العربية

السنة الأخير لتروتسكي القسم الرابع

أثبتت معجزة نجاة تروتسكي من محاولة الاغتيال في 24 مايو 1940 أن   الأمر لا يعدو أن يكون تأجيلاً. بدأت الغيبو  على الفور تنفيذ خطة بديلة لقتل تروتسكي. لن يتم تنفيذ المحاولة التالية من قبل فرقة قتلة مدججة بالسلاح، ولكن بواسطة قاتل منفرد هو رامون ميركادير، العميل الإسباني المختار للمهمة من قبل الغيبو، تم تقديمه في وقت مبكر من عام 1938 إلى بيئة الأممية الرابعة من قبل صديقته سيلفيا أجيلوف. لا تزال علاقتها بحزب العمال الاشتراكي غير محددة بشكل واضح، على الرغم من أنها عملت على ما يبدو  مراسلة للأممية الرابعة ولحزب العمال الاشتراكي.

من الصعب التوفيق بين علاقات آغيلوف رفيعة المستوى مع الأممية الرابعة وسذاجتها الشخصية والسياسية. ففي سياق علاقة حميمة امتدت ما يقرب من عامين، إما أنها لم تلاحظ الشذوذ والتناقضات والألغاز الصارخة التي دارت حول رفيقها الغريب للغاية أو أنها قمعت مخاوفها بشأن هذه الأمور: هوياته المتعددة (فرانك جاكسون ، جاك مورنارد ، فاندندريشيد)، و أنشطة تجارية مشكوك فيها للغاية، وإمدادات غير محدودة من المال الجاهز. لم يخطر ببال أجيلوف - أو هكذا ادعت في أعقاب الاغتيال للمدعين المكسيكيين المشبوهين وغير المؤمنين - أن هناك شيئًا خاطئًا للغاية بشأن صديقها، وأنه بالتأكيد ليس من النوع الذي يجب السماح له في أن يكون في أي مكان بالقرب من تروتسكي.

في ربيع عام 1940 ، استغل جاكسون مورنارد الفرصة التي أتاحتها أجيلوف ليجعل لنفسه حضوراً مألوفاً في نظر حراس تروتسكي، على الرغم من أنه لم يبد أي اهتمام بلقاء الزعيم الثوري. و في كثير من الأحيان اصطحب آغيلوف إلى الفيلا في شارع فيينا، بدا جاكسون مورنارد راضياً بالانتظار في الخارج حتى تكمل عملها. لكنه تجاذب أطراف الحديث مع الحراس وأقام بعناية علاقة مع صديقي تروتسكي المقربين، ألفريد ومارجريت روزمر. اللذين ،على الرغم من عقود في الحركة الثورية، لم يجدا شيئًا غريبًا حول جاكسون- مورنارد، رجل الأعمال المفترض أنه غير سياسي ولديه الكثير من المال وقدر كبير من وقت الفراغ. فشل الزوجان المولودان في فرنسا في اكتشاف لهجة الوكيل المولود في إسبانيا وهو الذي ادعى أنه بلجيكياً.

لم يدخل جاكسون-مورنارد المجمع لأول مرة والتقى تروتسكي لفترة وجيزة إلا بعد أربعة أيام من هجوم 24 مايو. ففي إحدى رحلاته إلى كويوكان ، اقترب جاكسون- مورنارد من الحراس، الذين كانوا يدعمون  الجدران الخارجية للفيلا. أخبروه أنهم كانوا يستعدون لهجوم آخر من قبل الغيبو. علق جاكسون-مورنارد، بوقاحة مدروسة، أن محاولة الغيبو التالية لإنهاء حياة تروتسكي ستستخدم طريقة مختلفة.

