن عصر ريغان بعد. ومع ذلك ، فإن إدعاء ريكتو ، وفي تعبيرات سيسون المبكرة ، اتخذ الأمر نفس الشكل ، وهو أنه إذا قمت بتحسين الرأسمالية الفلبينية ، فسوف تحسن ظروف الحياة للجميع ، بما في ذلك الطبقة العاملة. لنكن صادقين ، قولنا للعامل "إدعم رئيسك ، سيكون ذلك مفيدًا لك" ليس شعارًا فعالًا لبناء حركة جماهيرية.

إنتهت مهنة تخرج سيسون وسافر إلى إندونيسيا. تم تسهيل ذلك من قبل عضو في الحزب الشيوعي الإندونيسي يدعى بكري إلياس. في إندونيسيا ، عمل سيسون عن كثب مع الحزب الشيوعي الإندونيسي الكبير وعلى مدار إقامته التي إستمرت نصف عام في البلد ، تعلم ما أسميه برنامج الستالينية. إسمحوا لي أن أشرح بدقة ما أعنيه بذلك.

الستالينية ليست ببساطة الآلية التي أعتقد أنها مرتبطة شعبياً بالإسم - المحاكمات الصورية ، والتطهير ، وعبادة القائد العظيم. هذه الأشياء جزء من الستالينية ، لكنها تعبيرات ضرورية لها وليست جوهر الأمر. الستالينية هي أولاً وقبل كل شيء برنامج سياسي. السجل التاريخي يثبت ذلك بشكل واضح.

كانت الستالينية برنامجًا سياسيًا عبَّرَ عن مصالح البيروقراطيات الحاكمة ، أولاً في موسكو ثم في بكين. أصبحت هذه الطبقات الإجتماعية ، التي كان ستالين الممثل الرئيسي لها ، تشعر أن مصالحها لا تُخدَم على أفضل وجه من خلال تعزيز الثورة الإشتراكية العالمية ولكن من خلال تطوير الإقتصاد الوطني للإتحاد السوفيتي. كان هذا الإقتصاد الوطني هو الذي مول وثبّت إمتيازاتهم. ولتحقيق هذه الغاية ، وضعوا خطاً سياسياً يتناقض بشكل أساسي مع كل الماركسية السابقة ، وهو أمر لم يجل في خاطر لينين قط - الإشتراكية في بلد واحد. لقد جادلوا أنه يمكنك بناء الإشتراكية داخل حدود دولة واحدة.

كانت فكرة الماركسية أن الإشتراكية يجب أن تكون خطوة إلى ما بعد الرأسمالية ، وبالتالي يجب أن تبني على أعلى إنجازات الرأسمالية وأن من بين هذه الإنجازات إنشاء السوق العالمية. وبالتالي لا يمكن تحقيق الإشتراكية إلا على نطاق عالمي. لكن لم يعد هذا هو المنظور الذي تطرحه قيادة الإتحاد السوفياتي في عهد ستالين. كان هذا هو الجوهر البرنامجي للستالينية: الإشتراكية في بلد واحد.

لم يتبنى كل الحزب الشيوعي السوفيتي هذا المنظور. تمت معارضة ستالين بشدة  في هذا الأمر من قبل ما كان يعرف بالمعارضة اليسارية بقيادة ليون تروتسكي. في معارضة ستالين ، طرح تروتسكي برنامج الثورة الدائمة ، الذي جادل بأن الإشتراكية لا يمكن تحقيقها إلا من قبل الطبقة العاملة العالمية التي تحمل الثورات الإشتراكية في جميع أنحاء العالم ؛ لا يمكن بناؤها داخل بلد واحد. كانت المهمة السياسية ، إذن ، هي تنظيم العمال والفلاحين في جميع أنحاء العالم في كفاح من أجل الإشتراكية.

كانت المصالح الدولية للستالينية ، التي تخدم برنامج الإشتراكية في بلد واحد ، هي قبل كل شيء تأمين العلاقات التجارية والعلاقات الدبلوماسية مع القوى الرأسمالية. إحتاجت إلى أسواق للسلع ، ومصدر إمداد لصناعات ثقيلة ، وإستقرار على حدودها. كيف يمكنهم تأمين مثل هذه الأشياء ، وما الوزن الذي يمكن أن يجلبوه للمفاوضات؟

إن نجاح الثورة الروسية وتراث الماركسية ، الذي إدعى الحزب أنه ملكه ، منح ستالين والبيروقراطية رأس مال سياسي هائل: كادر الأحزاب الشيوعية في جميع أنحاء العالم. لقد أمروا هؤلاء الكوادر بالتحالف مع قسم من الطبقة الرأسمالية. وبهذه الطريقة يمكنهم التفاوض مع الطبقة الحاكمة في جميع أنحاء العالم من خلال المقايضة بدعم من حركة جماهيرية. إبتكر الستالينيون التبرير النظري لدعم قسم من الطبقة الرأسمالية من خلال إعادة تأهيل نظرية قديمة طرحها في الأصل أحد معارضي البلاشفة ، المناشفة - فكرة الثورة ذات المرحلتين.

جادلت نظرية المرحلتين أنه في بلدان التطور الرأسمالي المتأخر ، مثل الفلبين ، لم تكن مهام الثورة إشتراكية بعد. كان من الضروري في البداية تنفيذ تدابير وطنية وديمقراطية ، ومن بينها الإصلاح الزراعي. كانت هذه مهام بالغة الأهمية. جادلت نظرية المرحلتين بأنه كان من المستحيل محاولة تنفيذ تدابير إشتراكية حتى يتم الإنتهاء من هذه المهام الديمقراطية الوطنية.

وبالتالي ، لم تكن المهام إشتراكية بعد ، بل كانت ذات طابع رأسمالي ، ونتيجة لذلك ، جادل الستالينيون بأن قسمًا من الطبقة الرأسمالية سيلعب بالضرورة دورًا تقدميًا - تلك الطبقات التي أشاروا إليها بإسم "القسم التقدمي من البرجوازية الوطنية".

 إذن هكذا كان البرنامج الأساسي للستالينية: الإشتراكية في بلد واحد ، وثورة من مرحلتين ، وكتلة من أربع طبقات ، والتي تتطلب التحالف مع الطبقة الرأسمالية.

