العربية
Perspective

بنادق أبريل

2022 نُشرت هذه المقالة في الأصل باللغة الإنجليزية في الأصل باللغة الإنجليزية في 27 أبريل

شرعت الولايات المتحدة وقوى الناتو في أوروبا في سلسلة من الأحداث التي تقودإلى الحرب العالمية الثالثة.

ففي عملها الشهير حول اندلاع الحرب العالمية الأولى ، The Guns of August ، وصفت باربرا توكمان كيف أن سوء التقدير ، والاعتقاد السائد في صراع قصير وقابل للربح ، والمناورات التكتيكية التي لا رجعة فيها من الاحتمالات المشروطة ، والأخطاء ، والالتزامات التي  تراكمت و دفعت القوى الإمبريالية عمال أوروبا إلى شرك الخنادق ومذابح الحرب العظمى.

تتكشف ديناميكية مماثلة في الصراع بين الولايات المتحدة والناتو مع روسيا. إن مدافع الهاوتزر التي زودت بها الولايات المتحدة أوكرانيا، والنشر الهائل للأسلحة فيها تدل على أصوات البنادق في أبريل.

في منتصف شهر مارس ، صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا وتكراراً أنه لن يسمح بالصراع المباشر بين الولايات المتحدة وروسيا ، لأن 'ذلك سيعني الحرب العالمية الثالثة'. بعد شهر ، هذا بالضبط ما تفعله إدارة بايدن.

يوم الثلاثاء ، ترأس وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكين اجتماعاً لممثلي أربعين دولة في مجلس حرب جمعته واشنطن في قاعدتها الجوية رامشتاين ا في ألمانيا ، مقر القوات الجوية الأمريكية في أوروبا و القيادة الجوية لحلف الناتو.

أكد أوستن ،  بعد زيارة إلى كييف التي مزقتها الحرب ، أن الحرب في أوكرانيا هي حرب بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من جهة وروسيا من جهة أخرى. أعلن أوستن أن واشنطن ستعقد كل شهر للمضي قدماً اجتماعاً دولياً مشابهاً لشخصيات عسكرية رفيعة المستوى،  والتي أطلق عليها مجموعة الاتصال الأوكرانية، 'للتركيز على كسب' الصراع مع روسيا.

أهداف الحرب واضحة الآن. لم يتم استفزاز إراقة الدماء في أوكرانيا للدفاع عن حقها التقني في الانضمام إلى حلف الناتو ، بل تم إعدادها وتحريضها وتصعيدها بشكل كبير بهدف تدمير روسيا كقوة عسكرية كبيرة والإطاحة بحكومتها. أوكرانيا هي بيدق في هذا الصراع ، وسكانها علف للمدافع.

تم تنظيم مجلس حرب رامشتاين لرسم المرحلة التالية في هذا المخطط. فقبل الاجتماع وبعده ، أعلنت الولايات المتحدة وقوى الناتو الأخرى عن نشر أسلحة متطورة في أوكرانيا ، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والدروع والطائرات التكتيكية بدون طيار.

أعلن أوستن أن مجموعة الاتصال يجب أن 'تتحرك بسرعة الحرب'. وفقاً لهذا الاتجاه ، أعلنت ألمانيا يوم الثلاثاء أنها ستسلم عددًا غير محدد من دبابات المدفع المضادة للطائرات من طراز Flakpanzer Gepard ، بينما ذكرت كندا أنها سترسل M777 Howitzers ، والشحنات المضادة للدبابات والمركبات المدرعة. لاحظت مجلة القوات الجوية أن ' يبدو أن التمييز الذي حد من الأسلحة التصعيدية' ، الذي كان قائماً في الأسابيع الأولى من الحرب ، قد تلاشى'.

كما تلاشى التظاهر بأن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ليسا في حالة حرب مع روسيا إذ صرح القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا بن هودجز يوم الأحد أن هدف الولايات المتحدة في الصراع هو 'تحطيم ظهر' روسيا.

ورد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ، متهماً الولايات المتحدة بالضغط على الحكومة الأوكرانية لتخريب محادثات السلام وبشن حرب بالوكالة في أوكرانيا. وحذر من وجود خطر 'جدي وحقيقي' من نشوب حرب نووية. ورفض أوستن تحذير لافروف ووصفه بأنه 'خطير وغير مفيد'.

ما هذا الهراء! تجمع واشنطن معسكراً حربياً وتقول إنها تهدف إلى 'كسر ظهر' روسيا وحين ترد روسيا بأن مثل هذه اللغة والأهداف تزيد من خطر نشوب حرب نووية ، تعلن واشنطن أن هذا… غير مفيد.

أوضحت الولايات المتحدة أنها تهدف إلى سحق روسيا والإطاحة بحكومتها. في مواجهة مثل هذا التهديد الوجودي ، يصبح استخدام الأسلحة النووية تكتيكاً مطروحاً من قبل الفئة الحاكمة الروسية ينبغي النظر فيه. واشنطن عازمة على كسب الحرب ، وحكومة بوتين مصممة على منع حدوث ذلك و لا مخرج لأي طرف سوى التصعيد. كان لافروف محقاً في واقع الأمر: الحرب النووية خطر حقيقي وخطير.