استمر عمل تروتسكي بوتيرته المرهقة المعتادة. على الرغم من انشغاله الشديد بكشف مؤامرة 24 مايو ودحض الادعاءات الوقحة من قبل الحزب الشيوعي المكسيكي والنقابات العمالية والصحافة التي يسيطر عليها الستالينيون بأن الهجوم كان "اعتداءً على الذات" خطط له تروتسكي ونفذه أنصاره فتابع بعناية تطورات الحرب العالمية الثانية. و بحلول منتصف يونيو، استسلمت فرنسا وحكمت جيوش هتلر أوروبا الغربية. لقد حلت بالطبقة العاملة مأساة ذات أبعاد غير مسبوقة. ففي مذكرة موجزة حٌررت في 17 يونيو 1940 ، بعد يومين من هزيمة فرنسا، كتب تروتسكي:

إن استسلام فرنسا ليس مجرد حلقة عسكرية. إنه جزء من كارثة أوروبا. لم يعد بإمكان الجنس البشري أن يعيش في ظل نظام الإمبريالية. هتلر ليس مصادفة. إنه فقط التعبير الأكثر ثباتًا والأكثر همجية عن الإمبريالية ، التي تهدد بسحق حضارتنا بأكملها. [1]

نشأت الجرائم البشعة التي ارتكبها هتلر من أصل الرأسمالية والسياسات العالمية الضارة للإمبريالية. لكن غزو هتلر لأوروبا الغربية أصبح ممكناً بفضل المساعدة التي تلقاها من ستالين. أدت خيانات الديكتاتور للطبقة العاملة - أولاً من خلال تحالفاته "الجبهة الشعبية" مع الإمبرياليين الديمقراطيين ، ثم تبعه فجأة باتفاقه مع هتلر - إلى إرباك الطبقة العاملة وتعزيز الموقف العسكري لألمانيا النازية. من خلال إضعاف معنويات الجماهير الشعبية في أوروبا، ولم يقتصر هذا على أوروبا، حيث لعب ستالين دور عميل استفزازي في خدمة هتلر. كتب تروتسكي: "استسلام فرنسا هو أحد نتائج مثل هذه السياسات". لقد دفع ستالين الاتحاد السوفياتي "إلى حافة الهاوية". وحذر تروتسكي من أن "انتصارات هتلر في الغرب هي فقط استعدادا لتحرك عملاق نحو الشرق"[2]. و بعد عام واحد تقريبًا ، في 22 يونيو 1941 ، أطلق هتلر عملية بربروسا، وهي غزو الاتحاد السوفيتي.

استدعت القضايا السياسية والأمنية التي نشأت  عن غارة 24 مايو والأحداث التاريخية في أوروبا زيارة إلى المكسيك من قبل وفد من قادة حزب العمال الاشتراكي، برئاسة مؤسس الحزب وزعيمه جيمس ب. كانون.  بين الأربعاء 12 يونيو والسبت 15 يونيو، شارك تروتسكي في مناقشة شاملة للعمل السياسي لحزب العمال الاشتراكي في ظل ظروف الحرب. ضم المشاركون في هذا النقاش، بالإضافة إلى تروتسكي وكانون، تشارلز كورنيل، فاريل دوبس ، سام جوردون، أنطوانيت كونيكو، هارولد روبينز وجوزيف هانسن. كانت الوثائق التي تم إخفاؤها منذ فترة طويلة والتي حصلت عليها اللجنة الدولية للأممية الرابعة في العقدين السابع والثامن من القرن الماضي تثبت أن هانسن كان مغروساًمن قبل الغيبو  داخل سكرتارية تروتسكي. 

تم توزيع تقرير مختزل لم يٌاجع تحريره عن هذه المناقشة على أعضاء حزب العمال الاشتراكي. لم يتم نسخ المداولة حول البند الأول من جدول الأعمال، وهو تقرير عن المؤتمر الدولي الرابع الطارئ. بدأ المحضر الحرفي للمناقشات بالبند الثاني على جدول الأعمال، "الحرب ووجهات النظر". أكدت مساهمات تروتسكي في هذه المداولة على عدم ربط المعارضة المبدئية للحزب للحرب الإمبريالية بأي شكل من أشكال النزعة السلمية البرجوازية الصغيرة أو الخلط بين الأمرين.