عارض تروتسكي والمعارضة اليسارية ، التي نظمت نفسها في الأممية الرابعة ، هذا البرنامج وجادلوا بأن الطبقة الرأسمالية في بلدان التطور الرأسمالي المتأخر غير قادرة بشكل أساسي على تنفيذ تدابير وطنية وديمقراطية.

لن يقوم الرأسماليون في الفلبين ، على سبيل المثال، بعملية إصلاح الأراضي لأنهم ليسوا طبقة منفصلة عن المّلاكين. كل الرأسماليين الكبار هم في الواقع أيضًا نخبة مالكي الأراضي. إذا قمت بفحص تاريخ تحالفات الحزب الشيوعي الفلبيني على مدار الخمسين عامًا المنصرمة ، فإن العديد من حلفائهم كانوا ممثلين لبارونات السكر. هذه ليست قوى لها أي مصلحة في تنفيذ الإصلاح الزراعي. جادل تروتسكي بأنه لا يمكن تنفيذ مهام الثورة الديمقراطية الوطنية إلا من قبل العمال ، يقودون الفلاحين ، من أجل مصالحهم المستقلة ، وهذا يتطلب تبنيهم لبرنامج إشتراكي.

بعد أن أوضحت ما أعنيه ببرنامج الستالينية ، أود أن أستعرض كيف كان تعبيرها السياسي في الستينيات وأوائل السبعينيات.

خاطب سيسون جمهورًا من الشباب في أوائل عام 1967 ، مقتبسًا من ماو على نطاق واسع. قال ماو:

"يفشل بعض الناس في فهم لماذا ، بعيدًا عن الخوف من الرأسمالية ، يجب على الشيوعيين أن يدافعوا عن تطويرها في ظروف معينة. إجابتنا بسيطة. إن إستبدال قمع الإمبريالية الأجنبية والإقطاع المحلي بدرجة معينة من التطور الرأسمالي ليس تقدمًا فقط تقدمًا ولكن عملية لا مفر منها. إنه يفيد البروليتاريا وكذلك البرجوازية وربما الأولى أكثر ".

لاحظ أن ماو يقول إن الرأسمالية هي في الواقع أفضل للبروليتاريا مما هي للبرجوازية. لقد زودت الستالينية حجج ريكتو الإقتصاد الإنتشاري تحت ستار الماركسية. تابع إقتباس سيسون من ماو:

"ليست الرأسمالية المحلية وإنما الإمبريالية الأجنبية والإقطاع المحلي اللذان لا لزوم لهما في الصين اليوم، في الواقع ، لدينا القليل جدًا من الرأسمالية."

وأوضح سيسون في هذا المنظور: "إنه مبدأ أساسي من مبادئ الماركسية أن الشروط البرجوازية الديمقراطية يجب أن توجد أولاً قبل أن يتم بناء مجتمع إشتراكي. ما نحتاجه في الفلبين اليوم هو وحدة وطنية واعية قوية بما يكفي لتأكيد سيادتنا وتحقيق الديمقراطية الفلبينية قبل إنقسامنا حول مسألة الإشتراكية".

كان هذا هو جوهر الأمر. وفقا لسيسون ، كان منظور الإشتراكية للفلبين هو أنه لم يحن بعد للإشتراكية. كان من الضروري إيجاد الرأسماليين التقدميين والتحالف معهم.

كان أول ممثل تقدمي للبرجوازية الوطنية أقره الحزب خلال فترة سيسون في قيادة الحزب الشيوعي الفلبيني الأول هو الرئيس ديوسدادو ماكاباغال.

في عام 1962 ، عند عودته من إندونيسيا ، تم إحضار سيسون إلى اللجنة التنفيذية المكونة حديثًا من خمسة أعضاء من حزب العمال التقدمي. وكان من بين الأعضاء الآخرين في اللجنة الزعيم النقابي إجناسيو لاكسينا. من خلال الأوراق السرية للسفارة الأمريكية ، إكتشفتُ أن لاكسينا لم يكن فقط عضوًا في اللجنة التنفيذية للحزب ولكنه كان أيضًا مخبراً منتظمًا لممثل وكالة المخابرات المركزية في السفارة الأمريكية. إلتقى لاكسينا مع مسؤول سفارته بإنتظام لإبلاغه بالتطورات داخل الحزب.

كان من أبرز التطورات التي حدثت في الستينيات تأسيس حزب العمال المعروف بإسم لابيانغ مانغاغاوا. كان جهازاً مستقلاً للعمال تَشكّل من إندماج جميع النقابات العمالية الرئيسية في حزب سياسي تأسس في يناير 1963. لم يكن مثل هذا الشيء موجودًا من قبل. حصل لاكسينا على أقوى منصب في لابيانغ مانغاغاوا ، الأمين العام ، بينما شغل سيسون منصب نائب الرئيس للدعاية ، وهو المنصب الذي جعله مسؤولاً عن جميع البيانات العامة للحزب.

في غضون سبعة أشهر ، قام سيسون ولاكسينا بدمج حزب العمال المستقل مع الحزب الليبرالي الحاكم بزعامة الرئيس ماكاباغال. كان ماكاباغال يقيم علاقات ودية مع سوكارنو في إندونيسيا ، ورأى كل من الحزب الشيوعي الإندونيسي والحزب الشيوعي الفلبيني الأول أن هذا يمثل خطوة نحو عدم الإنحياز الجيوسياسي. كان هذا هو دافعهم لإعلانه الممثل التقدمي للبرجوازية الوطنية.

رتّب سيسون ولاكسينا إندماج الحزب الليبرالي مع لابيانغ مانغاغاوا أثناء قمع الحكومة الوحشي لبعض من أشد الإضطرابات العمّالية في تاريخ البلاد. في عام 1963 ، أضرب 3000 عامل رصيف في ميناء مانيلا. إستمر الإضراب 169 يومًا ، مؤدياً لإغلاق الميناء الرئيسي للبلاد. توقفت التجارة. قُتل العمال في خط الإعتصام من قبل القوات الحكومية و كاسري الإضراب. توفي بعض العمال بسبب سوء التغذية لعدم حصول أي منهم على أجر إضراب. بحلول منتصف أغسطس ، قدرت التقديرات الرسمية الخسائر التجارية التي تكبدها إضراب الميناء بأكثر من مليار بيزو مع بقاء أكثر من شهر.

