العربية

إمبريالية الولايات المتحدة والحرب بالوكالة ضد سوريا.

تم نشر هذه المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية في 19 سبتمبر 2013 

تم إلقاء المحاضرة التالية في 17 سبتمبر 2013 في جامعة ميشيغان في آن أربور من قبل ديفيد نورث ، رئيس هيئة التحرير الدولية لموقع الويب الاشتراكي العالمي والرئيس الوطني لحزب المساواة الاشتراكية  في الولايات المتحدة

'السلام في زماننا'؟

حتى قبل أسبوع ، بدا أن إدارة أوباما كانت على وشك أن تأمر بقصف سوريا. ومع ذلك ، في يوم الاثنين ، 9 سبتمبر ، أدلى وزير الخارجية جون كيري بتصريحه الشهير الآن مشيراً إلى أنه يمكن تجنب الحرب إذا وافقت سوريا على تدمير مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية. ليس معروفاً ما إذا كان هذا البيان عبارة عن ملاحظة سريعة أو ضربة دبلوماسية مخططة بعناية - مناورة بارعة ودقيقة لدرجة أنه حتى تاليران كان سيُعجب بها. بالنظر إلى الارتباك الذي وجد تعبيراً عنه في الردود الأولية للمتحدثين بإسم وزارة الخارجية والبيت الأبيض، يمكن القول بشكل معقول أن كيري ، وهو ليس رجلاً ذكياً بشكل خاص ، لم يفكر في الآثار المترتبة على رده على سؤال أحد المراسلين. من ناحية أخرى ، يمكن تقديم حجة مفادها أن تصريح كيري الذي بدا مرتجلاً نشأ من مناقشات سرية تم إجراؤها مع وزير الخارجية الروسي ، سيرجي لافروف.

مهما كانت الحقيقة ، فلا شك في أن اندفاع إدارة أوباما إلى الحرب قد واجه مشاكل سياسية لم تكن متوقعة لما تم الإعلان عنها ، بناءً على مزاعم لا أساس لها من صحة أن الرئيس السوري بشار الأسد أمر بشن هجوم بالأسلحة الكيماوية ، وأن الولايات المتحدة ستشن ضربة عسكرية عقابية ضد سوريا.

قرار إدارة أوباما بمهاجمة سوريا بسرعة بقصف جوي مكثف تم تحديده من خلال الوضع اليائس الذي تواجهه القوات المتمردة المدعومة من الولايات المتحدة. في عام 2012 ، أعلن أوباما أن على الأسد أن يتخلى عن السلطة. فاعتباراً من عام 2013 ، ضخت الولايات المتحدة وحلفاؤها في دول الخليج ، ولا سيما المملكة العربية السعودية وقطر ، مليارات الدولارات في التمرد ضد الأسد. كان أوباما قد أكد من قبل وكالة المخابرات المركزية أن التمرد سيكون ناجحاً. ومع ذلك ، وبدعم من إيران وحزب الله في لبنان ، دخلت قوات الأسد في الهجوم. ذكر تقرير نشره معهد دراسة الحرب في 6 يونيو / حزيران أن الهجوم الذي شنه النظام على بلدة القصير التي يسيطر عليها المتمردون 'غيّر بشكل فعال ميزان القوى على أرض الواقع وشكل نقطة تحول حاسمة في الحرب الاهلية.'

حاجج معهد دراسة الحرب (مجموعة بحثية تسعى إلى صياغة استراتيجية للجيش الأمريكي) بأن 'المجتمع الدولي [أي الولايات المتحدة وحلفائها] يجب أن يفعل شيئاً لتغيير ميزان القوى بشكل حاسم في أرض الواقع قبل المفاوضات '. في 25 تموز (يوليو) 2013 ، التقى قادة المعارضة السورية - وهم في الواقع عملاء سياسيون للولايات المتحدة - بجون كيري. في سياق اجتماع استمر قرابة الساعة ، أبلغوا الوزير أن الوضع 'يائس' ودعوا إلى اتخاذ إجراء سريع من قبل الولايات المتحدة لإحباط انهيار التمرد.

مر أقل من شهر بين إجتماع 25 تموز (يوليو) المصيري بين المعارضة السورية ووزيرة الخارجية والهجوم بالغاز السام في 21 آب (أغسطس). الصلة بين الحدثين - لقاء مناشداتها اليائسة للعمل العسكري الأمريكي وهجوم الغاز الغامض بعد 27 يوماً فقط – هو جلي. إن إدراك أن الحرب كانت تدور ضد المتمردين - بقيادة السي آي إيه والسعودية - دفع الولايات المتحدة إلى لعب ورقة 'أسلحتها الكيماوية' كذريعة لشن هجوم عسكري. على عكس حكومة الأسد ، التي كانت تهزم التمرد المدعوم من وكالة المخابرات المركزية ولم يكن لديها سبب لنشر أسلحة كيماوية ، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها والمتمردون بحاجة ماسة إلى حدث مأساوي يمكن استخدامه لتبرير قصف دمشق. يمكن للمرء أن يكون على يقين بشكل معقول من أن وكالة المخابرات المركزية تعرف الكثير عن تخطيط وتنفيذ هجوم الغاز السام أكثر من بشار الأسد. ظنت إدارة أوباما أن هجوماً أمريكياً من شأنه أن يقضي على قدرات الحكومة السورية الهجومية ويقلب ميزان القوة العسكرية  لصالح التمرد. على أقل تقدير ، في حالة إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب الأهلية ، سيكون العمل العسكري بمثابة وسيلة لتعزيز موقف الولايات المتحدة وحلفائها في دول الخليج.

