العربية
Perspective

90 عام على تولي هتلر السلطة: ذكرى مشؤومة

نُشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في يناير 29 2023

قبل تسعين عام ، في 30 يناير 1933 ، عين الرئيس بول فون هيندنبورغ زعيم حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني (NSDAP) ، أدولف هتلر ، مستشارا ً للرايخ الألماني. كان لانتقال السلطة إلى النازيين عواقب وخيمة. ربما لم ينجح هتلر في تأسيس الرايخ الموعود ليعيش  1000 عام ، حيث انتهى عهده بعد 12 عام ، لكن الجرائم التي ارتكبها نظامه خلال هذه السنوات الـ 12 تجاوزت أي شيء يمكن تخيله وكان يمكن أن تكون كافية لأكثر من 1000 عام.

ففي غضون بضعة أشهر، أطلق النازيون عهد الإرهاب الذي جمع بين أحدث وسائل الدعاية والمراقبة الكاملة والقمع الذي لا يرحم. لقد حطموا المنظمات العمالية وقتلوا قادتها وأعضائها أو وضعوهم في معسكرات الإبادة أقيمت خصيصاً لهذا الغرض.

لقد حولوا ألمانيا  التي لطالما عُدت أمة الثقافة والتقدم الصناعي، إلى آلة قتال همجية. فبعد ستة أعوام ونصف من تعيين هتلر مستشاراً للرايخ ، بدأ جيشه (الفيرماخت) الحرب العالمية الثانية بغزو بولندا. تبع ذلك في صيف عام 1941 حرب الإبادة المخططة بدقة ضد الاتحاد السوفيتي ، والتي راح ضحيتها 27 مليون مواطن سوفيتي.

بلغت همجية النازيين ذروتها مع إبادة ستة ملايين يهودي  بطرق صناعية، وكذلك مئات الآلاف من شعبي السنتي والغجر ، الذين تم تسجيلهم واعتقالهم ونقلهم إلى معسكرات الإبادة ، حيث تم اختيارهم لغرف الغاز و المحرقة بدقة بيروقراطية.

بعد عشر سنوات من وصول هتلر إلى السلطة ، في 2 فبراير 1943 ، شكلت هزيمة الفيرماخت على يد الجيش الأحمر في ستالينغراد نقطة تحول في الحرب. انتعشت الحرب الآن على ألمانيا نفسها. مئات الآلاف من المدنيين قتلوا في قصف الحلفاء لألمانيا. بحلول الوقت الذي أطلق فيه هتلر رصاصة على جمجمته في 30 أبريل 1945 واستسلمت ألمانيا ، كانت البلاد في حالة خراب..

ساد على مدى سنوات عديدة بعد ذلك، توافق في الآراء على منع تكرار تلك الجرائم بشكل قطعي ولكن هذا لم يعد هو الوضع حالياً إذ تحتفل الحكومة الألمانية بالذكرى التسعين لصعود هتلر إلى السلطة من خلال نشر دبابات قتال ألمانية من طراز ليوبارد لمحاربة روسيا بهدفه  الانتقام للهزيمة في ستالينغراد قبل 80 عاما ًمن خلال تصعيد الحرب في أوكرانيا من أجل إخضاع روسيا عسكرياً.

ذكرت مجلة  دير شبيغل في عددها الأخير أن القيادة العليا للناتو 'وضعت منذ أشهر ثلاث خطط عملياتية إقليمية لمنطقة التحالف بأكملها'. تصف 'الخطط ، وهي بحجم دليل الهاتف السميك،  مع العديد من المرفقات بالتفصيل القدرات التي يمكن نشرها في أي أبعاد عسكرية ، من الفضاء الإلكتروني إلى الفضاء الجغرافي إلى القوات البحرية والجوية والبرية.' في غضون ذلك ، يتكهن الجنرالات الأمريكيون حول ما إن كانت الحرب ضد الصين، وهي قوة أخرى مسلحة نووياً  يجب أن تبدأ في غضون عامين أو أربعة أعوام.

سيكون هتلر مبتهجاً. سوف يدعم هجوم الناتو بالكامل ويصفق بصوت عالٍ للأمر بنشر دبابات قتال وغواصات.