الميناء كان تحت سيطرة الحكومة مباشرة. كان العمال يعتصمون ويُضرِبون ضد نظام ماكاباغال ، وليس ضد شركة خاصة. في 6 أغسطس 1963 ، عندما إختتم ماكاباغال قمة مانيلا مع سوكارنو ، أشرف جوما سيسون وإغناسيو لاكسينا على إندماج لابيانغ مانغاغاوا مع الحزب الليبرالي.

أعلنت وثيقة موقعة من قبل كل من لابيانغ مانغاغاوا و الحزب الليبرالي،

"إدراكاً منا للإصلاحات الإجتماعية والوطنية التاريخية التي يتم تنفيذها الآن بنشاط تحت قيادة الرئيس ديوسدادو ماكاباغال ؛

"إعتقاداً منا بأنه لا شيء أقل من وحدة كل القوى من أجل التغيير الديمقراطي يمكن أن يضمن نجاح هذه الإصلاحات ...

وإدراكاً أن القوى المعارضة لبرامج الإصلاح قد تجمعت تحت راية الحزب الوطني ، ... "الإتفاق على إندماج الأطراف ساري المفعول على الفور ..."

كان هذا هو المنطق الذي قدموه للطبقة العاملة: ماكاباغال كان ينفذ إصلاحات واندمجت القوى المعارضة للإصلاح في الحزب الوطني الذي  كان المنافس السياسي للحزب الليبرالي. على هذا الأساس ، قام سيسون ولاكسينا بدمج حزب العمال المستقل مع حزب ماكاباغال.

كان عمال الرصيف في إضراب بالفعل ، وكانوا قد مضربين عن العمل لمدة شهرين عندما تم التوقيع على وثيقة الاندماج. أعلن لاكسينا علنا أنه يعتزم الدعوة إلى إضراب عام للابيانغ مانغاغاوا لدعم عمال الميناء. إستخدم هذا التهديد للتفاوض على العلاقات مع ماكاباغال ثم ألغى الإضراب العام قبل أن يبدأ ، تاركًا عمال الميناء.

في أوائل سبتمبر ، بينما كان إضراب عمال الميناء لا يزال مستمراً ، أضرب عمال الخطوط الجوية الفلبينية وأغلقوا تقريبا جميع الرحلات الداخلية في البلاد. قام ماكاباغال بنشر الشرطة الفلبينية وقاموا بضرب العمال بالحراب على  خطوط الإعتصام في 8 سبتمبر. أشك في أن شخصًا واحدًا في هذا الإجتماع كان على علم بأن هذه الأحداث قد وقعت على الإطلاق. لقد تم محوها من التاريخ لأن المسؤولين عن قيادة المنظمات العمالية خانوها.

ما الذي كان يشغل سيسون في هذا الوقت؟ كان يكتب كرّاسة برنامج ماكاباغال لإصلاح الأراضي. تمت كتابة الإصلاح الزراعي لإدارة ماكاباغال بواسطة رجل يدعى وولف لاديجينسكي من مؤسسة فورد. كانت وظيفة الكتيب تحويل المزارعين إلى مستأجِرين يدفعون الإيجار النقدي. أعلن الفلاحون الذين تمّت مقابلتهم لاحقًا في الستينيات أن هذا التحول قد جعل حياتهم أسوأ.

نعلم أن سيسون كتب هذا الكتيب لـ لابيانغ مانغاغاوا ، لأنه أدرجه كواحد من منشوراته في ببليوغرافيا كتاباته على موقعه الشخصي على الإنترنت. حملت واجهة كتاب سيسون صورة مبتسمة لماكاباغال ونقش كتب عليه "للرئيس ماكاباغال ، على كفاحه الدؤوب لتحرير الفلاحين الفلبينيين". قال سيسون لقرّائه :

يعتقد الرئيس ديوسدادو ماكاباغال أن مشكلة الأرض لا يمكن حلها بمجرد تنظيم حيازة الأسهم و / أو إكراه الفلاحين المضطربين بالحرّاس المدنيين والعمليات العسكرية.

"في قانون إصلاح الأراضي الزراعية ، يتم توفير الحل الأساسي للمشكلة الأساسية: يجب إلغاء حيازة الأسهم بالكامل وإقامة فلاحة المالك بدلاً منها. لتحقيق هذا الهدف الرئيسي ، تقدم المدونة مجموعة كاملة من وكالات تنفيذ الإصلاح الزراعي التي تم الكشف عن وظائفها وعملياتها في هذا الكتاب التمهيدي ".

هذا ما كتبه جوما سيسون في عام 1963. بعد سبع سنوات ، كتب 'المجتمع والثورة الفلبينيين' ، والذي أصبح أهم عمل للحزب الشيوعي الفلبيني. هذا ما قاله آنذاك عن قانون الإصلاح الزراعي الذي عمل كمروج رئيسي له في عام 1963:

"لكي يظهرعلى أنه أكثر تقدمياً ولخداع الفلاحين ، أصدر نظام ماكاباغال الدمية قانون إصلاح الأراضي الزراعية. مثل جميع قوانين إصلاح الأراضي السابقة ، لا يصل القانون إلى أي شيء عندما يتم تجريده من العموميات المتلألئة وعندما يتم الكشف عن الأحكام المواتية لأصحاب العقارات. بعد بضعة مشاريع رمزية لإصلاح الأراضي ، يصبح إفلاس القانون واضحًا .... "

كان إصلاح ماكاباغال للأراضي "مجموعة من الكلمات الرنانة لتغطية أكاذيب طبقة الملاك المتكررة دائماً ".

كان ذلك في عام 1970. تذكر مرة أخرى النمط: الحزب يدعم دوتيرتي؛ لكن يعلن الحزب بأنها "كذبة صريحة" أنهم يدعمون دوتيرتي. كتب سيسون كتيب ماكاباغال لإصلاح الأراضي ؛ أعلن سيسون أن إصلاحات ماكاباغال للأراضي عززت مصالح الملاك وخدعت الفلاحين. أكاذيب تلو الأكاذيب.

