العربية

كارثة الزلزال في تركيا وسوريا ودور الإمبريالية الألمانية

نُشر هذا المقال في الأصل باللغة الإنجليزية في 9 مارس 2023

في تعليق سابق ، وصف موقع الاشتراكية العالمية كارثة الزلزال الكبرى التي هزت مناطق واسعة من جنوب تركيا وشمال سوريا في أوائل فبراير بأنها 'لائحة اتهام مدمرة للرأسمالية العالمية'. فبينما تنفق الحكومات في جميع أنحاء العالم موارد هائلة على إعادة التسلح والحرب ، لكنها تتجاهل الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للجماهير العريضة من السكان ولم يُمنح ضحايا الزلزال سوى مساعدات تافهة.

تلعب الإمبريالية الألمانية دوراً حقيراً بشكل خاص في هذا الصدد. حتى الآن ، تعهدت الحكومة الألمانية بتقديم 108 ملايين يورو فقط لدعم أولئك الذين يعيشون في المنطقة المتضررة. قارن هذا المبلغ بمبلغ 100 مليار يورو الذي تم توفيره بين عشية وضحاها تقريباً لتمويل أكبر عملية إعادة تسليح عسكرية في ألمانيا منذ زمن هتلر ، التي أعلن عنها قبل عام المستشار شولتز (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) في خطابه الشهير 'حقبة السياسة الخارجية الجديدة'. المبلغ المخصص للإنفاق الإضافي على الجيش الألماني يزيد بنحو ألف مرة عن المبلغ المخصص لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا!

قبل أسبوعين تقريباً ، سافرت وزيرة الخارجية أنالينا بربوك (حزب الخضر) ووزيرة الداخلية نانسي فيسر (SPD) إلى منطقة الزلزال للتظاهر بالتعاطف مع الضحايا.

وأعلنت بربوك أن 'تعاطفنا لم يستنفد بالكلمات' ، مضيفة أن مثل هذا التعاطف لن ينحسر حتى لو تم استبدال الكارثة وعواقبها بعناوين أخرى في الأخبار.

كما عبرت زميلتها فيسر على نحو أكثر رياءً: 'إن رؤية الدمار الذي لا يمكن تصوره والمعاناة اللامتناهية التي سببها هذا الزلزال في تركيا وسوريا تدمع قلوبنا'. قالت وزيرة الداخلية إنه كان من المهم للغاية أن تقدم الحكومة الألمانية مساعدة فورية وشاملة بالتنسيق الوثيق مع السلطات التركية.

من حاولت بربوك وفايسر الخداع بدموع التماسيح؟ تتخلى الحكومة الألمانية ببرود عن الناس في تركيا وسوريا  وتدعهم لمصيرهم. إن التمويل الخاص الذي قدمته الحكومة لتصعيد حرب الناتو ضد روسيا في أوكرانيا سيكون كافياً لإصلاح أسوأ الأضرار الناجمة عن الزلزال وأيضاً تقديم مساعدة كبيرة لإعادة الإعمار.

ووفق البنك الدولي ، فإن الأضرار المادية التي سببها الزلزال ، الذي تسبب في فقد عدد لا يحصى من الناس لجميع ممتلكاتهم ، تصل إلى 34.2 مليار دولار أمريكي على الأقل (حوالي 32.4 مليار يورو) في تركيا. أما بالنسبة لسوريا ، تقدر الأضرار التي لحقت بالممتلكات بنحو 5.1 مليار دولار أمريكي (حوالي 4.8 مليار يورو)، على الرغم من أن هذا الرقم مؤقت. وتقدر تكاليف إعادة الإعمار في كلا البلدين بنحو ضعف هذا المبلغ. على الرغم من أن الهزات الارتدادية الشديدة قد تستمر في زيادة الأضرار التي تلحق بالممتلكات (وكذلك المعاناة الإنسانية) ، فمن المحتمل ألا يتم استنفاد الـ 100 مليار يورو.

إن المبلغ الذي تعهدت به الحكومة الألمانية حتى الآن لضحايا الزلزال هو مجرد قطرة في محيط ، في الوقت نفسه تطالب الطبقة الحاكمة في ألمانيا بالمزيد من أجل إعادة التسلح. يتم تسليم المزيد والمزيد من الأسلحة الثقيلة إلى كييف من أجل حرب الناتو ضد روسيا ، كما كشف شولتز في بيان حكومته في ذكرى خطابه 'العهد الجديد'.

إن المأساة الإنسانية للكارثة أخطر بكثير من الأضرار المادية: فوفقاً للتقديرات الحالية ، فقد توفي حتى الآن 53000 شخص. في تركيا ، كما تم تأكيد 45،089 حالة وفاة و 8،476 في سوريا. يتم إضافة المزيد من الضحايا كل يوم ، ومن المرجح أن يكون عدد الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها أعلى بكثير من الأرقام الرسمية لكلا البلدين. وفي الوقت نفسه ، تعاني منطقة بأكملها من التشرد والجوع والظروف المناخية المعاكسة. ويضطر الكثير من البشر إلى الصمود في ملاجئ الطوارئ أو حتى في الخيام.

يرغب العديد من الأشخاص في ألمانيا في مساعدة أقاربهم في المنطقة المتضررة في تركيا ، لكن 'إجراءات التأشيرة العملية المبسطة' المفترضة من قبل وزارة الخارجية الألمانية تبدو مزحة سيئة. فبالتعاون مع وزارة الداخلية ، يُفترض بهذا الإجراء تمكين الأقارب من منطقة الكارثة من السفر إلى ألمانيا بسرعة.