كانت هذه هي الخطة! ما لم يكن متوقعاً هو المعارضة الشعبية الساحقة داخل الولايات المتحدة وأوروبا حول حرب أخرى. على الرغم من كل الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام - والتي سأناقشها لاحقاً - لم تكن غالبية الجماهير الشعبية تصدق الدعاية المؤيدة للحرب. هذه المرة ، حتى عندما ضغطت وسائل الإعلام بشدة على جميع الأزرار المألوفة ، فشل الجمهور في الرد كما هو متوقع. ظهرت أول علامة على وجود مشكلة خطيرة في 29 أغسطس ، حين تم التصويت على قرار الحرب الذي قدمه رئيس الوزراء البريطاني كاميرون. وبسبب حرمانه من غطاء التحالف الدولي ، قرر أوباما أنه بحاجة إلى قرار من الكونجرس لإضفاء الشرعية السياسية على الحرب. كانت الدلائل الأولية تشير إلى أن الكونجرس سيتبنى قراراً يأذن بشن هجوم. وأعلن قادة الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب دعمهم.

لكن الكونجرس غرق تحت طوفان المعارضة. ففي العديد من الدوائر الإنتخابية ، كانت المشاعر الشعبية - كما تُقاس من خلال الرسائل الموجهة إلى الممثلين - تتعامل بنسبة 9 إلى 1 ضد أي هجوم. وفي حادثة واحدة لا تُنسى ، تم التنديد بالسيناتور جون ماكين في إجتماع في دار البلدية. الأكاذيب التي قيلت للحصول على الدعم للحروب التي فقدت مصداقيتها الآن في أفغانستان والعراق لم تُنس.

بحلول نهاية الأسبوع الماضي ، أصبح من الواضح أن إدارة أوباما والمؤسسة السياسية بأكملها كانت مشوشة بسبب المقاومة الشعبية للحرب. إن  الذين يعيشون في عالم من الرأي العام المصطنع ، لم يكونوا مستعدين للتعبير عن الرأي العام الحقيقي. حتى لو كانت ملاحظة كيري المتعثرة في 9 سبتمبر زلة سياسية ، فإن إرتباك وزير الخارجية عكس الإرتباك داخل الإدارة.

على الرغم من الجهود الأولية التي بذلها المتحدثون بإسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية لرفض إقتراح كيري بأنه يمكن تجنب الحرب بوصفه مجرد تمرين بلاغي ، غيرت إدارة أوباما مسارها في وقت لاحق من ذاك اليوم وأشارت إلى إستعدادها لإلغاء العمل العسكري الفوري ، في إنتظار تدمير ترسانة سوريا من أسلحة الحرب الكيماوية.

يبدو أن التهديد المباشر بتدخل عسكري أمريكي كبير آخر قد إنحسر. لكن تأجيل الحرب لا يقلل من إحتمال أو حتى حتمية اندلاع حرب كبرى. وكما توضح التصريحات العدوانية الصادرة عن واشنطن ، فإن 'الخيار العسكري' يظل مطروحاً على الطاولة. كما أن سوريا ليست الهدف الوحيد للهجوم العسكري، فالعمليات الأمريكية ضد سوريا ستمهد الطريق للصراع مع إيران. وعلاوة على ذلك ، فإن منطق محرك الإمبريالية الأمريكية للهيمنة العالمية يؤدي إلى مواجهة مع روسيا والصين. ولا يمكن استبعاد أن تضارب المصالح بين القوى الإمبريالية الكبرى - على سبيل المثال ، الولايات المتحدة وألمانيا - قد يتحول في ظل ظروف معينة إلى صراع مسلح.

لا ينشأ خطر الحرب من نزاع أو صراع محلي هنا أو هناك ، ولكن من منطق أزمة الولايات المتحدة والرأسمالية العالمية. فقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 والحرب العالمية الثانية عام 1939 ، كان هناك عدد من 'مخاوف الحرب' المهمة. وفي عدة مناسبات ، وُضعت القوى الكبرى على أهبة الحرب ، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة. إن أزمة سبتمبر 1938 ، لما طلب هتلر ضم قسم استراتيجي من تشيكوسلوفاكيا (سوديتنلاند) بدا وكأنه جعل الحرب حتمية ، لكنها إنتهت حين وافق رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين على إنذار ألمانيا النازية. عاد تشامبرلين إلى إنجلترا معلناً أن الإتفاقية قد أمنت 'السلام في عصرنا'. كان هناك إبتهاج عام بين الجماهير. حتى داخل ألمانيا ، كانت المشاعر الشعبية – الذي سبب استياء هتلر الشديد - ضد الحرب بشكل ساحق.

لكن كما حذر تروتسكي في عام 1938 ، 'تصل الخصومات الإمبريالية إلى طريق مسدود دموي في ذروته يجب أن تتحد الإشتباكات المنفصلة والإضطرابات المحلية الدموية ... وتتحول لا محالة إلى حريق بأبعاد عالمية'.و في غضون عام واحد ، إندلعت الحرب العالمية الثانية.

لا يمكن للألعاب والمكائد الدبلوماسية التي ينخرط فيها أوباما والسيد بوتين أن تغير المسار الأساسي للإمبريالية. حتى لو تأخر قصف سوريا ، فإن المصالح والتناقضات التي تؤدي إلى الحرب قائمة ولن يتم حلها سلمياً حيث تقوم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول الخليج بتوسيع دعمها المالي واللوجستي للمتمردين المناهضين للأسد.

الولايات المتحدة وسوريا

السمة الأكثر لفتاً للنظر في التغطية الإعلامية وعرض إستعدادات إدارة أوباما للهجوم العسكري على سوريا هي الغياب التام لأي دراسة للسياق التاريخي ، أو الآثار القانونية (من وجهة نظر القانون الدولي) ، أو الدوافع السياسية. إن كل ما تصرح به حكومة الولايات المتحدة أو تطالب به يؤخذ في ظاهره ، كما لو أن صحته لا مجال للشك فيها. على الرغم من أن إدارة أوباما لم تكن قادرة ولم تحاول حتى تقديم أي دليل مادي وجنائي مقنع على أن نظام الأسد كان مسؤولاً عن الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيماوية ، ناهيك عن تقديم دافع يفسر سبب تجاوز الأسد 'الخط الأحمر' والمخاطرة بهجوم أمريكي ، قبلت الصحافة ووسائل الإعلام التابعة للمؤسسة على الفور وبشكل كامل قصة الإدارة. الأشخاص الذين يديرون هذه المؤسسات ليسوا أغبياء أو ساذجين. إنهم يعرفون أن الإدارة تكذب من أجل تنفيذ أجندة خفية وغير معلنة. لكن وسائل الإعلام تعمل بالكامل كأداة للدعاية.

