العربية
Perspective

الرأسمالية الأمريكية تطبيع الموت الجماعي

نشرت هذه المقالة لأول مرة باللغة الإنجليزية في 23 سبتمبر 2021

بعد 22 شهراً منذ ظهور COVID-19 ، لا تلوح في الأفق نهاية للوباء ، الذي يستمر في نشر الموت على نطاق واسع.

صار مركز الوباء مرة أخرى في الولايات المتحدة ، حيث تجاوز عدد القتلى الرسمي هذا الأسبوع 700000.  تم فقدان أكثر من 9.1 مليون سنة من أعمار البشر بسبب كورونا  في الولايات المتحدة ، وفقاً لدراسة نُشرت هذا الأسبوع في دورية 'حوليات الطب الباطني' 

وقد توفي 935 شخصا يوم الاثنين،وفي  يوم الثلاثاء، 2152؛ وفي يوم الأربعاء 2228 ؛ في ويوم الخميس 1944. منذ بداية الأسبوع ، في غضون أربعة أيام فقط ، مات 7000 شخص. أما في الشهر الماضي وحده ، لقي 51 ألف شخص حتفهم في المستشفيات والمنازل ومراكز التمريض المكتظة.

في 4 تموز (يوليو) ، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن 'الاستقلال' عن جائحة كورونا ، قائلاً: 'يمكننا أن نعيش حياتنا، ويمكن لأطفالنا العودة إلى المدرسة ، واقتصادنا يتعافى'. لم يشجع بايدن ارتداء الكمامة وحث الأشخاص الذين تم تطعيمهم على عدم التباعد الاجتماعي ، مدعياً أن الوباء قد انتهى.لكن منذ ذلك الوقت ، مات أكثر من 80.000 أمريكي من الوباء.

حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً ، مثل السيناريو الذي أصدره مركز سيناريو كورونا استناداً إلى توقع حدوث انخفاض كبير في الحالات ، فإن عدد القتلى سيصل إلى أكثر من 800000 بحلول الربيع.

ولكن في ظل معدل الوفيات الحالي ، حيث يموت ما معدله 1726 شخصاً كل يوم ، سيموت أكثر من 300000 شخص في الأشهر الستة المقبلة ، وبذلك سيرتفع عدد القتلى الرسمي في الولايات المتحدة إلى أكثر من مليون شخص.

ثمة 480 طفلاً بين الضحايا ، مات 20 منهم في الأسبوع الماضي وحده. ووفقاً لدراسة نُشرت في يوليو / تموز ، فقد أكثر من 100 ألف طفل من يرعونهم بسبب الوباء.

وفي جميع أنحاء البلاد ، من ولاية ويسكونسن إلى كاليفورنيا ، تمتلئ وحدات العناية المركزة بالمستشفيات حتى طاقتها الاستيعابية. تقوم المستشفيات بإصدار بروتوكولات طوارئ للممرضات والأطباء لاتخاذ قرار مروع لتحديد من سيعيش ومن سيموت ، بسبب نقص أجهزة التنفس وغيرها من المعدات المنقذة للحياة.

سيصاب واحد من كل ثلاثة أشخاص مصابين بـ كورونا بـ 'COVID طويل' ، مع استمرار الأعراض لأكثر من أسبوعين. هذا يعني، بالنسبة لمئات الآلاف ،  الوهن الدائم: التعب المزمن والألم والضعف الإدراكي طويل الأمد ، بما في ذلك بين جيل كامل من الأطفال.

ولكن مع وفاة أكثر من 2000 شخص كل يوم - وهو معدل أكبر مما حدث في أي حرب خاضتها الولايات المتحدة على الإطلاق - أعلنت المؤسسة السياسية الأمريكية أن الوباء قد انتهى. وكتبت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس على تويتر يوم الخميس 'بينما ننهي هذا الوباء ، يجب أن نستعد لما سيأتي لاحقاً'.

إن الحديث عن 'نهاية' جائحة كورونا في حين يموت ألفي شخص يوماً بعد يوم هو محض جنون. ولكن في المنطق الملتوي للطبقة الحاكمة الأمريكية ، فإن 'إنهاء' الوباء يعني ببساطة تجاهله. يجب التعامل مع مستوى الوفيات الذي نشهده في الولايات المتحدة على أنه 'الوضع الطبيعي الجديد'.

ما يحدث هو تطبيع مروّع للموت.

في أغنى وأقوى دولة رأسمالية في العالم ، يموت ما يقرب من مليون شخص بسبب مرض يمكن الوقاية منه. كانت هذه الوفيات نتيجة الأكاذيب والتستر من قبل إدارة ترامب والكونغرس ، والتي خدعت الجمهور مع انتشار المرض في جميع أنحاء البلاد في يناير وفبراير وتركته اعزل في مواجهة المرض.

في 14 مايو 2020 ، عقدت اللجنة الفرعية المعنية بالصحة التابعة للجنة مجلس النواب للطاقة والتجارة جلسة استماع حول 'النزاهة العلمية في الاستجابة لـ كورونا' ، حيث انتقد ريك برايت ، المبلغ عن المخالفات ، رد إدارة ترامب على الوباء. أعلن برايت أن 'مسؤولي الصحة العامة كانوا على دراية كاملة بالتهديد الناشئ عن كورونا بحلول أوائل يناير 2020.' لكن حكومة الولايات المتحدة كانت 'عازمة على التقليل من أهمية هذا التهديد الكارثي'.

