العربية

لماذا تعادي النقابات العمالية الإشتراكية؟

سؤالان مثيران للخيبة في تاريخ الحركة الماركسية ، هناك مسألتان سياسيتان ، أو 'سؤالان' ، كانا مصدر جدل مستمر بشكل إستثنائي ، إمتد لأكثر من قرن. أحدهما هو 'المسألة الوطنية' والآخر هو المسألة  'النقابية'.

ما سبب استمرار هاتين  المسألتين وما هي العلاقة بينهما إن كان هناك علاقة؟ أقترح أن الإجابة تكمن في دراسة الظروف التاريخية التي ظهرت فيها الحركة العمالية الحديثة. لقد جاءت الدولة الوطنية البرجوازية ، و نشأت من النضالات الديمقراطية الثورية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، من خلال الدافع الاقتصادي والإطار السياسي لتطور الطبقة العاملة الأوروبية والأمريكية. كانت عملية التوحيد الوطني ، وإن كانت بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة ، مرتبطة بقضايا ديمقراطية عامة ذات أهمية كبيرة للطبقة العاملة.

لا يمكن لموقف الطبقة العاملة تجاه الأمة إلا أن يكون ذا طابع شديد التعقيد والتناقض في آن واحد. ارتبط نمو الطبقة العاملة من حيث العدد والسلطة وتحسين مستوى معيشتها بشكل عام بتوطيد الدولة الوطنية وتوسيع قوتها الاقتصادية - الصناعية. وفي نفس الوقت ، أدى تطور النضالات الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة إلى وضعها في موقف معادٍ للدولة القومية ، التي خدمت ، في نهاية المطاف ، المصالح الطبقية للبرجوازية.

نشأ الطابع المزعج للمسألة القومية داخل الحركة الماركسية على وجه التحديد من تعقيد علاقة العمال بالدولة القومية البرجوازية. لم نشهد في أي مكان في العالم تجاوزاً عضوياً وغير مؤلم للجماهير والانتقال من الوعي الإشتراكي الوطني إلى الوعي الإشتراكي الدولي. ففي حياة الإنسان ، تظل تجارب شبابه مؤثرات قوية طوال بقية سنوات الحياة. وثمة ظاهرة مماثلة يجب ملاحظتها في التطور التاريخي للوعي الاجتماعي للطبقات حيث يجب تفسير الولاء التاريخي للطبقة العاملة للوطنية من خلال ظروف وأصول النزعة الوطنية والصراعات التي رافقت مراحل تكوينها. الوعي الاجتماعي متخلف - أو ، بتعبير أدق ، لا يعكس بشكل مباشر وفوري في شكل علمي كائناً اجتماعيا شديد التعقيد والتناقض. وبنفس الطريقة ، فإن تأثير النزعة الوطنية على الحركة العمالية لا يتناسب بشكل مباشر مع نمو تجاوز الاقتصاد العالمي الدولة القومية والطابع الدولي المتزايد للنضال الطبقي ، بسرعة تتناسب مع هذه المتغيرات.

إن استمرار الاضطهاد القومي في القرن العشرين - على الرغم من أن السبب الأساسي له طابع اجتماعي واقتصادي - قد أدى إلى تقوية أشكال الوعي القومي. ولكن على الرغم من قوة التأثيرات القومية، فإن مسؤولية الماركسيين تقتضي منهم أن يؤسسوا برنامجهم ليس على جاذبية التحيزات القديمة والمفاهيم القديمة ، ولكن على التحليل العلمي للواقع الاجتماعي. إن تكييف برنامج الطبقة العاملة السياسي مع التحيزات السائدة ، من أجل مزايا تكتيكية قصيرة الأجل ، يٌعد أحد أكثر السمات شيوعاً للانتهازية. إنه ينطلق من التقديرات العملية والظرفية ، وليس من الاعتبارات ذات الطابع المبدأي والتاريخي والعلمي.

هناك ميل لإنكار العواقب السياسية والاقتصادية لعولمة الإنتاج على الدولة القومية، وبشكل عام ينسب الانتهازيون إلى هذا الشكل السياسي الذي عفا عليه الزمن تاريخياً إمكانية تقدمية هو لا يملكها بتاتاً. وهكذا ، فإنهم يصرون على تمجيد المطالبة بتقرير المصير القومي ، على الرغم من حقيقة أن هذا أصبح شعار كل حركة شوفينية رجعية في العالم.

الماركسيون لا ينكرون دور الدولة القومية. فعلى الرغم من أن صيغة الدولة القومية تشكل ، من وجهة نظر التنمية العالمية وتكامل القوى المنتجة ، حاجزاً أمام التقدم البشري ، إلا أنها تظل عاملاً قوياً في السياسة العالمية. إن الحركة الإشتراكية  لا تتجاهل هذا الواقع السياسي حين بلورة تكتيكاتها وطالما استمرت الدولة الوطنية بوصفها وحدة أساسية للتنظيم السياسي والاقتصادي للمجتمع البرجوازي ، فإن المسألة القومية - التي يمكن في هذه المرحلة من التاريخ، أن يطلق عليها على نحو أفضل تعبير 'المشكلة القومية'. لكن التكتيكات الماركسية تنبع من فهم علمي للتقادم التاريخي للدولة القومية. إن الحركة التروتسكية تسعى جاهدة  من خلال تكتيكاتها لتنفيذ الإستراتيجية التوجيهية للأممية الرابعة  بوصفها حزب عالمي للثورة الإشتراكية. إن هذا الإصرار على تفوق الإستراتيجية الدولية هو ما يميز اللجنة الدولية للأممية الرابعة عن كل جماعة وطنية إصلاحية و انتهازية.

يتم طرح هذه الإعتبارات المبدأية بشكل عاجل في ما يتعلق بالمسألة النقابية ، التي تتعلق بدور هذا الشكل القديم جداً من التنظيم البروليتاري في تطوير النضالات الثورية للطبقة العاملة في سبيل الإشتراكية. لثد ظهرت البروليتاريا الحديثة في سياق التطور التاريخي للدولة الوطنية. وتشكلت منظماتها وأنشطتها في إطار الدولة الوطنية. كان هذا هو الحال بشكل خاص في ما يتعلق بالنقابات العمالية ، التي اعتمد تقدمها وازدهارها ، إلى حد كبير ، على النجاحات الصناعية والتجارية لدولتها الوطنية. وكما توجد أسباب تاريخية للموقف المتناقض للطبقة العاملة تجاه الدولة الوطنية ، هناك أيضاً أسباب موضوعية عميقة الجذور لغموض ، بل وعداء ،من قبل نقابات العمال تجاه الإشتراكية. هذه مشكلة ذرفت عليها الحركة الإشتراكية الكثير من الدموع منذ أكثر من قرن.

بطبيعة الحال ، لم يكن من الممكن توقع خطورة المشكلات التي طاردت العلاقات بين الأحزاب الماركسية الثورية والنقابات العمالية بشكل كامل في السنوات الأولى من وجودها. إن الموقف الذي تبناه الماركسيون تجاه النقابات عكس حتماً ظروف وأوضاع ذلك الوقت. لم يتم طرح السؤال النقابي في عام 1998 كما كان في عام 1847. كان هناك قدر لا بأس به من التاريخ على مدار الـ 151 عامًا الماضية ، وأتيحت للحركة الإشتراكية فرصة كبيرة للتعرف على النقابات العمالية. لقد تعلمت الكثير عن طبيعة النقابات العمالية ، على الرغم من عدم وجود أثر لهذه المعرفة المتراكمة في صفحات الصحافة الراديكالية 'اليسارية'.

دأبت الحركة الإشتراكية ، خلال معظم تاريخها ، على التقرب من النقابات بحماس. ومع ذلك ، على الرغم من الكثير من المغازلة والتودد ، لم تنجح هذه الرومانسية إلى حد كبير. فعلى الرغم من جهود المودة والقلق التي لا تعد ولا تحصى ، فإن الخاطبين الإشتراكيين تعرضوا للركل مراراً وتكراراً حتى تم رميهم في ظهورهم بأشياء لا يرغبون فيها.و حتى لما سعى الإشتراكيون إلى إنشاء نقابات عمالية خاصة بهم وتزويدها بتعليم ماركسي لا تشوبه شائبة ، فإن نسلهم كافأهم بأدنى قدر من الجحود. وبمجرد أن أتيحت الفرصة ، فإن  النقابات تميل إلى رفض المثل العليا لرعاتها  الإشتراكيين والعثور على المتعة في بؤر الرأسمالية.

هل يجب أن يخضع الإشتراكيون لسلطة النقابات؟

قد يعتقد المرء أن هناك شيئاً ما يمكن تعلمه من العديد من التجارب المشؤومة. ولكن مثل الحمقى القدامى الموجودون في حكايات بوكاتشيو ، فإن الراديكاليين المسنين وعديمي الأسنان اليوم متحمسون للغاية للعب دور الديوث مرارا ًوتكراراً. وهكذا، لا تزال المنظمات 'اليسارية' الحالية تصر على أن الحركة الإشتراكية ملزمة بواجبها في تلبية احتياجات وأهواء النقابات بإخلاص. ويصرون على أن الإشتراكيين يجب أن يعترفوا بالنقابات بوصفها منظمة عمالية بامتياز ، وأنها الشكل الأكثر تمثيلاً للمصالح الاجتماعية للطبقة العاملة. وهم يجادلون بأن النقابات تشكل القيادة الحقيقية وغير القابلة للتحدي للطبقة العاملة أي أنهم الحكام الأساسيون والنهائيون لمصيرها التاريخي. إن تحدي سلطة النقابات العمالية على الطبقة العاملة ، والتشكيك بأي شكل من الأشكال في الحق 'الطبيعي' المفترض للنقابات في التحدث باسم الطبقة العاملة ، هو بمثابة تدنيس للمقدسات السياسية.كما يزعم الراديكاليون أنه من المستحيل تصور أي حركة عمالية حقيقية لا تخضع لسيطرة النقابات ، إن لم تكن تحت قيادتها بشكل رسمي. وفي رأي الراديكاليين لا يمكن خوض الصراع الطبقي بشكل فعال إلا على أساس النقابات العمالية. وأخيراً ، هم يرون أن أي أمل موجود لتطوير حركة إشتراكية جماهيرية يعتمد على 'كسب' النقابات العمالية ، أو على الأقل كسب قسماً مهماً منها، إلى جانب منظور إشتراكي.