يتجاهل الإعلام ببساطة الآثار القانونية للهجوم على سوريا ، والذي سيكون إنتهاكاً للقانون الدولي.

لا يوجد سياق تاريخي على الإطلاق. يُقاد الجمهور إلى الإعتقاد بأن دور الولايات المتحدة إيثاري تماماً ، مدفوعاً بالتعاطف مع معاناة الشعب السوري ، الذي يتعرض للقمع من قبل ديكتاتور لا يرحم - أو ، كما قال جورج إتش دبليو بوش عن صدام حسين في عام 1990: ' عاد هتلر من جديد '. هناك إشارات في وسائل الإعلام إلى مئة ألف قتيل في الحرب الأهلية ، وكأن الولايات المتحدة مجرد متفرج مروع ، لا تتحمل أي مسؤولية مهما كانت عن الأحداث الدامية في ذلك البلد.

حتى الأمريكيين المطلعين نسبياً الذين تابعوا الأخبار بإهتمام أثناء حدوث هذه الأزمة ، لم يكونوا ليصادفوا أيًا من الحقائق التالية ذات الأهمية الحاسمة لفهم سياسات إدارة أوباما.

للولايات المتحدة تاريخ طويل ، يعود إلى العقد الرابع من القرن الماضي ، من التدخل المباشر في سوريا وتقويض حكوماتها. فما أن أُجبرت فرنسا ، القوة الإستعمارية القديمة ، في عام 1946 - تحت ضغط من الولايات المتحدة - على التنازل ومنح الإستقلال الرسمي لسوريا ، حتى سعت إدارة ترومان إلى التأكيد على أن نظام ما بعد الإستعمار سوف يحمي المصالح المالية للشركات الأمريكية (التي تركز على  صناعة النفط) وقبول إملاءات استراتيجية الولايات المتحدة المناهضة للسوفييت في الحرب الباردة. وهذا يعني ، قبل كل شيء ، دعم جميع الجهود الأمريكية لمنع نمو نفوذ الإتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط وقمع الحركات الشيوعية واليسارية الأخرى في البلاد.

في 1948-49 ، شعرت إدارة ترومان بالقلق من نمو الحزب الشيوعي السوري والعلاقات الودية المتزايدة بين النظام البرجوازي الوطني اليساري للرئيس شكري القوتلي والإتحاد السوفيتي. وبعد أشهر من التحضير من قبل وكالة المخابرات المركزية ، أطاح قائد الجيش السوري ، حسني الزعيم ، بالقوتلي في 30 مارس 1949. تم توثيق الدور الإرشادي للولايات المتحدة في الإنقلاب بشكل جيد. بحسب البروفيسور دوغلاس ليتل المتخصص في التاريخ والسياسة السورية:

السجلات التي رفعت عنها السرية مؤخراً ... تؤكد أنه إبتداءً من 30 نوفمبر 1948 ، التقى [عميل وكالة المخابرات المركزية ستيفن] ميد سراً مع العقيد زعيم ست مرات على الأقل لمناقشة 'إمكانية [وجود] دكتاتورية يدعمها الجيش'. ['الحرب الباردة والعمل السري: الولايات المتحدة وسوريا ، 1945-1958' ، ميدل إيست جورنال ، شتاء1990 ، ص. 55]

كان هناك بعض القلق في إدارة ترومان من أن عدم شعبية نظام الزعيم قد يثبت أنه عبء سياسي. لكن أداء الزعيم كرجل سوري قوي في أعقاب الانقلاب أسعد واشنطن:

ففي 16 مايو ، وافق الزعيم على إمتياز خط التابلاين الذي طال إنتظاره ، مما أزال العقبة الأخيرة أمام خطة أرامكو [شركة الزيت العربية الأمريكية] لنقل النفط السعودي إلى البحر الأبيض المتوسط. بعد أسبوعين ، وسع حملته المناهضة للسوفييت من خلال حظر الحزب الشيوعي وسجن العشرات من المعارضين اليساريين. [المرجع نفسه]

ومع ذلك ، كان الزعيم لا يحظى بشعبية كبيرة وأطيح به في 14 أغسطس ، بعد أقل من خمسة أشهر من استيلائه على السلطة ، وتم إعدامه. لكن على الرغم من هذه النكسة ، وجدت وكالة المخابرات المركزية شخصية عسكرية أخرى ، هوالعقيد أديب الشيشكلي ، الذي جاء إلى السلطة في إنقلاب تم تنظيمه بدعم أمريكي في 19 ديسمبر 1949. وإستمر نظام الشيشكلي الموالي للولايات المتحدة حتى فبراير 1954 ، لما تمت الإطاحة به في إنقلاب غير دموي. إغتيل الشيشكلي في النهاية في البرازيل عام 1964. لكن وفاته لم تضع حداً لتورط عائلة الشيشكلي في السياسة السورية. حيث أن حفيده الذي يحمل الاسم نفسه ، أديب الشيشكلي ،هو رجل أعمال يميني له علاقات وثيقة بالعائلة المالكة السعودية ، وعضو قيادي في المعارضة السورية. وكان من بين الذين شاركوا في اجتماع 25 يوليو مع الوزير كيري في الأمم المتحدة.

بعد الإطاحة بالعقيد الشيشكلي عام 1954 ، كانت الولايات المتحدة غير راضية عن النمو المتجدد لليسار وتزايد موجة الاستياء الشعبي من التدخل الأمريكي في السياسة السورية. كانت إدارة أيزنهاور منزعجة من شعبية 'الجبهة التقدمية' التي كانت مدعومة من قبل عناصر في الجيش السوري بقيادة العقيد عدنان المالكي.كما كانت الولايات المتحدة غاضبة بشكل خاص لأن فصيل المالكي عارض عضوية سورية في حلف بغداد المناهض للسوفييت ،  الذي أنشأته إدارة أيزنهاور في يناير 1955  على غرار حلف الناتو. وفي 22 أبريل 1955 ، اغتيل المالكي أثناء حضوره مباراة لكرة القدم من قبل عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي الموالي لأمريكا واليمين. وجد تحقيق رسمي في الاغتيال أن الولايات المتحدة كانت داعماً وممولاً رئيسياً للحزب القومي. و كان من المعروف أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لديه علاقات وثيقة مع وكالة المخابرات المركزية.