كان دخول الولايات المتحدة إلى الحرب أمرًا لا مفر منه. أصر تروتسكي على أن حزب العمال الاشتراكي يجب أن يترجم المعارضة المبدئية للحرب إلى تحريض ثوري فعال يتقاطع مع وعي العمال، دون التكيف مع الشوفينية القومية:

"بلغت العسكرة الآن نطاقاً هائلاً. لا يمكننا أن نعارضها بعبارات سلميةحيث تحظى العسكرة بدعم واسع بين العمال. إنهم يحملون كراهية عاطفية ضد هتلر بمشاعر طبقية مشوشة. لديهم كراهية ضد قاطع الطرق المنتصر.  كما أن البيروقراطية تستخدم هذا لتقول لنساعد رجال العصابات المهزومة. إنما استنتا جاتنا مختلفة تمامًا. لكن هذه المشاعر هي الأساس الحتمي لفترة التحضير الأخيرة. [3]

كان التحدي الذي واجه حزب العمال الاشتراكي هو تطوير مقاربة مقنعة للعمال الشباب ، حتى لما كان يتم جذبهم إلى الجيش، بهدف تطوير وعيهم الطبقي. كان على الحزب أن يضع تحريضه "على أساس طبقي"[4].  قدم تروتسكي أمثلة على النهج الذي يجب أن يتبعه الحزب:

نحن ضد الضباط البرجوازيين الذين يعاملونك مثل الماشية، الذين يستخدمونك كعلف للمدافع. نحن قلقون بشأن موت العمال، على عكس الضباط البرجوازيين. نحن نريد ضباطاًمن العمال.

نستطيع أن نقول للعامل: نحن جاهزون للثورة. لكنك لست مستعدًا. لكن كلانا يريد ضباط من بين عمالنا في هذه الحالة. نريد مدارس عمالية خاصة تدربنا لنصبح ضباط ...

نحن نرفض سيطرة العائلات الستين. نريد تحسين ظروف الجندي العامل[5]. نريد حماية حياته. لا تضيعه. 

تحولت المناقشة يوم الخميس، 13 يونيو، إلى سياسة حزب العمال الاشتراكي  الخاصة بانتخابات الرئاسية لعام 1940. كان شاغل المنصب الديمقراطي فرانكلين روزفلت يترشح لولاية ثالثة. لم يرشح الحزب مرشحاً خاصاً به. "ماذا نقول للعمال حين يسألون أي رئيس يجب أن يصوتوا له؟" أجاب كانون: "لا يجب أن يسألوا مثل هذه الأسئلة المحرجة". [6]

سأل تروتسكي لماذا لم يدع حزب العمال الاشتراكي إلى مؤتمر للنقابات العمالية لتسمية مرشحاً معارضاً لروزفلت. وقال: "لا يمكننا أن نظل غير مبالين تمامًا". يمكننا أن نصر جيدًا في النقابات حيث لدينا تأثير على أن روزفلت ليس مرشحنا ويجب أن يكون للعمال مرشحهم الخاص. يجب أن نطالب بمؤتمر وطني مرتبط [بالمطالبة] بحزب عمالي مستقل ". [7]