لنوضح الأمر ترفض اللجنة الدولية كل هذه التأكيدات التي يدحضها التحليل النظري والتجربة التاريخية. فنحن في نظر خصومنا السياسيين ، رفضنا الانصياع لسلطة النقابات العمالية وهذا  يعادل إهانة الذات الملكية. وهذا لا يزعجنا كثيراً ، لأننا لم نعتد فقط ، على مدى عقود، على أن نكون في معارضة 'اليسار' - أو أن نكون بدقة أكبر - رأي عام بورجوازي صغير ؛ نحن نعد كراهية النقابات المريرة أقوى علامة على أن اللجنة الدولية ، من الناحية السياسية ، تسير على الطريق الصحيح.

إن موقف الراديكاليين مرتكز على فرضية حاسمة واحدة فبفضل جماهيريتها وكثرة أعضاءها ، فإن النقابات العمالية هي 'منظمات عمالية'. وهكذا ، فإن من يتحدى سلطة النقابات العمالية ، بحكم التعريف ، يضع نفسه في مواجهة الطبقة العاملة. لكن تكمن مشكلة هذه الفرضية في أنها تحط من قدر  النقابات العمالية إلى مستوى تجريدات فارغة وغير تاريخية. لا شك في أن النقابات العمالية لديها منتسبين كثر من الطبقة العاملة. ولكن هذا هو حال العديد من المنظمات الأخرى ، مثل منظمة التطوع إلكس في الولايات المتحدة ، والماسونيون ، وقدامى المحاربين في الحروب الخارجية والكنيسة الكاثوليكية.

علاوة على ذلك ، فإن الإشارة إلى العضوية الكبيرة للطبقة العاملة في النقابات العمالية ليست بديلاً مناسباً عن تحليل أكثر دقة للتكوين الاجتماعي لهذه المنظمات ، وخاصة فئاتها القيادية  أي بيروقراطياتها الحاكمة التي لا تنبثق تلقائياً من عضوية الطبقة العاملة الجماهيرية في النقابات العمالية لأن هذه المنظمات تعمل لمصلحة القائمين عليها. وفي الواقع ، يضطر المرء إلى فحص ما إذا كان هناك ، داخل النقابات العمالية ، تضارباً موضوعياً بين مصالح العضوية الجماهيرية ومصالح البيروقراطية الحاكمة، ومدى عكس سياسات النقابات لمصالح العمال وليس مصالح البيروقراطية.

حتى لو اعترف المرء بأن النقابات العمالية هي 'منظمات عمالية' ، فإن القليل جداً يضاف إلى المجموع الكلي للمعرفة السياسية من خلال استخدام هذا التعريف. فبعد كل شيء ، يمكننا بعد ذلك الإستمرار في لعب لعبة التحديد من خلال طرح السؤال ببساطة ، 'وما المقصود بالضبط بالمنظمة العمالية؟' من الصعب الرد بأنها، 'منظمة العمال!' وفي محاولة لفهم طبيعة النقابات العمالية ، فإن السؤال الحقيقي هو: 'ما علاقة هذه المنظمات بالصراع الطبقي بشكل عام ، وبتحرير العمال من الاستغلال الرأسمالي على وجه الخصوص؟'

يجب  علينا، في هذه المرحلة ،أن نتجاوز المصطلحات الفارغة والعمل على صوغ تعريف أكثر عمقاً ، بناءً على تحليل تاريخي دقيق للدور الذي تلعبه النقابات العمالية في نضالات الطبقة العاملة والحركة الإشتراكية. إن الغرض من مثل هذا التحليل ليس إنتاج أمثلة على الجرائم أو الإنجازات ، اعتماداً على ما يبحث عنه المرء وحسب ،بل الكشف عن جوهر هذه الظاهرة الاجتماعية ، أي القوانين الأساسية التي تمثل إجراءات وسياسات النقابات العمالية وتعبر عنها عملياً وفي الممارسة.

لماذا تخون النقابات العمالية الطبقة العاملة؟

إن خصومنا الراديكاليين لم يحاولوا حتى إجراء مثل هذا التحليل ، ومن ثم لا يمكنهم حتى البدء في تقديم إجابة جادة على السؤال الأساسي والأكثر وضوحاً: 'لماذا فشلت النقابات العمالية فشلاً ذريعاً في الدفاع عن مستويات معيشة الطبقة العاملة ، ناهيك عن رفع تلك المستويات؟ ' ليس فقط في الولايات المتحدة ، بل في جميع أنحاء العالم ، فقد شهد ربع القرن الماضي انخفاضاً حاداً في الوضع الاجتماعي للطبقة العاملة. وكانت النقابات العمالية غير قادرة على الدفاع عن الطبقة العاملة ضد هجمة رأس المال. وبقدر ما تم إثبات هذا الفشل على مدى عدة عقود على نطاق دولي ، فإن المرء يندفع بشكل لا مفر منه للبحث عن أسبابه الكامنة ، سواء في البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي توجد فيها النقابات العمالية الآن ، وحتى بشكل أساسي ، في طبيعة النقابات العمالية نفسها. بعبارة أخرى ،  على افتراض أن البيئة تحولت فجأة إلى عدائية بعد عام 1973 ، فماذا عن النقابات العمالية التي جعلتها عرضة لهذا التغيير وغير قادرة على التكيف مع الظروف الجديدة؟

دعونا ننظر في رد فعل رابطة السبارتاكيين على هذه المشكلة. ففي سياق الإدانة الشديدة لحزب المساواة الإشتراكية ، التي تغطي أربعة أعداد من جريدتهم وآلاف الكلمات ، والتي تمثل نسبة كبيرة منها صفات وظروف مسيئة ، ينكر السبارتاكيون بشدة وجود أي أسباب ذات طابع موضوعي لفشل النقابات. و بدلاً عن ذلك ، يمكن تفسير كل شيء من خلال 'السياسات الانهزامية والغادرة للمضللين في النقابات العمالية الرئيسية أظن أنه من الصعب تخيل تفسيراً أكثر تفاهة. قد يعلن عالم الأحفوريات أيضاً أن الديناصورات قد انقرضت لأنها لم تعد ترغب في العيش! إن السبارتاكيون فشلوا في تفسير سبب قرار الديناصورات في قيادة AFL-CIO إتباع 'السياسات الانهزامية والغادرة'. هل كان ذلك ببساطة لأنهم كانوا أشخاصاً سيئين؟ وإذا كانوا أشراراً ، فلماذا يوجد الكثير منهم في قيادة النقابات ، ليس فقط في أمريكا ، ولكن في جميع أنحاء العالم؟ هل هناك أي شيء في طبيعة النقابات العمالية يؤدي بها إلى جذب الكثير من الأشخاص السيئين ، الذين يتبعون بعد ذلك 'سياسات انهزامية وخائنة؟' قد نطرح أيضًا سؤالًا آخر ، 'ما الذي يميز اتحاد سبارتاكوس و يدفعها إلى دعم المنظمات التي تجتذب أعداداً كبيرة من الأشخاص السيئين الذين يكرسون أنفسهم لخيانة وهزيمة العمال الذين من المفترض أنهم يمثلونهم؟' إن مشكلة المقاربة الذاتية لا تكمن فقط في أنها تتجنب التلاعب بكل المشاكل الصعبة حقاً. يتم السماح لاتحاد السبارتاكيين ،والجماعات الراديكالية الأخرى ، على الرغم من اعتداءهم اللفظي على 'المضللين' ، في سبيل  فتح إمكانية الخلاص النهائي ، وعلى هذا الأساس ، يستمر خضوع الطبقة العاملة للنقابات العمالية ، وفي النهاية للمضللين.

تم توضيح هذا المنظور في مقال كتبه بيتر تافي ، الزعيم الرئيسي للحزب الإشتراكي البريطاني ، المعروف سابقاً باسم التيار المتشدد[2]. إن محاولات السيد تافي لإلباس خضوعه لبيروقراطية العمل بعبارات راديكالية ينتج عنها تأثير هزلي أكثر من أن تكون مقنعة. فهو بدأ بتقديم قائمة مختصرة للبلدان التي تورط فيها المسؤولون النقابيون بشكل خاص في خيانات فظيعة للطبقة العاملة. مثل قائد الشرطة لويس في الدار البيضاء. يشعر تافي بصدمة عميقة من الفساد الذي يلاحظ كل شيء عنه ، حتى مع دفع المكاسب السياسية من البيروقراطية إلى جيبه. يخبرنا تافي أن دور مسؤولي الاتحاد السويدي كان 'فاضحاً'. وكان سلوك البيروقراطيين البلجيكيين 'وقحاً ومنفتحاً'.في حين انخرط القادة الأيرلنديون أيضاً في 'مشهد فاضح' للخيانة. أما في بريطانيا، فيقول تافي إن العمال 'دفعوا ثمناً باهظاً لعجز قادة اليمين.' كما لاحظ بحزن استسلام قادة النقابات في البرازيل واليونان والولايات المتحدة.