ظهرت القوى الدافعة الحقيقية وراء الحرب في سياق الصراع. دفعت الولايات المتحدة وقوى الناتو روسيا إلى غزو أوكرانيا ، رافضة التفاوض بشأن مطلب روسيا بعدم جعل أوكرانيا عضواً في الناتو. وصفت روسيا غزوها بأنه عملية خاصة ، مشيرة إلى أنها تنوي القيام بمناورة تكتيكية محدودة لتحقيق الاستقرار في موقعها في المنطقة.

ومع ذلك ، لن تسمح الولايات المتحدة بمثل هذا الترتيب وسعت إما إلى إغراق روسيا في مستنقع 'احتلال طاحن' ، أو تنظيم هزيمتها. ولهذه الغاية ، عملت واشنطن على تقويض كل الجهود للتوصل إلى تسوية تفاوضية. لقد أدى خطاب واشنطن الذي برر هذه السياسة إلى تعميق الصراع. اتهم بايدن بوتين بارتكاب جرائم حرب ، ثم إبادة جماعية ، ودعا إلى تغيير النظام في موسكو. إن كل صياغة جديدة لها طابع تصعيد لا رجعة فيه ، هي نقرة على زناد الحرب.

على الرغم من الشحن الهائل والمتزايد للمعدات العسكرية إلى أوكرانيا، إذ شحنت واشنطن منذ بداية الحرب أسلحة تجاوزت قيمتها أكثر من 3.7 مليار لكن لم يكن النظام في كييف قادراً على تنظيم الهزيمة الحاسمة لروسيا. يتمثل الخطر ، من وجهة نظر الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ، في أن روسيا ستكون قادرة على تعزيز سيطرتها على شرق أوكرانيا وساحل البحر الأسود. إذا لم تتقدم القوات الأوكرانية ، فإن الأفضلية، على الأقل من وجهة نظر عسكرية ، تتحول إلى روسيا.

تطور الصراع ، الذي بدأ في المكتب البيضاوي وتم تداوله في الكرملين ، ليصبح بشكل متزايد في أيدي العسكريين ويصل إلى نقطة اللاعودة. تتطلب الهزيمة الحاسمة لروسيا في الصراع مشاركة أكثر مباشرة من قبل قوى الناتو نفسها ، بما في ذلك نشر القوات.

رهنت الولايات المتحدة من خلال شحنات الأسلحة والإعلانات الكاسحة ومجالس الحرب  مصداقيتها بالكامل لصالح هزيمة روسيا في هذا الصراع. كما  أعلن أوستن يوم الثلاثاء أن 'المخاطر تتجاوز أوكرانيا بل وتتجاوز أوروبا'. إن مصير الهيمنة الأمريكية ، بما في ذلك مصداقية تهديداتها ضد الصين ، في الميزان. وهكذا أصبحت القرارات المتهورة التي تتخذها واشنطن المنطلق الرئيسي لمنطق المزيد من التصعيد.

تجر واشنطن وراءها القوى الكبرى في أوروبا ، وهي تحشد بغطرسة الإمبراطورية ، معسكراً حربياً في القارة. كانت بريطانيا متواطئة بشدة في كل خطوة تصعيدية ، وتتولى ألمانيا وفرنسا الأدوار الموكلة إليهما. تجمع واشنطن المتآمرين العسكريين في قاعدة جوية أمريكية في ألمانيا ، البلد الذي أطلق في السابق عملية بربروسا ، وهي تعد الألمان متفرجين لا أكثر ، و هي تخطط لحربها مع روسيا.

إن قادة القوى الإمبريالية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة ، يتقدمون بتهور يقترب من الجنون الإجرامي. لكنه تهور ينشأ من المصالح الطبقية ومنطق الأزمة الرأسمالية. إن الدافع وراء تصعيد الصراع لا يقتصر على المصالح الجيوسياسية فحسب ، بل والأهم من ذلك هو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المستعصية في كل دولة رأسمالية كبرى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

كما كان الحال مع الحرب العالمية الأولى ، فإن التناقضات نفسها التي أدت إلى نشوب حرب إمبريالية توفر أيضاً الدافع للثورة الاشتراكية العالمية. حتى مع تطور الحرب ، تندلع الاحتجاجات الجماهيرية ونضالات الطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم ، تغذيها الزيادة في التضخم والمستويات غير المسبوقة تاريخياً من عدم المساواة الاجتماعية.

يتم تنفيذ خطط الحرب العالمية بالكامل من وراء ظهور السكان. يجب تنبيه العمال إلى الخطر ، ودمج النضالات المتزايدة في جميع أنحاء العالم بالنضال ضد الحرب الإمبريالية ونظام الدولة القومية الرأسمالي.

عيد العمال 2022: من أجل وحدة الطبقة العاملة ضد الحرب الإمبريالية!

أصدر ديفيد نورث ، رئيس مجلس تحرير WSWS الدولي ، دعوة للتجمع عبر الإنترنت في عيد العمال: 'يجب ألا يترك مصير البشرية في أيدي الطبقة الحاكمة المجنونة بالمال والمتاجرة بالحرب'.

Loading