أثبت ماكاباغال أنه ذو فائدة محدودة وإنقلب على سوكارنو في عام 1964. أشرف جوما سيسون على عملية  تحول المنظمات الأمامية للحزب من دعمها لـ ماكاباغال إلى دعمهما ماركوس. أصدر الحزب تعليماته للعمال والفلاحين والشباب لدعم ماركوس بدعوى أن ماركوس سيُبقي الفلبين خارج حرب أمريكا في فيتنام.

تواصل ليندون جونسون مع ماكاباغال في عام 1964 ليطلب من الفلبين نشر قوات في فيتنام تحسبا لزيادة إنتشار القوات الأمريكية في البلاد. ومن الجدير بالملاحظة تاريخياً أن هذا الإستئناف تم قبل حادثة خليج تونكين. وعد ماكاباغال بإرسال القوات وأرسل مشروع قانون إلى المجلس التشريعي. ثم هاجم رئيس مجلس الشيوخ فرديناند ماركوس ماكاباغال ، متهماً الرئيس بمحاولة تطبيق دكتاتورية.

على أساس الادعاء بأن ماركوس سيبقي القوات خارج فيتنام ، ألقى سيسون سلسلة من الخطب لدعم الحزب الوطني ، وبحلول نوفمبر 1965 أصدر تعليمات لماساكا ، منظمة الفلاحين ، ولابيانغ مانغاغاوا، منظمة العمال ، و كاباتانغ ماكابايان ، منظمة الشباب التي تأسست حديثًا ، لدعم فرديناند ماركوس.

بعد أسبوع واحد من إنتخاب ماركوس ، في مقابلة مع ستانلي كارنو من صحيفة واشنطن بوست ، أعلن أنه سينشر القوات الفلبينية في فيتنام.

تم تأسيس كاباتانغ ماكابايان قبل عام من إصدار تعليمات لدعم ماركوس. في خطابه أمام المؤتمر التأسيسي ، قال جوما سيسون لجمهوره ، في خطاب يجب أن يبدو مألوفًا الآن:

"إلى جانب الإمبريالية يوجد الكومبرادور وكبار الملاكين العقاريين. إلى جانب الديمقراطية الوطنية توجد البرجوازية الوطنية المكونة من رجال أعمال وتجار فلبينيين. البرجوازية الصغيرة المكونة من أصحاب الأملاك الصغيرة والطلاب والمثقفين والمهنيين ؛ والجماهير العريضة من شعبنا ، المكونة من الطبقة العاملة والفلاحين الذين تنتمي إليهم الغالبية العظمى من الشباب الفلبينيين اليوم ".

تأسس جناح الشباب المتشدد في الحزب الشيوعي الفلبيني الأول من منظور كتلة الأربع طبقات وتحالف مع الطبقة الرأسمالية.

عندما تولى فرديناند ماركوس منصبه في أوائل عام 1965 ، ونتيجة للظروف العالمية وليس التطورات الوطنية ، تلوح في الأفق أزمة إجتماعية هائلة. أرسل مارشال رايت ، من مجلس الأمن القومي الأمريكي، مذكرة سرية إلى مستشار الأمن القومي والتر روستو ، قال فيها:

"سيكون من شبه المستحيل المبالغة في تقدير خطورة المشاكل التي يجب أن يتعامل معها سفيرنا القادم في مانيلا. أصبح من الشائع للأشخاص المطلعين على الفلبين توقع حدوث إضطرابات إجتماعية واسعة النطاق في المستقبل القريب. هناك حديث واسع الإنتشار مفاده أن الرئيس الحالي سيكون آخر رئيس تنفيذي فلبيني منتخب شعبيا. يعتبر العديد من المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى أن الفلبين هي أخطر وأسوأ تهديد نواجهه في آسيا ".

كان الإنفجار الإجتماعي وشيكًا. كان رد فعل الطبقة الحاكمة حول العالم هو التحول إلى أشكال الحكم الإستبدادي. يوجد هنا أكثر من ظلال الحاضر. إننا نواجه أزمة إجتماعية والمد المتصاعد للسلطوية العالمية: سوهارتو ، ماركوس ، بينوشيه. مثل الطبقة الرأسمالية في جميع أنحاء العالم ، شعرت النخبة الحاكمة في الفلبين أن وضعها الطبقي معرض للخطر. سعى كل من النخبة الحاكمة ، وليس ماركوس فقط، إلى حل هذا الخطر في أشكال الحكم الديكتاتورية. لم يكن بينهم فرداً واحداً مصمما على الدفاع عن الديمقراطية.

لقد كتبت الإمبريالية الأمريكية بنية حكم الدولة البوليسية في الفلبين ، والتي أدرجت الأحكام العرفية في دستور مستعمرتها السابقة وإستبعدت المحاكمة أمام هيئة محلفين. أشار العديد من الرؤساء السابقين ، بما في ذلك ماكاباغال و غارسيا و كيرينو ، إلى أنهم سيستخدمون هذه البنود ويعلنون الأحكام العرفية.

لماذا نجح ماركوس حيث فشلوا؟ إستند نجاحه إلى سياق الأزمة الإجتماعية التي أدت إلى صعود الإستبداد العالمي ، والشعور العام بين النخبة بأنهم لم يعد بإمكانهم تحمل زخارف الديمقراطية. إذا كان بإمكاني إستخدام تشبيه فهو: كان تنفيذ الديكتاتورية من قبل فرديناند ماركوس مثل لعبة الكراسي الموسيقية أو ، كما نسميها في الفلبين ، رحلة إلى القدس. إنخرط جميع أفراد النخبة الحاكمة في لعبة تدور حول مالاكانانج ، مع العلم أنه عندما تتوقف الموسيقى ، عندما يتم فرض الأحكام العرفية ، فإن كل من يجلس في القصر الرئاسي سيكون ديكتاتورًا.