ولكن في ما يتعلق بتافي ، فإن مشكلة النقابات العمالية لا تعدو أن تكون مشكلة القادة غير المناسبين الذين يعانون من أيديولوجية خاطئة مثل قبول السوق الرأسمالية. أما المنظمات النقابية في حد ذاتها فهي صحية بشكل أساسي. وعلى أساس هذا التقييم الذاتي، ينتقد تافي 'المجموعات اليسارية الصغيرة' - والذي يقصد بها فروع اللجنة الدولية - الذين يصرون ، استناداً إلى تروتسكي ، على أن خيانة النقابات هي تعبير عن ميل أساسي بالتنمية. وهذا النهج 'الأحادي الجانب' ، وفقاً لتافي، فشل في الاعتراف بإمكانية 'إجبار قادة النقابات العمالية اليمينية ، تحت ضغط القاعدة ، والطبقة العاملة المثارة والمحاصرة' ، على فصل أنفسهم عن الدولة وترؤس حركة معارضة تعتمد على الطبقة العاملة '[3].

لذلك ، كتب تافي ، 'الاتجاه الرئيسي في الفترة المقبلة' في بريطانيا وأماكن أخرى ، سيكون اتجاه العمال 'لإجبار النقابات على القتال نيابة عنهم'. إن مصير الطبقة العاملة يعتمد على 'تجديد النقابات'[4]. 

ثمة حجة مماثلة قدمها فصيل من حزب العمال الثوري البائد الآن. أصرت على أن ما يجب تجنبه بأي ثمن هو أي صراع لتطوير أشكال جديدة من تنظيم الطبقة العاملة معارضة لدولة النقابات العمالية. 'أي نزعة تراتبية تبسيطية تبدأ من الافتراض المجرد بأن قادة النقابات في سرير واحد مع الدولة وأنه يجب بناء منظمات بديلة وربطها لن يكون مناسباً تمامًا لفهم الوضع الجديد.' [5]

ليس لدي معلومات خاصة تتعلق باللقاءات الليلية لمسؤولي النقابات في بريطانيا أو في أي مكان آخر ، لكن انتهازيتهم هي أكثر من 'اقتراح مجرد'. وبدلاً من ذلك ، يتم تقديم الخدمات الغادرة لمسؤولي النقابات بشكل يومي من قبل أرباب العمل والدولة ، ونادراً ما يُصاب مقدمو العروض بخيبة أمل.

تبدو احتمالات الخلاص النهائي للنقابات أقل احتمالاً بكثير حين يدرك المرء أن سمات وخصائص البيروقراطيات الحاكمة هي المظاهر الذاتية للخصائص والعمليات الاجتماعية الموضوعية. إن شجب القادة النقابيين مسموح به بل وضروري ، ولكن فقط إلى الحد الذي لا يتم استبداله بتحليل طبيعة النقابات العمالية.

لذلك ، فإن هدفنا هو الشروع في تحليل النقابات العمالية ، بناءً على مراجعة تاريخية للمراحل الحرجة في تطوير هذا الشكل المحدد للحركة العمالية. إن الحركة الإشتراكية راكمت، على مدى فترة لا تقل عن 150 عاماً ، خبرة تاريخية هائلة. إن هذه التجربة تبرر ادعاءها بأنها أعظم وأتعس خبير في العالم في موضوع النقابات العمالية.

نحن لا ندعي أن النقابات العمالية تمثل نوعاً من الخطأ التاريخي الذي ما كان يجب أن يحدث أبدًاً. سيكون من السخف إنكار أن ظاهرة عالمية مثل النقابات العمالية تفتقر إلى جذور عميقة في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الرأسمالي. هناك ، بالتأكيد ، صلة محددة بين النقابات العمالية والصراع الطبقي. ولكن فقط بمعنى أن تنظيم العمال داخل النقابات العمالية يستمد دافعه من وجود تضارب واضح بين المصالح المادية لأصحاب العمل والعمال. لا يترتب على هذه الحقيقة الموضوعية بأي حال من الأحوال أن النقابات العمالية ، بوصفها شكلاً تنظيمياً محدد اجتماعياً ، تتعرف على الصراع الطبقي أو تسعى إلى مقاضاته (التي تدين له بوجودها بالمعنى التاريخي). و بدلاً من ذلك ، يقدم التاريخ أدلة دامغة على أنها أكثر تورطاً في قمع الطبقة العاملة.

وجد ميل النقابات العمالية لقمع الصراع الطبقي أقوى تعبير له في موقفها تجاه الحركة الاجتماعية. لم يكن هناك وهم أكثر مأساوية ، خاصة بالنسبة للإشتراكيين ، من ذلك الذي تصور النقابات حلفاء يمكن الاعتماد عليهم ، ناهيك عن حتمية إشتراكهم في النضال ضد الرأسمالية. إن التطور العضوي للنقابات العمالية لا يسير في اتجاه الإشتراكية ، بل يتعارض معها. بغض النظر عن ظروف أصولها  أي ، حتى حين تدين النقابات العمالية في بلد أو آخر بوجودها مباشرة إلى الدافع والقيادة اللذين قدمهما الإشتراكيون الثوريون  فقد أدى تطور النقابات وتوطيدها بشكل ثابت إلى الاستياء من الوصاية الإشتراكية وإلى بذل لجهود الحثيثة للتحرر منها. فقط من خلال تفسير هذا الاتجاه يمكن الوصول إلى فهم علمي للنقابات العمالية.

النقابات بوصفها شكلاً اجتماعياً.

يجب ألا يغيب عن بالنا أنه لما شرعنا في دراسة النقابات العمالية ، تعاملنا مع شكل اجتماعي محدد. و على هذا ، فإننا لا نقصد نوعاً من مجموعة الأفراد العرضية واللحظية وغير المتبلورة ، بل نعني بالأحرى صلة متطورة تاريخياً بين الناس المنظمين في طبقات متأصلة في بعض علاقات الإنتاج المحددة. و من المهم أيضاً التفكير في طبيعة الشكل نفسه. نعلم جميعًا أن هناك علاقة بين الشكل والمحتوى ، لكن هذه العلاقة تُفهم عموماً كما لو كان الشكل مجرد تعبير عن محتوى. فمن وجهة النظر هذه ، قد يتم تصور الشكل الاجتماعي على أنه مجرد عرض خارجي ، بلاستيكي وغير مرن للعلاقات التي يقوم عليها. لكن الأشكال الاجتماعية تُفهم على نحو معمق على أنها عناصر ديناميكية في العملية التاريخية. كما أن القول بأن 'المحتوى يتشكل' يعني أن الشكل يضفي على محتواه تعبيراً عن صفات وخصائص محددة. ومن خلال الشكل يوجد المحتوى ويتطور.

ربما يكون من الممكن توضيح الغرض من هذا الانعطاف في مجال المقولات والتجريدات الفلسفية ، بالإشارة إلى القسم الشهير في الفصل الأول من المجلد الأول من رأس المال ، حيث يسأل ماركس: 'من أين ، إذن ، تنشأ السمة الغامضة لمنتَج العمل ، ما أن يتخذ شكل البضائع؟ من الواضح من هذا الشكل نفسه[6] ' أي حين يتخذ منتَج العمل شكل سلعة ، وهو تحول يحدث فقط في مرحلة معينة من تطور المجتمع ، فيكتسب صفة غريبة وطوطمية لم يمتلكها من قبل. فبمجرد أن يتم تبادل المنتجات في السوق، فإن العلاقات الاجتماعية الحقيقية بين الناس ، والتي تكون السلع نفسها نتيجة لها ، تفترض بالضرورة ظهور علاقة بين الأشياء. إن منتج العمل هو نتاج العمل ؛ ومع ذلك ، فما أن يتخذ ، في إطار علاقات إنتاجية جديدة ، شكل سلعة ، فإنه يكتسب خصائص اجتماعية جديدة.

وبشكل مماثل فإن مجموعة من العمال هي مجموعة عمال. والآن حين تتخذ هذه المجموعة شكل نقابة فإنها تحظى بالاستناد إلى هذا الشكل بخصائصً اجتماعية جديدة مميزة يخضع لها العمال بشكل حتمي . ما هو المقصود بالتحديد بهذا؟ إن النقابة تمثل الطبقة العاملة في دور اجتماعي اقتصادي شديد التميز بوصفه بائعاً لسلعة هي قوة العمل. تسعى النقابات العمالية ، التي تنشأ على أساس علاقات الإنتاج وأشكال الملكية الرأسمالية ، إلى تأمين أفضل سعر يمكن الحصول عليه لهذه السلعة في ظل ظروف السوق السائدة.

بالطبع ، هناك فرق كبير بين ما وصفته من الناحية النظرية بأنه 'الهدف الأساسي' للنقابات العمالية وأنشطتها الواقعية. لأن الواقع العملي - البيع اليومي للمصالح الأكثر إلحاحاً للطبقة العاملة - لا يتوافق كثيراً مع 'القاعدة' المتصورة نظرياً. كما لا يتعارض هذا الاختلاف مع المفهوم النظري ، ولكنه في حد ذاته نتيجة للوظيفة الاجتماعية والاقتصادية للنقابة. إن نقابات العمال، التي تقف على أساس علاقات الإنتاج الرأسمالية ، مضطرة بطبيعتها إلى تبني موقف عدائي تجاه الصراع الطبقي،  وإلى توجيه جهودها نحو تأمين اتفاقيات مع أصحاب العمل لتحدد سعر قوة العمل وتحدد الشروط العامة التي سيتم بموجبها ضخ فائض القيمة من العمال، فإن النقابات العمالية ملزمة بضمان قيام أعضائها بتوفير العمالة للسلطة وفقاً لشروط العقود المتفاوض عليها. كما أشار غرامشي ، فإن النقابات تمثل الشرعية ، ويجب أن تسعى النقابة  إلى دفع أعضاءها إلى احترام هذه الشرعية'.