أثار تروتسكي مسألة تقدم مرشح للرئاسة يمثل  الحزب الشيوعي الأمريكي، فمنذ توقيع ميثاق عدم الاعتداء، تبنى الحزب الشيوعي موقفًا معارضًا لدخول الولايات المتحدة الحرب. لا شك أن هذه المناورة من قبل القيادة الستالينية حددتها بالكامل السياسة الخارجية للكرملين. لكن بعض الفئات من أعضاء الحزب الشيوعي أخذت الأمر على محمل الجد. ألم يوفر هذا فرصة لحزب العمال الاشتراكي  للتدخل بين العمال الستالينيين؟ اقترح تروتسكي أن يفكر حزب العمال الاشتراكي، الذي ليس لديه مرشحاً خاصاً به ، بتقديم دعم  نقدي للحملة الرئاسية لزعيم الحزب الشيوعي إيرل براودر. فعلى الرغم من تشوش القيادة الستالينية، حيث تضمنت عضوية الحزب فئة كبيرة من العمال الواعين. إن المناورة السياسية في الوقت المناسب من قبل حزب العمال الاشتراكي –المتمثلة بتقديم دعم ناقد لحملة الحزب الشيوعي على أساس معارضته الحالية لدخول أمريكا في الحرب - من شأنها أن تفتح إمكانية الاقتراب من العمال الستالينيين.

عارض كانون وجميع المشاركين الآخرين تقريبا في النقاش اقتراح تروتسكي بشدة. فخلال سنوات من النضال المرير ضد الستالينيين، كان تأثير حزب العمال الاشتراكي داخل النقابات العمالية يتطلب تطوير تحالفات مع الأقسام "التقدمية" من البيروقراطية النقابية، و المناورة التي اقترحها تروتسكي ستقوض هذه العلاقات.

انتقد تروتسكي نهج حزب العمال الاشتراكي تجاه "البيروقراطيين التقدميين" ، الذين كانوا متحالفين سياسيًا مع روزفلت والحزب الديمقراطي. و أشار تروتسكي إلى أن "هؤلاء البيروقراطيين التقدميين يمكنهم الاعتماد علينا كمستشارين في النضال ضد الستالينيين. لكن دور مستشار البيروقراطي التقدمي لا يعد بالكثير على المدى الطويل ". [8]

في مواجهة تروتسكي ، صرحت أنطوانيت كونيكو - التي كانت من أوائل المؤيدين الأمريكيين للمعارضة اليسارية في العقد الثاني من القرن المنصرم - أنه على عكس الستالينيين ، فإن قادة الاتحاد الأمريكي للعمال مثل دان توبين (زعيم تيمزستيرز ) وجون إل. لويس (زعيم نقابة عمال المناجم المتحدة) لن يحاولوا قتل التروتسكيين.

أجاب تروتسكي: "لست متأكدًا من ذلك". "لويس سوف يقتلنا بكفاءة عالية إذا تم انتخابه وجاءت الحرب." [9]

لم يصر تروتسكي على أن يتبنى حزب العمال الاشتراكي السياسة التي اقترحها. لكن مع استمرار النقاش يوم الجمعة، 14 يونيو، وجه انتقادات حادة لتوجه الحزب نحو التقدميين:

"أعتقد أن النقطة الرئيسية لدينا واضحة للغاية. نحن في كتلة مع ما يسمى بالتقدميين- ليس فقط الزائفون بل الصادقون  منهم. نعم، إنهم صادقون وتقدميون لكنهم يصوتون من وقت لآخر لصالح روزفلت - مرة كل أربع سنوات. هذا أمر حاسم. إنك تقترح سياسة نقابية وليس سياسة بلشفية. تبدأ السياسات البلشفية خارج النقابات العمالية. العامل نقابي نزيه ولكنه بعيد عن السياسة البلشفية. يمكن للمقاتل الصادق أن يتطور لكنه لا يعني هذا أنه بلشفيًا. إنك تخشى أن  تفقد مصداقيتك في نظر النقابيين الموالين لروزفلت. من ناحية أخرى، هم ليسوا قلقين على الإطلاق من التعرض للمساومة بالتصويت لصالح روزفلت ضدك. نحن خائفون من التعرض للخطر. إذا كنت خائفًا ، فستفقد استقلاليتك وتصبح نصف روزفلتي. في أوقات السلم ، هذا ليس كارثيًا.  أما في زمن الحرب فسوف يعرضنا للخطر. يمكنهم تحطيمنا. سياستنا أكثر من اللازم بالنسبة للنقابيين المؤيدين لروزفلت. لاحظت أنه عناك تشديد في نورث وست أورغانيزر جريدة الفرع 544 من تيمسترز في مينيابوليس ، التي يحررها ويسيطر عليها حزب العمال الاشتراكي. وهذا صحيح. ناقشناها من قبل، لكن لم يتم تغيير كلمة واحدة؛ ولا كلمة واحدة. الخطر - وهو خطر رهيب - هو التكيف مع النقابيين المؤيدين لروزفلت. لا  تجيب هذه السياسة على الانتخابات ولا توفرحتى بداية الجواب. لكن يجب أن تكون لدينا سياسة. [10]