كان هذا هو السياق الذي حدث فيه الإنقسام الصيني السوفياتي في جميع أنحاء الفلبين. أحد أكثر لوائح الإتهام إدانة للستالينية هي حقيقة أن الإقتصادات الشاسعة للصين والإتحاد السوفيتي لم تندمجا أبدًا. أنا أزعم أن برنامج "الإشتراكية في بلد واحد" كان دائمًا خيانة للماركسية ، لكن يمكنك القول إن له منطقًا معينًا: كان هناك بلد واحد فقط متوفر لبناء الإشتراكية. ولكن بعد عام 1949 ، كان هناك العديد من البلدان، كل منها ملتزم ببناء "الإشتراكية في بلد واحد" ، ولكل منها مصالحها الوطنية الخاصة. هذه المصالح الوطنية تباعدت حتما ، وتحول هذا الإختلاف إلى صراع أخوي ، وهذا الصراع إلى نزاع مسلح ، وقسم الشيوعية حول العالم.

كان الإتحاد السوفيتي ، الواقع خلف المنطقة العازلة في أوروبا الشرقية وعلى قاعدة صناعية مستقرة إلى حد ما ، قادرًا على صياغة برنامجاً للتعايش السلمي مع واشنطن ، و تواصل العلاقات مع الطغاة في جميع أنحاء العالم كوسيلة لتحقيق الإستقرار في علاقاتها الدبلوماسية والتجارية. عندما أشرف سوهارتو على سحق الحزب الشيوعي الإندونيسي، وقتل أكثر من مليون من الشيوعيين والعمال والفلاحين الإندونيسيين، وإستولى على السلطة ، كان الجيش الإندونيسي يعمل ، إلى حد ما ، بأسلحة باعه الإتحاد السوفيتي لهم. في أعقاب المذبحة ، أقامت موسكو علاقات ودية مع سوهارتو.

في غضون ذلك ، واجهت بكين كل من تايوان واليابان والحرب الأمريكية في فيتنام والإقتصاد المتخلف بشكل كبير. في محاولة لنزع فتيل خطر الإمبريالية الأمريكية عن حدودها في عام 1965 ، طرح لين بياو خط "حرب الشعوب الطويلة الأمد": حركات حرب العصابات المسلحة في جميع أنحاء الريف في العالم. كان هذا لا يزال في خدمة برنامج دعم القسم التقدمي من البرجوازية الوطنية ، لكنه لم يكن لصالح الديكتاتوريين الحكام. كان من أجل ، كما أحب أن أسميهم ، الممثلين البدلاء المتآمرين في دراما الديكتاتورية: تلك القوى في الفلبين مثل نينوي أكينو ، التي سعت إلى إزاحة ماركوس ، لكنها لم تفعل ذلك، في النهاية ، للدفاع عن الديمقراطية. لقد فعلوا ذلك للتأكد من أنهم هم أنفسهم سيكونون في موقع السلطة.

إن الحركة المسلحة للحزب الشيوعي الفلبيني ، والقوة المقْنِعة التي أعطتها إياها خطابها الراديكالي لمواجهة الأزمة الإجتماعية ، قد خدمت هذه الشرائح ، الطبقات المتآمرة للبرجوازية الوطنية.

ليس لدي الوقت الكافي لتوضيح الطريقة التي تم بها ذلك ، لكني أود أن أوضح بعض النقاط.

تولّى الحزب الشيوعي الفلبيني الأول، الموجّه نحو موسكو ، مناصب مدفوعة الأجر في إدارة ماركوس في عام 1966. وسهّلوا سرًا مفاوضاته مع موسكو ، والتي لم يستطع إجراؤها ديمقراطيًا لأن أعاقته بعض البنود الرجعية في القانون الفلبيني التي منعته من التعامل مع البلدان الشيوعية.

انذاك كان لدى الحزب الشيوعي الفلبيني الأول أعضاء من أطرافهم يملون بالخفاء تبرير فرديناند ماركوس للأحكام العرفية ، وهو كتاب بعنوان ثورة اليوم: الديمقراطية. كتبه أدريان كريستوبال ، الذي كان في محيط الحزب الشيوعي ، وأعلن: "نحن مدينون للينين بالبيان أنه لا يمكن أن تكون هناك ثورة بدون نظرية ثورية. ... تصور لينين الثورة على خطوتين: الأولى البرجوازية ، ثم البروليتارية ".

إن جدل الثورة ذات المرحلتين كانت لستالين وليس للينين ، ولكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن هذا كان صوت فرديناند ماركوس. لقد كتب الحزب الشيوعي الفلبيني الأول خفيةً تبرير الأحكام العرفية ، متظاهرًا بأن لينين قد طرح منظور ستالين ثم وضع هذه الخطوط في فم الديكتاتور المتمني. يا له من عمل غير عادي!

أعلن جيسوس لافا ، رئيس الحزب منذ فترة طويلة ، أن كتاب ماركوس كان "تحليلًا رائعًا لأمراض المجتمع الفلبيني".

عندما فرض ماركوس الأحكام العرفية في عام 1972 ، إنفصل قسم من الحزب الشيوعي الفلبيني الأول وحاول ، من خلال الكفاح المسلح ، معارضة دعم الحزب للنظام. لقد إنتظرت هذه الطبقات وقتًا طويلاً للإنفصال عن الحزب ، وهي نقطة أوضحتها بتفصيل كبير في رسالتي. ومع ذلك ، لم يتمكن الحزب الشيوعي الفلبيني الأول من الدخول في حكومة فرديناند ماركوس إذا كان هناك قسم من الرتب يعارض الأحكام العرفية. وبالتالي ، فإنهم يدينون خصومهم بوصفهم تروتسكيين - وهي لغة يستخدمها الستالينيون لقتل خصومهم - إغتالوا وأعدموا رتبهم المتمردة. من الصعب الحصول على التقديرات ، ولكن في مكان ما من 60 إلى 70 من كادر الحزب الشيوعي الفلبيني الأول قُتلوا على يد قيادة الحزب حتى يتمكنوا هؤلاء من تأييد الديكتاتورية العسكرية. في حين أن الأرقام لم تتضح بعد ، فمن الآمن القول إن عدد الشيوعيين الذين قُتِلوا على يد الحزب الشيوعي الفلبيني الأول أكبر من الذين قُتِلوا على يد إدارة ماركوس.