والدفاع عن الشرعية يعني قمع الصراع الطبقي. هذا هو السبب في أن النقابات العمالية تقوض في النهاية قدرتها على تحقيق حتى الأهداف المحدودة التي كرست  نفسها من أجلها رسمياً. وهنا يكمن التناقض الذي تتعثر فيه النقابات العمالية. إن الصراع بين النقابات العمالية والحركة الثورية لا ينشأ ، بأي معنى أساسي ، من أخطاء وإخفاقات قادة النقابات العمالية - على الرغم من أن كلاهما موجود بوفرة - ولكن من طبيعة النقابات العمالية نفسها .و في قلب هذا الصراع تكمن المعارضة العضوية من قبل النقابات لتطوير وتوسيع الصراع الطبقي. وتصبح تلك المعارضة أكثر إصراراً ومرارة وقاتلة في النقطة التي يبدو فيها أن الصراع الطبقي يهدد علاقات الإنتاج الرأسمالية ، أي الأسس الاجتماعية والاقتصادية للنقابات العمالية نفسها.

علاوة على ذلك ، تركز تلك المعارضة على الحركة الإشتراكية ، التي تمثل الطبقة العاملة ، ليس في دورها المحدود كبائع لقوة العمل ، ولكن بصفتها التاريخية كنقيض ثوري لعلاقات الإنتاج الرأسمالية.

هذان الجانبان الحاسمان للنقابات العمالية أي نزعتها إلى السعي إلى قمع الصراع الطبقي وعدائها للحركة الإشتراكية ، تم إثباتهما بشكل حاسم من خلال السجل التاريخي. ففي هذا الصدد ، يقدم تاريخ الحركة النقابية في بلدين ، إنجلترا وألمانيا ، دروساً ورؤىً مهمة.

النزعة النقابية  في إنجلترا

يُنظر إلى إنجلترا عموماً على أنها الموطن العظيم للنقابات العمالية الحديثة ، حيث حققت الطبقة العاملة ، من خلال هذا الشكل من التنظيم ، إنجازات ملحوظة. في الواقع ، كان هذا هو الانطباع الذي تركته النقابات العمالية على إدوارد بيرنشتاين ، خلال إقامته الطويلة في إنجلترا في أواخر العقدين الثامن والتاسع من القرن التاسع عشر. إن النجاحات المفترضة للنقابات العمالية البريطانية أقنعت برنشتاين بأن النضالات الاقتصادية لهذه المنظمات ، وليس الجهود السياسية للحركة الثورية ، هي التي ستكون العامل الحاسم في تقدم الطبقة العاملة والتحول التدريجي للحركة لبناء المجتمع على أسس إشتراكية.

إن كل ما يقال اليوم من قبل الراديكاليين البورجوازيين الصغار قد توقعه منذ قرن مضى ، مؤسس التحريفية الحديثة. إن حقيقة أن عمر حججهم مئة عام لا يجعلها في حد ذاتها باطلة. فبعد كل شيء ، أنا أعترف بصراحة أن بعض الحجج التي أستخدمها تعود إلى مئة عام - مثل ، الحجج التي استخدمتها روزا لوكسمبورغ ضد برنشتاين. و مع ذلك ، فتلك الحجج لها ميزة أنه تم إثباتها خلال القرن الماضي ، في حين تم دحض تلك الخاصة بالبيرنشتايين الجدد. قفي واقع الأمر ، لاحظ النقاد المعاصرون لبرنشتاين أن تقديره للإنجازات الاقتصادية للنقابات العمالية البريطانية كان مبالغاً فيه بشكل كبير. ففي الواقع ، كان صعود الحركة النقابية ، التي بدأت مسيرها لتلعب  دور مهيمن في الحركة العمالية في العقد الخامس من القرن التاسع عشر ، تعبيراً عن التدهور السياسي والركود الفكري الذي أعقب هزيمة الحركة السياسية الثورية الكبرى أي هزيمة الطبقة العاملة البريطانية زمن تطبيق الإصلاحات الميثاقية ( الشارتية).

مثلت الحركة الشارتية تتويجاً لإضطراب سياسي وثقافي وفكري أثر على قطاعات واسعة من الطبقة العاملة في العقود التي أعقبت الثورة الفرنسية. وبعد سنوات من الهزيمة النهائية للشارتية في 1848-1849 ، عكف توماس كوبر ، أحد أكثر قادتها احتراماً ، على فحص الروح الثورية للحركة القديمة من خلال النظرة الباهتة البورجوازية الصغيرة التي ترعاها النقابات العمالية. وكتب في سيرته الذاتية:

في زمننا الشارتي القديم ، صحيح أن آلاف عمال لانكشاير كانوا في حالة عوز ؛ وكثير منهم افتقر في كثير من الأحيان إلى الطعام. لكن ذكاءهم ظهر أينما ذهبت. كنت ستراهم في مجموعات ، يناقشون العقيدة العظيمة للعدالة السياسية - أن كل إنسان راشد وعاقل يجب أن يكون له حق التصويت في انتخاب الرجال الذين سيضعون القوانين التي سيُحكم بموجبها ؛ أو كانوا في نزاع جدي بشأن احترام تعاليم الإشتراكية. الآن ، لن ترى أي مجموعات في لانكشاير. لكنك ستسمع رجالاً عاملين يرتدون ملابس أنيقة يتحدثون ، وأيديهم في جيوبهم ، عن التعاونيات ، ونصيبهم فيها ، أو في بناء المجتمعات. [7]

ظهر نوع جديد من القادة العماليين مع النقابات العمالية: حل الرجال اللطفاء الخجولون الذين كانوا يتوقون إلى احترام الطبقة الوسطى ويكرزون بالإنجيل الجديد للتسوية الطبقية محل الثوريين القدامى الشارتين. كما كتب ثيودور روثشتاين ، المؤرخ الإشتراكي للشارتية:

الرجال ذوو المواهب العظيمة ، والمزاج الرائع ، والمعرفة العظيمة والعميقة ، الذين هزوا قبل سنوات قليلة أسس المجتمع الرأسمالي وتبعهم مئات الآلاف من عمال المصانع ، أصبحوا الآن شخصيات منعزلة تتحرك في غموض ، أسيء فهمها من قبل الأغلبية ، ولم يفهمهم سوى مجموعات صغيرة من القلة المختارة ، بينما حل محلهم رجال جدد لم يمتلكوا جزءاً يسيراً من فكرهم وموهبتهم وشخصيتهم ، والذين اجتذبوا مئات الآلاف من العمال من قبل إنجيل سطحي مستند إلى مبدأ 'اعتنوا بالفلوس' ونادوا بضرورة التوصل إلى اتفاق مع أرباب العمل حول هذا الموضوع ، حتى على حساب الاستقلال الطبقي[8].

في ما يخص النقابات العمالية ، قدم روثشتاين التقييم التالي:

كانت السمة المميزة لهذه النظرة العقلية هي القبول بالمجتمع الرأسمالي، ووجد هذاالقبول تعبيراً عنه في رفض الفعل السياسي ، وفي الاعتراف بتعاليم الاقتصاد السياسي المبتذل لتناغم المصالح بين أصحاب العمل و الطبقة العاملة. [9]

طرح المدافعون عن النقابات العمالية أن تراجع العمال البريطانيين عن العمل السياسي كان ضرورياً للسماح للطبقة بتركيز طاقتها على الفرص الواعدة التي يوفرها النضال الاقتصادي. لكن تم دحض هذه النظرية من خلال حقيقة أن صعود النقابات العمالية لم يكن مرتبطاً بتكثيف النضالات الاقتصادية ، ولكن ، بدلاً من ذلك ، برفض القادة الجدد للطبقة العاملة. بين أوائل العقد السابع من القرن التاسع عشر ومنتصف العقد التاسع منه ، وهو زمن ازدهار النقابات العمالية في إنجلترا ، ركدت أجور العمال. وواقع  أن النقابات العمالية لم تفقد مصداقيتها خلال هذه الفترة يمكن تفسيره بحقيقة حدوث انخفاض كبير في أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق و البطاطا والخبز واللحوم والشاي والسكر و الزبدة.

في العقود الأولى من القرن التاسع عشر ، لما كانت المشاعر الثورية منتشرة بين العمال ، قاومت البرجوازية الإنجليزية بشدة كل الاتجاهات نحو الاندماج. لكن ، بحلول نهاية القرن ، أصبحت البرجوازية تقدر الخدمة التي تقدمها النقابات العمالية لاستقرار الرأسمالية  لا سيما من خلال العمل كحاجز أمام عودة ظهور الإتجاهات الإشتراكية داخل الطبقة العاملة. وكما كتب الاقتصادي البرجوازي الألماني برينتانو: 

إذا فشلت النقابات العمالية في إنجلترا ، فلن يعني هذا بأي حال من الأحوال انتصار أرباب العمل بل  سيعني تعزيز التيارات الثورية في جميع أنحاء العالم. وإنكلترا ، التي تفاخرت حتى الآن بغياب حزب عمالي ثوري له أي أهمية جدية ، كانت بالتالي داخلة في منافسة في هذا مع القارة. [10] 

عاش ماركس وإنجلز بوصفهما منفيين ثوريين في إنجلترا خلال فترة صعود النقابات العمالية. وحتى قبل وصولهما إلى إنجلترا، أدركا أهمية النقابات العمالية كاستجابة للطبقة العاملة لجهود أرباب العمل الساعية إلى خفض أجورهم. وفي تناقض مع المنظر البرجوازي الصغير بيير جوزيف برودون ، الذي أنكر فائدة كل من النقابات والإضرابات - على أساس أن الزيادات في الأجور التي تحققت من خلال جهودها أدت فقط إلى زيادات في الأسعار - أصر ماركس على أن كلاهما شكلاً ضرورياً من  مكونات نضال الطبقة العاملة للدفاع عن مستوى معيشتها.