في أعقاب اغتيال المالكي ، أدت موجة من الغضب الشعبي إلى إنتخاب القوتلي للرئاسة في أغسطس 1955.  ومن خلال العمل عن كثب مع نظرائها في المخابرات البريطانية ، طورت وكالة المخابرات المركزية والإستخبارات البريطانية عملية “Straggle”. في ما يبدو اليوم أنه نموذج مبكر للتمرد الذي تنظمه الولايات المتحدة حالياً:

يبدو أن الخطة الأصلية لـ CIA-SIS قد دعت تركيا إلى تنظيم حوادث حدودية ، في حين قام عملاء بريطانيون بإثارة قبائل البادية ، وعمل عملاء أمريكيون على تعبئة مقاتلي الحزب السوري القومي الإجتماعي ، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انقلاب موالٍ للغرب من قبل 'عناصر محلية مناهضة للشيوعية في الداخل يمكن إذا لزم الأمر ،دعمها من قبل القوات العراقية. ما اعتبرته واشنطن وضعاً متدهوراً في دمشق جعل Straggle أكثر جاذبية. [ليتل ، ص. 66]

كان من المقرر أن يحدث الإنقلاب الذي خططت له وكالة المخابرات المركزية في 25 أكتوبر 1956. وكانت وكالة المخابرات المركزية قد قدمت 150 ألف دولار للمتآمرين. لكن العملية تم تأجيلها لأن البريطانيين ، دون إبلاغ الولايات المتحدة ، بدأوا عملية أخرى  وهي الغزو الكارثي لمصر الذي إنتهى بإذلال سياسي لبريطانيا. وعلى الرغم من التأجيل ، إستمرت الخطط الأمريكية للإطاحة بالحكومة السورية. ففي يناير 1957 ، أعلنت الإدارة مبدأ أيزنهاور ، الذي أكد نية الولايات المتحدة في إستخدام القوات لمواجهة النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. تمت المصادقة على هذا المذهب بأغلبية ساحقة من قبل مجلسي النواب والشيوخ.

تم تجديد عملية Straggle وتغيير اسمها إلى عملية Wappen. وفقاً للبروفيسور ليتل:

كان هوارد ستون ، المتخصص في العمل السياسي في وكالة المخابرات المركزية ولديه خبرة في طهران والخرطوم، يخطط لإنقلاب مع المنشقين داخل الجيش السوري منذ ثلاثة أشهر. في غضون ذلك ، وصل الرئيس السابق أديب الشيشكلي سراً إلى بيروت ، حيث أكد لكيرميت روزفلت أنه مستعد لإستعادة السلطة في سوريا. [ليتل ، ص. 71]

لسوء حظ الولايات المتحدة ، كانت المخابرات السورية على إطلاع جيد بالمؤامرة التي تدعمها الولايات المتحدة. ففي 12 أغسطس 1957 ، طرد رئيس المخابرات السورية ستون ومخططي وكالة المخابرات المركزية الآخرين واعتقل عملاءهم داخل البلاد. كانت إدارة أيزنهاور غاضبة ووضعت تصوراً  لتدخل عسكري ، لكنها تراجعت لما تلقت رسالة فظة من رئيس الوزراء السوفيتي ، نيكيتا خروتشوف ، حذرت أيزنهاور من التدخل.

تركت الجهود المتواصلة والدؤوبة التي بذلتها الولايات المتحدة لفرض سيطرتها على سوريا إرثاً من الإستياء والمرارة. كما لاحظ البروفيسور ليتل ، 'بحلول منتصف العقد لخامس من القرن الماضي ، كان القادة السوريون المتنوعون مثل القوتلي المعتدل والشيوعي بكداش يستخدمون شائعات عن مؤامرات وكالة المخابرات المركزية ، ومعظمها صحيح للغاية ، لإثارة الكراهية للولايات المتحدة التي أعرب عنها أيزنهاور بشدة. . ' [ليتل ، ص. 75]

حملة ما بعد الإتحاد السوفيتي للهيمنة العالمية

لم تنته جهود الولايات المتحدة لتخريب سوريا مع نهاية الحرب الباردة. ففي الواقع ، مع تفكك الإتحاد السوفيتي عام 1991 ، لم يعد هناك بلد قد يفرض بعض الكبح على ممارسة القوة العسكرية الأمريكية. كان قرار الولايات المتحدة شن حرب ضد العراق في 1990-1991 ما أن أصبح واضحاً أن الإتحاد السوفييتي يتجه بسرعة إلى التفكك بمثابة نذير لما أعلنه الرئيس بوش الأول 'نظاماً عالمياً جديداً. ' ففي عام 1992 ، كشف البنتاغون عن خطته الإستراتيجية العسكرية الجديدة ، والتي أكدت بصراحة أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع ظهور منافس جديد لوضعهاالمهيمن.

منذ العقد السادس من القرن الماضي ، بدا تراجع التفوق الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة. أصبحت أكبر دولة دائنة في العالم ، بحلول بداية العقد التاسع ، الدولة الأضخم لجهة الدين العام. ومع ذلك ، لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بتفوق عسكري ساحق على جميع المنافسين الحاليين والمحتملين ، وكانت مصممة على استخدام هذه الميزة لتأمين موقعها كقوة عالمية مهيمنة. وشهد العقد التاسع من القرن الماضي الإستخدام المتصاعد للقوة العسكرية من قبل الولايات المتحدة لتحقيق هدفها الجيوسياسي العالمي. كما توقع تروتسكي في العقد الثالث من القرن الماضي ، بينما سعت ألمانيا تحت حكم هتلر إلى تنظيم أوروبا فقط ، كان هدف الإمبريالية الأمريكية هو تنظيم العالم. وتوقع أن البشرية ستضطر إلى مواجهة الإندفاع العالمي للعسكرة الأمريكية. لقد أثبتت أحداث العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعد نظر تروتسكي.