برر الحزب الشيوعي الفلبيني الأول دعمه للديكتاتور على أساس أنه كان يستخدم الأحكام العرفية لتهيئة الظروف بسرعة لعمل الرأسمالية المحلية. في مؤتمر الحزب السادس الذي عقد في أوائل عام 1973 ، كتب الحزب الشيوعي الفلبيني الأول:

"الفلبين بلد إستعماري جديد يتّسم بالتنمية الرأسمالية الديناميكية. إقتصادها متخلف بشكل رئيسي ومشوه بسبب النهب الإستعماري. ... في ظل هيمنة الرأسمال المالي ، بقيادة الإمبريالية الأمريكية ، تتحول الفلبين بقوة من بلد يغلب عليه الإقطاع إلى إقتصاد رأسمالي حديث. وهي اليوم تشهد وتيرة سريعة للغاية في التعزيز الرأسمالي من خلال أداة دكتاتورية الأحكام العرفية ".

الآن ، إذا كنت لا تعرف ذلك ، فهذا لا يبدو وكأنه تأييد من حزب شيوعي: رأس المال التمويلي الدولي يطور الرأسمالية من خلال دكتاتورية الأحكام العرفية. لقد عبرت هذه الصيغة في الواقع عن التوجه الطبقي للحزب الشيوعي الفلبيني الأول وكانت بمثابة تأييد للديكتاتورية التي نشروها في مؤتمرهم السادس. إضطر كل عضو في الحزب في أعقاب المؤتمر إلى إعادة الإشتراك في الحزب من أجل إبقاء العضوية. إذا كنت ستصبح عضوًا في الحزب الشيوعي الفلبيني الأول، فأنت ملزم بالتوقيع على هذا القرار السياسي لمصادقة الديكتاتور.

إرتكب قادة الحزب الشيوعي الفلبيني الأول جريمة سياسية هائلة. دخلوا في إدارة دكتاتورية الأحكام العرفية. شغلوا مناصب في الخارجية ووزارة العمل والإستخبارات العسكرية ، حيث كانوا مسؤولين عن سحق خصومهم ، الماويين. لا يزال الكثير منهم على قيد الحياة ، وبعضهم في مواقع بارزة.

في هذه الأثناء ، كان الحزب الشيوعي الفلبيني الجديد موجهاً نحو الأقسام المتآمرة من المعارضة البرجوازية. سيطر الحزب على الحركة الجماهيرية الواسعة في ذلك الوقت ، وبإستخدام خطاب الثورة الثقافية والحرب الشعبية الطويلة ، تمكنوا من توجيه هذه الإضطرابات وراء حلفائهم البرجوازيين.

فوق كل هذا ، كان الحزب الشيوعي الفلبيني متحالفًا مع نينوي أكينو ، سليل سلالة سياسية رائدة وقفت في قلب مجموعة واسعة من مصالح السكر. كان أكينو قد سهّل إقامة علاقات بين سيسون ورئيس حركة مسلحة محلية ، كانت قائمة على مزرعة أكينو للسكر ، وهو رجل يُعرف بإسم القائد دانتي. كان الإجتماع بين سيسون و دانتي دورًا أساسيًا في إنشاء الجيش الشعبي الجديد.

هذه النقطة في رسالتي قد تم إخراجها من سياقها من قبل بعض المدافعين عن دوتيرتي ، الذين تمسّكوا بعلاقات أكينو بالحزب الشيوعي الفلبيني للقول بأن ماركوس كان له ما يبرره بطريقة ما في فرض الديكتاتورية. لقد تجاهلوا عمدا الحقيقة المركزية المتمثلة في أن ماركوس كان يتمتع بالدعم الكامل من حزبه الشيوعي الذي ساعد في تطبيق الديكتاتورية.

لم يكن أكينو معارضًا للأحكام العرفية. مذكرة من السفارة الأمريكية بتاريخ 12 سبتمبر 1972 تلخّص لقاء بين أكينو والمسؤولين السياسيين بالسفارة تنص على ما يلي:

"يعتقد أكينو أن الأحكام العرفية هي الوسيلة الأكثر ترجيحًا التي سيستخدمها ماركوس للبقاء في السلطة. قال أكينو إنه سيدعم ماركوس إذا كان هذا هو المسار الذي يتبناه. نظرًا لأن القانون والنظام والوضع الإقتصادي يتدهوران بسرعة كبيرة ، من وجهة نظر أكينو ، فإن مصلحة البلاد تتطلب إجراءات قوية من جانب الحكومة المركزية. التهديد المتزايد من المنشقّين ، ومشكلة القانون والنظام المتفاقمة ... تم الإستشهاد بها من قبل أكينو كأسباب لضرورة إتخاذ إجراءات أقوى من قبل الحكومة المركزية. مثل هذا العمل يعني الأحكام العرفية. لو كان هو الرئيس ، أشار أكينو إلى أنه لن يتردد في إتخاذ مثل هذا الإجراء القوي ، وسيقوم ، على سبيل المثال ، بإعدام العديد من المسؤولين الفاسدين في لونتا بارك في مانيلا كدرس للمسؤولين الآخرين بأنه جاد".

لم يكن أكينو شخصية ديمقراطية. لقد مثل تماماً الطبقات الإجتماعية التي تحالف معها الحزب الشيوعي الفلبيني والذين روجوا لها على أنهم معارضون "للفاشية". في النهاية ، لا يهم من فاز: ماركوس والحزب الشيوعي الفلبيني الأول أم أكينو والحزب الشيوعي الفلبيني. بغض النظر ، واجهت الطبقة العاملة الفلبينية الديكتاتورية.

عندما فُرضت الديكتاتورية أخيرًا ، أشاد بها سيسون بإعتبارها جيدة للثورة ، لأنه إدعى أن "القمع يولد المقاومة". لطالما كان هذا هو خط الحزب: كلما كانت الفاشية أسوأ ، كان ذلك أفضل لبناء المعارضة. هذا هو الباطل الأساسي. العمال لديهم كل شيء على المحك في الدفاع عن الديمقراطية. إنه الهواء الذي يتنفسونه لتطوير حركة سياسية.