كان ماركس محقاً بالتأكيد في انتقاده لآراء برودون ، لكن من الضروري أن نضع في الاعتبار أن هذه الكتابات المبكرة صدرت في وقت كانت النقابات العمالية نفسها لم تتعرّ من ثيابها. كانت تجربة الطبقة العاملة مع هذا الشكل التنظيمي الجديد محدودة للغاية. لم يكن ممكناً ، في ذلك الوقت ، منع احتمال أن تتطور النقابات العمالية إلى أدوات فعالة للنضال الثوري ، أو على الأقل لتكون رائدة مباشرة لمثل هذه الأدوات. وقد تم التعبير عن هذا الأمل في ملاحظة ماركس في عام 1866 أن النقابات، بصفتها 'مراكز تنظيم' ، كانت تلعب بالنسبة للطبقة العاملة نفس الدور 'الذي قامت به البلديات والكومونات في العصور الوسطى في تنظيم لطبقة الوسطى'.[11]

حتى في ذلك الوقت ، كان ماركس قلقاً من أن 'نقابات العمال لم تفهم  بعد قوتها بشكل كامل  في العمل ضد نظام الأجور والعبودية نفسها' لكن كان عليها أن تتطور في هذا الاتجاه:

بصرف النظر عن أهدافها الأصلية ، يجب على النقابات الآن تعلم التصرف بشكل متعمد بوصفها مراكز منظمة للطبقة العاملة في سبيل المصلحة العامة لتحررها الكامل. يجب أن تساعد كل حركة اجتماعية وسياسية تميل في هذا الاتجاه. نظراً لأنها تعد نفسها وتتصرف كأبطال وممثلين للطبقة العاملة بأكملها ، فلا يمكن أن تفشل في تجنيد الرجال من خارج المجتمع في صفوفها. يجب أن تعتني بمصالح أسوأ المهن مدفوعة الأجر ، مثل العمال الزراعيين ، الذين أصبحوا عاجزين بسبب الظروف الاستثنائية. يجب أن تقنع العالم بأسره بأن جهودها ، بعيدة كل البعد عن أن تكون ضيقة وأنانية ، تهدف إلى تحرير الملايين المظلومين. [12]

سعى ماركس لإعطاء النقابات توجهاً إشتراكياً. وحذر العمال 'من المبالغة لأنفسهم' في أهمية النضالات التي تخوضها النقابات العمالية. على الأكثر ، كانت النقابات 'تكافح مع التداعيات ، ولكن ليس مع أسباب تلك التداعيات ؛ أنهم يؤخرون الحركة الهبوطية ؛ أنهم يطبقون المسكنات وليس علاج المرض '. كان من الضروري للنقابات أن تخوض نضالاً ضد النظام الذي كان سبب مآسي العمال. ولذلك ، إقترح ماركس على النقابات العمالية التخلي عن شعارهم المحافظ ، 'أجر يوم عادل مقابل يوم عمل عادل' ، واستبداله بالمطلب الثوري ، 'إلغاء نظام الأجور'. [13]

لكن نصيحة ماركس لم تترك إنطباعاً يذكر ، وبحلول أواخر العقد السابع من القرن التاسع عشر ، اتخذت ملاحظات ماركس وإنجلز حول موضوع النقابات العمالية طابعاً أكثر أهمية بكثير. الآن بعد أن أعرب الإقتصاديون البرجوازيون عن تعاطف أكبر مع النقابات العمالية ، بذل ماركس وإنجلز جهوداً كبيرة لتأهيل تأييدهم السابق. لقد ميزا وجهات نظرهم عن آراء المفكرين البرجوازيين مثل برينتانو ، الذي تم إملاء حماسه للنقابات العمالية ، وفقاً لماركس وإنجلز ، من خلال رغبته في 'تحويل العبيد المأجورين إلى عبيد بأجر راضين'. [14]

بحلول عام 1879 ، صار من الممكن اكتشاف في كتابات إنجلز حول موضوع النقابات العمالية نبرة اشمئزاز لا لبس فيها. حيث أشار إلى أن النقابات العمالية أدخلت قوانين تنظيمية تحظر العمل السياسي ، وبالتالي تمنع 'أي مشاركة في أي نشاط عام من جانب الطبقة العاملة كطبقة'. في رسالة إلى برنشتاين بتاريخ 17 يونيو 1879 ، إشتكى إنجلز من أن النقابات العمالية قادت الطبقة العاملة إلى طريق مسدود:

لا ينبغي بذل أي محاولة لإخفاء حقيقة أنه في هذه اللحظة لا وجود لحركة عمالية حقيقية بالمعنى القاري ، وبالتالي لا أعتقد أنك ستفقد الكثير إذا لم تحصل في الوقت الحالي على أي تقارير عن أعمال الإتحادات التجارية هنا. [15]

في مقال كتب بعد ست سنوات ، قارن فيه إنجلترا عام 1885 بما كان عليه عام 1845 ، لم يحاول إنجلز إخفاء ازدرائه للدور المحافظ الذي لعبته النقابات العمالية. لقد شكلت أرستقراطية داخل الطبقة العاملة ، وأقامت علاقات ودية مع أرباب العمل ، من أجل تأمين وضع مريح لأنفسهم. كتب إنجلز بسخرية لاذعة أن النقابيين 'أناس طيبون جداً في الوقت الحاضر للتعامل معهم ، لأي رأسمالي عاقل على وجه الخصوص وللطبقة الرأسمالية بأكملها بشكل عام'.[16]

لقد تجاهلت النقابات العمالية تقريباً الجماهير العظيمة للطبقة العاملة ، الذين 

يعيشون في ظلها حالة البؤس وانعدام الأمن التي يعيشونها الآن في أدنى مستوياتها من أي وقت مضى ، إن لم يكن أقل. إن الطرف الشرقي من لندن عبارة عن بركة منتشرة باستمرار من البؤس الراكد والخراب ، والمجاعة حين تكون خارج العمل ، والانحطاط الجسدي والمعنوي ، أثناء العمل. [17]

إنبعثت آمال إنجلز ، في نهاية العقد الثامن من القرن التاسع عشر ، من خلال تطور حركة نقابية جديدة ومناضلة بين قطاعات أكثر إستغلالاً من الطبقة العاملة. كان الإشتراكيون ، بمن فيهم إليانور ماركس ، نشطين في هذه الحركة الجديدة. إستجاب إنجلز لهذه التطورات بحماس ولاحظ بإرتياح كبير:

هذه النقابات العمالية الجديدة المكونة من رجال ونساء غير مهرة مختلفة تماماً عن المنظمات القديمة للطبقة الأرستقراطية العمالية ولا يمكن أن تتبع نفس الأساليب المحافظة. ... وهم منظمون في ظل ظروف مختلفة تماماً حيث أن جميع الرجال والنساء القياديين إشتراكيون ، ومحرضون إشتراكيون أيضاً. في نفوسهم أرى البداية الحقيقية للحركة هنا. [18]

لكن لم يمض وقت طويل قبل أن بدأت هذه النقابات 'الجديدة' في إظهار نفس الميول المحافظة مثل تلك النقابات القديمة. كان هذا تحققاً مبكراً من المفهوم النظري الذي نعتبره حاسماً في تحليل النقابات العمالية - أي أن طابع هذه المنظمات لا يتحدد من خلال الوضع الإجتماعي وحالة أقسام معينة من العمال المنظمة داخلها. هذه هي العوامل التي ، على الأكثر ، تؤثر فقط على جوانب ثانوية معينة من سياسة النقابات العمالية - ربما تجعل بعض النقابات أكثر أو أقل نضالية من المتوسط. ومع ذلك ، في التحليل النهائي ، فإن الشكل النقابي ، الذي يتم استخلاص هيكله من العلاقات الإجتماعية والإنتاجية للرأسمالية ، وكذلك إطار الدولة القومية ، ويجب أن نضيف ، يمارس التأثير الحاسم الذي يحدد التوجه. من حيث'محتواه' هو أعضاء قيادةالطبقة العاملة.

الإشتراكية الديمقراطية الألمانية والنقابات العمالية

الإشتراكية الديموقراطية الألمانية والنقابات العمالية

في القارة ، وخاصة في ألمانيا ، تم استخلاص الدروس النظرية من هذه التجارب المبكرة مع النقابات العمالية. نظر الإشتراكيون الألمان إلى النقابات العمالية الإنجليزية ، ليس على أنها رائدة الإشتراكية ، ولكن بوصفها تعبيراً تنظيمياً عن هيمنة البرجوازية السياسية والأيديولوجية على الطبقة العاملة. نشأ هذا الموقف النقدي ، ليس فقط على أساس الرؤى النظرية ، ولكنه عكس أيضاً علاقة مختلفة تماماً للقوى داخل الحركة العمالية ، بين الحزب السياسي الماركسي والنقابات العمالية. ففي ألمانيا ، لم يتم توفير الدافع لتطوير حركة عمالية جماهيرية من قبل النقابات العمالية ، ولكن من قبل الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، الذي نجح ، بين عامي 1878 و 1890 - فترة قوانين بسمارك المناهضة للإشتراكية - في تأسيسه بوصفه السلطة السياسية كقيادة للطبقة العاملة. بمبادرة من الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، تم إنشاء ما يسمى بالنقابات العمالية 'الحرة' ، وذلك بشكل أساسي لتكون بمثابة وكالات توظيف للحركة الإشتراكية.

بدأ تأثير النقابات العمالية - بمساعدة الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، الذي استمدت منه كادرها القيادي ورؤاها السياسية - في التوسع في العقد التاسع من القرن التاسع عشر. لكن الآثار المستمرة للكساد الصناعي الذي طال أمده قللت من عدد اعضائها ، وفي أواخر عام 1893 ، كانت نسبة الناخبين الإشتراكيين الديمقراطيين إلى أعضاء النقابات العمالية ثمانية إلى واحد. ومع ذلك، تم التعبير عن القلق داخل الحزب الإشتراكي الديمقراطي من أن النقابات العمالية قد تسعى إلى التنافس مع الحزب على التأثير في الطبقة العاملة. وقد نفت النقابات العمالية ذلك بشدة ، وعرفها زعيمها ، كارل ليجين ، في مؤتمر الحزب في كولونيا في عام 1893 ، على أنها 'مدارس تجنيد للحزب'.