ستكون أول وآخر جلسة استماع من نوعها. بينما سيستمر الكونجرس في استدعاء مسؤولي الصحة العامة للإدلاء بشهادتهم ، سيكون ذلك في إطار تسريع خطط إعادة فتح المدارس والشركات. لم يكن هناك أي جهد للتحقيق في مزاعم برايت: أن التستر المنهجي ، الذي شارك فيه كل من الديمقراطيين والجمهوريين ، حد من استجابة الولايات المتحدة للوباء.

استمر الفشل في التحقيق في الاستجابة للوباء في ظل إدارة بايدن ، التي وجهت مناشدتها للجمهور الأمريكي على أساس العداء الشعبي للتعامل الكارثي لإدارة ترامب مع الوباء.

على الرغم من حجم الكارثة ، إلا أنها لم تخضع لأي تحقيق علني جاد ، حتى لما كان هناك دليل واضح على ارتكاب مخالفات ، مثل بيع الأسهم من قبل أعضاء الكونجرس الذين تم إطلاعهم على الوباء ، والتي دفع الكشف عنها رئيس لجنة استخبارات مجلس الشيوخ  ريتشارد بور للإستقالة من منصبه.

إن الفشل في محاسبة أي شخص على الاستجابة الكارثية للوباء أمر مقصود. فمن وجهة نظر الطبقة الحاكمة ، لم تكن الإجراءات التي ساهمت في العدد الهائل من القتلى أخطاءً. هذا هو السبب في عدم وجود تحقيقات وعدم محاسبة أي شخص ، لأن هذه هي السياسة التي تنادي بها الطبقة الحاكمة بأكملها والنظام الرأسمالي بأسره.

إن الحد الذي يمكن فيه تحميل اللوم لأحد ما، يجب أن يكون على أساس تلفيق لا يدين استجابة سياسة الولايات المتحدة. هذا هو أصل كذبة 'تسرب المختبر' ، التي تسعى إلى إلقاء اللوم على الصين في جائحة كورونا.

كان تستر الحكومة الأمريكية جزءاً من سياسة 'حصانة القطيع' ، التي لا تزال هي السياسة حتى يومنا هذا. كتب بول إلياس ألكساندر المسؤول في إدارة ترامب: 'الرضع والأطفال والمراهقون والشباب ومن هم في منتصف العمر دون أي شروط وما إلى ذلك ليس لديهم أي خطر يذكر ... لذلك نستخدمهم لتطوير القطيع ... نريدهم مصابين'.

كانت هذه هي نفس السياسة التي قادت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للإعلان العام الماضي ، أنه'لا مزيد من عمليات الإغلاق اللعينة - دع الجثث تتراكم بالآلاف'.

إلى الحد الذي تمتلك فيه الطبقة الحاكمة استراتيجية للاستجابة للوباء ، فإنها تسمح بالعدوى الجماعية للسكان ، والتي ، من المفترض أن تؤدي جنباً إلى جنب مع المناعة المتولدة من اللقاحات ، إلى منع حدوث طفرات كبيرة جديدة للمرض. هذا يعني أن كورونا سيصبح وباءً مستوطناً بين السكان ، مما يؤدي إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص كل عام.

يعتمد هذا السيناريو 'المتفائل' على ادعاء بأنه لن يظهر نوع جديد من كورونا ، مثل متحول دلتا ، الذي يؤدي إلى زيادة في الحالات والوفيات.

يجب التعامل مع قدرة الرأسمالية الأمريكية على قبول الموت الجماعي و 'تطبيعه' كتحذير. جميع الحجج القائلة بأن الحرب النووية لا يمكن تصورها لأن المجتمع غير مستعد لقبول خسارة الملايين من الأرواح تم دحضها من خلال الاستجابة للوباء. إذا كانت الطبقة الحاكمة الأمريكية مستعدة لقبول خسارة مليون شخص من جراء مرض يمكن الوقاية منه ، فإنها ستقبل بموت عشرات الملايين في حرب نووية. كما علق بلومبرج نيوز العام الماضي:

نعم ، أخطأت الولايات المتحدة في استجابتها لـ كورونا. في الوقت نفسه ، تُظهر تجربتها أن أمريكا كدولة يمكنها في الواقع أن تتسامح مع وقوع عدد كبير جدا من الضحايا. لطالما كانت العقيدة الصينية القياسية هي أن الأمريكيين 'لينين' وغير مستعدين لتحمل الكثير من المخاطر. إذا كنت مخططاً للعبة حرب صينية ، فهل يمكنك الآن إعادة النظر في هذا الافتراض؟

بينما يقف النظام الرأسمالي بأكمله وراء سياسة 'مناعة القطيع' ، لا تستطيع الطبقة العاملة قبول استمرار موجة الموت الجماعي. يجب أن تتدخل ، في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم ، لوضع حد للوباء ، والمطالبة بتطبيق تدابير الصحة العامة اللازمة للقضاء على الفيروس.

Loading