لم يكتف سيسون بمضاعفة موقفه من أن القمع سيؤدي إلى تنامي الثورة. انما أيضاً أصر ، بعد أسبوعين من فرض الديكتاتورية العسكرية على البلاد ، في 1 أكتوبر 1972 ، على أن الحزب بحاجة إلى إيجاد حليف مع القطاعات التقدمية للبرجوازية الوطنية:

"يجب أن يكسب الحزب أعضاء البرجوازية الوطنية في المدن والريف لتقديم الدعم السياسي والمادي للحركة الثورية. بما أنهم أنفسهم لا يمكن التوقع منهم أن يحملوا السلاح ضد العدو ... "

لم يتوقع الحزب أن يحمل هؤلاء الرأسماليون التقدميون السلاح. كانت هذه مهمة العمال والفلاحين والشباب. كانت هذه القوى التي توقع الحزب أن تعمل وتعاني وتموت.

"... يمكنهم أن يمتدوا إلى دعم الحركة الثورية نقدًا أو عينيًا ..." وفي المقابل ، تابع سيسون ، "على الحزب حماية مصالحه المشروعة ..."

كان هذا رد سيسون على الأحكام العرفية: لقد كان جيدًا للثورة ؛ العمال يحملون السلاح. سيعطي الرأسماليون أموالا للحزب. كان الحزب يوجه العمال المسلحين للدفاع عن مصالح الرأسماليين.

في غضون ذلك ، ذهب ماو بطريقة مختلفة تمامًا. في مواجهة التهديد بغزو سوفييتي محتمل في أعقاب سحق ربيع براغ وإعلان عقيدة بريجنيف بأن الإتحاد السوفييتي سيتدخل في شؤون أي دولة إشتراكية تهدد المصالح السوفيتية ، سحق ماو الثورة الثقافية ونبذ لين بياو، تواصل مع كيسنجر ونيكسون وأقام علاقات مع الإمبريالية الأمريكية ، مع واشنطن.

ثم توجه ماو إلى دول في جميع أنحاء العالم ، وأقام ، مثل الإتحاد السوفيتي ، علاقات مع الطغاة. إحتضن ماركوس وبينوشيه. كان سلفادور أليندي مرتبطًا بالحزب الشيوعي التشيلي ، الذي كان موجهاً نحو موسكو ، وعندما سحق بينوشيه الحزب الشيوعي والطبقة العاملة التشيلية ، رحب الحزب الشيوعي الصيني على الفور ببينوشيه.

إستخدم ماركوس الأحكام العرفية لتنفيذ قمع السكان العاملين على نطاق صناعي ، وسحق الإضطرابات الإجتماعية في ذلك الوقت. عندما زار ماركوس بكين لإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية ، أصدر ماو بيانًا عامًا مفاده أن الحزب الشيوعي الصيني لن يتدخل في "الشؤون الداخلية" للفلبين.

أعلن سيسون أن فتح ماو للعلاقات مع ماركوس كان "إنتصارًا دبلوماسيًا لجمهورية الصين الشعبية وإنتصارًا للنضال الثوري الفلبيني". إن كلمة "أكاذيب" غير ملائمة لتلخيص هذه الحجة.

من المستحيل الدفاع عن حقوق الإنسان ، ليس فقط ضمن هذه المنظمات ، ولكن على أساس خطها السياسي. لا يمثل الحزب الشيوعي الفلبيني والمنظمات المتحالفة معه قوى تدافع عن الديمقراطية. هذا هو تلخيصي التاريخي.

كان الحزب مسؤولاً عن عمليات تطهير داخل صفوفه أسفرت عن مقتل 1000 من أعضائه. كما جندت الأطفال، وأنتجت رسومًا هزلية وكتابات تمهيدية للقراءة ، حتى يتمكنوا من تجنيد أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و 11 عامًا في الجيش الشعبي الجديد في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

أولئك المهتمون بالدفاع عن حقوق الإنسان يتوجب عليهم البحث في مكان آخر. لا يعني هذا أنني لا أدافع عن حقوق الإنسان للحزب الشيوعي الفلبيني ومنظماته الأمامية. قرأت دفاعًا صريحًا عنهم ضد عنف الدولة في بداية هذه المحاضرة. وجهة نظري هي خلاف ذلك. إذا كنت مهتمًا بالدفاع عن الديمقراطية ومنع صعود الديكتاتورية والدفاع عن حقوق الإنسان ، فهذه ليست القوى الإجتماعية التي يجب أن تتطلع إليها.

نداءي الأخير هو لجميع العلماء والجمهور العريض الذين إستمعوا إلى هذه المحاضرة. إن خطاب سيسون ورفاقه ، بتأكيده الوقح على "الأكاذيب الصريحة" ، وإبتذالته العنيفة - أخبرني أنه يجب أن "أتخبط في لعابي" - وتداوله للصور المزيفة - هذه هي تكتيكات أقصى اليمين. لا يمكن تمييز لغة الحزب الشيوعي الفلبيني عن مؤيدي دوتيرتي العنيدين  على فيسبوك. يمكنك إجراء إختبار صغير عبر الإنترنت، "من قالها: جوما سيسون أم قزم مؤيدي دوتيرتي العنيدين ؟" ستواجه صعوبة شديدة لمعرفة الفرق.

ليس للحزب الشيوعي الفلبيني مصلحة في الدفاع عن الحقيقة التاريخية. أود أن أختم بياني بإقتباس ما قاله تروتسكي عن الستالينيين في هذا الصدد. "مع كل منعطف وتعرج هم مضطرون لتنقيح التاريخ من جديد."

تحالف الستالينيون مع ماكاباغال ، لكنهم أعلنوا بعد ذلك أنه رجعي ودفنوا الدليل على دعمهم له. لقد تحالفوا مع ماركوس ، لكن بعد ذلك ، بالطبع ، كان رجعيًا. تكرر هذا النمط مرارا وتكرارا. لقد تحالفوا مع كوري أكينو ، لكنها كانت رجعية بعد ذلك. لقد تحالفوا مع دوتيرتي ، لكنهم يعلنون الآن أنه فاشي ، وينددون بي بصفتي "عميلاً مدفوعًا لوكالة المخابرات المركزية" بسب إحضاري أدلة من تاريخهم.

يتابع تروتسكي: "الكذبة تخدم ، إذن ، باعتبارها الإسمنت الأيديولوجي الأساسي للبيروقراطية". هذا هو ما يجمع كل شيء معًا.

"كلما أصبح التناقض  بين البيروقراطية والشعب غير قابل للتوفيق، كلما زادت  الكذبة  وقاحة [أعتقد أننا نشهد ذلك الآن] ، والأكثر وقاحة هو تحولها إلى تزوير جنائي و مؤامرة قضائية."