بدأت إعادة اعتبار  هتلر في ألمانيا منذ سنوات. عندما صور المؤرخ إرنست نولت النازية في العقد  التاسع من القرن الماضي على أنها رد فعل مفهوم على ثورة أكتوبر الروسية ، واجه عاصفة من السخط فيما أصبح يُعرف باسم 'نزاع المؤرخين'.

ولكن في عام 2014 ، عندما  أعاد الأستاذ بجامعة هومبولت يورج بابروفسكي  عملية إعادة الاعتبار التي بدأها نولت في دير شبيغل وأعلن أن 'هتلر لم يكن شريراً' ، انصب كل غضب وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية على حزب المساواة الاشتراكية (Sozialistische Gleichheitspartei، SGP) بسبب انتقاده العلني  لبابروفسكي. كما أوضح حزب المساواة الاشتراكية  في ذلك الوقت ، كانت إعادة تأهيل هتلر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإحياء النزعة العسكرية الألمانية.

وهذا ما تؤكده الآن الحرب في أوكرانيا. لقد كان بمثابة ذريعة للحكومة الألمانية لإطلاق أكبر برنامج لإعادة التسلح منذ هتلر. تم إشعال الحرب عمداً من خلال توسع الناتو الذي لا هوادة فيه باتجاه الشرق وانقلاب عام 2014 في كييف. إنه جزء من عملية  إعادة تقسيم عنيفة للعالم بين القوى الإمبريالية ، مدفوعة بأزمة الرأسمالية العميقة.  ويتمثل هدف الإمبرياليين بتحطيم روسيا وتقسيم مواردها الطبيعية الهائلة وتطويق الصين.

هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال الغزو الروسي الرجعي لأوكرانيا إذ يجسد نظام بوتين مصالح الأوليغارشية الروسية ، التي حلت الاتحاد السوفيتي عام 1991 ونهبت الممتلكات الاجتماعية. غن هجوم الناتو هو الثمن الذي يدفعه الشعب الروسي الآن مقابل تدمير إنجازات ثورة أكتوبر عام 1917. فما لم تتمكن دبابات هتلر من تحقيقه في عام 1943 ، تحاول برلين وواشنطن تحقيقه بمساعدة الناتو ودميتها في كييف، و لا يمكن وقف هذا إلا بحركة موحدة للطبقة العاملة الدولية.

دروس من صعود هتلر إلى السلطة

الدروس التاريخية لصعود هتلر لها أهمية كبيرة اليوم. فعلى عكس مما يُزعم في كثير من الأحيان ، لم يتم جلبه إلى السلطة من قبل حركة شعبية أثبت المدافعون عن الديمقراطية عجزهم عن مجابهتها. لم يكن مضطرًا للاستيلاء على سلطة الدولة إذ سلمته إياها النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية.

فحين دخل هتلر مستشارية الرايخ في عام 1933 ، كانت المؤسسات الديمقراطية لجمهورية فايمار قد دمرت منذ فترة طويلة. لمدة ثلاث سنوات قبل ذلك ، كان المستشارون يحكمون من خلال مراسيم الطوارئ التي وقعها رئيس الرايخ.

وحققت حزب العمال الاشتراكي الوطني بزعامة هتلر، - الذي جمع ضباط الحرب العالمية الأولى المحبطين ، والطبقات البرجوازية الصغيرة التي دمرها التضخم والكساد الاقتصادي ، وعناصر أخرى رفعت عنها السرية تحت راية العرق ومعاداة الشيوعية،- أفضل نتيجة انتخابية لها في صيف عام 1932 ، مع 37 بالمئة من تصويت. بعد ذلك ، سرعان ما تفكك دعم الحزب. عندما أجريت انتخابات الرايخستاغ الجديدة بعد أربعة أشهر ، حصل حزبا العمال ، الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) والحزب الشيوعي (KPD) ، على أصوات مجمعة أكثر بكثير من النازيين. وواجه الحزب الإفلاس إلى حد دفع هتلر للتفكير بالانتحار.

في هذه الأزمة ، تم اتخاذ القرار لصالح هتلر من قبل دائرة تآمرية صغيرة حول رئيس الرايخ فون هيندنبورغ. أشارت الشركات الكبيرة والجيش إلى موافقتهم. لم يدعموا هتلر لأنهم أساءوا فهم نواياه ، ولكن لأنهم عرفوا بالضبط ما هو عليه.