ومع ذلك ، مع نهاية الكساد الصناعي في عام 1895 ، بدأت النقابات العمالية الألمانية في النمو بسرعة. وزادت العلاقات المتغيرة للقوى من التوترات بين الحزب والنقابات العمالية. بحلول عام 1900 ، نمت عضوية النقابات العمالية إلى 600000. وبعد أربع سنوات ، إرتفع الرقم إلى مليون. مع انخفاض نسبة ناخبي الحزب الإشتراكي الديمقراطي مقارنة مع أعضاء النقابات العمالية ، زاد اعتماد الحزب الإشتراكي الديمقراطي على أصوات النقابيين بشكل كبير.

على الرغم من أن قادة النقابات العمالية أنفسهم امتنعوا عن تقديم أي دعم سياسي لبرنشتاين لما رفع لأول مرة راية التحريفية ، كان من المفهوم على نطاق واسع في الأوساط الحزبية أن نظرياته يمكن أن تؤدي فقط إلى إعادة توجيه الحركة الإشتراكية الألمانية على طول الخطوط الإنجليزية ، حيث ستحل النقابات العمالية الإصلاحية محل الحزب السياسي الثوري كمحور للحركة العمالية.

في معارضة برنشتاين ، أولى المنظرون الرئيسيون للإشتراكية الديموقراطية إهتماماً خاصاً لجهوده لتصوير النقابات العمالية على أنها حصن لا غنى عنه للحركة الإشتراكية. كانت روزا لوكسمبورغ ، بالطبع ، هي التي أخذت زمام المبادرة في هذا النضال. كان أهم أعمالها ، في هذا الصدد ، هو الإصلاح أو الثورة ، حيث قدمت لحماً مفرومًا من إدعاء برنشتاين أن جهود النقابات العمالية تصدت بفعالية للآليات الاستغلالية للرأسمالية وأدت ، ولكن بشكل تدريجي ، إلى التنشئة الاجتماعية للمجتمع. أصرت لوكسمبورغ على أن هذا غير صحيح على الإطلاق: أن النقابات العمالية لم تؤد إلى إلغاء الإستغلال الطبقي. بدلاً من ذلك ، سعت إلى ضمان أن البروليتاريا ، في إطار الهيكل الإستغلالي للرأسمالية ، تحصل ، في شكل أجور ، على أفضل سعر يسمح به السوق.

إن ما يمكن تحقيقه بجهود النقابات ، من حيث رفع أجور العمال ، كان مقيداً بتقلبات السوق والديناميكية العامة للتوسع الرأسمالي. وحذرت من أن المجتمع الرأسمالي لم يكن يتجه 'نحو حقبة تميزت بتطور منتصر للنقابات العمالية ، بل نحو وقت ستزداد فيه مصاعب النقابات العمالية'. [19] وهكذا ، مهما كانت المكاسب المؤقتة التي حققتها النقابات ، فقد إنخرطت ، إلى الحد الذي ظل فيه عملها متجذراً ضمن الحدود التي وضعها النظام الرأسمالي ، في 'عمل سِيزِيف'. لم يغفر قادة النقابات العمالية لوكسمبورغ أبداً لإستخدامها هذه الإستعارة المجنحة ، التي قدمت مثل هذا التقييم المناسب والمدمر لأنشطة النقابات العمالية.

هذا الملخص بالكاد أنصف تحليل لوكسمبورغ لأسباب عجز النقابات العمالية عن القيام بأكثر من تخفيف ، ثم بشكل مؤقت ، إستغلال الطبقة العاملة في ظل الرأسمالية.ثمة جانب آخر من انتقادها للبيرشتينية ذو صلة خاصة هو إنكارها وجود أي شيء إشتراكي بشكل متأصل أو ضمني في أنشطة النقابات العمالية ، أو أن عملها يساهم بالضرورة في إنتصار القضية الإشتراكية. لم تنكر لوكسمبورغ أن النقابات العمالية ، بقدر ما كان يقودها الإشتراكيون ، يمكن أن تقدم خدمة مهمة للحركة الثورية. في الواقع ، كانت تأمل ، من خلال إنتقاداتها ، أن تعمل من أجل هذا التطور. (إنها مسألة أخرى ، سننظر فيها لاحقاً ، ما إذا كان هذا الهدف قابلاً للتحقيق). لكنها حذرت من أي وهم في وجود ميول إشتراكية عضوية في النقابات العمالية على هذا النحو.

كتبت لوكسمبورغ: 'إنها بالضبط النقابات العمالية الإنجليزية':

كممثلة كلاسيكية للرضا عن الذات ، والصحيح ، وضيق الأفق ، التي تشهد على حقيقة أن الحركة النقابية ، في حد ذاتها ولذاتها ، غير إشتراكية تماماً ؛ في الواقع ، يمكن أن يكون ، في ظل ظروف معينة ، عقبة مباشرة أمام توسع الوعي الإشتراكي. تماماً كما في الحالة المعاكسة ، يمكن للوعي الإشتراكي أن يكون عقبة أمام تحقيق نجاحات نقابية بحتة. [20]

يظل هذا المقطع توبيخاً مذهلاً لكل أولئك الذين يكيفون أنفسهم بخشوع مع النقابات العمالية وبيروقراطياتها ، والذين لا يستطيعون تصور حركة عمالية في أي شيء بخلاف الشكل النقابي. كما يوضح ذلك بوضوح شديد ، لا توجد روابط عضوية وغير قابلة للكسر بين النقابات العمالية والإشتراكية. فهي ليست بالضرورة تتحرك على طول مسارات متوازية نحو نفس الوجهة العامة. بدلاً من ذلك ، فإن النقابات العمالية ، التي هي بطبيعتها ، كما ذكرت لوكسمبورغ ، 'غير إشتراكية تماماً' ، تقوض تطور الوعي الإشتراكي. علاوة على ذلك ، فإن المبادئ السياسية للإشتراكيين ، التي تتطلب أن يبنوا أنشطتهم على المصالح التاريخية للطبقة العاملة ، تتعارض مع الأهداف العملية للنقابات العمالية.

في إنجلترا ، تطورت النقابات العمالية على أنقاض الشارتية وبصورة مستقلة عن الحركة الإشتراكية. من ناحية أخرى ، ظهرت النقابات العمالية في ألمانيا تحت الوصاية المباشرة للحركة الإشتراكية. كان قادتها يتعلمون بجد تعاليم ماركس وإنجلز. ومع ذلك ، من حيث الجوهر ، لم تكن النقابات الألمانية مكرسة للإشتراكية أكثر من تلك الموجودة في إنجلترا. بحلول مطلع القرن ، وبعد أن أصبحت أكثر ثقة بالنفس من خلال تدفق مئات الآلاف من الأعضاء الجدد ، كانت النقابات العمالية تشير إلى عدم ارتياحها للتأثير السياسي للحزب وخضوعها لأهدافه السياسية. تم التعبير عن هذا الإنزعاج في برنامج جديد: الحياد السياسي. بدأ قسم متزايد من قادة النقابات العمالية في المجادلة بأنه لا يوجد سبب يجعل منظماتهم تدين بأي ولاء خاص لحملات الحزب الإشتراكي الديمقراطي. في الواقع ، زعموا أن هيمنة الحزب الإشتراكي الديمقراطي تكلف النقابات العمالية إمكانية كسب أعضاء من بين العمال الذين كانوا غير مهتمين بالسياسة الإشتراكية أو معارضين لها. من بين الممثلين الرئيسيين لهذا الإتجاه كان أوتو هوي ، الذي أصر على أن النقابات العمالية لا يمكنها خدمة 'المصالح المهنية (وليس الطبقية) لأعضائها إلا إذا تبنت موقفاً من الحياد السياسي. كتب هوي: 'حيثما ينتهي الأمر بالعمال سياسياً في ظل ظروف حياد النقابات العمالية ، فهي مسألة لا مبالاة بقادة النقابات العمالية ويجب أن تكون كذلك'.

النقابات العمالية و 'الإضراب الجماهيري'

بين عامي 1900 و 1905 تصاعد التوتر بين الحزب والنقابات. واصل قادة النقابات ، بصفتهم مندوبين في مؤتمرات الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، الإدلاء بأصواتهم لصالح الأرثوذكسية الإشتراكية. إن عداءهم الفطري للإشتراكية كحركة ثورية لم يصل بعد إلى النقطة التي كانوا فيها مستعدين لتحدي الالتزام السياسي للحزب الإشتراكي الديمقراطي بشكل مباشر بالنضال من أجل سلطة الدولة. تم تغيير هذا من خلال أحداث 1905 ، سواء داخل ألمانيا وخارج حدودها.

أثر إنفجار الثورة في جميع أنحاء روسيا على الطبقة العاملة الألمانية. تابع العمال باهتمام شديد التغطية التفصيلية للنضالات الثورية في الصحافة الإشتراكية. علاوة على ذلك ، تزامنت الأحداث الروسية مع إندلاع موجة من الإضرابات المريرة في جميع أنحاء ألمانيا ، وخاصة في الرور بين عمال المناجم ، ومن الواضح أنها ألهمت ذلك. على الرغم من نضال العمال ، واجهت الإضرابات مقاومة شديدة من أصحاب المناجم. وقد فوجئت النقابات العمالية بتعنت الملاك الذي لم يكن لديهم أي رد فعل فعال في مواجهته. تم إلغاء الإضرابات ، مما أدى إلى زعزعة ثقة العمال في فعالية التكتيكات النقابية التقليدية.