شنت الولايات المتحدة حربها الأولى ضد العراق في عام 1991. وفي عام 1992 ، حرضت على تفكيك يوغوسلافيا ، مما أدى إلى اندلاع الحرب الطائفية التي مهدت الطريق لحرب عام 1999 ضد صربيا. كما قامت الولايات المتحدة ، في عهد كلينتون ، بأول غزوة كبيرة لها في الصومال ، بهدف استثمار موقع الدولة الفقيرة في القرن الأفريقي ذا الأهمية الإستراتيجية الهائلة. وعلى الرغم من أن التدخل الأولي انتهى بكارثة ، إلا أن العملية الصومالية أعقبها توسع هائل في العمليات الأمريكية في إفريقيا، تجسد في إنشاء أفريكوم ، المركز الإستراتيجي للعمليات العسكرية الأمريكية في القارة وفي منطقة المحيط الهندي.

ومع ذلك ، ظل الشرق الأوسط بؤرة مركزية للعمليات الأمريكية - ليس فقط بسبب الأهمية الإقتصادية والإستراتيجية الهائلة للنفط ، ولكن أيضاً لأنه أصبح ينظر إليه من قبل الإستراتيجيين الأمريكيين على أنه البوابة الأساسية للغزو الأمريكي لأعظم الأصول الجيوسياسية وهي مساحة اليابسة الشاسعة في أوراسيا ، الممتدة من روسيا إلى حدود الصين. أدى تفكك الإتحاد السوفياتي إلى تحول الجغرافيا السياسية في المنطقة حيث أصبحت طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان دولاً مستقلة. أصبحت منطقة القوقاز وبحر قزوين فجأة عاملاً رئيسياً في سوق النفط العالمية ، وكذلك في الأسواق أو غيرها من الموارد الطبيعية الرئيسية. بالنسبة للولايات المتحدة ، أتاح تفكك الإتحاد السوفياتي فرصة غير عادية لإبراز قوتها في هذه المنطقة الشاسعة ، خاصة في ظل الظروف التي كانت فيها روسيا لا تزال تعاني من العواقب المدمرة لتفكيك الإتحاد السوفيتي . ألّف ، زبيغنيو بريجنسكي - مستشار الأمن القومي خلال إدارة كارتر بين عامي 1977 و 1981 ، الذي لعب دوراً رئيسياً في تحريض وتسليح التمرد الإسلامي ضد النظام المدعوم من الإتحاد السوفيتي في أفغانستان ، وبالتالي بدأ سلسلة الأحداث التي أدت إلى كتب إنشاء القاعدة ، والأحداث الكارثية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر والغزو الأمريكي للدولة الواقعة في آسيا الوسطى في عام 2001 ، كتاباً إستفزازياً ومؤثراً بعنوان The Grand Chessboard. كتب في فقرة رئيسية منه:

بالنسبة لأمريكا ، الجائزة الجيوسياسية الرئيسية هي أوراسيا. فعلى مدى 500 عام ، سيطرت قوى وشعوب أوراسيا على الشؤون العالمية ، قاتلوا مع بعضهم البعض من أجل الهيمنة الإقليمية ومدوا يدهم إلى القوة العالمية. الآن أصبحت قوة غير أوروبية آسيوية بارزة - وتعتمد أسبقية أمريكا العالمية بشكل مباشر على مدى طول ومدى فعالية إستمرار هيمنتها في القارة الأوروبية الآسيوية ...

في هذا السياق ، تعتبر كيفية 'إدارة' أمريكا لأوراسيا أمراً بالغ الأهمية. أوراسيا هي أكبر قارة في العالم وهي محورية من الناحية الجيوسياسية.و يمكن للقوة التي تهيمن على أوراسيا أن تتحكم في اثنتين من مناطق العالم الثلاث الأكثر تقدماً وإنتاجية اقتصادياً. إن مجرد إلقاء نظرة خاطفة على الخريطة يشير أيضاً إلى أن السيطرة على أوراسيا ستستلزم تلقائياً تقريباً تبعية إفريقيا ، مما يجعل نصف الكرة الغربي وأوقيانوسيا هامشين جيوسياسياً للقارة المركزية في العالم. يعيش حوالي 75 في المائة من سكان العالم في أوراسيا ، كما أن معظم الثروة المادية للعالم موجودة هناك أيضاً ، سواء في مؤسساتها أو تحت ترابها. تمثل أوراسيا حوالي 60 في المائة من الناتج القومي الإجمالي للعالم وحوالي ثلاثة أرباع موارد الطاقة المعروفة في العالم ...

وبالتالي فإن أوراسيا هي رقعة الشطرنج التي يستمر فيها الصراع من أجل السيادة العالمية. [ص. 30-31]

منذ ظهور كتاب بريجنسكي لأول مرة قبل 16 عاماً ، أصبح الدور المركزي لأوراسيا - أو ما أطلق عليه الإستراتيجي الجغرافي الشهير السير هالفورد ماكيندر في أوائل القرن العشرين 'جزيرة العالم' - في الإستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة واضحاً تماماً. كانت الولايات المتحدة في حالة حرب في العراق وأفغانستان واليمن وباكستان خلال العقد الماضي. ومع ذلك ، لا يمكن ضمان الهيمنة في أوراسيا حتى تتغلب الولايات المتحدة على مقاومة ثلاث دول رئيسية تكون مصالحها في المنطقة أكثر مباشرة من مصالح الولايات المتحدة - إيران وروسيا والصين. من بين هذه البلدان الثلاثة ، التحدي الذي تمثله إيران هو الأكثر إلحاحاً حيث أن موقعها الجغرافي يجعلها عاملاً رئيسياً في علاقات القوة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. فإيران تهيمن على الخليج العربي ، الذي يمر عبره الجزء الأكبر من الناقلات العملاقة التي تنقل نفط المملكة العربية السعودية ودول الخليج إلى العالم كما تشترك في الحدود مع تركمانستان وأفغانستان وباكستان.