في وقت مبكر من يناير 1932 ، وعد هتلر كبار ممثلي الأعمال في خطاب ألقاه أمام نادي الصناعة في دوسلدورف بأنه سيلغي الديمقراطية ، ويقمع الصراع الطبقي و 'البلشفية' ، ويفتح المجال الحيوي الجديد لألمانيا. وطمأنهم إلى أنه على الرغم من الخطاب العرضي المناهض للرأسمالية ، فإن النازيين لن ينتهكوا الملكية الخاصة أو يتحدىوا الفروق في الدخل بين الناس.

التقى هتلر بقادة جيش  ألمانيا بعد أربعة أيام من توليه رئاسة الحكومة لإزالة أي شكوك عالقة. بعد ملاحظات تمهيدية حول أهمية 'العرق' ، وعدهم 'بتوسيع المساحة المعيشية للشعب الألماني بالأسلحة  التي كانت في متناول اليد'. قال إنه كشرط مسبق ، 'يجب قمع كل رأي تخريبي بأقوى طريقة ممكنة' ، و 'يجب تدمير الماركسية بالكامل'.

بقرارهم بشأن هتلر ، استجاب رأس المال والجيش لأزمة الرأسمالية  الألمانيةالتي لا يمكن حلها. نظراً لحصرها في وسط أوروبا ، إذلا يمكن للصناعة الألمانية الديناميكية أن تتوسع إلا من خلال الغزو العنيف. لهذا ، كان لا بد من قمع الصراع الطبقي وسحق الحركة العمالية.

لنفس السبب ، يتم الترويج للقوى الفاشية مرة أخرى اليوم. وليس فقط في ألمانيا ، حيث يجلس البديل الفاشي لألمانيا (AfD) في البرلمان ويملي الخط الحكومي بشأن اللاجئين والسياسة الداخلية إذ يتصف جمهوريو ترامب في الولايات المتحدة وأنصار بولسونارو في البرازيل بسمات فاشية واضحة. في إيطاليا ، كما يرأس ورثة موسوليني الحكومة.

دفعت عربدة الإثراء خلال السنوات الأخيرة العداء الطبقي إلى نقطة الانهيار. يمتلك بضع عشرات من الأفراد ثروة تفوق ما يمتلكه النصف الأفقر من البشر. كما أثرى الممثلون الأثرياء من الطبقة الوسطى ، جماعة الـ 10 في المئة  في قمة الهرم، وهم يشكلون  اليوم أهم قاعدة اجتماعية للعسكرة.و على النقيض من ذلك ، انخفضت مستويات معيشة الطبقة العاملة بشكل كبير ، وأصبحت ظروف العمل لا تطاق على نحو متزايد ، وتتزايد الاحتجاجات والإضرابات في جميع أنحاء العالم.

هذا هو الأساس الموضوعي لمحاربة الحرب والفاشية. في عام 1933 ، كان بإمكان 13 مليون ناخب SPD و KPD إيقاف هتلر. كانوا مستعدين للقتال ، لكن قادتهم خذلوهم. رفض الحزب الاشتراكي الديمقراطي بشكل قاطع القتال وبدلاً من ذلك ناشد الدولة وهيندنبورغ. و تحت تأثير ستالين ، انتهج الحزب الشيوعي الألماني سياسة سخيفة وعاجزة. أطلق الحزب الشيوعي الألماني على الحزب الاشتراكي الديمقراطي اسم 'الفاشيين الاشتراكيين' ورفض تشكيل جبهة موحدة ضد النازيين.

كتب ليون تروتسكي، الذي ناضل بلا كلل من أجل سياسة الجبهة المتحدة: 'كانت البروليتاريا الألمانية قوية بما يكفي ، من حيث العدد والثقافة ، لتحقيق هدفها ، لكن قادة الطبقة العاملة أثبتوا أنهم عاجزين'.

كما كان الحال قبل 90 عاماً ، فإن الحركة الاشتراكية المستقلة للطبقة العاملة العالمية  هي الوحيدة القادرة على أن توقف تقدم الفاشية والعسكرة ولهذا تقوم اللجنة الدولية للأممية الرابعة وفرعها الألماني ، Sozialistische Gleichheitspartei ، SGP ، ببناء الحزب السياسي الذي يمكن أن يقود مثل هذه الحركة.

Loading