واصل تروتسكي انتقاداته لتكيف حزب العمال الاشتراكي مع التقدميين النقابيين يوم السبت 15 يونيو، اليوم الأخير من المداولة:

"يبدو لي أنه يمكن التعرف على نوع من التكيف السلبي مع عملنا النقابي. لا يوجد خطر مباشر، لكن التحذير الجاد يشير إلى ضرورة تغيير الاتجاه. يهتم العديد من الرفاق بالعمل النقابي أكثر من اهتمامهم بالعمل الحزبي. هناك حاجة إلى مزيد من التماسك الحزبي، وإلى مناورة أكثر حدة ، وإلى تدريب نظري أكثر جدية ؛ وإلا فإن النقابات العمالية تستطيع استيعاب رفاقنا". [11]

مع اقتراب المناقشة حول سياسة حزب العمال الاشتراكي في انتخابات عام 1940 ، ظهرت قضية أخيرة: هل يمكن اعتبار الحزب الشيوعي جزءًا شرعيًا من الحركة العمالية؟ أجاب تروتسكي بشكل قاطع:

إن الستالينيين بالطبع جزء شرعي من الحركة العمالية. إن إساءة استخدامهم من قبل قادتهم من أجل غايات محددة للغيبو شيء ، وأهداف الكرملين شيئًا آخر. وهم لا يختلفون إطلاقا عن بيروقراطيات العمل المعارضة الأخرى. تؤثر المصالح القوية لموسكو على الأممية الثالثة، لكنها لا يوجد تباين من حيث المبدأ. بالطبع نحن ننظر إلى  رعب تحكم الغيبو  بشكل مختلف ؛ فنحن نحارب بكل الوسائل ، حتى الشرطة البرجوازية. لكن التيار السياسي للستالينية هو تيار في الحركة العمالية". [12]

على الرغم من الجرائم التي ارتكبها الستالينيون - وبعد ثلاثة أسابيع فقط من محاولة اغتياله - أصر تروتسكي على تقييم موضوعي للستالينية. وشدد تروتسكي قائلاً: "يجب أن ننظر إليها من وجهة النظر الماركسية الموضوعية. إنها ظاهرة متناقضة للغاية. لقد بدأوا مع أكتوبر كقاعدة ، لقد أصبحوا مشوهين ، لكن لديهم شجاعة كبيرة "[13].  كان الغرض من المناورة التي اقترحها تروتسكي هو استغلال هذا التناقض في ولاءات الفئات الستالينية تبعاً لتراتبها:

"أعتقد أنه يمكننا أن نأمل في كسب هؤلاء العمال الذين بدأوا كإشعاع ولده  أكتوبر. نحن ننظر إليهم  بشكل سلبي. كيف يمكن اختراق هذه العقبة. يجب أن نضع القاعدة مقابل القمة. عصابة موسكو التي نعدها من رجال العصابات ولكن أعضاءالفئات الأخرى لا يشعرون أنهم رجال عصابات ، بل ثوريون ... إذا أظهرنا أننا نفهم ، أن لدينا لغة مشتركة، فيمكننا قلبهم ضد قادتهم. إذا فزنا بخمسة في المئة، فسحسم مصير الحزب محكوم بالفشل. [14] 