إن الإنقلاب الذي رعته وكالة المخابرات المركزية عام 1953 والذي أطاح بحكومة مصدق الوطنية وأعاد تنصيب الشاه المكروه على 'عرش الطاووس' ضمن سيطرة الولايات المتحدة على إيران لمدة ربع قرن. إعتمد الشاه رضا بهلوي على آليات دولة بوليسية شرسة. تعرض الآلاف من الشيوعيين والعمال والطلاب لمعاملة همجية وقتلوا في غرف التعذيب التابعة لشرطة الشاه السرية ، المعروفة بإسم سافاك. أطاحت الثورة الإيرانية عام 1979 بهذه الحالة ، بدعم من الولايات المتحدة.

كان تدمير هذا النظام وإعادة بسط سيطرة الولايات المتحدة على إيران هدفاً رئيسياً لأكثر من 30 عاماً. وفي العقد الثامن من القرن العشرين، دعمت إدارة ريغان نظام صدام حسين في حرب العراق التي إستمرت ثماني سنوات ضد إيران. أما في عام 1988 ، فشجعت الولايات المتحدة على إستخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد الجنود الإيرانيين و وقدمت له معلومات إستخبارية رئيسية.

يرتبط الغضب بشأن خطط إيران المزعومة لتطوير سلاح نووي بتصميم الولايات المتحدة على تدمير قدرة إيران على إحباط طموحات واشنطن في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. كيف يمكن تحقيق ذلك في نهاية المطاف؟ من خلال التحريض على الحرب الأهلية ، أو الهجوم المباشر ، أو مزيج من الإثنين وهو أمر لم يتم تحديده بعد. ومع ذلك ، فإن تصميم الولايات المتحدة على الإطاحة بالنظام السوري وإستبداله بحكومة دمية يرتبط إرتباطاً وثيقاً بصراع واشنطن ضد إيران. من وجهة نظر الولايات المتحدة على بشار الأسد الرحيل ، لأن نظامه حليف مهم لإيران. وسيؤدي الإطاحة بنظام الأسد إلى عزل إيران وإضعاف نفوذها في الشرق الأوسط وجعلها أكثر عرضة للهجوم.

يشكل العلويون المكونون الأكثر أهمية للنظام السوري ، الذين ينحدر دينهم من الشيعة. ففي إيران ، يشكل الشيعة القسم الأكبر من السكان. هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة ، في إطار جهودها للإطاحة بالأسد ، كانت في تحالف عملي بحكم الأمر الواقع مع القوات العسكرية ذات الصلة بالقاعدة المتمركزة في  أوساط السنة. ومرت هذه الحقيقة تقريباً دون أن يلاحظها أحد في وسائل الإعلام الأمريكية.

*الحرب التي استمرت عقدًاً من الزمن ضد سوريا

في رواية وسائل الإعلام ، كانت إدارة أوباما متفرجاً سلبياً إلى حد ما مع اندلاع الحرب الأهلية في سوريا. بإستثناء إنتهاك 'الخط الأحمر' ، لم تكن إدارة أوباما ترغب في التدخل في الصراع. تجاهل الإعلام ببساطة حقيقة أن الولايات المتحدة تصعد الضغط السياسي والإقتصادي والعسكري على دمشق منذ أكثر من عقد. ففي خطاب حالة الإتحاد الذي ألقاه الرئيس جورج دبليو بوش في يناير 2002 ، وصف إيران والعراق وكوريا الشمالية بـ 'محور الشر'. أما في مايو 2002 ، فقد ألقى وكيل وزارة الخارجية جون بولتون خطاباً بعنوان 'ما وراء محور الشر' وسع فيه قائمة بوش لتشمل كوبا وليبيا وسوريا.

بعد عام واحد ، في 2003، وقعت إدارة بوش على قانون 'محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان ، الذي فرض عقوبات كبيرة على نظام الأسد. صدر القانون بتأييد ساحق من الحزبين عقب جلسات استماع في الكونجرس لم يُسمح فيها لمعارضي مشروع القانون بالإدلاء بشهادتهم. لقد فهم الخبراء في سياسات الشرق الأوسط التداعيات العدوانية لمشروع القانون. ففي مقال نُشر في عدد ربيع 2004 من مجلة ميدل إيست بوليسي ، حذر البروفيسور ستيفن زونس من جامعة سان فرانسيسكو:

يمكن أن يكون قانون محاسبة سوريا بمثابة مقدمة لعمل عسكري أمريكي ضد سوريا. وهي توضح، بتفصيل أكبر مما فعلته الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالعراق ، أسباب الغزو الأمريكي بإعلانه أن 'امتلاك سوريا لأسلحة الدمار الشامل وبرامج الصواريخ الباليستية تهدد ... مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة' ، سيجد الكونجرس صعوبة في رفض أي طلب من الرئيس للسماح بعمل عسكري. [ص. 66]

هل من علاقة تربط النفط والغاز الطبيعي بالتمرد السوري؟

منذ ما يقرب من 15 عاماً ، عشية الهجوم الأمريكي على صربيا ، قمت بتبادل المراسلات مع مؤرخ بارز في إحدى الجامعات الكبرى ، مؤلف كتاب نصي واسع الإستخدام حول السياسة العالمية في القرن العشرين. لقد كشف عمله ببراعة عن المصالح المادية المخفية وراء العبارات المعسولة للإمبرياليين حول حقوق الإنسان. ومع ذلك ، كان هذا الباحث مقتنعاً تماماً بأن قصف الولايات المتحدة لصربيا كان فقط نتيجة أنبل الدوافع ، غير الملوثة بالمصالح الجيوسياسية غير المعلنة ، ناهيك عن المصالح الإقتصادية. لقد وجد أنه ليس أقل من عبث الإشارة إلى أن الحرب في البلقان لها أي علاقة على الإطلاق بجهود أمريكا لتأسيس هيمنتها في المناطق الغنية بالنفط والغاز الطبيعي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى! إن الإعتقاد بوجود صلة بين العمليات 

العسكرية للولايات المتحدة والمصالح النفطية لم يكن أقل من تعبير عن الحتمية الإقتصادية الفجة.