لا تعتمد على ما يقال في الوقت الحاضر. إبحث عن السجل المكتوب المعاصر. إنه الشيء الوحيد الذي يمكننا التأكد بأنه دقيق. تحقق من ذلك بنفسك ، وراجع الأدلة بنفسك. هذا لا ينطبق فقط على مجال تخصصي ولكن على الدراسة بشكل عام. نحن في فترة تتعرض فيها الحقيقة التاريخية ، وفكرة الحقيقة ذاتها ، للهجوم ، وحيث تتصاعد الشخصيات الإستبدادية لتسيطر على العالم على أساس الأكاذيب الشائنة.

إنني أتحدث دفاعاً عن الخطاب المدني ، والمناقشة الديمقراطية والعامة ، والأدلة التي يمكن التحقق منها، والحجج المنطقية ، والدفاع عن الديمقراطية والحقيقة التاريخية. شكرا لكم.

أسئلة وأجوبة:

س: في ضوء الأزمة المستمرة وتشرذم اليسار ، ليس فقط هنا في الفلبين ولكن في جميع أنحاء العالم ، هل يمكنك تقديم رسم تخطيطي لكيفية التعامل مع الإنهيار المستمر للدولة الليبرالية وتصاعد المد الشعبوي ، مع كلاهما محامل من اليسار واليمين؟

ج: أود أن أتحدث عن ذلك. إنه سؤال رائع. يمكن لعدد من الناس التحدث عن هذا الموضوع لفترة طويلة من الزمن. لذلك سأعطيكم النقاط.

الأول هو هذا: دوتيرتي هو نموذج سياسي. لديه إخوته السياسيون في جميع أنحاء العالم: دونالد ترامب ، وجير بولسونارو ، وأحزاب سياسية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا في ألمانيا وما إلى ذلك. ما نتعامل معه هو مشكلة عالمية. وبالتالي فإن النقطة الأولى بالنسبة لأولئك المهتمين بظهور الإستبداد هي: هذه ليست مشكلة قومية. لا يمكن أن تكون حلولنا حلولاً وطنية. وهذا يتطلب منظورًا سياسيًا عالميًا ، وتفاعلًا عميقًا بين الناس في جميع أنحاء العالم ، والعمال ، والعلماء ، وما إلى ذلك ، في الدفاع عن الحقيقة وفي مواجهة صعود الإستبداد.

ثانيًا ، تحدثت عن "تشرذم اليسار". أنا أتفهم القلق ، لكن شاغلي الأساسي هو تفكك الطبقة العاملة ، وتفكك القوة الإجتماعية التي يمكن أن تضع حدا لخطر الديكتاتورية ويمكنها الدفاع عن الديمقراطية. والدفاع عن الديمقراطية هو في الأساس مسألة وحدة الطبقة العاملة. وإذا كان تقديري التاريخي لتاريخ الفلبين صحيحًا ، فإن المسألة تتعلق بإستقلال الطبقة العاملة ، ومصالحها الخاصة ، وليس مصالح التحالف مع هذا القسم أو ذاك من الطبقة الرأسمالية.

الآن ، هذا إستنتاج سياسي واضح للغاية استخلصته من هذا السجل التاريخي. لكن في النهاية ، أعتقد أن إنقسام اليسار ليس مصدر قلق أقل من إنقسام الطبقة العاملة على أسس وطنية.

س: [غير مسموع]

ج: هذا سؤال طويل ولا يمكنني أن أنصفه. ومع ذلك ، سأوضح هذه النقطة: أولئك الذين يبحثون في الفلبين عن بديل لا يبدؤون من الصفر. أعتقد أن هذه نقطة مهمة حقًا. تمتلك الفلبين تراثًا غنيًا وفخورًا بالنضال الثوري ، وهي حركة ثورية للإطاحة بالإستعمار الإسباني ، وهي معركة شجاعة مطولة ضد الإمبريالية الأمريكية بتضحيات كبيرة. وسلسلة من الانتفاضات والتنظيمات والنضالات العمالية مثل إضراب الموانئ الذي وثقته. كل هذا هو التاريخ الغني للشعب الفلبيني والعمال والفلاحين الفلبينيين. أي حركة جديدة تبني هذا التاريخ ، تتعلم من هذا التاريخ.

لكنها لا تبني فقط على هذا. أنت لا تبدأ داخل الحدود الوطنية ، بل تبدأ من الحركة الحالية للعمال حول العالم. أعتقد أن أي شخص في الفلبين يتطلع إلى بناء حركة جديدة يجب أن يتطلع إلى إخوانه وأخواته في جميع أنحاء العالم من أجل أفكارهم السياسية ومن أجل تنظيمهم. هذا ما تبني عليه.

س: بناءً على مبادئ الماركسية واللينينية ، هل جوما سيسون شيوعي أصلي فعلاً؟ إذا كانت الإجابة نعم ، فكيف ذلك؟ إذا لم يكن كذلك ، فلماذا يطلق على حزبهم الحزب الشيوعي الفلبيني بينما هو في الواقع ماوي؟ أليست هذه قضية تحريف؟

ج: شكرا لك على السؤال الرائع. نعم و لا. من الناحية التاريخية ، كلاهما. هل جوما سيسون شيوعي بمعنى البيان الشيوعي أم بمعنى الحزب الشيوعي الذي تولى السلطة في أكتوبر 1917؟ لا هو ليس كذلك. إنه لا يتحمل هذا الإرث. لكن خيانة الستالينية هي التي سمحت لها بتولي عباءة هذا الإرث وتقديم نفسها على أنها إستمرار للماركسية. هذه الخيانة تسمح له بأن يكون زعيم الحزب الشيوعي ، بدعوى أنه إستمرارية الماركسية. هذا في الواقع هو أعظم رأسماله السياسي: يمكنه أن يشير إلى هذا التاريخ ويقول إن هذا هو ملكه. ليس. التاريخ الذي هو له هو التاريخ الذي أوجزته في محاضرتي. وهكذا لا ، فهو لا يمثل إستمرارية الماركسية. لكنه يمثل إستمرارية الستالينية.

Loading