أما قائمة الوثائق المطلوبة ، والتي تم تقليصها 'إلى الحد الأدنى' وفق مصادر وزارة الخارجية ، فهي قائمة مثيرة للسخرية في ضوء الوضع على الأرض. من أجل تنفيذ الإجراء بنجاح ، من المتوقع أن يقدم ضحايا الزلزال المستندات التالية:

  • استمارة طلب رسمية
  • جواز سفر تركي ساري المفعول
  • التأمين الصحي لمنطقة شنغن
  • صورة جواز السفر البيومترية
  • خطاب التزام من قريب من الدرجة الأولى أو الثانية
  • نسخة من بطاقة الهوية / جواز السفر ، وإذا أمكن ، تصريح إقامة الشخص المدعو
  • إثبات الإقامة (الذي يجب أن يكون في منطقة الزلزال وقت وقوع الكارثة)
  • إثبات العلاقة
  • وصف كتابي لحالة الطوارئ
  • تواقيع / موافقة موثقة من الوالدين في حالة القصر

لا تقتصر متطلبات وزارة الخارجية على أنها إهانة إضافية للأشخاص المصابين بصدمات نفسية من منطقة الزلزال التركية الذين يحاولون إنقاذ حياتهم ؛بل إن العوائق الفعلية والبيروقراطية تجعل من المستحيل ببساطة تلبية متطلبات عملية الحصول على التأشيرة.

تم استبعاد ترتيب خاص لأولئك الذين فقدوا وثائق سفرهم تحت أنقاض منازلهم السابقة - وهو أمر مرجح في الغالبية العظمى من الحالات - من قبل وزارة الخارجية. في مثل هذه الحالات ، يجب أن يعتمد المتضررون على التعاون (غير المحتمل) من السلطات التركية.

بالإضافة إلى ذلك ، يجب إرسال إعلان التزام الأقارب في ألمانيا كنسخة إلى عنوان موجود لمقدم الطلب في تركيا - وهو تعهد ميؤوس منه تماماً نظرًا للدمار على الأرض. الأمر نفسه ينطبق على نسخة وثيقة هوية الشخص المدعو.

في غضون ذلك ، توجهت العائلات في ألمانيا بالسيارة إلى منطقة الزلزال الخطير لإحضار المستندات المطلوبة لأقاربهم شخصياً. الطريق من برلين إلى مدينة غازي عنتاب المدمرة بالكامل في تركيا لا يقل عن 3635 كم.

علاوة على ذلك ، لا تعرف العديد من العائلات ذات الأصل التركي في ألمانيا ما إذا كانت ستتمكن من تحمل العبء المالي (حالياً يصل إلى 500 يورو لكل شخص شهرياً) التي تأتي مع إعلان الالتزام وإلى متى ستتمكن من ذلك. يُظهر الطلب الشرير لوصف المحنة الشخصية لمقدم الطلب كتابةً اللامبالاة المطلقة التي تنظر بها الطبقة الحاكمة الألمانية إلى منطقة الزلزال.

تأثر حوالي 20 مليون شخص في تركيا بالزلزال ، وفقاً لوزارة الخارجية الألمانية ، ولكن تم إصدار 1097 تأشيرة لمدة ثلاثة أشهر فقط حتى الآن بموجب الإجراء 'المبسط' للمواطنين الأتراك. حصل  فقط 159 شخصاً ، نصفهم تقريباً من سوريا ، حصلوا على تأشيرة لغرض لم شمل الأسرة.

ضحايا الزلزال في سوريا مستثنون من إجراءات التأشيرة 'المبسطة' ظاهرياً لقد سُمح لهم بإجراءات مبسطة ظاهرياً للحصول على إقامة دائمة في ألمانيا ، ولكن في الواقع ، فإن العقبات أعلى من تلك التي يواجهها أولئك الذين يحاولون الهجرة من تركيا.

يجب على أولئك الذين يرغبون في الاستفادة من إجراءات التأشيرة ، بالإضافة إلى امتلاكهم الوسائل المالية للسفر إلى لبنان أو الأردن أو اسطنبول ، الشروع في رحلة كانت شبه مستحيلة بالفعل قبل الزلازل. (لا تزال السفارة الألمانية في دمشق مغلقة). فقط في حالات استثنائية يمكن حتى عبور الحدود السورية التركية.

تتحمل الطبقة الحاكمة الألمانية نصيباً هائلاً من المسؤولية عن حقيقة أن سوريا قد غرقت في كارثة اجتماعية أعمق بسبب الزلازل وأن المساعدات الضرورية لم تصل. فمنذ عام 2011 ، دعمت الحرب بهدف تغيير النظام في سوريا ، وهي حرب أودت بحياة مئات الآلاف وأجبرت الملايين على الفرار ودمرت أجزاء كبيرة من البلاد.

في ذلك الوقت ، دعمت الحكومة الألمانية آنذاك بقيادة أنجيلا ميركل عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا ، التي تم تمديدها كل عام منذ ذلك الحين. فوفقاً لمنظمة الإغاثة Malteser International ، فإن هذه العقوبات تزيد من صعوبة توصيل المساعدات اليوم إلى منطقة الزلزال.

تفاخرت وزارة الخارجية الألمانية في بداية شباط (فبراير) بأن العقوبات أخذت في الاعتبار الحاجة إلى تجنب 'العواقب السلبية من أي نوع على السكان المدنيين'. هذا كذب فاضح. ونتيجة للعقوبات ، فإن التحويلات المصرفية المباشرة ، على سبيل المثال ، التي يمكن استخدامها لدعم الأقارب على الأرض ، محظورة. ولا يمكن ضمان أي نوع من الرعاية الطبية في المستشفيات لأنه لا يمكن دفع ثمن المعدات أو قطع الغيار أو الأدوية عن طريق التحويل المصرفي.

Loading