مع المجازفة بجعل نفسي عرضة لتهمة 'الماركسي المبتذل' - أي الشخص الذي يعتقد أن المصالح الإقتصادية تلعب دوراً أكبر بكثير في تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية من المثل الأخلاقية التي تتذرع بها الحكومات الإمبريالية نفاقاً - اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى ظهور الدكتور جيفري مانكوف في 25 يوليو 2013 من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب والمعنية بأوروبا وأوراسيا والتهديدات الناشئة.

أوضحت شهادة الدكتور مانكوف الأهمية العالمية المتزايدة لرواسب النفط والغاز الطبيعي الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط.:

يحتوي حوض بلاد الشام في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​على حوالي 122 تريليون قدم مكعب (أو 3.45 تريليون متر مكعب) من الغاز الطبيعي غير المكتشف والقابل للإستخراج تقنياً ، إلى جانب 1.7 مليار برميل من النفط الخام. تقع معظم الرواسب المعروفة حالياً قبالة سواحل إسرائيل وفي الحقول المجاورة قبالة قبرص. قد توجد حقول إضافية غير مكتشفة قبالة سواحل لبنان وسوريا. في حين أن الأحجام المعترف بها حالياً صغيرة مقارنة بتلك الموجودة في الخليج الفارسي أو روسيا أو حوض بحر قزوين ، إلا أنها كبيرة بما يكفي ليكون لها تأثير كبير على أمن الطاقة للدول في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، وتجعل لبعضها مساهمة محدودة في أمن الطاقة في أوروبا.

كما هو الحال دائماً ، فإن وجود احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي يزيد من حدة الصراعات ، سواء بين دول المنطقة ونخبها المالية التي تأمل في الإستفادة من الثروات الموجودة تحت الأرض ، أو بين القوى الكبرى التي تقيم تداعيات ذلك. لا تقتصر أهمية النفط والغاز على المال ، حيث أن هناك الميزة الجيوسياسية. فهناك بالفعل خلافات مريرة بين دول المنطقة حول حقوق الملكية والسبل التي سيتم بها نقل النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية. يُحسب للدكتور مانكوف ، على عكس الأستاذ الذي تحدثت معه في عام 1999، أن الصراع على الموارد يلعب بالتأكيد في نظره دوراً رئيسياً في تفاقم التوترات وقد قال في شهادته:

ومع ذلك ، فإن موارد النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​تقع في قلب واحدة من أكثر مناطق العالم تعقيداً من الناحية الجيوسياسية حيث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، والتوترات بين إسرائيل ولبنان ، والصراع المجمد في قبرص ، والعلاقات الصعبة بين تركيا وجمهورية قبرص واليونان ، كلها عوامل تعقد جهود تطوير وبيع الطاقة من شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد أدخلت الحرب الأهلية السورية مصدراً جديداً لعدم اليقين الإقتصادي والجيوسياسي ، في حين تقبع روسيا في الخلفية ، و تسعى لدخول ثروة الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، والحفاظ على مكانتها كمورد رئيسي للنفط والغاز للأسواق الأوروبية.

رأي النخبة ورأي الجماهير

في الوقت الحالي ، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن وسائل الإعلام تجاهلت تقريباً المشاكل المعقدة للجغرافيا السياسية والإقتصاد التي تكمن وراء الدافع نحو الحرب. بإستثناء المقالات العرضية ، وعادةً ما تكون في منشورات أقل شهرة ، فإن تغطية الأزمة في وسائل الإعلام تتكون بالكامل تقريباً من الدعاية. هذه الحقيقة بالذات تجعل المعارضة الشعبية للحرب أكثر أهمية. لقد تطورت على عكس الدعاية الإعلامية المؤيدة للحرب التي لا هوادة فيها. خلال الشهر الماضي ، بذلت وسائل الإعلام والصحف كل ما في وسعها ، أو ينبغي أن نقول أسوأ ما في وسعها ، لدفع السكان إلى الهيجان. إحدى السمات البارزة بشكل خاص للدعاية المعاصرة المؤيدة للحرب هي الدعوات المستمرة لقتل قادة البلدان التي تستهدفها الولايات المتحدة بالهجوم. كان هذا هو الحال مع سلوبودان ميلوسيفيتش من صربيا ، وصدام حسين في العراق ، ومعمر القذافي من ليبياو كلهم ماتوا الآن.

الدعوات لقتل الأسد شائعة الآن في وسائل الإعلام. أعلنت الإيكونوميست في عددها الصادر في 31 آب (أغسطس) - 6 أيلول (سبتمبر) أن الأسد “يجب أن يُظهر القليل من الرحمة كما أظهره للأشخاص الذين يدعي أنهم يحكمون. إذا أصاب صاروخ أمريكي السيد الأسد نفسه فليكن. لا يلوم هو وأتباعه سوى أنفسهم '. كتب بريت ستيفنز من صحيفة وول ستريت جورنال في 27 أغسطس: 'إذا قرر الرئيس أوباما الأمر بشن ضربة عسكرية ضد سوريا ، فإن عمله الرئيسي يجب أن يكون قتل بشار الأسد. وأيضاً ، شقيق بشار والمساعد الرئيسي ماهر. وأيضاً ، كل فرد آخر في عائلة الأسد لديه مطالب بالسلطة السياسية '.

نصح أ. بارتون هينكل من صحيفة ريتشموند بوست جازيت قراءه في 4 سبتمبر ، حيث كتب'الميزة الأكثر وضوحاً لقتل الأسد هي أنه سيفعل بالضبط ما يريد الرئيس أن يفعله: إرسال رسالة مفادها أن جرائم معينة ضد الإنسانية ستلقى عقوبة سريعة '.

كان كاتب العمود الليبرالي 'اليساري' الشهير بيتر بينارت من بين أول من حث على قتل الأسد. قال بينارت في مقاله في The Daily Beast منذ أكثر من عام ، في 11 يونيو 2012:

دعني أقترح تجربة فكرية غير سارة: ربما على أمريكا أن تحاول قتل بشار الأسد؟ ...

في الواقع ، من الصعب تمييز أي مبدأ يميز قتل الأسد عن الإغتيالات المستهدفة والحروب الإنسانية التي تحظى بدعم سياسي أمريكي كبير ...