في هذا الوضع الجديد ، جادلت لوكسمبورغ ، بدعم من كاوتسكي ، بأن الأحداث في روسيا كانت ذات أهمية أوروبية بالكامل وكشفت للعمال الألمان إمكانية شكل جديد للنضال الجماهيري هو الإضراب السياسي. وجدت فكرة الإضراب الجماهيري السياسي دعماً واسعاً في أوساط الطبقة العاملة. لكن القادة النقابيين أصيبوا بالفزع من تداعيات حجج لوكسمبورغ. فلو تصرف العمال وفقاً لنظريات لوكسمبورغ ، لوجدت النقابات نفسها عالقة في 'مغامرات ثورية' إعتقد المسؤولون أنها لا تهمهم حيث أن الإضرابات الجماهيرية ستكلف النقابات مبالغ طائلة من المال ويمكن أن تفرغ حساباتها المصرفية من الإحتياطيات النقدية التي كان القادة فخورين بها للغاية.

لمنع حدوث مثل هذه الكارثة ، قرر قادة النقابات شن إضراب استباقي ضد لوكسمبورغ والمتطرفين الآخرين من الحزب الإشتراكي الديمقراطي. في المؤتمر النقابي الذي عقد في مدينة كولونيا في مايو 1905 ، تم إنشاء لجنة خاصة لإعداد قرار من شأنه أن يحدد موقف النقابات العمالية من مسألة الإضراب الجماهيري. صرح المتحدث بإسم اللجنة ، ثيودور بوملبورغ ، قائلاً:

لتطوير منظماتنا بشكل أكبر ، نحتاج إلى السلام في الحركة العمالية. يجب أن نتأكد من اختفاء مناقشة الإضراب الجماهيري ، وترك حلول [مشاكل] المستقبل مفتوحة حتى يحين الوقت المناسب. [21]

في ما يرقى إلى إعلان الحرب على الجناح اليساري للحزب الإشتراكي الديمقراطي ، تبنى المؤتمر النقابي قراراً أعلن أن مناقشة مسألة الإضراب السياسي الجماهيري غير مسموح بها داخل النقابات العمالية. وحذر العمال من 'عدم السماح لأنفسهم بأن يشتت إنتباههم بتلقي مثل هذه الأفكار ونشرها عن المهام اليومية الصغيرة لبناء تنظيم العمل'. [22]

إهتز الحزب الإشتراكي الديمقراطي بسبب تمرد قادة النقابات العمالية ضد الحزب. أعلن كاوتسكي أن المؤتمر قد كشف عمق إغتراب النقابات العمالية عن الحزب ، وأشار بسخرية إلى أنه صدمه على أنه من السخف أن 'رغبة النقابات في السلام والهدوء' كان في عام أعلن أنه 'كان الأكثر ثورية في كل تاريخ البشرية.' كان واضحًا لكاوتسكي أن قادة النقابات العمالية يهتمون بمصير الحسابات المصرفية للمنظمة أكثر من إهتمامهم بـ 'الصفة الأخلاقية للجماهير'.

بالنسبة لقادة النقابات ، إتخذت كراهية الجناح اليساري للحزب الإشتراكي الديمقراطي أبعاداً مرضية. روزا لوكسمبورغ ، على وجه الخصوص ، كانت الهدف الدائم للإدانات اللاذعة. لقد حث أوتو هوي ، الذي قام بتحرير جريدة عمال المناجم ، أولئك الذين لديهم مثل هذا الفائض من الطاقة الثورية على الذهاب إلى روسيا 'بدلاً من نشر مناقشة الإضراب العام من منتجعاتهم الصيفية'. [23] إشتدت الهجمات على لوكسمبورغ ، حتى مع ضعفها في سجن بولندي بعد إعتقالها بسبب أنشطتها الثورية. بعد أن سئم كاوتسكي الهجمات الشخصية الشريرة على لوكسمبورغ ، التي كانت لا تزال صديقته وحليفته ، إستنكر إضطهاد 'زعيمة النضال الطبقي البروليتاري'. لم تكن لوكسمبورغ ، كما كتب ، هي التي عرّضت العلاقات بين الحزب والنقابات للخطر ، ولكن المسؤولين النقابيين ، الذين شعروا 'بكراهية ضيقة الأفق لهذه العناصر ضد أي شكل من أشكال الحركة العمالية التي تضع لنفسها هدفًا أعلى من خمسة بنسات إضافية في الساعة ... '[24]

لبعض الوقت ، قاومت قيادة الحزب الإشتراكي الديمقراطي المسؤولين النقابيين ، لكنها فعلت ذلك بأكبر قدر ممكن من الحذر. في مؤتمر حزب جينا في سبتمبر 1905 ، قدم بيبل قراراً صيغ بمهارة اعترف جزئياً بصلاحية الإضراب السياسي الجماهيري - ولكن فقط كسلاح دفاعي. في المقابل ، وافقت النقابات العمالية على صياغة بيبل ، ولكن لفترة وجيزة فقط. في مؤتمر الحزب في مانهايم في سبتمبر 1906 ، طالب قادة النقابات العمالية ، وحصلوا من الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، على قرار أسس مبدأ 'المساواة' بين النقابات والحزب. وهذا يعني أنه في ما يتعلق بجميع القضايا التي تمس الأمور التي تهم النقابات بشكل مباشر ، كان على الحزب أن يتوصل إلى موقف مقبول بالنسبة لها. على الرغم من الإعتراضات الشديدة ، تعاون قادة الأحزاب مع المسؤولين النقابيين لإغلاق المناقشات بيروقراطية والضغط على القرار.

من هذه النقطة فصاعدًا ، كان الحزب الإشتراكي الديمقراطي يحكم فعليًا من قبل المفوضية العامة للنقابات العمالية. كانت علاقة النقابات بالحزب ، كما لاحظت لوكسمبورغ ، مثل علاقة الزوجة الفلاحية النبيلة ، التي قالت لزوجها ، 'كلما ظهرت أسئلة بيننا، سنستخدم الإجراء التالي: عندما نتفق ، ستقرر. عندما نختلف ، سأقرر '.

في نزاعاتهم مع لوكسمبورغ والقوى الثورية داخل الحزب الإشتراكي الديمقراطي ، إدعى المسؤولون النقابيون أن لديهم فكرة أفضل بكثير عما يريده حقاًالعامل العادي  مقارنة بالمنظرين الثوريين. انشغلت لوكسمبورغ والثوريون من أمثالها بتجريداتهم ورؤاهم الطوباوية ، ولم يكن لديهم في الواقع إجابات عملية عن المشاكل التي يواجهها العمال في المناجم أو في أرض المصنع. كان جيداً للمنظرين أن يحلموا بكارثة ثورية مستقبلية ، واليوتوبيا الإشتراكية التي ستخرج منها ، لكن في الوقت الحالي كان العمال أكثر إهتماماً ببضع علامات إضافية في رواتبهم الأسبوعية.

ربما كان صحيحًا أن حجج مسؤولي النقابات تعكس وجهة نظر قطاعات كبيرة من العمال خلال السنوات التي اندلعت فيها لأول مرة الجدل حول الإضراب الجماهيري. بل إنه من الممكن أنه لو طُرحت القضية للتصويت في عام 1905 أو 1906 ، لكان عدد العمال الذين يدلون بأصواتهم لمنصب ليجين أكبر من صوتهم لمنصب لوكسمبورغ. ومع ذلك ، عند النظر في موقف العمال من الخلاف بين الماركسيين وقادة النقابات الإصلاحيين ، من المهم أن نأخذ في الإعتبار ما يلي: كان المسؤولون ، إذا جاز التعبير ، 'ملتزمين' مؤسسياً ودستورياً بالسياسات التي انبثقت من الإعتماد العضوي لنقاباتهم على علاقات الإنتاج الرأسمالية ونظام الدولة القومية. لم تكن الطبقة العاملة ، كقوة إجتماعية ثورية ، ملتزمة بالمثل بالبرنامج التدريجي للتكيف الإصلاحي.

أدى تطور التناقضات الأساسية للنظام الرأسمالي إلى تمزيق نسيج التسوية الإجتماعية في ألمانيا. مع تصاعد التوترات الطبقية، تبنى العمال موقفاً أكثر عدوانية وأشد شراسة تجاه أرباب العمل والدولة. بحلول 1910-1911 ، كانت هناك إشارات واضحة على أن حجج لوكسمبورغ بدأ يتردد صداها بين قطاعات أوسع من الطبقة العاملة. خاصة في أعقاب إضرابات 1912-13 ، التي فشلت في مواجهة مقاومة أصحاب العمل المريرة ،الأمر الذي  زاد من إستياء العمال من النقابات الرسمية بشكل ملحوظ.

أدى إندلاع الحرب العالمية في أغسطس 1914 إلى توقف عملية التطرف بشكل مؤقت. ولكن بحلول عام 1915-1916 ، تفاقم الإستياء الإجتماعي في صفوف الطبقة العاملة بسبب الحرب ، وتجاوز الحواجز التي أقامتها النقابات الرسمية. تلقت الحجج البيروقراطية القديمة ضد الإضراب الجماهيري السياسي أخيراً ردها الحاسم في أكتوبر - نوفمبر 1918 مع اندلاع الثورة الألمانية. عبّر الطابع الثوري للحركة الجماهيرية عن نفسه ، كما توقعته لوكسمبورغ نظرياً وتنبأ به عملياً في الثورة الروسية ، في أشكال جديدة من التنظيم - لجان الرتب والملفات وخاصة المجالس العمالية - التي ظهرت على تضاد مع النقابات.