لم يتوصل تروتسكي ووفد حزب العمال الاشتراكي إلى اتفاق بشأن اقتراح تمديد الدعم الناقد لمرشح الحزب الشيوعي، وهو لم يصر عليه. لم يقوض الخلاف علاقة تروتسكي مع حزب العمال الاشتراكي، وانتهت المناقشات وديًا. على أي حال، إلى الحد الذي أظهر فيه حزب العمال الاشتراكي مستوى يمكن اكتشافه من التكيف مع البيروقراطيين التقدميين، كان لانتقاد تروتسكي تأثيراً مفيداً على الحزب. ففي غضون أسابيع ، لاحظ تروتسكي وعلق بشكل إيجابي على التعزيز السياسي لخط الصحيفة  نورد وست أورغانيزر.

ذكر أحد المشاركين في المناقشة لاحقًا حادثة جديرة بالملاحظة ألقت الضوء على نهج تروتسكي التربوي في المناقشات السياسية. شارك هارولد روبينز، العامل المولود في نيويورك والذي سافر إلى المكسيك في عام 1939 وأصبح قائد حرس تروتسكي، في المناقشة الصباحية يوم 13 يونيو، التي أثار خلالها تروتسكي مسألة الدعم النقدي لمرشح الحزب الشيوعي للرئاسة. وفي نعي كتبته بعد وفاة روبينز في عام 1987 عن عمر يناهز 79 عامًا، قمت بتضمين سرداً لتجربته الشخصية التي نقلها إلي:

"لما جاء دوره في الكلام، انطلق هارولد في إدانة لاذعة للستالينيين، عدَّد خياناتهم العديدة للطبقة العاملة، وتعاونهم  الخانع مع السياسيين البرجوازيين. أعلن هارولد أنه لا يوجد "أي فرق كبير بين الستالينيين والديمقراطيين".

رفع تروتسكي يده واقتحم خطاب هارولد. "اسمح لي بسؤال أيها الرفيق روبينز. إذا لم تكن هناك اختلافات بين الستالينيين والديمقراطيين ، فلماذا يحتفظون بوجود مستقل ويطلقون على أنفسهم اسم الشيوعيين؟ لماذا لا ينضمون ببساطة إلى الحزب الديمقراطي؟ "

تفاجأ هارولد بهذه الأسئلة البسيطة. أوضح هذا الدرس الأساسي في الديالكتيك على الفور لهارولد أن موقفه كان خاطئًا. لكن القصة لم تنته عند هذا الحد.

ومع استمرار القضية دون حسم، انفض الاجتماع لتناول طعام الغداء. اقترب تروتسكي من هارولد وسأله عن موقفه.

"حسنًا، أعتقد الآن أنك على حق، أيها الرفيق تروتسكي."

ابتسم "العجوز" بارتياح. "بعد ذلك ، أيها الرفيق روبينز، أقترح أن نشكل كتلة ونخوض النضال معًا وقت استئناف الاجتماع."

تذكر هارولد أنه لا يعتقد أن "الرجل العجوز" كان جادًا.

"لماذا بحق الجحيم يريد تروتسكي أو يحتاج إلى تشكيل كتلة مع هارولد روبينز؟"

على أي حال ، قبل عرض تروتسكي وتطلع إلى بداية جلسة بعد الظهر. ومع ذلك، مع اقتراب استراحة الغداء، اقترب من روبينز حارس آخر، هو تشارلز كورنيل، الذي شعر بخيبة أمل شديدة لأنه كان سيظل في الخدمة خلال فترة ما بعد الظهر ولن يتمكن من المشاركة في المناقشة مع تروتسكي. ناشد كورنيل روبينز تبادل المهام معه، ورضخ روبينز. وهكذا ذهب كورنيل إلى المناقشة في حين قام روبينز بدوريات في المبنى.