لكن السؤال الأكبر هو إلى أي مدى نحن على استعداد للذهاب في إعطاء الأولوية للمصالح الأمنية الأمريكية والمثل الإنسانية على السيادة الوطنية والقانون الدولي. بالنظر إلى المدى الذي قطعته أمريكا في هذا الإتجاه في السنوات الأخيرة ، فإن محاولة اغتيال بشار الأسد لا تبدو متطرفة على الإطلاق.

الأشخاص الذين يكتبون مثل هذه السطور ليسوا مجرد أفراد منحطون. وهم ، إذا استمر المرء على أساس المبادئ التي تم وضعها في محاكمات جرائم الحرب لعام 1946 للقادة النازيين في نورمبرغ ، مجرمين. وهم مذنبون بإرتكاب دعاية للحرب ، التي أعلنت محكمة نورمبرغ أنها نشاط غير قانوني. نظراً لأن المبدأ الأساسي الذي تم تأسيسه في نورمبرغ كان أن تعريف الحرب العدوانية بأنها حرب لا يتم شنها رداً على تهديد واضح وشيك بالهجوم ، ولكن ، بدلاً من ذلك ، لغرض تحقيق أهداف سياسية أو إقتصادية معينة و هي جريمة ، ويترتب على ذلك أن الذين يحرضون على الحرب هم أنفسهم منخرطون في نشاط إجرامي. كما أوضح البروفيسور جون ب. ويتون في مقال نشر عام 1971 في حوليات الأكاديمية الأمريكية للعلوم السياسية والاجتماعية:

ومن ثم ، بما أن الحرب العدوانية أصبحت الآن غير قانونية ، فإن الدعاية والتحريض على هذه الجريمة يشكلان أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي.

تُعد محاكمات جرائم الحرب في ألمانيا واليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية سابقة ، ليس فقط لجهة تعريف أن الحرب العدوانية جريمة من حيث الأساس، ولكن أيضاً لتبني قاعدة معارضة العدوان الأيديولوجي.

ففي مناقشته للدعاية الحربية بوصفها جريمة ، أشار ويتون تحديداً إلى الدعاية التشهيرية ، وهي شكل من أشكال الدعاية التي تسعى إلى التحريض على الحرب من خلال التحريض على الكراهية الجماعية ضد قادة الدول 'المعادية'.

هذا هو مفهوم هام. إن فضح وحتى إدانة القادة السياسيين الذين قد يكونون ، في الواقع ، مذنبين بإرتكاب أفعال تستحق الشجب شيء. لكن الدعوات إلى الإغتيال لا تهدف فقط إلى تجريد الفرد من إنسانيته ، ولكن أيضاً ،تستهدف بالتبعية ، مواطني الدولة التي يقودها. قبل كل شيء ، تحاول هذه الدعاية إخماد جميع التيارات المحرجة داخل شعب الدولة المعتدية ، وجعلها غافلة عن جميع القواعد القانونية ، وخفض وعيها إلى مستوى الغوغاء أو شهود العيان السلبيين على حد سواء وهذه جرائم ضد الإنسانية.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الصحفيين لم يقصروا موافقتهم على قيام الدولة بقتل القادة الأجانب الذين يعارضون المصالح الجيوسياسية للدولة الأمريكية. ففي الشهر الماضي ، أطلق مايكل غرونوالد ، كبير المحررين في مجلة تايم ، رسالة على تويتر تقول: 'لا أطيق الإنتظار لكتابة دفاع عن ضربة الطائرة بدون طيار التي تقضي على جوليان أسانج'.

يكشف مثل هذا التصريح من قبل صحفي أمريكي بارز عن الصلة الأساسية بين اندلاع الإمبريالية الأمريكية والنمو غير المقيد للميول الفاشية داخل الطبقة الحاكمة والمؤسسة السياسية التي تخدم مصالحها.

أخيراً ، كيف يمكن للمرء أن يفسر الهوة السياسية الواسعة التي انفتحت بين الرأي العام الرسمي المؤيد بشدة للحرب والشعور الحقيقي المناهض للحرب الذي يسود بين جماهير السكان؟ يمكن العثور على الإجابة في الهوة الإجتماعية التي لا يمكن جسرها والتي تفصل النخبة فائقة الثراء التي تحكم الولايات المتحدة عن الظروف المالية والإجتماعية التي تواجه الجماهير العريضة. إن أغنى خمسة إلى واحد في المائة من السكان - ناهيك عن أغنى 0.1 (واحد من كل ألف) و 0.01 في المائة (واحد من كل عشرة آلاف) - يعيشون في عالم اجتماعي مختلف تماماً عن عالم الأغلبية الساحقة في البلاد. أصدر الاقتصاديان بيكيتي وسايز للتو دراسة تظهر أن 95 في المائة من جميع المكاسب في دخل الأسرة منذ عام 2009 ،وهي البداية الرسمية لما يسمى 'الانتعاش الاقتصادي' ، ذهبت إلى جيوب أغنى واحد في المائة من السكان! أولئك الذين في القمة فقدوا كل إحساس بالواقع. إنهم ببساطة غير قادرين على الإدراك التعاطفي لظروف ومشاعر السواد الأعظم من السكان. لهذا السبب أساءت إدارة أوباما ووسائل الإعلام تماماً الحكم على مزاج الشعب الأمريكي.

يفقد محتالو النخبة الحاكمة ونصابوها السياسيون والإعلاميون سيطرتهم على وعي الناس. إن المشاعر المناهضة للحرب لدى الطبقة العاملة ، داخل الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي ، هي تعبير عن الوعي الناشئ المناهض للرأسمالية ، والذي سيصبح أكثر وضوحاً وستتحسن صياغته سياسياً.

إن الكفاح ضد الإمبريالية والحرب واللامساواة الإجتماعية والقمع السياسي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنضال ضد الرأسمالية. هذا هو المنظور الذي يسعى على أساسه حزب المساواة الإشتراكية والشباب الدولي والطلاب من أجل المساواة الإجتماعية ورفاقهم في التفكير في اللجنة الدولية لبناء حركة جديدة مناهضة للحرب.

Loading