تمثل تجارب الطبقة العاملة الألمانية والإنجليزية أعظم اختبار تاريخي للنقابات العمالية. يمكننا ، إذا كان لدينا الوقت الكافي ، استكمال تحليلنا للصراع بين الإشتراكية والنقابية وإثباته بأمثلة لا حصر لها ، مستمدة من العديد من البلدان الأخرى وتمتد طوال عقود هذا القرن ، حتى وقتنا هذا.

ضرورة الوعي الإشتراكي

لم يكن الغرض من هذه المحاضرة هو تقديم أكبر عدد ممكن من الأمثلة على خيانة النقابات العمالية. بدلاً من ذلك ، أردنا إثبات ضرورة الوعي الإشتراكي والنضال من أجل تطويره في الطبقة العاملة. وهنا تكمن أهمية الحزب الماركسي الثوري. حتى لو حدثت نهضة في النضال العفوي ذي الطابع النقابي - وسيكون مثل هذا التطور غير وارد دون تفجر تمردات عامة ضد المنظمات البيروقراطية القديمة - فإن تطوير مثل هذه الحركة الواعدة على أسس ثورية سيعتمد على العمل المستقل للحزب الماركسي ،وعلى  النضال من أجل جلب الوعي الإشتراكي إلى الطبقة العاملة.

كل أولئك الذين يصرون على سلطة النقابات العمالية التي لا تقبل الجدل ، يعارضون النضال من أجل الماركسية في الطبقة العاملة. كليف سلوتر ، [25] ، على سبيل المثال ، يدين هؤلاء الماركسيين [من اللجنة الدولية] 'الذين يصرون على الإعتقاد بأن لديهم مهمة' رفع مستوى الوعي 'و' التدخل السياسي 'و' التسييس 'في الظهور التلقائي في نضالات الطبقة العاملة ...'[26]

هذا البيان يثبت رفض سلوتر للماركسية واحتضانه لفوضوية الطبقة الوسطى. نقترب الآن من نهاية قرن شهد أفظع المآسي التاريخية. إن الثمن المدفوع بالدم من أجل إخفاقات وخيانات العديد من النضالات الثورية في هذا القرن لا يُحصى. وبلغ عدد الضحايا نتيجة التداعيات السياسية لـ 'الثورات المغدورة' مئات الملايين. في هذا العقد شهدنا نتائج ارتباك الطبقة العاملة في الإتحاد السوفياتي السابق. ومع ذلك ، في خضم هذا الإرتباك السياسي العالمي ، يدين سلوتر أولئك الذين يسعون للتغلب على هذا الارتباك على أساس العلم الإشتراكي.

إن مصالح الطبقة العاملة لا تخدمها تمجيد عفويتها - أي المستوى السائد للوعي وأشكال التنظيم المعطاة. في حالة سلوتر والماركسيين السابقين المماثلين ، فإن مثل هذه الشهادات على العفوية تخدم فقط كغطاء لتعاونهم مع بيروقراطيات النقابات العمالية. نحن لا نعتذر عن إصرارنا على أن مستقبل الطبقة العاملة يعتمد على قوة تدخلاتنا السياسية ونجاح جهودنا في رفع وعيها.

إننا نقف على الأسس التي وضعها كبار مؤسسي وممثلي الإشتراكية العلمية. نحن نرفض تصريح سلوتر بإعتباره رفضاً للمبادئ الأساسية التي شكلت المبرر التاريخي لوجود الحركة الماركسية منذ أيامها الأولى. البروليتاريا هي الموضوع التاريخي النشط للمشروع الإشتراكي. لكن الإشتراكية لم تنبثق مباشرة من الطبقة العاملة ولم تستطع. فلها تاريخها الفكري الخاص. لم يزعم ماركس أبداً أن مفهومه للمهام التاريخية للبروليتاريا يتوافق مع ما يمكن أن يكون 'الرأي العام' السائد للغالبية العظمى من العمال في أي لحظة معينة من تطورهم. إنه لمن السخف أن نقترح أن ماركس كرس حياته كلها لصياغة أفكار تعيد إنتاج ما كان من المرجح أن يفكر فيه العامل العادي بمفرده.

إذا كان الوعي الإشتراكي قد نشأ عن طريق التطور التلقائي للصراع الطبقي ، فلن يكون هناك سبب لتنظيم هذه المدرسة الدولية. ما هي الحاجة إلى محاضرات عن التاريخ والفلسفة والإقتصاد السياسي والإستراتيجية الثورية والثقافة إذا كانت الطبقة العاملة ، بمنظماتها الجماهيرية القائمة والمستوى السائد للوعي السياسي والتاريخي ، يمكن أن ترتفع تلقائياً إلى مستوى المهام التي نقوم بها  والتي طرحتها عليها تطورات الأزمة العالمية للرأسمالية؟

دعونا نفكر في الخلفية السياسية التي تقام على أساسها هذه المدرسة. حتى ونحن نجتمع ، فإن إقتصادات جنوب شرق آسيا في حالة إضطراب. بين عشية وضحاها تقريباً ، تعرض وجود مئات الملايين من الأشخاص للخطر. في إندونيسيا ، تراجعت قيمة العملة بنسبة 22 بالمائة أول من أمس. في غضون ستة أشهر ، فقدت الروبية الإندونيسية ما يقرب من 80 في المائة من قيمتها. ويطالب صندوق النقد الدولي بنظام من التقشف الوحشي ، وفي ظل هذه الظروف لا مفر من إندلاع صراعات إجتماعية واسعة النطاق.

ومع ذلك ، ألا تعتمد نتيجة هذه النضالات على إستيعاب الطبقة العاملة الإندونيسية للدروس المأساوية لتاريخها ، والتي تشكل فصلاً مرعباً آخر في تاريخ القرن العشرين؟ أليس من الضروري أن نراجع مع العمال والطلاب والمثقفين الإندونيسيين أحداث 1965-1966 - أي كيف أثبت أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الإتحاد السوفيتي والصين ، بعضوية أكثر من مليون شخص ، أنه لا حول له ولا قوة في وجه انقلاب سوهارتو؟ قُتل أكثر من نصف مليون شخص في تلك الثورة المضادة. كان نهري سومطرة وبالي مسدودين بجثث القتلى. إستمرت عمليات إعدام السجناء الذين قُبض عليهم في أعقاب إنقلاب سوهارتو حتى العقد التاسع من القرن العشرين. لكن كم من الأسئلة والمشكلات تبقى بلا إجابة وغير واضحة! تشكل الدروس الإستراتيجية لتلك الفترة الأساس للإنتقام التاريخي الذي يجب على العمال الإندونيسيين أن يقضوا به على الجرائم التي ارتكبتها البرجوازية الإندونيسية ، بتحريض من الإمبريالية الأمريكية ، ويمكنني أن أضيف ، الإمبريالية الأسترالية.

إن القضية هنا ليست مشكلة إندونيسية ، لكنها مهمة تاريخية عالمية. وهكذا ننهي هذه المدرسة كما بدأناها ، بالتشديد على أن مستقبل البشرية في القرن الحادي والعشرين يعتمد على استيعابها لدروس التجارب التاريخية الإستراتيجية للقرن العشرين. وإذا إضطررت إلى أن أصرح ، في بضع كلمات فقط ، بالنتيجة الرئيسية التي توصلنا إليها في نهاية دراستنا لهذا القرن المضطرب، وهي أن مصير البشرية يتشابك بشكل لا مفر منه مع النضال من أجل تنمية الوعي والثقافة الإشتراكية داخل الطبقة العاملة الدولية ، وهو نضال يجد تعبيره السياسي في بناء الحزب العالمي للثورة الإشتراكية.                                                                                …………………………………………………………………………………….

[1] Lecture delivered on January 10, 1998, at the International School on Marxism and the Fundamental Problems of the Twentieth Century, held in Sydney Australia.

[2] Peter Taaffe, “Trade Unions in the Epoch of Neo-Liberalism,” Socialism Today.
[3] Ibid.
[4] Ibid.
[5] Workers International Press, Number 1, February 1997, p. 21.
[6] Karl Marx, Capital, Volume 1 (New York: International Publishers, 1967), p. 76.
[7] Quoted in Theodore Rothstein, From Chartism to Labourism (London: Lawrence and Wishart, 1983), pp. 183–184.
[8] Ibid., p. 195.
[9] Ibid., p. 197.
[10] Ibid., p. 273.
[11] Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, Volume 20 (New York: International Publishers, 1985), p. 191.
[12] Ibid., p. 192.
[13] Ibid., p. 149.
[14] Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, Volume 27 (New York: International Publishers, 1992), p. 98.
[15] Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, Volume 45 (Moscow: Progress Publishers, 1991), p. 361.
[16] Ibid., Volume 26 (Moscow: Progress Publishers, 1990), p. 299.
[17] Ibid.
[18] Quoted in Hal Draper, Karl Marx’s Theory of Revolution, Volume 2: “The Politics of Social Classes” (New York: Monthly Review Press, 1978), p. 111.
[19] Rosa Luxemburg, Reform or Revolution (New York: Pathfinder Press, 1976), p. 36.
[20] “Die englische Brille,” in Rosa Luxemburg Gesammelte Werke, Volume 1/1
(Berlin: Dietz Verlag, 1990), p. 481, (translation by D. North).
[21] Carl E. Schorske, German Social Democracy: 1905–1917; the Development of the Great Schism (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1983), pp. 39–40.
[22] Ibid., p. 40.
[23] Ibid., p. 41.
[24] Quoted in Richard B. Day and Daniel Gaido, ed. and trans., Witnesses to Permanent Revolution (Leiden, The Netherlands: Brill Academic Publishers, 2009), p. 45.
[25] Cliff Slaughter is a former leader of the British Workers Revolutionary Party who broke politically with the International Committee of the Fourth International in 1986.
[26] Cliff Slaughter, “Review of Istvan Mezsaros’ ‘Beyond Capital,’” Workers International Press, Number 3, (London, June 1997).