وفي وقت متأخر من بعد الظهر، بعد انتهاء الاجتماع بقليل ، وجد هارولد نفسه فجأة في مواجهة تروتسكي غاضب بشكل واضح. سأل تروتسكي: "أين كنت يا رفيق روبينز؟"

سعى هارولد لشرح الظروف التي تدخلت خلال استراحة الغداء. ونحى تروتسكي حججه جانبا. "كان لدينا تكتل، أيها الرفيق روبينز، وأنت خنته."

سرد هارولد مثل هذه الحوادث دون أدنى شعور بالحرج على الرغم من أنها بالكاد وضعته في أفضل صورة. لكن بالنسبة لهارولد، كانت هذه الأحداث أمثلة ثمينة على اكتمال تروتسكي التام بوصفه ثوريًا، ومكرسًا بشكل غير مرن للمبادئ في جميع جوانب حياته وفي جميع الظروف.

يبدو أن هارولد كان يقول في نفسه: هنا رجل قاد أعظم ثورة في التاريخ، ونظم جيشًا من الملايين، وشارك في صراعات سياسية تاريخية إلى جانب الشخصيات الأسطورية للحركة الماركسية العالمية. ومع ذلك، يمكن للرجل نفسه، تروتسكي ، أن يقترح تكتل مع شخص عديم الشأن مثل "جيمي هيغينز" وأن ينظر إلى الأمر  بجدية كما نظر ذات مرة لتحالف مع لينين! كان هارولد أكثر من سعيد "لتقليل من قدره" وسرد أخطائه الشبابية بهدف نقل عظمة تروتسكي الأخلاقية. [15]

خلال رحلتهم إلى كويواكان، قام قادة حزب العمال الاشتراكي بتفتيش الفيلا ووافقوا على أعمال البناءالتي من شأنها أن تحصن المجمع ضد هجوم. لكن على الرغم من التزامهم الصادق بالدفاع عن تروتسكي، إلا أن جهودهم تقوضت بسبب مستوى مقلق من الإهمال الشخصي. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك أسئلة بلا إجابة حول دور شيلدون هارت في هجوم 24 مايو، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن قادة حزب العمال الاشتراكي كانوا يتخذون موقفًا أكثر حذراً تجاه ارتباطاتهم الشخصية. ونظراًللحملة المستمرة ضد تروتسكي في الصحافة الستالينية، كان ينبغي أن يكون واضحًا لقادة حزب العمال الاشتراكي أن البيئة السياسية في مكسيكو سيتي كانت خطيرة، وأن العاصمة كانت تعج بعملاء الغيبو العازمين على القضاء على تروتسكي.

ومع ذلك ، في مساء يوم 11 يونيو، قبل جيمس ب. كانون وفاريل دوبس دعوة لتناول العشاء في فندق جنيف، تليها المشروبات في مكان آخر. كان مضيف اثنين من قادة حزب العمال الاشتراكي هو جاكسون مورنارد].] تم الإبلاغ عن هذا اللقاء من قبل كانون في سياق تحقيق داخلي موجز أجرته قيادة حزب العمال الاشتراكي بعد الاغتيال. ومع ذلك، تم إخفاء هذه المعلومات عن أعضاء الحزب العاديين.

To be continued


[1] “The Kremlin’s Role in the European Catastrophe,” in Writings of Leon Trotsky 1939–40 (New York: 1973), p. 290

[2] Ibid, pp. 290–91

[3] “Discussions with Trotsky,” in Writings of Leon Trotsky 1939–40, p. 253

[4] Ibid, p. 254

[5] Ibid

[6] Ibid, p. 260

[7] Ibid, pp. 260–61

[8] Ibid, p. 266

[9] Ibid, p. 267

[10] Ibid, pp. 271–73

[11] Ibid, pp. 280–81

[12] Ibid, p. 282

[13] Ibid

[14] Ibid

[15] A Tribute to Harold Robins, Captain of Trotsky’s Guard, by David North (Detroit: 1987), pp. 8–10

[16] Trotsky: Downfall of a Revolutionary, by Patenaude, Bertrand M. (p. 270). Harper Collins e-books. Kindle Edition.

Loading